ما أسباب تسرب الطلاب من الجامعات؟ وكيف نواجهه؟

تسرب الطلاب
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟ سؤال تكرر على مسامعنا في الصِغّر؛ فلكلٍ منا رؤيته حول ما يريد أن يكونه؛ إما مهندساً أو عالماً نفسياً أو طبيباً، وتبدأ الرحلة في التعلم والسعي للوصول إلى هذه الغاية وتحقيقها؛ لكن البعض يفقد بوصلته فيقرر إنهاء الرحلة مبكراً.

يبدأ بعض الطلاب مرحلتهم الجامعية ولا يكون في نيتهم ترك الدراسة، إلا أنهم يُصدمون بعدة عوائق تمنعهم من الانضباط أو القدرة على النجاح أكاديمياً أو المثابرة حتى الحصول على الدرجة العلمية التي يريدونها، ما يدفعهم إلى التسرب مبكراً.

وفي المنطقة العربية، على الرغم من المساعي لتطوير النظام التعليمي إلا أن المؤسسات الأكاديمية تعاني من ظاهرة التسرب، لذا عملت الباحثة الإماراتية مروة سالم على دراسة بعنوان: العوامل المساهمة في التسرب من التعليم العالي في الإمارات: دراسة حالة، على تحديد عوامل تسرب الطلاب من برامج التعليم العالي في المؤسسات الأكاديمية الإماراتية.

اعتمدت الباحثة على عينة من خمسة طلاب إماراتيين، اثنين من الذكور، وثلاثة من الإناث اللائي تسرّبن من دراستهم العليا قبل الانتهاء، وأجرت مقابلات شبه منظمة لاستكشاف آراءهم وأفكارهم وأسباب التسرب؛ التي تمثلت في ضيق الوقت، وصعوبة المقررات الدراسية، ونقص الدعم الأسري، وعبء الدورات الدراسية ومحتوى البرامج، وأيضاً موقع المؤسسات الذي يستغرق الوصول إليه وقتاً طويلاً.

آثار التسرب المبكر من الجامعات

تعد الشهادة الجامعية عاملاً مهماً في تحديد المسار المهني للطالب، فالتسرب يضع الطلاب أمام خيارات مهنية أقل مقارنةً بالطلاب المتخرجين، كما يؤثر التسرب في حصول الطلاب على وظيفة في سوق عمل ينافس على جذب المواهب والكفاءات.

وتتطلب العديد من المهن ذات الأجور المرتفعة درجة علمية، وبدونها قد يجد المتسرّبون من الكلية أنفسهم يتحولون إلى وظائف ذات رواتب أقل؛ وبحسب تقرير حالة الأجور الأميركية العاملة 2019 الذي أجراه معهد السياسة الاقتصادية (Economic Policy Institute) كان دخل خريجي الجامعات الحاصلون على درجة البكالوريوس 34.63 دولاراً في الساعة وسطياً​​، والحاصلين على الدرجات العليا ​​45.07 دولاراً في الساعة وسطياً، أما الحاصلين على قدر من التعليم الجامعي فقط؛ فكان متوسط دخلهم ​​20.97 دولاراً للساعة، وبالتالي يكافح العديد من المتسربين من الكلية لتغطية الفواتير والمصاريف قصيرة الأجل، ويجدون صعوبة حتى في توفير المال لشراء منزل.

ويمتد التأثير السلبي للتسرب من الجامعات ليشمل اقتصاد الدول؛ في باكستان كشفت دراسة بعنوان: الآثار الاقتصادية لتسرّب الطلاب: دراسة مقارنة (Economic Effects of Student Dropouts: A Comparative Study)، أن تسرب الطلاب كلف البلاد ما يزيد عن 200 مليار دولار، ومن جهة أخرى، التسرب من التعليم يعنى أن الطالب سيقضي حياته كعاطل عن العمل أو بالاعتماد على الدعم الحكومي ما يؤثر في ميزانية الدولة.

أسباب التسرب المبكر من الجامعات

يدخل بعض الطلاب المرحلة الجامعية دون أن يكون لديهم الاستعداد والشغف اللازم لاستكمال دراستهم، ولكل منهم أسبابه الخاصة للتسرب مبكراً؛ إذ يعاني البعض من مشاكل عائلية أو مشاكل طبية غير متوقعة خارجة عن إرادتهم، ويمكن تلخيص أهم الأسباب فيما يلي:

  • ارتفاع الرسوم الدراسية

تُعد الرسوم الدراسية مشكلة رئيسية تواجه طلاب الجامعات، وارتفاعها يؤدي إلى زيادة عبء الديون عليهم، وبعض الطلاب يقللون من تقدير تكاليف الجامعة، ويدركون بعد فوات الأوان أنهم يفتقرون إلى الأموال اللازمة لتغطيتها، ويفضل آخرون كسب المال من العمل بدوام كامل بدلاً من السعي للحصول على درجة علمية عالية التكلفة.

وعندما تصبح الرسوم الدراسية خارج نطاق قدرة الطالب، سيزيد معدل التسرب من الجامعة، وخلُص استطلاع موقع ليند إديو (LendEDU) المتخصص في المنتجات المالية ومقارنتها، بما في ذلك القروض الطلابية، أن 51% من الطلاب انقطعوا عن الدراسة بسبب مشاكل مالية، وكافح نحو 55% للعثور على المال لدفع تكاليف الكلية.

  • موقع الجامعة

يُقال “اطلب العلم ولو في الصين”، لكن عندما يكون مقر الجامعة داخل الدولة نفسها بعيداً ويستغرق الوصول إليه قيادة لمدة ساعة ونصف؛ سيفكر الطالب ملياً بترك الدراسة لتوفير الجهد والوقت الضائع على الطريق، إذ توصلت دراسة من كوريا الجنوبية بعنوان: التعليم المستدام: تحليل محددات تسرب الطلاب الجامعيين من خلال نماذج الانحدار غير الخطي ببيانات اللوحة (Sustainable Education: Analyzing the Determinants of University Student Dropout by Nonlinear Panel Data Models) أن نسبة التسرب في الجامعات في المناطق الحضرية أقل بنسبة 14.5% من  المناطق الريفية.

  • إعداد ضعيف للمرحلة الجديدة

يخلق الانتقال من البيئة المدرسية المُنظمة إلى عالم الجامعة الأكثر استقلالية حالة ارتباك للطلاب، وعدم قيام المدرسة الثانوية بإعداد الطالب لهذا الانتقال؛ يدفعه إلى التفكير في التسرب مبكراً، ومن جهة أخرى، تعمل الجامعات على زيادة معدلات التسجيل لتعزيز الإيرادات، ولكن بعضها لا يقدم الرعاية والدعم الكافي للطلاب لضمان نجاحهم.

  • صعوبة إدارة الوقت

ترتبط الحياة الجامعية بمستويات من القلق والاكتئاب والتوتر التي تضر بالصحة العقلية للطلاب؛ إذ يتعين على العديد من الطلاب العمل في أثناء الالتحاق بالكلية، وغالباً ما يجدون صعوبة في تحقيق التوزان بين العمل والحياة وإعالة أنفسهم وعائلاتهم والذهاب إلى الكلية في نفس الوقت، ما يدفعهم إلى التفكير من إنهاء الدراسة مبكراً.

  • أنواع الدورات والبرامج التدريبية 

يساعد تعزيز الاهتمامات الشخصية الطلاب في تطوير قدراتهم التعليمية، لكن تقديم برامج ودورات تدريبية خارج نطاق احتياجاتهم وتطلعاتهم؛ يدفعهم للتفكير بالتسرب، إذ اعتبر المشاركون في الدراسة الإماراتية أن بعض المقررات في برنامجه الدراسي كانت صعبة والدورات أغلبها نظري لا يمكن تطبيقه في سوق العمل، كما أن طريقة المعلم وشغفه بما يقدمه يمكن أن تحفزهم على استكمال البرامج والدورات التدريبية.

من جهة أخرى، بينت دراسة إسبانية في عام 2019 بعنوان: العوامل التي تؤثر على تسرب طلاب الهندسة: دراسة حالة، أن سبب تخلي الطلاب عن درجة الهندسة الميكانيكية والهندسة الكهربائية وهندسة الإلكترونيات والبرمجيات في جامعة قرطبة هو سوء التخطيط للدورات.

  • قلة الدعم والاهتمام

يميل الفرد بطبيعته إلى السعي وراء الاهتمام والرعاية من الآخرين، ويحتاج الطالب خصوصاً في السنة الأولى إلى دعم الجامعة والأسرة وتقديم التوجيه والنصح لمساعدته في تحديد مساره، وكيفية التعامل مع المشاكل التي تواجهه، وعدم حصوله على هذا الدعم يؤدي به إلى تجربة جامعية فاشلة. أفاد المشاركون في الدراسة الإماراتية سابقة الذكر أن أعضاء هيئة التدريس ركزوا أكثر على النقد بدلاً من التعلم، ونوّه أحد المشاركين إلى أهمية النظر في صحة الطالب وتخفيف حجم القراءات والمهام المطلوبة لتساعده في الموازنة بين العمل والدراسة، وبالمثل أظهرت دراسة إسبانية بعنوان: التسرب من التعليم العالي في إسبانيا: حالة خاصة من الجامعات في غاليسيا (Higher Education Drop-Out in Spain: Particular Case of Universities in Galicia) أن نقص الدعم الجامعي أدى إلى معدل تسرب في إسبانيا بنسبة 15.6%.  

كيفية الحد من ظاهرة التسرب

تستدعي الآثار السلبية المذكورة أعلاه لظاهرة التسرب من الجامعات، التفكير بالطرق والأدوات التي تساعد في الحد منها بما يساعد المؤسسات التعليمية في القيام بدورها على أكمل وجه، ويعزز قدرات الطلاب على تحقيق أهدافهم في المجتمع، ومن هذه الطرق:

  • التخطيط المالي الجيد

يمكن مواجهة المشاكل المالية التي يسببها التسرب من الجامعة من خلال الموازنة بين تكاليف الجامعة والعمل بعد المدرسة الثانوية، وتجنّب الاقتراض قدر الإمكان، والتخطيط للحصول على المنح الدراسية، والبحث عن وظيفة بدوام جزئي للتقليل من بعض الضغوط المالية المرتبطة بالدفع للحصول على درجة علمية عالية.

  • اختيار التخصص المناسب

يقع الطالب عند دخول الجامعة إما أمام مشكلة فشل التخصص في تلبية توقعاته، أو أن التخصص لم يكن خياره من البداية، ما يدفعه إلى التسرب المبكر، والحل هو عدم بدء المرحلة الجامعية بعد الانتهاء من المدرسة الثانوية مباشرةً؛ إذ يمكن أن يؤجل الطالب قبوله لمدة فصل دراسي أو أكثر ليحصل على الوقت الكافي لتحديد توجهاته، كما يساعد السفر قبل الدخول إلى الجامعة أيضاً في استكشاف الاهتمامات الشخصية وبالتالي اختيار التخصص المناسب.

  • تأهيل الطلاب قبل دخولهم الجامعة

يفتقر بعض الطلاب إلى بعض المهارات والقدرات لتذليل الصعوبات الأكاديمية قبل دخول الجامعة، وبالتالي يمكن تقديم دورات تدريبية، أو تخصيص يوم توجيهي لتأهيل الطلاب للدراسات الجامعية وتكوين فكرة لديهم عن تخصصاتهم وقواعد المؤسسة التعليمية وثقافتها؛ ما يساعدهم في تجنب التسرب ومواجهة صعوبات الدراسة، وفي هذا الإطار، أوصت الدراسة الإماراتية بمعرفة نقاط ضعف الطلاب والتركيز على تطوير أدائهم الأكاديمي، على سبيل المثال، واجه الطلاب المشاركون في الدراسة صعوبة في فهم المقالات وترجمتها إلى اللغة العربية، وهكذا، يجب على المؤسسات توفير دورات تدريبية، أو مواقع مجانية لتقويتهم في اللغة الإنجليزية.

ويمكن للطلاب تذليل صعوبات الجامعة أيضاً من خلال تدوين الملاحظات الصفية الجيدة، والانضمام إلى مجموعات تعليمية لمناقشة الدورات التدريبية ما يسهل عليهم استيعابها وفهمها.

  • التشجيع على تقديم الدعم

تعد الجامعة العامل الأول والرئيسي في الحد من التسرب المبكر؛ إذ يجب أن تخطط جيداً لبرامج الدراسة، بما يتوافق مع احتياجات الطلاب ووقتهم، وأن تحث أعضاء هيئة التدريس على تقديم التشجيع والتوجيه. ولضمان أداء الجامعة لدورها على أكمل وجه؛ يمكن للمؤسسات المسؤولة عن منظومة التعليم في الدولة مثل وزارة التعليم، مراقبة أداء الجامعات وتحديد أسباب التسرب منها، وتقديم مكافأة للجامعات ذات نسب التسرب المنخفضة، وفرض عقوبات على الجامعات التي تسجل نسب عالية من التسرب.

إذاً، يمكن أن يستفيد الطلاب والجامعات من هذه الحلول وتطبيقها بفاعلية للحد من ظاهرة التسرب المبكر وضمان الحافز والدافع لاستكمال العملية التعليمية ومواصلة الطريق لبلوغ الهدف المهني في المستقبل.