هذا المقال هو الجزء الأول من سلسلة حول الدور الذي لعبته القيادة للقطاعات المختلفة في إنعاش ديترويت.
حوار حول القيادة في ديترويت
جينيفر برادلي: أثناء التحضير لهذه المحادثة، كنت أفكر في مفهوم القيادة وما تعنيه حقاً، لا سيما في سياق ديترويت. ما لاحظته خلال سنوات عملي في هذا المجال هو قوة السياق البطولي؛ يقضي الناس الكثير من الوقت في البحث عن قائدٍ واحدٍ والأمل في إيجاده؛ سواء كان العمدة، أو مدير المدرسة، أو رياديّ الأعمال الذي يمكنه قلب المدينة؛ ولكن إذا نظرت إلى البحث حول حل المشكلات المعقدة والابتكار، فهذه المعطيات تشير إلى أنه نظراً لازدياد تعقيد المشكلة أو النظام، فأنت تحتاج إلى مزيدٍ من العقول لحل المشكلة.
لم يكن إفلاس ديترويت حدثاً حاصلاً بين ليلةٍ وضحاها، أو حتّى نتاج عامٍ واحدٍ؛ لقد استغرق حدوثه عقوداً طويلةً، كما أن المشكلة كانت أيضاً معقدةً للغاية، لذا فمن المنطقي أن القيادة اللازمة لحلّ هذه المشكلة يجب أن تكون متعددة الخبرات. عندما تفكر في السمات التي يجب على القادة تجسيدُها لمعالجةِ هذا النوع من المشاكل، يَصعُبُ تخيُّلُ العثورِ عليها جميعاً في شخصٍ واحدٍ. على سبيل المثال؛ ليس الأمر غالباً أن الأشخاصَ الحالمين هم أيضاً الذين يُركّزون بشكلٍ كبيرٍ على التنفيذِ الفعال، ولا يحدث في كثيرٍ من الأحيان أن يتمكّن القائمون على الاستراتيجية -أولئك الذين يحمون النظرةَ طويلة المدى- من التوصُّلِ أيضاً إلى نهجٍ جذريٍّ خارجَ الصندوق لمعالجةِ المُشكلة.
يقتضي المنطق إذاً أن تكون قصّة القيادة في ديترويت متعدّدة الأبطال، نتيجةً لكل ما ذُكِرَ سابقاً. بمجرّد أن نعترف بأهمية الجهود الجماعية، يُمكننا حينها المضيُّ قُدُماً، والتساؤل عمّا إذا كان فريقنا يَضمُّ كلّ الأفراد الذين نحتاجهم أم أنّنا أهملنا ضمَّ الأشخاص الذين قد يمتلكون معرفةً عميقةً بالمشكلةِ الحقيقيةِ، أو يمكنهم ابتكارُ الحلول الإبداعية من النوع الذي وُضِعَ لحلِّ مشكلةِ إفلاس ديترويت.
اقرأ أيضاً: مهارات القادة: إحداث الأثر
إنها فرصةٌ رائعةٌ لإجراءِ حوارٍ حولَ القيادةِ متعدّدة القطاعات والأشكال والأصوات ووجهات النظر المختلفةِ التي يُمكن أن تتّخذها. لدينا ريب رابسون؛ الرئيس والمدير التنفيذي لمؤسسة «كريسجي»؛ وماثيو كولين؛ الرئيس والمدير التنفيذي لشركة «روك فينتشرز»، وكيفن أور؛ شريك في «جونز داي» ومدير الطوارئ السابق لمدينة ديترويت خلال فترة الإفلاس، وجينيفر برادلي؛ منسقة الجلسة ومديرة مركز الابتكار الحَضَري التابع لمعهد أسبن. سأطلب من كلٍّ منكم التحدّثَ عن فكرةِ القيادة، ولماذا كانت القيادة الأوسَع أو القيادةُ المُوزَّعةُ مهمّةً لديترويت، وما الذي تعنيه لمدنٍ أخرى.
سأبدأُ معك كيفن. ما هي بعض السِّماتِ الجديدةِ أو غيرِ المألوفةِ التي رأيتَ قادةَ ديترويت يُظهِرُونَها خلال أزمة المدينة؟
كيفين أور: أولاً؛ كان هناك مستوىً عالٍ من المثابرة والالتزام. كان كلٌّ من مات وريب يعملون في هذا المجال لأكثر من عقدٍ من الزمن. ضخَّ ريب، مع زملائه في المجتمع الخيريِّ، أكثرَ من مليار دولار في ديترويت قبل 10 سنوات من إعلان حالة الطوارئ المالية، وجلب مات؛ الذي يعمل حالياً في «روك فينتشرز»، مهاراته القيادية التي اكتسبها من عمله في «جنرال موتورز»، كما قام بإنشاء طريق M-1 السريع، وإعادة تنشيط كل من منطقتي ديترويت ريفرفرونت و وودوورد افينيو. عندما يسأل الناس عن الدور الذي لعبه القادة في ديترويت، أجيب بالقول: تخيَّل كيف ستكون المدينةُ بدونهم. تخيَّل ريفرفرونت بدون توجيهات مات. تخيَّل الأحياء بدون «كريسجي»، بدون «فورد» أو «كيلوج» أو مؤسسة المجتمع لجنوب شرق ميشيغان.
ثانياً؛ كان هناك مستوىً عالٍ من الزمالة والتعاون في ذلك المستوى من القيادة الخيرية والتجارية والمدنية -حتى خلال بعض الظروف الصعبة للغاية. أعتقد أن مات وريب سيوافقانني على أن عهد العمدة كيلباتريك كان ظرفاً صعباً، فقد كان من الصعب على هؤلاء القادة المدنيين أن يشهدوا ما كان مستوىً تاريخياً فريداً من التشويش وعدم الكفاءة؛ لكنهم ثابروا على مساعيهم رغم ذلك وعملوا طوالَ الوقت بشكلٍ تعاونيٍّ مع الآخرين لتغيير توجُّهِ المدينة. إن مات وريب يُجَسِّدانِ مثابرةً وتعاوناً وشجاعةً هائلين.
برادلي: كما أشار كيفين؛ أنت يا مات قد كنتَ في هذا المجال من العمل لفترةٍ طويلةٍ من الوقت. هل كانت هناك سماتٌ قياديّةٌ استدعى الإفلاسُ وجودَها في الأشخاص ولم ترَها من قبل؟
مات كولين: نعم بلا شك. الذي حدث في البداية كان التقارب غير العادي بين قادة الأعمال الخيرية ورجال الأعمال، بدأنا العمل على مشاريع مهمةٍ معاً، ويَرجعُ ذلك جزئياً إلى أن الأشخاص في الحكومة لم يكونوا يتحملون مسؤوليةَ الأشياء. كُنا بحاجة إلى القيام بدور أوسع مما كنا نختاره عادةً - أو سُمح لنا بتوليه بأمانة.
اقرأ أيضاً: قادة الأنظمة: كيف يعملون لقيادة التغيير الاجتماعي؟
اتحد كل شيء عندما انضمَّ كيفين؛ الحاكم، وفي النهاية العمدة دوغان أيضاً، لأننا حينها امتلكنا ركيزةً ثلاثية الأرجل: العمل الخيري، والأعمال التجارية، والحكومة، ولقد أصبحنا فجأةً في وقتٍ كانت فيه القطاعات الثلاثة تعمل معاً بشكلٍ فعّال. تَولّى الحاكمُ مشكلة الإفلاس التي طالَ أمدُها وجَلبَ كيفين لقيادةِ الاستراتيجية؛ لقد كنا نبذُلُ قصارى جهدنا على الطريق لمدة 20 عامًا على الأقل، لذلك كان وصول كيفين أمراً أساسياً.
ريب رابسون: ما أجده مثيراً للاهتمام حول العقد الأخير في ديترويت هو أنه تم تقسيمه إلى مراحل منفصلة ومتقطّعة للغاية. ما يبدو وكأنه كان لحظةً من الزمن لم يكن كذلك في الواقع؛ لقد كان امتداداً زمنياً كان علينا أن نتحرك فيه ونخرج منه ونتخذ أشكالاً مختلفةً وفقاً لنوع التعقيد الذي كنا نواجهه في كل مرحلة.
خلال المرحلة الأولى، من 2005 إلى 2007، امتلكنا رفاهية القدرة على العمل نحو بناء العلاقات في بيئةٍ منخفضةِ الضغطِ نسبياً. عندما وصلت إلى مؤسسة «كريسجي» في عام 2006، كان العمدة "الجيد" كيلباتريك حاضراً في كل مكان؛ كانت هناك رافعاتٌ ومشاريع بناءٍ وسط المدينة وطاقةٌ حركيةٌ في كل مكان. لن أنسى أبداً بعض المحادثات التي أجريتُها أنا ومات مع قادةٍ مدنيين آخرين في ذلك الوقت حول الأشياء البناءة التي يُمكننا القيامُ بها لتعزيز مستوى أداء المدينة العالي نسبياً. استغرق الأمر عامين حتى يتبدّدَ ذلك ويتفكّك، بالتزامن تقريباً مع الوقت الذي بدأ فيه الاقتصاد الكلي في التدهور وبدأت شركات السيارات صراعَها مع الإفلاس.
عندما وصل الأمر إلى الحضيض بين عاميّ 2008 و 2013، تغيرت المحادثة بشكلٍ كبيرٍ؛ لقد وجدنا أنفسنا فجأةً عالقين في نمط التعامل مع الأزمة. سألنا أنفسنا عما يجب علينا فعله - ليس ما سيكون من الجيد القيام به؛ بل ما يجب علينا فعله تماماً لتحقيق الاستقرار في الوضع الراهن حتى نتمكّن من المضيّ قُدماً عندما يعود الجميع إلى أدائهم الطبيعي. كان ذلك عندما أطلقنا مشروع مدينة ديترويت المستقبلية، وبدأنا مشروع طريق M-1 السريع، وعزّزنا التزامَنا تجاه الفنون والمجتمع الثقافي. كانت هناك مجموعةٌ كاملةٌ من الأشياء التي حدثت في وضع الأزمة التي كنا نعلم أنه لا يمكن تحقيقها بالكامل في ذلك الوقت؛ كان علينا انتظار عودة الحياة الطبيعية.
المرحلة الثالثة: الإفلاس، كانت أمراً ليس له مثيلٌ بالطبع، تم التخلّص من جميع القواعد وإعادةُ وضعها مرةً أخرى في تكوينٍ مختلفٍ تماماً. نحن الآن في المرحلة الرابعة. بعد تجاوز الإفلاس ومع السقالات التي تم إنشاؤها خلال تلك الفترة من الأزمة، يمكننا العودة إلى الوضع الطبيعي الجديد الذي يسمح لنا بالبناء على ما بدأناه عندما كانت الأوقات صعبةً للغاية.
برادلي: ريب، هل سيكون من الصواب القول أنه عندما حدثت الأزمة، كانت هناك بالفعل بنيةٌ تحتيةٌ وتاريخٌ من التعاون عبر القطاعات مما صبَّ في مصلحتكم؟
رابسون: نعم ولا. قد يكون لدى مات وجهة نظر مختلفة تماماً؛ لكنني أشعر أنه كان هناك عددٌ قليلٌ نسبياً من حالات التعاون الحقيقيّ الجادّ في الفترة ما قبل عام 2008. كنا بالتأكيد نقوم باحتضان العلاقات التي ستكون مهمة؛ عملت جنرال موتورز و«كريسج» معاً بشكلٍ فعالٍ للغاية لتنشيط ريفرفرونت، على سبيل المثال؛ لكن الشراكات بين الشركات والجهات الخيرية لم تكن سائدةً حتى ذلك الوقت. كان هناك أيضاً بعض التعاون التكويني بين المؤسسات؛ لكن مجتمع المؤسسات ككلٍّ لم يكن على نفس الصفحة بالتحديد، ولم نكن نلتقي على نحوٍ منتظمٍ أو نستكشف المشاريع المشتركة بفعاليةٍ. هذا المستوى العالي من التعاون كان سبباً حقيقياً للأزمة؛ لقد جعلنا نعمل معاً بطريقةٍ لم تكن نموذجية.
كولين: أوافقك الرأي؛ لكن ريب لا يعطي لنفسه الفضل الكافي لدرجة التغيير التي ساعد في تحفيزها خلال المرحلة المبكرة. لفترةٍ طويلةٍ؛ كانت المؤسسات في ديترويت سلبيةً للغاية في تعاملها مع الآخرين، وفي الواقع؛ بدا أن قادة المؤسسة يفتخرون بالبقاء في مكاتبهم والاستجابة لطلبات المنح؛ لم يُحضِروا قياداتهم الفكرية في مناقشات التنمية الاقتصادية أو مجالات أخرى، ولم يسعوا إلى الارتباط بمجموعاتٍ أخرى كشركاء. في الواقع؛ كانوا ينظرون إلى الأمر على أن المشاركة في النقاش أو الانغماس في حل المشكلات تكاد تكون تضارباً في المصالح.
تغيَّرَ كل ذلك بشكلٍ كبيرٍ في الوقت الذي جاء فيه ريب، قبل المناقشة المتعلقةِ بالإفلاس. بدأت المؤسساتُ في التمرُّنِ على التعاونات الجديدة، لتتصرّف كشركاءٍ حقيقيين. نمت العلاقات وأصبحت أقوى، واكتسبنا الثقة في بعضنا البعض؛ تمّ إثبات ذلك بالتأكيد مع إنشاء طريق M-1 السريع. عندما استطاعت الحكومة أن تنضم إلى المناقشة بنفس المستوى من القدرة والنزاهة، كنا أخيراً في وضعٍ يسمحُ لنا بتولّي قضايا خطيرةٍ مثل الإفلاس.
للاطلاع على الجزء الثاني من السلسلة؛ اقرأ: القيادة تعيد إحياء ديترويت.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.