التعليم: قوة داعمة لأهداف التنمية المستدامة

التعليم
shutterstock.com/Ole.CNX
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في عام 1990 قال نيلسون مانديلا: “إن التعليم هو أقوى سلاح يمكننا استخدامه لتغيير العالم”، لكن ماذا يعني ذلك بالنسبة لأهداف التنمية المستدامة؟ وكيف يسهم التعليم في خلق مستقبل مستدام؟

التعليم أساس التنمية

تمثل أهداف التنمية المستدامة المُراد الوصول إليها عام 2030 تحدياً كبيراً ليصبح المجتمع أكثر عدالة وشمولية، مع الحفاظ على البيئة والنمو الاقتصادي في الوقت نفسه، الأمر الذي رسم معايير عالية لبناء مستقبل أفضل، فالفقر وتغير المناخ والأمن الغذائي جميعها قضايا مرتبطة بالتنمية المستدامة تجب معالجتها، ويؤدي التعليم دوراً فعالاً في ذلك.

إذ تساعد كفاءة التعليم على تحسين المستوى المعيشي للأفراد عبر تزويدهم بالمعرفة والمهارات والقيم والسلوكيات اللازمة لتشكيل مستقبل أكثر استدامة، ليصبح التعليم شرطاً مسبّقاً للقضاء على الفقر وتحقيق النمو الاقتصادي وتعزيز المساواة والإنصاف، خاصة في الدول النامية، ويسهم التعليم أيضاً في مواجهة التغير المناخي والحفاظ على التنوع البيولوجي من خلال تعلم مبادئ الاقتصاد الدائري واكتشاف التكنولوجيا النظيفة وحلول الطاقة المتجددة، والتوعية بأهمية التحول إلى عمليات إنتاج واستهلاك أكثر استدامة.

عندما يفتح التعليم الآفاق أمام زيادة فرص كسب العيش، فإنه يسهم في الحد من الصراعات والنزوح والتطرف والعنف، كما يحمي التفكير النقدي ومحو الأمية الأفراد والمجتمعات من خطاب الكراهية وتوجيه الآراء، ما يدعم التماسك الاجتماعي والديموقراطية. فنلاحظ أن أي هدف تنموي في خطة 2030 يتطلب الكفاءة ورأس المال البشري وهو ما يضمنه التعليم.

إن التحدي الثلاثي العالمي المتمثل في الفقر والحروب والتدهور البيئي يمكن التصدي له بحسب التقرير العربي العاشر للتنمية الثقافية الصادر عن مركز الفكر العربي عبر اتخاذ سياسات سليمة، والعمل بوسائل متعددة، أهمها المعرفة والإبداع، فالتعليم قادر على صياغة المفاهيم والقيم وتزويد الأفراد بالأدوات التي تساعد على تحسين سبل عيشهم وجعل النُظم الاقتصادية والغذائية أكثر شمولاً ونفعاً للمجتمعات.

يقود التعليم الجيد إلى التحرر الفكري ويزيد من وعي الأفراد بأهمية المشاركة في تنمية المجتمع ونهوضه، وبالتالي يعمل على توسيع نطاق المعرفة الشاملة والمتعددة الجوانب وتغيير طريقة تحليلهم للمشاكل ومواجهتها.

وبالتالي، فإن تحقيق التنمية المستدامة لا يتطلب حلولاً تكنولوجية وموارد مالية وتطويراً للأنظمة السياسية والمجتمعية فقط، إنما يرتبط أكثر بتغيير طريقة تفكيرنا والعمل عليها، وبناء مجتمع متعلم يزخر بالموارد البشرية المؤهلة لإدارة عملية التنمية والمشاركة فيها بفعالية وكفاءة.

فكيف يسهم التعليم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة؟

القضاء على الفقر. إن امتلاك الأفراد لكل من المهارات والمعرفة يزيد من فرص حصولهم على العمل اللائق والإسهام في التقدم الاقتصادي لمجتمعاتهم، وتدريب الموارد البشرية في المناطق الريفية النائية سيزيد من الإنتاج الزراعي وفرص العمل خارج قطاع الزراعة أيضاً.

القضاء على الجوع. هذا الهدف مرتبط بسابقه، إذ يمكن تحسين رفاه الأسر المحدودة الدخل من خلال تعزيز أمنها الغذائي، وتحقيق العدالة والمساواة في توزيع الأراضي وإمكانية وصول صغار المنتجين والسكان الأصليين إلى المعلومات والأدوات التكنولوجية والموارد والأسواق التي تساعد على مضاعفة الإنتاج الزراعي وزيادة كفاءته.

المساواة بين الجنسين. توفر المؤسسات التعليمية إمكانيات كبيرة لتعزيز المساواة بين الجنسين والتنوع والاندماج الاجتماعي، عبر تقديم فرص متساوية للوصول إلى المعرفة وتنمية المهارات، ووجد تقرير اليونسكو، أن تثقيف الفتيات والنساء أحد أفضل الطرق لتحسين التكيف المجتمعي مع تحديات المناخ.

ويمتد أثر التعليم إلى أهداف تنموية أخرى قائمة أيضاً على فكرة التنوع والدمج الاجتماعي لكل الفئات والأقليات، وهي الهدف 8 “العمل اللائق ونمو الاقتصاد”، والهدف 9 “الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية”، والهدف 10 “الحد من عدم المساواة”، والهدف 11 “مدن ومجتمعات محلية مستدامة”، والهدف 16 “العدل والسلام والمؤسسات القوية”.

طاقة نظيفة وبأسعار معقولة. يؤدي التعليم دوراً بالغ الأهمية في الانتقال إلى الطاقة المتجددة، من خلال زيادة المعرفة بالتكنولوجيا وتوفير موظفي الدعم الفني المدربين لتركيب أنظمة الطاقة المتجددة وإصلاحها وصيانتها، وكذلك خلق مجموعة من الباحثين القادرين على مواصلة التقدم التكنولوجي في مجال الطاقة النظيفة.

الاستهلاك والإنتاج المسؤولان. إن المؤسسات التعليمية التي تختار دمج التعليم من أجل التنمية المستدامة في مناهجها الدراسية ستزيد من قدرة المتعلمين على “فعل المزيد بموارد أقل“، لأن إحدى سمات التعليم من أجل الاستدامة هي تغيير السلوك وإعداد أفراد واعين ومسؤولين اجتماعياً وبيئياً ما يساعد على تحقيق الهدف 13 “العمل المناخي” والهدف 14 “الحياة تحت الماء”، والهدف 15 “الحياة في البر”.

الشراكات من أجل الأهداف. تتطلب التنمية المستدامة مشاركة مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة، بما في ذلك القطاع الخاص والحكومات والمجتمع المدني، وأيضاً المؤسسات التعليمية التي تعد جزءاً أساسياً لبلوغ هذا الهدف، فالتعاون مع الجامعات لإنتاج المعارف العلمية والتكنولوجية والاجتماعية والاستفادة منها ونشرها بين الأجيال المقبلة يساعد على تشخيص التحديات المجتمعية وإيجاد الحلول المناسبة لها، وكذلك دراسة الصعوبات والمخاطر التي تواجه عملية تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، والمشاركة البحثية الفعّالة في قياس جهود الحكومات والتنظيمات المجتمعية الدولية في هذا الإطار.

منظومة تعليمية متطورة من أجل دور تنموي أكبر

على الرغم من التقدم غير المسبوق في الوصول إلى التعليم خلال العقود القليلة الماضية، حيث يلتحق أكثر من 90% من الأطفال في سن التعليم الأساسي بالمدرسة، لا يزال نحو 60 مليون طفل لا يحصلون على التعليم الأساسي، وقُرابة واحد من كل خمسة أطفال وشباب تتراوح أعمارهم بين 6 و17 سنة في العالم لا يلتحقون بالمدرسة. مع الأخذ بالاعتبار أن تحسين إمكانية الوصول إلى التعليم لا ينعكس على جودته. فكيف نزيد من قوة التعليم لبلوغ أهداف التنمية المستدامة؟

تعاني منظومة التعليم في البلدان النامية، ومنها العربية، عدةَ تحديات، أبرزها ضعف التمويل اللازم لإتاحة الخدمات التعليمية، إذ تواجه هذه البلدان بالفعل فجوة في التمويل المرصود للتعليم بلغت 1.5 تريليون دولار سنوياً، لذا يجب زيادة الميزانيات المخصصة للتعليم والحفاظ عليها، من خلال إدارة الديون وحزم التحفيز والمساعدات الإنمائية الرسمية.

لا يمكن أن تؤتي مبادرات التعليم ثمارها إن لم تكن موجهة للفئات الأكثر عرضة لخطر التخلّف عن الركب، نتيجة الأزمات والصراعات، أو بسبب انتمائها إلى أقليات، كالمشردين وذوي الهمم.

مع تسارع وتيرة التطور التكنولوجي الذي يقدم لنا حلولاً جديدة للتحديات الراهنة أو المستقبلية، لا بد من التركيز على البحث العلمي في المجالات الاجتماعية والإنسانية لاكتشاف المزيد من الأدوات المبتكرة وتحويل مسار التطور التكنولوجي لمعالجة المشكلات المرتبطة في بناء العدالة والأمن والسلام والتفاوتات بين الشعوب والبلدان.

تتجاوز قوة التعليم اعتباره أحد أهداف التنمية المستدامة، ما يتطلب فهماً أوسع لدوره في تشكيل معارف الأفراد وقدراتهم على التصرف والنقد، وتمكينهم وتشجيعهم على ممارسة دورهم تجاه المجتمع والبيئة.

يمكن تلخيص ما سبق بحكمة صينية تقول: “إن أفضل استثمار مدة عام هو زراعة الحبوب؛ وأفضل استثمار لعشر سنوات هو زراعة الأشجار؛ وأفضل استثمار لمدى الحياة هو تثقيف الناس”. فلا نستطيع التقدم في مسار التنمية المستدامة إلا إذا توافرت الموارد البشرية المؤهلة.