4 مبادئ أساسية تعزز ثقافة التغيير والتغلب على التحديات في الجامعات

صناعة التغيير
(تصوير آي ستوك / http://www.fotogestoeber.de)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

سيؤدي غرس صناعة التغيير في ثقافة قطاع التعليم العالي وعملياته إلى إعداد المؤسسات لاستخدام رأسمالها البشري الضخم ومعارفها وأصول البحث التي تملكها بطرق تعاونية مبتكرة متعددة التخصصات من أجل معالجة التحديات الكثيرة المقبلة.

أجبرت جائحة كوفيد-19 الجامعات على إغلاق أبوابها ونقل الفصول الدراسية إلى العالم الافتراضي وإجراء تغييرات جذرية على أدواتها وأنظمتها، لكن الكثير من هذه المؤسسات التعليمية يواجه صعوبة كبيرة في الارتقاء إلى مستوى الوضع الجديد. ما هي أفضل طريقة لخدمة الطلاب والمجتمعات وتوجيه تركيز أبحاث الصحة العامة إلى الأزمة وإنتاج لوازم ومعدات طبية مفيدة؟ لا أحد منا يعرف كيف سيبدو العالم بعد كوفيد-19، ولكن أزمة بهذا الحجم تسلط الضوء على أهمية المؤسسات الابتكارية المرنة التي تهيئ الطلاب ليكونوا مبتكرين ويتمتعوا بالمرونة بدورهم.

في مؤسسة أشوكا يو نؤمن بأن تزويد الطلاب والمدرسين والموظفين وكبار القادة بما يلزم ليكونوا صناع التغيير هو أحد أفضل الطرق لضمان أن يبقى قطاع التعليم العالي قادراً على الاستجابة للتحديات العالمية التي تزداد تعقيداً. إذا غرست الجامعات عقلية صناعة التغيير في ثقافتها وعملياتها وعروضها التعليمية فستصبح مستعدة بدرجة أكبر لاستخدام رأسمالها البشري الضخم ومعارفها وأصول البحث التي تملكها بطرق تعاونية مبتكرة متعددة التخصصات من أجل معالجة التحديات الكثيرة المقبلة.

عندما أسسنا مؤسسة أشوكا يو في عام 2008، أخبرنا الكثيرون أن قطاع التعليم العالي أصبح قديماً وفاقداً الاتصال بالواقع بدرجة متزايدة ومقاوماً التغيير، ولكننا رأينا واقعاً مختلفاً في عملنا مع مئات الجامعات على مستوى العالم، إذ تبرهن لنا أن قطاع التعليم العالي يتمتع بقوة هائلة في التأثير الاجتماعي. كانت المؤسسات التي عملنا معها على مستوى العالم لمواءمة قيمها واستراتيجياتها وعروضها التعليمية وعملياتها في خدمة هذا الهدف مصدر إلهام لنا، فهي تنشئ مسارات تعليمية جديدة لصناعة التغيير انطلاقاً من إدراكها لمطالبة الطلاب بحياة لها غاية سامية ومطالبة الشركات بمهارات القرن الواحد والعشرين المتمثلة بالتعاطف والقدرة على الإبداع والعمل التعاوني. تشاركنا مؤسسات كثيرة رأينا بأن الطلاب الذين لا يملكون مهارات صناعة التغيير سيتخلفون عن الركب، ما يجعل صناعة التغيير وجهاً جديداً للتفاوت، وتدرك مؤسسات كثيرة حاجتها إلى إعادة النظر في استراتيجياتها وبناها التنظيمية ومواقعها من أجل مواجهة توجهات مثل التغير المناخي والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والتركيبات السكانية المتغيرة والتفاوت الاقتصادي والاجتماعي المتنامي.

ما تعلمناه عن المؤسسات صانعة التغيير

في بداية سلسلة مقالاتنا المتعمقة بعنوان “ابتكار قطاع التعليم العالي لأجل الصالح العام” نود أن نسلط الضوء على بعض أهمّ الرؤى التي توصلنا إليها من خلال منظومة صناع التغيير العالمية التي أنشأناها في قطاع التعليم العالي. كما وضحنا في مقال المؤسسات صانعة التغيير، نؤمن بأن الابتكار الاجتماعي في قطاع التعليم العالي هو عملية بقدر ما هو نتيجة، وهو نهج للتغيير التعليمي والمؤسسي على حد سواء. كي تتمكن الجامعات من المشاركة في إنشاء معارف وآثار تحويلية مهمة في مجتمعاتها يجب أن تكون قادرة على الاستجابة بسرعة لاحتياجات المجتمع والعمل بمشاركة جميع الأقسام التخصصية المنعزلة وتقدير جميع أفرادها وتمكينهم على اعتبارهم صناعاً للتغيير سواء كانوا طلاباً أو موظفين أو مدرسين أو إداريين أو أعضاءً في المجتمع.

هذه ليست مهمة سهلة، بدلاً من إنشاء مؤسسة جديدة من الصفر، نرى أن الجامعات الحالية لها جذور متعمقة في التقاليد والقواعد والبنى التنظيمية الثابتة في مؤسسة التعليم العالي القائمة منذ مئات السنين. وفي حين أن المئات من هذه المؤسسات تعمل بقصد دعم الجودة والدقة في الأعمال الأكاديمية والأبحاث، فهي عاجزة غالباً عن تعزيز القدرة على الإبداع أو الابتكار الذي يحافظ على أهمية المعارف والمؤسسات بحد ذاتها.

ولكننا لاحظنا تغييراً كبيراً على مدى العقد الماضي:

  • انتقلت الجامعات من تقديم مقرر تعليمي واحد عن الريادة الاجتماعية إلى تقديم مجموعة متنوعة من فرص صناعة التغيير.
  • تستخدم الجامعات إضافة إلى مصطلح “الريادة الاجتماعية” لغة شاملة بدرجة أكبر تشمل مصطلحات مثل “الابتكار الاجتماعي” و”صناعة التغيير” و”الصالح العام” وتدعو جميع التخصصات وأصحاب المصالح للمشاركة.
  • حولت الجامعات تركيزها عن القيمة الاجتماعية لمجموعة محدودة من أصحاب المصالح ووجهته نحو دمج أفضل ما في الريادة الاجتماعية والعدالة الاجتماعية في فكر المنظومة واستخدامه في تفكيك أنظمة السلطة والقمع.
  • بدلاً من التعامل مع الرواد والمبتكرين الاجتماعيين على اعتبارهم قادة أبطالاً، لاحظنا عملاً تعاونياً أكبر مع من يملكون خبرة عملية تسمح لهم بمعالجة المشكلات الاجتماعية بأفضل الطرق.
  • بعد أن كانت هذه المؤسسات تمنح الأولوية لإجراءات التدخل القائمة على المناهج التعليمية لتعزيز القيمة الاجتماعية (مثل تقديم دورة تعليمية أو برنامج لنيل درجة أو شهادة)، لاحظنا أنها تسعى لمواءمة ثقافاتها المؤسسية الأشمل مع القيم الاجتماعية والبيئية.
  • لم يعد مفهوم الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية في الشركات يحتل حيزاً ضئيلاً مما تدرّسه كلية الأعمال لطلابها أو يشكل جزءاً بسيطاً من عملية منح شهادة الاعتماد فقط، بل ازدادت أهميته لدرجة إنشاء قائمة تصنيفات الأثر في مجلة تايمز هاير إديوكيشن (Times Higher Education Impact Rankings).

وفي عملنا مع ما يزيد على 500 جامعة سميت قرابة 50 منها “جامعات صانعة للتغيير” وفق معايير مؤسسة أشوكا يو، لاحظنا 4 مبادئ أساسية تشجع الخريجين على صناعة التغيير وتعزز النتائج المجتمعية للجامعات. قد تبدو هذه المبادئ معلومات عامة بالنسبة لمن يملكون خبرة في إدارة التغيير ضمن قطاعات أخرى، ولكنها تشكل ثقافة مضادة في قطاع التعليم العالي الذي يتميز غالباً بالحوافز وهيكليات السلطة التي تعزز التنافس والعزلة في العمل وتفادي المخاطرة.

  1. مواءمة الرؤية مع الاستراتيجية. إن الجامعات التي ترغب بحق في خلق القيمة للصالح العام تجسد هذا المبدأ في رؤيتها ورسالتها وتخطيطها الاستراتيجي. في بعض الحالات قد يتمثل ذلك في عملية إعادة تصور الغاية والهوية، وفي حالات أخرى، يتمثل في إعادة صياغة القيم والجذور الأساسية في المؤسسة وتعزيز تلك الغاية وإعادة ترتيب الأولويات الاستراتيجية من أجل تجسيدها على نحو جريء وابتكاري أكثر وسط التغيرات التي تطرأ على احتياجات كل من الطلاب والمنظومة والمجتمع. ولكن تنسيق الأهداف والإجماع عليها أمر أساسي في توضيح مقصد المؤسسة وتوجيه التركيز وعمليات وضع الميزانية وصناعة القرار فيها. 
  2. قيادة التغيير متعددة الاتجاهات. في الجامعات التي أبدت التزاماً تجاه إعادة تصميم مؤسساتها من أجل تبني عقلية صناعة التغيير، نرى أن رحلة التغيير في بعضها بدأت من القاعدة باتجاه القمة، وفي البعض الآخر بدأت من القمة إلى القاعدة، في حين أن المدرسين أو موظفي المستويات الوسطى في جامعات أخرى هم من أطلقوا شرارة التغيير. ولكن بغضّ النظر عن مكان بدء التغيير، فالقيادة متعددة الاتجاهات أساسية؛ والقيادة من القمة إلى القاعدة تواجه خطورة امتثال الموظفين بهمة فاترة وعجزهم عن تحقيق النتائج المرجوة، والقيادة من القاعدة إلى القمة ستخفق إن لم تحصل على دعم قادة المستوى المتوسط والموارد اللازمة، ويواجه الابتكار في المستوى المتوسط خطورة انقطاع صلته بالواقع من دون مشاركة مساهمي الخطوط الأمامية في التعليم والعمليات (ويواجه خطورة التهميش على اعتباره “مشروعاً مفضلاً” إذا لم يؤيده كبار القادة ويقدموا له الموارد اللازمة).
  3. تعزيز القيم. لا يتعلق خلق ثقافة تمكينية في الجامعة بتفويض السلطة وتسطيح هيكليات صناعة القرار فحسب، بل يتعلق بالإيمان بأن أي شخص قادر على صناعة التغيير والمساهمة بغضّ النظر عن عمره ولقبه ومكانته، وإنشاء ثقافة تدعم العلاقات القائمة على الثقة والعمل التعاوني على اعتبارهما أساساً في تحقيق النتائج المتميزة. عندما تنعكس هذه القيم في أنظمة صناعة القرار والعمليات في المؤسسة ستعزز العمل التعاوني بين الأقسام وتشجع الطلاب وأفراد المنظومة ليكونوا شركاء في عمليات الإنشاء والتعلّم مع المدرسين والموظفين وكبار الإداريين.
  4. قيادة النظام. يجب على القادة تجسيد هذه القيم وإضفاء الطابع المؤسسي عليها في جميع الأقسام مع سعيهم لابتكار أنظمة تولّد نتائج عادلة أكثر سواء في الجامعة أو المجتمع، وهذا يشمل إدراك أنه بإمكان أي شخص أن يكون قائداً من خلال التفاعلات الديناميكية مع زملائه وإجراء التجارب غالباً. يبدي القادة صناع التغيير في الجامعات التزاماً قوياً تجاه الغاية، ويتعاملون مع الآخرين بتعاطف وتواضع وتتطابق أفعالهم مع قيمهم ويعززون الشمول الاجتماعي والعمل التعاوني والمجازفة ويدعمون مرونة الفرق ويعملون على إعادة تصميم الأنظمة لأجل الصالح العام. يتوافق ذلك مع كثير من العقليات والمهارات التي كشفت عنها الدراسة التي أجرتها شركة ماكنزي أند كو على زملاء مؤسسة أشوكا حول قادة تغيير الأنظمة.

التعريف بالسلسلة: حالات الابتكار وصناعة التغيير

سنشارك في هذه السلسلة قصصاً ملهمة عن التغيير والابتكار اللذين يخلقان قيماً جديدة للطلاب والمؤسسة والمجتمع، تنشأ بعض الأمثلة من داخل الكليات أو الجامعات نفسها، في حين تنشأ أمثلة أخرى خارج القطاع الأكاديمي.

سنناقش الطرق التي تتبعها الكليات والجامعات في القيام بما يلي:

  • الاستجابة للزعزعة على نحو مبتكر من أجل تجديد صلتها بالواقع، ومن الأمثلة على الزعزعة تنامي المنافسة أو ازدياد التفاوت في الناحيتين الاقتصادية والتعليمية أو أزمة المناخ
  • معالجة قضايا المساواة والتنوع والشمول من خلال مشاركة الطلاب وأعمال التعليم والبحث والسياسات
  • إعادة تصميم نفسها على مستوى الاستراتيجية أو نظام التعليم أو البحث من أجل تحقيق أثر أكبر

كما ستقدم هذه القصص أمثلة على ما يلي:

  • أشكال المؤسسات الجديدة التي تنشأ من الصفر، سواء كانت كلية ناشئة بنماذج تعليمية وتشغيلية مبتكرة، أو مؤسسات التعليم العالي القائمة التي تتبنى ما يدخله الشركاء الخارجيون إليها من أساليب ومسارات تعليمية ريادية
  • المؤسسات الوسيطة التي تسهم في الابتكار والتحويل في قطاع التعليم العالي سواء على النطاق الوطني أو العالمي

دعوة للمشاركة

ستميط هذه السلسلة اللثام عما هو قائم بالفعل وما يمكن أن يكون مستقبلاً وما يمكن فعله، ونأمل أن تشجعك على الانضمام إلينا.

بالنسبة لمن يعمل ضمن قطاع التعليم العالي، تدعوك هذه السلسلة لتصوّر أشياء جديدة ضمن جامعتك والمشاركة في تغيير الأنظمة وابتكارها. ندعوك للتفكير في طريقة غرس مؤسستك لصناعة التغيير والابتكار على اعتبارهما أولويات أساسية، والطريقة التي يمكنك اتباعها للابتكار ضمن مجال تأثيرك. إن لم تتصل بشركة أشوكا يو بالفعل، ندعوك للاشتراك في نشرتنا الإخبارية للاطلاع على أهم الأخبار والمستجدات والانضمام إلى الفعاليات المستقبلية مع مؤسسة أشوكا يو.

وبالنسبة لمن يعملون في قطاعات أخرى، ستشكل هذه السلسلة دعوة لتعلم طرق إعداد قطاع التعليم العالي نفسه وأصحاب المصالح فيه للتحول إلى صناع التغيير من أجل الصالح العام. كما أنها دعوة للتفكير في الطرق التي تتيح لك الاستفادة في عملك، سواء كان في القطاع الخاص أو العام أو المجتمع المدني، من الأصول الهائلة التي يقدمها قطاع التعليم العالي لمؤسستك أو قوتك العاملة المستقبلية أو لمجتمعك.

حيثما كنت، أنت بحاجة أكبر من أي وقت مضى إلى قيادة تغيير الأنظمة والابتكار لأجل الصالح العام، وعلى الرغم من أن مؤسسات التعليم العالي تعتبر عادة “مؤسسات راسخة” قائمة على المكان وتتمتع بموقع ممتاز لخدمة احتياجات مجتمعها، فالحافز لإقامة الشراكات الابتكارية في صناعة التغيير سيكون حتمياً في جميع القطاعات.

من سلسلة ابتكار قطاع التعليم العالي لأجل الصالح العام الجديدة التي تقدمها منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي بالتعاون مع مؤسسة أشوكا يو.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.