ما أسباب انتشار الفقر في العالم العربي؟ وكيف يمكن معالجتها؟

3 دقائق
shutterstock.com/ZouZou

على الرغم من التصورات والخطط التي وضعتها الدول العربية للحد من الفقر بحلول عام 2030؛ فإن تنفيذها ليس بالأمر السهل أمام ما تواجهه من تحديات، ويستلزم تحقيق التنمية المستدامة البحث في أسباب انتشار الفقر في العالم العربي وسبل معالجتها بغية النهوض بأوضاع الفئات الأكثر احتياجاً.

واقع الفقر في العالم العربي

يعد الفقر مشكلة غير متأصلة في العالم العربي، وإنما نتاج ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية أدت إلى تراجع النمو الاقتصادي، وتفاوت مستويات المعيشة واختلال الوضع الاجتماعي، ولعل جائحة كوفيد-19 من أبرز الأحداث التي فاقمت مشكلة الفقر، إذ رجح البنك الدولي في تقرير إحياء التكامل الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عصر ما بعد جائحة كورونا عام 2020، ارتفاع عدد الفقراء في المنطقة من 178 مليون نسمة إلى 200 مليون نسمة، من أصل نحو 450 مليوناً يسكنون المنطقة، فيما توقع تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، الإسكوا، "فيروس كورونا: التخفيف من أثر الوباء على الفقر وانعدام الأمن الغذائي في المنطقة العربية"، أن تتسبب الجائحة في دخول نحو 8.3 ملايين نسمة من السكان تحت خط الفقر، ما يرفع عدد الفقراء في المنطقة العربية إلى 101.4 مليون نسمة جراء فقدان مزيد من فرص العمل وتقليص الدخل.

وبحسب دراسة عراقية بعنوان: "الفقر وأسبابه وآثاره"؛ تتمثل أهم أسباب انتشار الفقر في العالم العربي في ضعف مستوى التعليم وعدم الاستقرار السياسي، وانخفاض الدخل نتيجة ضعف سياسة الأجور، والركود الاقتصادي الذي تمر بها دول المنطقة، وكذلك تفشّي ظاهرة الفساد المالي والإداري التي تؤدي إلى تركُز الأموال بأيدي فئة قليلة في المجتمع وحرمان الأكثرية من الخدمات الأساسية، وضعف الخدمات التي تقدمها المؤسسات الحكومية والاجتماعية للفئات الفقيرة والمهمشة.

كيف يمكن القضاء على الفقر في العالم العربي؟

تتطلب معالجة أسباب انتشار الفقر في العالم العربي خطة متكاملة مستمرة لوضع سياسات اجتماعية ناجحة تساعد في تحقيق التنمية المستدامة والتكافل الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي، ويجب أن تتركز هذه السياسات في 3 محاور:

1. إصلاح التعليم

مع وجود 15 مليون طفل خارج المدرسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتوقعات بتسجيل 5 ملايين طفل وطفلة إضافيين خارج المدرسة، وارتفاع معدل البطالة بين الشباب بنسبة 11% بحلول 2030؛ بات من الضروري التفكير في إصلاح المنظومة التعليمية، وحل مشكلة التسرب وعدم إمكانية استكمال التعليم الأساسي، وذلك من خلال:

  • تحسين أساليب الإنفاق على التعليم.
  • ربط المناهج الدراسية بمتطلبات سوق العمل الجديدة.
  • التركيز على المهارات التي يفرضها التحول إلى اقتصاد المعرفة.

كما يجب العمل على مبادرات تعليمية مبتكرة تُمكن الشباب من خلال التعلم والتدريب، مثل مؤسسة عبد الله الغرير للتعليم في الإمارات التي تعتمد نموذج العطاء الاستراتيجي المرتكز على الأثر طويل المدى والقابل للقياس لجعل التعليم مفتاح الوصول لأفضل فرص عمل ممكنة وتحقيق التنمية المستدامة، إذ نجح صندوق عبد العزيز الغرير لتعليم اللاجئين في إفادة ما يزيد عن 38,500 شاب وشابة من اللاجئين والنازحين في الإمارات والأردن ولبنان.

2. تحقيق الأمن الغذائي والتنمية الريفية

تبدو الصورة قاتمة حول مستقبل الأمن الغذائي في العالم العربي، فبحسب تقرير نقاط الجوع الساخنة (Hunger Hotspots) الصادر عن برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة في مايو/أيار عام 2022، تحتاج 20 بؤرة جوع ساخنة منها سوريا ولبنان والسودان والصومال واليمن، إلى مساعدات إنسانية عاجلة، وقد يتعرض 41 مليون شخص لخطر المجاعة حول العالم ما لم يتلقوا إعانات فورية.

وترتبط أزمة الغذاء بالنزاعات السياسية التي تدفع بمزيد من الأشخاص نحو خط الفقر ومستويات طارئة من الجوع، على سبيل المثال، يحتاج 17.4 مليون شخص في اليمن إلى مساعدات غذائية بسبب الصراع المستمر في البلاد، ويمكن تغيير هذا الواقع من خلال:

  • إعادة توجيه الدعم إلى الأمن الغذائي وبرامج تحسين الدخل، لا سيما في المناطق الريفية.
  • التركيز على التنمية الزراعية المستدامة.
  • المساعدات الغذائية الضرورية لمواجهة نقص الغذاء المفاجئ والركود الاقتصادي.
  • التركيز على إيجاد حلول طويلة الأمد مستدامة، تعتمد على البحث العلمي والابتكار وتعزيز الإنتاجية، مثل ما عملت عليه، مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية في مصر، عبر برنامج التنمية الزراعية المستدامة الذي أطلقته عام 2015 لتحديد الممارسات الزراعية الفعّالة واختبارها وتوسيع نطاقها بما يساهم في الحد من الفقر بمنطقة الصعيد.

3. تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي

قد يشكل الفقر دورة متكاملة تنتقل من جيل إلى آخر، وللحد من ذلك، يجب زيادة الإنفاق على برامج الدعم الاجتماعي وجعلها أكثر إنصافاً، إذ يبلغ الإنفاق الحالي على الحماية الاجتماعية 6.9% من إجمالي الناتج المحلي في المنطقة العربية، وهو أقل من المتوسط العالمي البالغ 12.9%.

وتحتاج سياسية الحماية الاجتماعية إلى تطوير وشمولية أكبر لضمان حصول الأفراد على خدمات تعليمية وصحية عالية الجودة وتمكينهم اقتصادياً من خلال تدريبهم وتأهيلهم للحصول على فرص عمل تساعدهم في الاستغناء عن برامج الدعم الاجتماعي وتأمين مصدر دخل مستدام، من قبيل برنامج تكافل وكرامة للتحويلات النقدية المشروطة الذي أطلقته وزارة التضامن الاجتماعي المصرية عام 2015، وبحسب البنك الدولي؛ ساهم البرنامج في خفض معدلات الفقر بنسبة 5.2% خلال العام المالي 2019/2020.

وعموماً تقتضي معالجة أسباب انتشار الفقر في العالم العربي التحرك وفق استراتيجية متكاملة مستمرة تبدأ بإصلاح التعليم وتمر بتحقيق الأمن الغذائي وصولاً إلى إرساء شبكة أمان اجتماعي أكثر شمولية تحمي الجميع من الفقر في شتى صوره وأبعاده.

المحتوى محمي