ترسخ الحوكمة مبادئ المساءلة والشفافية والكفاءة وسيادة القانون على جميع المستويات، وتسمح بالإدارة الفعّالة للموارد البشرية والطبيعية والاقتصادية من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
تنطبق الحكومة على القطاعين العام والخاص من ناحية قيام الاستثمارات على أساس المنافسة الحرة التي تعود بالنفع على الأفراد، فيما تتجلى الحوكمة الرشيدة في المؤسسات غير الربحية من خلال الشفافية في التعامل مع الموظفين والمانحين والمستفيدين، والتخلي عن ازدواجية المعايير في تقديم المساعدات.
الحوكمة شرط ضروري لتحقيق التنمية المستدامة
ظهرت الحاجة لنظام الحوكمة بعد الأزمات الاقتصادية التي شهدتها دول شرق آسيا، وأميركا اللاتينية، وروسيا في أواخر التسعينيات ومطلع العشرينيات من القرن العشرين، لتصبح شرطاً ضرورياً لتحقيق التنمية المستدامة وذلك عبر خلق الظروف المناسبة لصقل المهارات والقدرات البشرية وتعزيز الديمقراطية وتحسين مستوى المعيشة ودعم العدالة والمساواة في الفرص والإمكانات والدخل.
الاستدامة لا تعني الاستمرارية بل تطور النتائج على المدى الطويل، بالتالي يمكن النظر إلى العلاقة بين الحوكمة والتنمية المستدامة من خلال ثلاثة نطاقات:
- النطاق المحلي: يشمل الحضر والريف وجميع الفئات الاجتماعية.
- النطاق العالمي: أي التوزيع العادل للثروة بين الدول المتقدمة والنامية، وبناء علاقات دولية على أسس الاحترام الإنساني والالتزام القانوني.
- النطاق الزمني: أي مراعاة مصالح الأجيال المقبلة.
لا يمكن الحديث عن التنمية المستدامة في ظل سوء إدارة الموارد البشرية والمادية المتاحة، لذا تساعد الحوكمة في:
تحسين جودة الحياة
تعد الحوكمة أداة فعّالة لتحويل النمو الاقتصادي إلى تنمية بشرية مستدامة، لأن النمو الاقتصادي وسيلة لتحقيق التنمية البشرية المستدامة وليس غاية في حد ذاته، وبالتالي تركز الحوكمة على تحسين المستوى المعيشي للأفراد، وتنظر إلى الإنفاق على التعليم والرعاية الصحية كاستثمار بعيد المدى يعزز جودة الحياة.
ومن هذا المنطلق، يُصنف تقرير التنمية البشرية السنوي الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الدول وفقاً لاتباعها معايير جودة الحياة، والتركيز على الإنسان في عملية التنمية، من خلال مساواة جميع الأفراد أمام القانون، وتوافر الفرص لهم لتعزيز طاقاتهم وإمكاناتهم، وتمكينهم من المشاركة الفعلية في القرارات التي تؤثر في حياتهم.
فرص اقتصادية أفضل
تبحث الشركات دوماً عن فرص لتعظيم نموها وزيادة مواردها، لكن ذلك لا يتم دون الأخذ بالعوامل الاجتماعية والبيئة التنظيمية المحيطة، التي تساعد على بناء ممارسات وإجراءات تلبي الاحتياجات المستدامة لدى أصحاب المصالح كافة.
ويعد الفساد من أهم عوائق نمو الشركات واستدامتها، وبالتالي ترسيخ معايير المساءلة والشفافية في مجال الخدمات الاجتماعية الأساسية، سيخلق بيئة استثمارية مستقرة قادرة على جذب مصادر أموال جديدة وتوسيع نطاق الفرص الاقتصادية، وينطبق ذلك أيضاً على القطاع الضريبي، إذ تساعد الحوكمة على تبسيط إجراءات التحصيل وضمان أكبر قدر من الشفافية في فرض الضريبة، ما يمكن من تنشيط الاقتصاد وتفعيل التنمية المستدامة.
وبما أن صلاح المجتمع من صلاح اقتصاده، فحكومة الشركات والمؤسسات تعزز تنمية المجتمعات واستقرارها، من خلال زيادة فرص العمل والتي تؤدي بدورها إلى الحد من مظاهر العنف والجريمة.
ترسيخ الالتزام البيئي
لا يمكن فصل البيئة عن الاقتصاد والمجتمع، فهي أحد الأبعاد الرئيسة الثلاث للتنمية المستدامة، وتسمح الحوكمة بتحقيق هذا البُعد من خلال الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية، واعتماد الشفافية في الإفصاح عن تقارير الشركات والمؤسسات والآثار البيئية لأنشطتها، وإدارة المخاطر البيئية الناجمة عن هذه الأنشطة والحد منها، وتطوير خدمات ومنتجات تستخدم الموارد الطبيعية بكفاءة وفعالية على المدى الطويل.
5 مبادئ أساسية لتفعيل الحوكمة
تمثل الحوكمة حلقة الوصل بين الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، والتزام الدول بها بات أمراً مهماً لوضع الخطط ورسم السياسات وتعزيز سلطة القانون حتى يتسنى للأفراد المشاركة في صنع التغيير وتحقيق التنمية المستدامة.
وعلى الرغم من جهود الحكومات ومساعيها لتطوير التشريعات والسياسات المتعلقة بالحوكمة وتطبيقاتها، فإن هناك بعض الإصلاحات اللازمة في عمل المؤسسات من أجل تفعيل دور الحوكمة في التنمية المستدامة، لذا أقر المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة في يوليو/تموز عام 2018، مبادئ تركز على الفعالية والمساءلة والشمولية لمساعدة الدول على بناء مؤسسات قوية وتسليط الضوء على الحاجة لتفعيل الحوكمة والاستجابة الفعالة، وأهمها:
الكفاءة: يجب أن يكون لدى المؤسسات ما يكفي الخبرة والموارد والأدوات لأداء المهام بفاعلية، وهو ما يتطلب تنمية الموارد البشرية والتركيز على التدريب والتطوير، والاستثمار في التكنولوجيا، والتشجيع على التفكير التصميمي الذي يدفع لاختبار الافتراضات التي تم تجاهلها في أثناء عمليات التحضير والتنفيذ لتقديم خدمة معينة.
السياسة السليمة: يجب أن تكون السياسات العامة متماسكة مع بعضها البعض وقائمة على الصواب بما يتفق تماماً مع منطق السبب والنتيجة، ويتحقق ذلك بالتخطيط وتحليل الأثر التنظيمي ووضع أطر إدارة المخاطر ومشاركة البيانات، وتعزيز أنظمة التقييم والرصد.
التعاون: تتطلب معالجة المشاكل التنموية التعاون بين الحكومات والجهات الفاعلة الأخرى من أفراد ومؤسسات على نفس الغاية والغرض والنتيجة، إذ تسمح الحوكمة التعاونية بالمشاركة الشعبية في تصميم السياسات، وتفتح الباب أمام قدرات ووجهات نظر فريدة تدعم مصالح الآخرين ومواقفهم.
ويمكن تطبيق مبدأ التعاون من خلال تعزيز الشراكات بين أصحاب المصلحة، وترسيخ التكامل والحوار عبر مستويات الحكومة والمجالات الوظيفية المتعددة.
النزاهة: تحقق الشركات والمؤسسات أثاراً إيجابية في المجتمع عندما تركز على خدمة المصلحة العامة وتأدية المهام بصدق وبما يتفق مع القيم والأخلاق السائدة، وهناك العديد من الممارسات التي يمكن اتباعها لترسيخ هذا المبدأ، مثل وضع مدونات السلوك، والقضاء على الرشوة وتضارب المصالح، وترسيخ عدالة الأجور.
عدم التمييز: تعد المساواة الأساس الذي تُبنى عليه المؤسسات القوية، إذ يؤثر عدم التكافؤ العرقي في معدلات استبقاء الموظفين وعلاقات الزمالة بينهم وأداء الفِرق. إلى جانب أهمية تنوع القوى العاملة؛ يجب حظر التمييز في تقديم الخدمات العامة وتوفيرها بلغات متعددة لضمان وصولها إلى جميع الأفراد.