إهمال الاستدامة قد يحرمك من الجيل الجديد من المستهلكين

قطاع تجارة التجزئة
shutterstock.com/Lightspring
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

سواء كان المستهلك مدركاً لمفهوم “الاستدامة” بشكل شامل أم لا، فقد أصبح يشكل بالنسبة له أهمية أكبر بكثير مما يظنه الكثيرون في قطاع تجارة التجزئة. وفيما يتزايد العالم ترابطاً واتصالاً، تؤدي المساحات الفاصلة بين الأجيال دوراً متزايد الأهمية في تحديد التوجهات الجديدة للمستهلكين، والتي تشكّل الاستدامة قلبها النابض.

الاستدامة من وجهة نظر المستهلك

سيشكل جيل الألفية وجيل زد النسبة المسيطرة من المستهلكين مستقبلاً، إذ يوجهون أنشطتهم التسويقية بما يتوافق وقيمهم الشخصية الخاصة بالاستدامة والبيئة، وباتوا يفرضونها على كل مَن يتعاملون معهم في قطاع تجارة التجزئة. وهم بذلك الأكثر احتمالاً لتجنب التعامل مع الشركات التي تتعارض أفعالها مع قيمهم الشخصية التي تخص البيئة.

بحسب تقرير حديث لشركة ديلويت (Deloitte) للخدمات المهنية؛ يحرص 90% من جيل الألفية وجيل زد على خفض بصمتهم الكربونية، ويتوقعون من الشركات بذل المزيد فيما يتعلق بجهود الاستدامة وتغيّر المناخ ومنح تلك القضية أولوية أكبر ضمن خططهم الحالية والمستقبلية. وذلك من خلال ممارسات مثل حظر المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، وتوفير التدريب اللازم لمساعدة أفراد المجتمع على اتخاذ قرارات بيئية أفضل، فيما اتفق أقل من 20% من أبناء جيل الألفية على أن الشركات التي يعملون بها ملتزمة باستراتيجيات الاستدامة فيما يخص أعمال الشركة والمجتمع بوجه عام.

هذه النسب يجب أن تمثل جرس إنذار بالنسبة للعاملين بقطاع التجزئة. إنها دليل على أهمية الاستدامة بالنسبة للمستهلكين، ولا سيما الشرائح الأصغر سناً. وإذا ما نجحنا في فهم ذلك، فمن المرجّح أن نوفق في تغيير قواعد اللعبة والحفاظ على ولاء قاعدة كبيرة من العملاء الذين تدفعهم وتحفّزهم “القيمة” قبل كل شيء.

قبول التحدي

يجب علينا ضمان عدم الاكتفاء بسرعة مواكبة توجهات المستهلكين وعاداتهم المتغيرة وحسب، بل أن نكون متقدمين بخطوة واحدة على الأقل، تمكننا من توقع احتياجاتهم وتوجهاتهم الجديدة. فالعملاء يطالبون اليوم بأن يكونوا جزءاً من الحوار حول الاستدامة. ويستخدمون قدرتهم الشرائية على نحوٍ متزايد لتحقيق ذلك وضمان وصول صوتهم وأن يلقى منّا آذاناً صاغية.

ويوجد العديد من دراسات الحالة التي توضح نشوء توجه يستجيب لتلك الأصوات، وأن تبنيها يعد سبيلاً لتحقيق النجاح، على سبيل المثال، طرحت شركة تيسكو (Tesco) البريطانية لتجارة التجزئة خطة تستهدف تطبيق الاستدامة على المدى الطويل، وتمكينها من تسليط الضوء على جهودها وأدائها ومراقبتها لأنشطتها وتحسينها بناءً على 4 ركائز أساسية هي: العملاء والمنتج والمجتمع والطبيعة. وذلك بهدف إحداث الفرق في قضايا تهم المستهلكين الجدد، منها التنوع والشمولية، والنُظم الغذائية الصحية والمستدامة، وتغيّر المناخ ومكافحة الجوع.

استراتيجية ماجد الفطيم للاستدامة

وبدورنا أطلقنا في ماجد الفطيم استراتيجية “الجرأة اليوم تعني تغيير المستقبل”، والتي تجمع كل أعمالنا في إطار واحد وشامل يقودنا جميعاً نحو الاستدامة، وهي الاستراتيجية التي تتوافق وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، ما يدعم تطلعاتنا لإحداث تأثير كبير من خلال عملياتنا وتفاعلنا مع جميع الأطراف ذات العلاقة الذين نتعامل معهم. وترتكز هذه الاستراتيجية إلى 3 أولويات أساسية تتمثل في تحويل الحياة، وإعادة التفكير في الموارد، وتمكين الموظفين. وقد نجحنا من خلال هذه الاستراتيجية البنّاءة، في إحداث تأثير إيجابي وملموس لصالح المجتمعات التي نتواجد فيها.

1. تحويل الحياة

لنتمكن من تخفيف مخاطر أعمالنا وإحداث تغيير إيجابي على مستوى سلسلة التوريد الخاصة بنا؛ أطلقنا “سياسة المشتريات المسؤولة” في عام 2020. ونعمل حالياً مع 20 من كبار موردي المواد الغذائية لدينا، لخفض إهدار الطعام بنسبة 50% بحلول عام 2023.

2. إعادة التفكير في الموارد

في إطار ركيزة إعادة التفكير في الموارد، جاءت استراتيجيتنا للاقتصاد الدائري “إطلاق قدرات القيمة”، والتي تعد علامة فارقة في مسيرة ماجد الفطيم. ومن خلال هذه الاستراتيجية، نهدف إلى تسخير نحو 4.5 تريليونات دولار أميركي في الناتج الاقتصادي، والتي يتوقع أن ينتجها الاقتصاد الدائري بحلول عام 2030.

3. تمكين الموظفين

يوفّر برنامجنا التدريبي الشامل ومعهد إعداد القادة التابع لماجد الفطيم فرص التطور الوظيفي لجميع الزملاء، ويضمن حصولهم على المهارات اللازمة للنمو والتكيّف مع بيئة العمل التي تتسم اليوم بأعلى مستويات الديناميكية.

ولتحقيق هذا الهدف، أطلقنا أيضاً “وحدة التعلم الإلكتروني المستدامة” التي يستفيد منها 15 ألف زميل يعملون في وظائف مكتبية في 16 دولة. كما قمنا بتدريب جميع زملائنا في الصفوف الأمامية من عملياتنا على مواضيع شتى متعلقة بالاستدامة، والتي تصب في مجال اختصاصهم، كي تشمل جميع مستويات عمل الشركة وجوانبها.

تحويل الطموح إلى واقع

شملت العديد من مبادراتنا شركاء من الجهات الحكومية في المنطقة. ففي مصر على سبيل المثال، عملنا مع جهاز تنمية المشروعات التابع لوزارة التجارة والصناعة لتسويق منتجات مشروعات الشباب الصغيرة ومتناهية الصغر في مختلف متاجر “كارفور” داخل مصر وخارجها؛ وذلك لمنحهم فرصة الاستفادة من الخدمات التسويقية المتعددة وتعزيز مشاركتهم بفاعلية في التنمية الاقتصادية. وهذه المبادرة تعد مثالاً لأهمية التعاون بين القطاعين العام والخاص في تحفيز التوريد من الشركات الصغيرة والمتوسطة المحلية.

وكتوجه عام، تلتزم شركة ماجد الفطيم توفير أكثر من 80% من منتجاتها في متاجر “كارفور” التابعة لها من موردين محليين على مستوى المنطقة، حتى تسهم عملياً في دعم المنتجين والموردين والعائلات المنتجة ومن ثم الاقتصادات المحلية.

أمّا البلاستيك فيشكّل بالنسبة لقطاع تجارة التجزئة قضية محورية أخرى على مسار ترسيخ الاستدامة. وقد فرض المجلس التنفيذي لإمارة دبي رسوم بقيمة 25 فلساً على الأكياس البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، ابتداءً من يوليو/تموز عام 2022؛ وذلك بهدف الحد من الاستخدام المفرط للمواد البلاستيكية، والتشجيع على اعتماد سلوكيات التسوق الأكثر استدامة، وبما يتوافق مع التزام ماجد الفطيم بالتخلص من الأكياس البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد في جميع عملياتنا بحلول عام 2025.

ولدينا في قطاع تجارة التجزئة مسؤولية مشتركة لمعالجة هذه المشكلة، من خلال التخلص التدريجي من الاعتماد على المواد البلاستيكية أحادية الاستخدام، وتحفيز البدائل المستدامة مثل الأكياس البيئية.

وإلى جانب خفض استخدام الأكياس البلاستيكية، نشأت العديد من المبادرات الموازية والداعمة لهذا الهدف، ومن بينها محطات إعادة تعبئة المنظفات الخالية من النفايات من شركة بلانيت بيور (Planet Pure) التي تشجّع على استخدام الحاويات القابلة لإعادة الاستخدام، وتعمل على تقليل الطلب على الحاويات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد. وهناك أمثلة كثيرة على هذه المقاربات الخضراء، منها توفير الفواكه والخضروات في متاجر التجزئة دون تعبئتها مسبقاً، ومحطات إعادة تعبئة الحبوب والمكسرات وغيرها في الحاويات القابلة لإعادة الاستخدام.

مؤخراً، بدأ تجار التجزئة تأسيس مفاهيم موازية لتجارة التجزئة في إطار التزامها بالاستدامة، مثل المزارع المائية التي يتم تأسيسها داخل المتاجر لإنتاج أنواع من الأعشاب الطازجة التي تترعرع أمام أعين العملاء خلال زيارتهم للمتجر. وهي بذلك لا تسهم وحسب في خفض البصمة الكربونية الناجمة عن النقل، إنما تستهلك مياهاً أقل بنسبة 90% مقارنة بطرائق الزراعة التقليدية، وفي الوقت نفسه، تنتج كميات أكبر من الأعشاب الطازجة الصغيرة يومياً داخل المتجر مباشرةً.

التركيز على مسار المستقبل

لم تعد هناك مساحة لتضليل المستهلكين فيما يخص معايير الاستدامة والممارسات البيئية والمعروفة اختصاراً بمصطلح “الغسل الأخضر“. فقد أصبح المستهلكون أكثر وعياً بالاستدامة الحقيقية كمطلب أساسي من تجار التجزئة الذين تقع على عاتقهم مسؤولية تحسين إمكانية الوصول إلى السلع المستدامة للجميع.

ونحرص داخل ماجد الفطيم على إجراء عمليات تدقيق سنوية وإصدار تقارير لرصد التقدم الحاصل على مسار الاستدامة، وآمل أن تشارك الشركات الكبيرة والصغيرة أيضاً في هذه الرحلة وأن ترصد وتقيس تقدمها.

ولا شك في أن مصير قطاع تجارة التجزئة أصبح اليوم أكثر ارتباطاً بمدى التزامنا بالاستدامة التي تعد قبل كل شيء، المسار الصحيح لمستقبلنا وكوكبنا. فهي فعلياً، أفضل استراتيجية عمل ستضمن لنا تحقيق الرخاء المستدام للأجيال الحالية والمستقبلية.