على الرغم من تأسيس مجموعة الفطيم في الثلاثينيات من القرن الماضي، فإنها شهدت ازدهاراً ملحوظاً منذ عام 1955، عندما بدأ معها صناعة السيارات في الإمارات، لتشكل فصلاً جديداً للمؤسسة، تسعى خلاله لتعزيز جهودها المستمرة لتصبح مستدامة تماماً في الوقت الذي برزت فيه مناقشات عامة حول مبادرات المسؤولية الاجتماعية المتنوعة عالمياً، دون التطرق إلى تعريف بنّاء لها.
يختلف مفهوم الاستدامة، الذي وضعته لجنة برونتلاند (Brundtland Commission) التابعة للأمم المتحدة، عن المسؤولية الاجتماعية للشركات، فهو يعني ضرورة العمل على تلبية احتياجات الأجيال الحاضرة دون المساس بقدرة الأجيال في المستقبل على تلبية احتياجاتها، أما المسؤولية الاجتماعية فإنها تصف الإجراءات المتبعة لتعزيز الدور البيئي والمجتمعي للشركة.
وترتبط الاستدامة بقطاع الأعمال بصفة وثيقة، فهي النهج الإداري المسؤول، الذي ينتج عنه تأثيرات إيجابية على الصعيد الاقتصادي والبيئي والاجتماعي؛ لذلك فالشركات التي تسعى للاستدامة، تتبنى مبادرات المسؤولية الاجتماعية لدعم رسالتها وأهدافها والرؤى الخاصة بها. وهذا ما حرصت مجموعة الفطيم على اتباعه، خاصة في ظل التأثير الإيجابي الذي لمسته على المجتمع والبيئة المحيطة بها، ما دفعها إلى التخفيف من أي آثار سلبية قد تسببها عمليات المؤسسة، وتبني مبادرات تراعي المجتمع والبيئة والاقتصاد.
أهداف مسؤولة اجتماعياً
تتطلع بعض الشركات إلى دمج أبعاد المسؤولية الاجتماعية في عملياتها، حتى تنجح في تحقيق عوائد مالية مرتفعة على استثماراتها، ويؤكد ذلك وصف مقال الاقتصادي الشهير ميلون فريدمان (Milton Friedman) بعنوان: "المسؤولية الاجتماعية للأعمال هي زيادة الأرباح"، بأن الشركة يجب أن تتحمل مسؤولية استخدام مواردها في الأنشطة التي تهدف إلى زيادة أرباحها، كما حدد المسؤولية الاجتماعية للشركات من خلال الأنشطة التي يتم إجراؤها على أسس الإيثار والأخلاق. أما مجموعة الفطيم فقد وضعت هدفاً أساسياً نصب عينيها، وهو تقديم منتجات وخدمات عالية الجودة تثري حياة المجتمع وتطلعاته، مع دعم الأسباب التي يمكنها تعزيز وعيه بالقضايا المختلفة مثل محو الأمية والتعليم والاكتشاف المبكر للأمراض المزمنة، والاستدامة البيئية، بهدف تحسين رفاهية الإنسان من خلال حماية رأس المال الطبيعي، مثل الغلاف الجوي أو التربة، والتركيز على تقليل بصمات الكربون، ونفايات التغليف وتأثيرها العام في البيئة.
اختبار سيارات صديقة للبيئة
يعتبر قطاع النقل أكبر مصدر لانبعاثات الغاز الدفيئة، وفي الوقت الذي تنجم فيه التحديات التي تواجه قطاع الطاقة عن حقيقة أن الحصول على الكهرباء يتوقف على احتراق الوقود الأحفوري، إضافة إلى صعوبة الحصول على الطاقة المتجددة في بعض الأحيان، أصبحت صناعة الطاقة هي المصدر الرئيسي لتلوث الهواء والماء وأحد أكبر مصادر الاحتباس الحراري، لذا، تتبنى بعض الشركات الشعارات الرنانة، وبالفعل، يمكن لأي شركة العمل على أن تكون "خضراء" بمجرد سعيها "للاستدامة" بمفهومها الشائع، سواء بإعداد التقارير والالتزام بالمعايير، ومراجعات المنظمة الدولية للمعايير (آيزو) 140001، أو إعداد ملفات المبادرة العالمية، والحصول على شهادات نظام الريادة في تصميمات الطاقة والبيئة (LEED)، وغيرها من الشهادات والوثائق التي تدعم الهدف وتُظهر الالتزام إلا أنها لا تُقلل الانبعاثات بطريقة عملية وواقعية نهائياً.
وبالتالي، فإن الحراك الفعلي، هو ما يضمن تأثير الخطوة الأولى التي تقوم بها الشركات الساعية للاستدامة حقاً، لذلك حرصت الفطيم للسيارات على الانضمام إلى شرطة دبي لتعزيز دعم مبادرات البيئة المستدامة في رؤية الإمارات 2021، من خلال اختبار المركبات صديقة البيئة، ومبادرات مكافحة تلوث الهواء من خلال الحد من الازدحام المروري ووضع لوائح للصيانة للحد من الانبعاثات الضارة.
إعادة تدوير النفايات الإلكترونية
تحتوي النفايات الإلكترونية على عناصر كيميائية مختلفة، وتُعرف النفايات الإلكترونية بأنها ما تبقى من الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر ومصابيح الفلورسنت والمصابيح المتوهجة، وكذلك الأجهزة المنزلية الكبيرة مثل أجهزة التلفاز والثلاجات والغسالات ومكيفات الهواء.
وهناك العديد من الإمكانات غير المستغلة عالمياً بالنسبة لإعادة تدوير النفايات الإلكترونية، فعلى الرغم من خطورتها إلا أنها تمتلك قيمة اقتصادية كبرى، وقد يُستخرج أرقى المعادن النفيسة منها، لذلك وفرت شركة إيس (ACE)، وهي إحدى شركات مجموعة الفطيم التي تأسست عام 1991، إمكانية إعادة تدوير البطاريات، كمبادرة مستدامة حيث أعلنت عن قبول معظم البطاريات بما في ذلك البطاريات القلوية وحمض الرصاص والليثيوم الأولي وأيون الليثيوم وبطاريات النيكل المعدنية وكربون الزنك، وكذلك أدوات المنزل والمطبخ. بينما وفّر متجر دبي فستيفال سيتي إمكانية إعادة تدوير جميع الأجهزة بما في ذلك أدوات تكنولوجيا المعلومات مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف المحمولة.
إعداد الطلاب للمستقبل
ثمة العديد من المشكلات التي تواجه التعليم في المنطقة العربية، لعل أحدثها جائحة كوفيد-19 التي أدت إلى تعطيل النظام التعليمي عالمياً، وعلى إثرها تعطل تعليم أكثر من مليار طالب في نحو 190 دولة حول العالم. وينص الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة التي أعلنتها الأمم المتحدة، على ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع؛ لذا تستثمر مؤسسة الفطيم التعليمية غير الربحية في الطلاب، سعياً للتميز عن طريق إعدادهم للمستقبل.
كما توفر الإشراف التشغيلي والأكاديمي على المدارس وتدعم عملها بعدد من المبادرات التي تتيح الاستفادة من التعاون مع القادة المحليين والعالميين في مجال التعليم، وفي مقدمة أهدافها التطلع إلى تغيير المشهد التعليمي داخل دولة الإمارات وخارجها؛ عن طريق سد الفجوات بين الإمكانات والفرص والتعليم والتوظيف من خلال تقديم المنح الدراسية وبرامج التعلم التجريبي. وتعمل هذه الخطط على دعم استراتيجية التعليم للصالح العام، وفي مقال سبق أن تناولناه بعنوان "4 مبادئ أساسية تعزز ثقافة التغيير والتغلب على التحديات في الجامعات" أكد إن الجامعات التي ترغب بحق في خلق القيمة للصالح العام تعمل على تطبيق الرؤية في تخطيطها الاستراتيجي، إضافة إلى تنسيق الأهداف والإجماع عليها لتوضيح مقصد المؤسسة وبلوغ أهدافها المتوقعة.
مبادئ الالتزام بالنزاهة
تبذل العديد من المؤسسات جهوداً واضحة لتطوير أعمالها والحفاظ على سمعتها الطيبة حتى تتمكن من تحقيق أهدافها، والحفاظ على استدامتها، ويمكن اعتبار السمعة المؤسسية من الأصول غير الملموسة للمؤسسات التي تشكل 81% من القيمة السوقية لها، ويمكنها مساعدة الشركات في تحقيق التفاعلات الإيجابية مع أصحاب المصلحة. بدورها، تضم مجموعة الفطيم شركات تعمل في مجالات توزيع قطع غيار السيارات وبيعها وتأجيرها، والخدمات المالية المصرفية، والتأمين، والعقارات، والتعليم، ومراكز التسوق، وإدارة الممتلكات، وتجارة التجزئة، والإلكترونيات، والأغذية والمشروبات، وألعاب الأطفال، تصل إلى أكثر من 29 دولة في جميع أنحاء العالم من الشرق الأوسط وصولاً إلى أفريقيا وأوروبا وآسيا. لذلك، فإن رؤيتها اعتمدت على خدمة العملاء في هذه الدول، معتمدة على القيم المتمثلة في الاحترام والتعاون والنزاهة في التعامل مع الآخرين.
ختاماً، تعمل المؤسسات الكبيرة على وضع خطط واضحة لتدرجها ضمن الاستراتيجية الخاصة بها المتمثلة في تحديد الغايات الأساسية بعيدة المدى، ثم وضع خطط العمل وتحديد الموارد اللازمة لتحقيقها، ومن ثم، الحفاظ على استدامتها. وهذه الخطط باتت تعتمد، وبصفة أساسية، على المسؤولية الاجتماعية وكيفية تلبية احتياجات المجتمع والحفاظ على البيئة.