بناء ثقافة المساءلة: كيفية تعزيز التكافؤ العرقي ضمن مؤسستك

التمييز العرقي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في الصيف الماضي، تم توجيه دعوة للمؤسسات من مختلف القطاعات لتوضيح أسباب عجزها عن معالجة مشكلة التمييز العنصري المنهجي، فاستجاب العديد من قادة المؤسسات لردود الفعل السلبية بطلب خدمات التدريب والاستشارات من محترفين في مجال التمييز العنصري، وأنا منهم. لكن للأسف، لم يدرك كثير من هؤلاء القادة أن إقامة سلسلة جلسات تدريبية حول مكافحة التمييز العنصري أو إصدار مجموعة من التصريحات العلنية والمعايير المتعلقة بالتنوع والمساواة والشمول ليس كافياً لمعالجة الأسباب الأساسية للتمييز العنصري المنهجي والبنيوي في بيئة العمل ضمن مؤسساتهم. في المراحل الأولى من التغيير، يعتبر إعداد الموظفين للمشاركة على نحو مثمر في الحوارات المتعلقة بالتمييز العنصري وتطوير سياسات وممارسات تستأصل اللا مساواة العرقية عملاً مهماً، لكن من دون ثقافة المساءلة لن يكون أي جهد لتفادي ضرر التمييز العنصري أو محاولة تداركه عند وقوعه بطريقة مناسبة كافياً لإصلاح الضرر وسيرسخ انعدام الثقة وسيعمق الشروخ بين الموظفين.

تخيل معنا هذا المشهد: يعمل زميلان، أحدهما رجل أبيض البشرة (وليكن اسمه طارق) والثانية امرأة ذات بشرة داكنة (وليكن اسمها لجين)، معاً في تنفيذ مشروع ويتشاركان في إلقاء عرض تقديمي للتعريف به في اجتماع عام. في نهاية العرض التقديمي، يثني الرئيس التنفيذي على عملهما، وهو أيضاً رجل أبيض البشرة، ثم يطلب من جميع الحاضرين أن يطرحوا اقتراحاتهم أو أسئلتهم حول هذه المبادرة الجديدة على طارق، ويقول قبل أن يغادر قاعة الاجتماع: “أحسنت صنعاً يا طارق”. لا يلحظ البعض تجاهل الرئيس التنفيذي للجين، في حين يدرك البعض الآخر أنه لم يعترف بعملها، ومع مغادرة الموظفين لقاعة الاجتماع يتحدثون فيما بينهم عن الموقف الذي شهدوه لتوهم، متحيّرين بشأن الطريقة المناسبة لمعالجته. تتحدث لجين إلى مديرتها معربة عن صدمتها من الموقف الذي تعرضت له للتو، فتنقل تلك المشرفة، وهي من أعضاء فريق القيادة العليا، هواجس لجين إلى الرئيس التنفيذي الذي يقرّ بخطئه في تجاهل مساهمات لجين في المشروع، ولكنه يبرره بقول إنه يعرف طارق أكثر من لجين. في النهاية، يرسل الرئيس التنفيذي رسالة إلكترونية يوجه فيها اعتذاراً إلى لجين، وهذا كل شيء. هذا الموقف هو إساءة عنصرية خفية وقعت على مرأى من جميع موظفي المؤسسة، ويواصل الزملاء مناقشة ما حدث محاولين فهمه، وتزداد حدة التوتر مع مرور الوقت، فيبدأ الموظفون بالانحياز إلى أحد الطرفين؛ بعضهم يضع أعذاراً تبرر تصرف الرئيس التنفيذي، والبعض الآخر يستشهد به على اعتباره مثالاً على التمييز العنصري المؤسسي.

انتشرت الآثار المتموجة التي نتجت عن سلوك التمييز العنصري المؤذي الذي بدر من الرئيس التنفيذي في المؤسسة بأسرها. ذلك التصرف الذي يبدو تافهاً جداً في ظاهره هو إساءة خفية واحدة تضاف إلى كثير من سلوكيات التمييز العنصري الأخرى في التعامل بين الأفراد والسياسات المؤسسية التي تدعم عدم إتاحة الفرص العادلة للموظفين ذوي البشرة الملونة، وسيؤدي إلى عواقب وخيمة جداً، والاعتذار برسالة إلكترونية هو معالجة مشكلة منهجية عميقة بحل مؤقت لن يدوم أثره طويلاً. يعدّ الرئيس التنفيذي محطاً لأنظار الجميع لأنه في موقع سلطة، ولذلك من الضروري أن يقرّ بتأثير تصرفه على جميع الموظفين، وتلك هي الخطوة الأولى في عملية المساءلة.

ما هي المساءلة؟

عواقب الفشل في بناء ثقافة المساءلة كبيرة؛ فانعدام المساءلة يؤثر في معدلات استبقاء الموظفين وعلاقات الزمالة بينهم وأداء الفرق. لاحظنا في دراسة أجراها مركز ابتكار المواهب (Center for Talent Innovation) في عام 2019 أن نسبة تصل إلى 79% من الموظفين من ذوي البشرة الداكنة في بعض مناطق الولايات المتحدة أبلغوا عن تعرضهم للتمييز العنصري وأن ثلث الموظفين ذوي البشرة الداكنة يتركون وظائفهم بعد مرور عامين على الأرجح بسببه. الشركات التي لا تقدّر المواهب الفريدة التي يتمتع الموظفون أصحاب البشرة الداكنة بها وتعجز عن كسب ثقتهم تقيّد قدرتها على الإبداع والابتكار، كما أنها تُفسد علاقات الزمالة وتقوّض العمل التعاوني بين الموظفين وتعرقل أداءهم وإنتاجيتهم.

كما يؤدي ارتفاع معدل الدوران الوظيفي إلى إضعاف الذاكرة المؤسسية وهدر موارد الوقت والطاقة الثمينة في الجهود المتواصلة لتعيين الموظفين الجدد وإعدادهم. في دراسة أجريت في عام 2018 حول التنوع والأصالة في مكان العمل نُشرت في مجلة هارفارد بزنس ريفيو تبيّن أن الموظفين أصحاب البشرة الملونة يحضرون غالباً الفعاليات الاجتماعية التي تنظمها الشركة بسبب شعورهم بأنهم ملزمون بذلك أو لإثبات تماشيهم مع ثقافة الشركة، وما أن يصلوا إلى هذه الفعاليات يعدّون أنفسهم للتوتر الذي ينجم عن التفاعلات الاجتماعية المربكة مع زملائهم أصحاب البشرة البيضاء الذين يفتقرون إلى الثقافة العرقية. عندما يعجز أعضاء الفريق عن توطيد العلاقات فيما بينهم خوفاً من تعرضهم لإساءات خفية من دون أن يخضع المسيء للمساءلة، فسيواجهون صعوبة في بناء الثقة اللازمة للتعاون مع الآخرين بفعالية؛ وحين تضطر لجين مثلاً للتعاون مع طارق مرة أخرى ستتذكر أنه لم يدافع عنها عندما لم يعترف مديرهما بعملها.

من الضروري غرس ثقافة المساءلة في جهود المؤسسة من أجل مواجهة التمييز العنصري وتعزيز العدالة العرقية، وسيؤدي عدم تحديد هيكلية المساءلة قبل ظهور الحاجة إليها إلى تقويض أي تقدُّم تحرزه المؤسسة في سعيها لبناء مكان عمل شامل ومنصف. كي تتمكن المؤسسات من ممارسة ثقافة المساءلة بنزاهة وحرص، يجب أن تميّزها عن العقوبة؛ تقول أستاذة دراسات المرأة والنوع الاجتماعي بجامعة دوبول، آن روسو، في مقالها حول ممارسات المساءلة: “يعتبر مفهوم المساءلة في هذا المجتمع غالباً مرادفاً لمفهوم العقوبة و العار و(أو) الأذية بقصد الانتقام. لكن ماذا لو أصبح مرادفاً لحمل الفرد مسؤولية الأذى الذي تسبب به وتصحيحه، وعزمه على فهم سلوكه المؤذي ودوافعه الأساسية وتغييره وتحويله إلى سلوك إيجابي؟” يرتبط الفرق بين المساءلة والعقوبة بالعلاقات؛ العقوبة تنهي العلاقة لأنها نابعة عن مفاهيم العزلة والعار والقطيعة، في حين تتطلب المساءلة التواصل والتفاوض حول الاحتياجات، وإتاحة المجال لإصلاح الضرر، ومنح الفرصة ليثبت الفرد قدرته على التغيير وجدارته بالثقة من جديد. يجب أن تدرك المؤسسات التي تبدي التزاماً تجاه تحقيق العدالة العرقية أن هذه الخطوة تقتضي اتباع أساليب جديدة للحديث عن العِرق والتمييز العنصري، ووضع استراتيجيات جديدة تعالج سلوكيات التمييز العنصري المؤذية وتهدف إلى ترميم الثقة وتعزيزها.

للمساءلة 3 أنواع لها أهمية كبيرة في تحقيق هذه الغاية: أولها المساءلة الذاتية؛ أي أن تتحمل مسؤولية أفعالك وتبعاتها. يجب أن يدرك كل عضو من الفريق دوره في بناء ثقافة تتعهد بتحقيق الشمول وتعزيز الانتماء والعدالة، ويبدأ هذا الإدراك من تحمل كل فرد المسؤولية عن مساهماته الشخصية في تلك الثقافة. فبدلاً من أن يختلق الرئيس التنفيذي عذراً لتجاهله الموظفة في الاجتماع مثلاً، كان حرياً به أن يأخذ بعض الوقت لتلقي ردود الفعل، والتفكير في مسؤولياته تجاه موظفيه والأثر الذي توقعه تصرفاته على الجميع. وبصفته رجلاً أبيض البشرة في مركز سلطة، يجب أن يتجنب تحويل ضعفه إلى سلاح يحمي نفسه به من مواجهة موقف مربِك. كما يجب أن تشمل المساءلة الذاتية بالنسبة لرجل أبيض البشرة في مركز سلطة الإقرار بأن أعراف القيادة التقليدية القائمة على مفاهيم سيادة العرق الأبيض التاريخية تمنح الأولوية لسلامته وراحته على حساب الآخرين، وعندما يتصرف بطريقة مؤذية فمن المرجح أن يتعاطف زملاؤه معه ويؤكدوا أنه شخص صالح، ويحثّوا من وقع عليهم الأذى على اعتبار أنه شخص يحمل نوايا حسنة لكنه غير معصوم عن الخطأ، ويقولون لمن تعرَّضوا للإهانة أنهم يبالغون في ردود فعلهم، أو أنهم يتعاملون بحساسية مفرطة، أو يسيئون تفسير الموقف.

ثاني أنواع المساءلة هي المساءلة المتبادلة؛ وهي تقوم على تحديد جدول أعمال مشترَك لصنع التغيير، بدلاً من الاعتماد على نموذَج مراقبة تنازلي (من القمة إلى القاعدة) قائم على مفهوم العقاب. يقول منظما القاعدة الشعبية لمكافحة التمييز العنصري، تيما أوكون وكينيث جونز، إن الموقف الدفاعي سمة رئيسة لثقافة تفوق العرق الأبيض. تتحدى المساءلة المتبادلة أعضاء الفريق لتجاوز مواقفهم الدفاعية، والتركيز على تبعات تصرفاتهم بدلاً من الاختباء خلف نواياهم الحسنة المعلَنة، والسعي لإصلاح الضرر الناجم عن تصرفاتهم. تستوجب المساءلة المتبادلة التزام الفرد منح العلاقات الأولوية وتفضيلها على حاجته إلى إثبات أنه على حق أو إلى تلميع صورته على اعتباره “شخصاً صالحاً”. بعد أن يفكر الرئيس التنفيذي في أثر تصرفاته سيتواصل مع لجين لتحديد موعد يناسبها لعقد اجتماع ومناقشة ما حدث، وسيحرص على أن يحدد موعد الاجتماع وفقاً لما يلائمها كي تكون مرتاحة. ومن الممكن أن تطلب لجين انضمام شخص آخر إلى الاجتماع بصفة ميسّر أو شاهد أو حليف، وفي الاجتماع سيصغي الرئيس التنفيذي إلى لجين وهي تصف التجربة التي مرت بها وتبين الضرر الذي تسبب لها به. ثم سيحددان معاً الخطوات التالية التي سيتخذانها لمنع حدوث مواقف مماثلة.

النوع الثالث من المساءلة هو مساءلة المجتمع، وهو نهج ابتكرته ناشطات نسويات ذوات البشرة الملونة يعملن لإنهاء العنف القائم على النوع الاجتماعي في بداية العقد الأول من الألفية الثالثة. في مؤسسة “إنسايت! النساء ذوات البشرة الملونة ضد العنف” (INCITE! Women of Color Against Violence) تُعرَّف مساءلة المجتمع بأنها عملية يتعاون فيها المجتمع، وهو مكان العمل في حالتنا هذه، على تطبيق ما يلي:

  1. توفير الأمان والدعم لمن تعرضوا للتمييز العنصري.
  2. إنشاء قيم وممارسات وإقرارها لمكافحة السلوك المسيء والقمع وتعزيز الأمان وتقديم الدعم والمساءلة.
  3. تطوير استراتيجيات مستدامة للتصدي للسلوك المسيء الذي يبديه فرد أو أفراد في المجتمع، وتنسيق الإجراءات اللازمة لمحاسبتهم على سلوكهم وتغييره.
  4. التزام التطوير المستمر لجميع أفراد المجتمع والمجتمع نفسه من أجل تغيير الظروف التي تعزز القمع.

لا يعود التمييز العنصري في مكان العمل بالضرر على الأفراد المعنيين فقط بل على المجتمع كله. سواءً كانت الإساءة تحيزاً عنصرياً غير مقصود، أو قراراً متحيزاً، أو استغلالاً للسلطة، يجب أن يتكاتف جميع أفراد المؤسسة للتصدي لهذه الإساءة اعتماداً على نوعي المساءلة الأولين اللذين من المفترض أن يكونا راسخين في المؤسسة. بما أن جميع الموظفين كانوا شاهدين على الإساءة الخفية التي بدرت عن الرئيس التنفيذي في مثالنا، فمن الضروري أن تتاح لهم الفرصة للاجتماع والتفكير بالأثر الذي أوقعه هذا السلوك عليهم، ويمكن أن يعلنوا عما يقومون به من نقاشات وإجراءات بهدف إصلاح الضرر إن لم تمانع لجين ذلك. كما يتيح هذا الحوار الجماعي فرصة لمراجعة الظروف التي أدت إلى وقوع هذه الإساءة، هل تعكس هذه الإساءة نمطاً سلوكياً، ليس لدى الرئيس التنفيذي فقط بل في المؤسسة بأكملها؟ هل تظهر سلوكيات التمييز العنصري بأشكال أخرى سواء على مستوى المؤسسة أو بين الأفراد؟ هذه هي الأسئلة التي يجب على كل مؤسسة دراستها لفهم الأسباب الأساسية للإساءات العنصرية. في حين أن الهدف الرئيس هو منع الإساءات العنصرية، فالرحلة نحو بناء مؤسسة شاملة اجتماعياً ومناهضة للتمييز العنصري بحق تقتضي بناء ثقافة مساءلة راسخة.

7 سياسات لبناء ثقافة المساءلة

تستطيع أي مؤسسة أن تبني ثقافة المساءلة عن طريق تبني مجموعة من السياسات المثبتة في مكافحة التمييز العنصري:

الإقرار بالإساءة: أولاً لا بدّ أن تقِرّ بأن الإساءة لا تؤثر على الأفراد المعنيين فقط، بل على جميع من في المؤسسة، وفي كثير من الأحيان، تؤدي المحاولات الرخوة للتصدي للسلوكيات العنصرية إلى توسيع الشروخ بين أعضاء الفريق بسبب عدم مشاركة المجتمع بأكمله في عملية إصلاح الضرر. يجب أن يكون الإقرار بالإساءة واضحاً ومباشراً ويركز على الأثر لا النية.

ترسيخ مجموعة من القواعد الداخلية لمكافحة التمييز العنصري: تتبنى مؤسسات كثيرة مجموعة قيم معلَنة تحدد مسار عملها، لكن يجب عليها أيضاً أن تحدد القواعد السلوكية الداخلية التي تحدد طرق تعامل الموظفين فيما بينهم؛ في حين تعكس القيم المُثل العليا التي نودّ أن نرتقي إليها، تحدد القواعد السلوكيات والتوجهات المقبولة التي يفرضها المجتمع، وفي ثقافة المساءلة يجب أن تحدد القواعد معياراً لسياسة مكافحة التمييز العنصري وترسم حدوداً واضحة في العلاقات، ويجب تطبيق أنظمة المساءلة في حال مخالفة هذه القواعد. في حالة الإساءة الخفية التي بدرت من الرئيس التنفيذي، لم يكن لدى المؤسسة أي معايير راسخة؛ وبالتالي يكون أول إجراء يجب أن تتخذه لتنفيذ المساءلة المجتمعية هو تحديد هذه المعايير الاجتماعية، ثم محاسبة جميع من في المؤسسة وحتى أصحاب أعلى المناصب على التزام هذه المعايير.

السعي لإصلاح الضرر: يتطلب ترميم العلاقات المتضررة واستعادة الثقة المفقودة وقتاً طويلاً وعقد لقاءات متابعة دورية لفهم احتياجات الموظفين والطرق الممكنة لتلبيتها. ومن المهم وضع احتياجات الشخص الذي تعرض للإساءة موضع التركيز مع إشراك الآخرين أيضاً في تحديد التغيير الذي يجب إحداثه. ما هو الإجراء المناسب لتدارك هذا السلوك بالذات؟ قد يكون إنهاء خدمة الموظف ضرورياً عندما يعكس الموقف أحد أنماط الإساءة التي تخالف أنظمة مكافحة التمييز الداخلية، لكن هذه القوانين تلقي عبء الإثبات على عاتق الطرف المتضرر، وتطالبه بتقديم دليل على وجود نية عنصرية لدى الطرف المسيء. لكن في ثقافة المساءلة لا تنحصر إجراءات الإصلاح في إنهاء خدمة الموظف المسيء؛ إذ إن الاعتماد على القانون وحده من أجل المساءلة يؤدي إلى عجز المؤسسة عن محاسبة غالبية من يرتكبون إساءات عنصرية في مكان العمل، بل يقتضي إصلاح الضرر تقديم اعتذار وإجازة مدفوعة الأجر للموظف المتضرر، ونقل أحد الموظفين إلى مكتب أو فريق جديد.

المهارة في التنسيق: احرص على أن تدخل إلى فريقك ميسّراً خبيراً يقود عملية تحويل النزاعات بين الأطراف المعنية أو عملية إصلاح المجتمع بمشاركة جميع أفراد المؤسسة. لن ينجح التنسيق إلا إذا اهتم طرفا العلاقة بالحفاظ عليها، وفي حالة إنهاء الخدمة لن يشارك الشخص المسيء في هذه العملية أساساً. يبدأ تنسيق عملية التصدي للإساءة العنصرية بتقييم الأطراف المعنية وأخذ إفاداتهم عن الحادثة وسؤالهم عما يطمحون إلى تحقيقه، ولكن ينبغي ألا يجبر أحد على المشاركة في هذه العملية كي لا تتداعى ويتسع الشرخ بين زملاء العمل.

مجموعات التقارب العرقي: يؤدي تشكيل مجموعات التقارب العرقي إلى إفساح المجال للتعلُّم من الأقران والتعافي والقيام بالمساءلة المتبادلة. ويجب أن يكون لمجموعات التقارب التي تضم أفراداً من أصحاب البشرة البيضاء جدول عمل واضح يركز على التعلم والتدريب على مكافحة التمييز العنصري، حيث يفكر هؤلاء الأفراد في طرق مشاركتهم في إنهاء سيادة العرق الأبيض والعمل بوصفهم حلفاء حقيقيين لزملائهم أصحاب البشرة الملونة. لا تهدف هذه الإجراءات إلى فضح المسيء أو إلقاء اللوم عليه، بل إلى حث الموظفين على حمل مسؤولية الارتقاء بثقافة المؤسسة لصالح الجميع. أما بالنسبة للموظفين أصحاب البشرة الملونة، تفسح مجموعات التقارب مجالاً لفهم حالات الإساءة العنصرية وتقديم الدعم المتبادل وتحديد الاستراتيجيات المناسبة للحدّ من الظروف التي أتاحت المجال لوقوع هذه الإساءات.

إنشاء حلقات التقييم: يُعدّ إنشاء أنظمة متاحة للجميع من أجل تبادل التقييمات عنصراً أساسياً آخر. قد تتنوع هذه الأنظمة بدءاً من الدراسات الاستقصائية التي تُحجب أسماء المشاركين فيها وصولاً إلى عقد اجتماعات دورية خاضعة للمراقبة لتبادل التقييمات والآراء. في الواقع، يجب أن يكون القادة في المراحل الأولى من التصدي للإساءات العنصرية مستعدين لعقد لقاءات متابعة دورية لمناقشة مستجدّات العملية ومتابعة المسائل المطروحة التي لم يتمكنوا من الإجابة عنها فور ظهورها.

ممارسة الخلاف المثمر: تدرك المؤسسات التي تقوم على ثقافة المساءلة الفرق بين الخلاف المثمر والأذى والإساءة. اعتاد معظمنا على تجنب الخلافات أو اعتبارها دليلاً على الفشل، ويؤدي هذا الخوف والحرص على تجنب الخلاف إلى ميلنا تجاه فرض العقوبة بدرجة أكبر؛ فعندما نعاقب شخصاً آخر لا نختبر حالة الضعف المربكة التي يولّدها خلافنا معه، إلى جانب أننا نُفلت من حمل مسؤولية مساهمتنا في انهيار علاقتنا به. الخلاف، وليس الأذى أو الإساءة، هو جزء طبيعي وضروري في جميع العلاقات، والعلاقات المهنية من ضمنها؛ ففي العمل لا يتجنب أعضاء الفريق الخلاف ولا يتذرعون بالمعايير المهنية القائمة على سيادة العرق الأبيض التي تفضل التهذيب والبرود على الوضوح والأسلوب المباشر. أما في ثقافة المساءلة، تدرك الفرق أن الخلاف يعزز الثقة ويوطّد العلاقات القائمة على التكافل والوعي الذاتي والإصلاح.

يتطلّب تأسيس ثقافة المساءلة استثماراً ضخماً في جميع الموظفين، وكما توضّح الكاتبة وخبيرة التنظيم، ميا مينغوس: “نحن بحاجة إلى التوقف عن محاسبة الأشخاص والبدء بدعم الموظفين ليبادروا بمحاسبة أنفسهم. ليس من المفترض أن يحاسبك أحد، فهذه وظيفتك أنت”. وعلى الرغم من أن كلاً منا مسؤول عن ممارسة المساءلة قبل أن يُطلب منه ذلك، فبإمكان المؤسسات مساعدة الأفراد والفرق على ممارستها من خلال تطبيق سياسات تمنح الأولوية للمساءلة وتعتبرها معياراً ثقافياً.

لا يمكن القضاء على التمييز العنصري في مكان العمل من دون زعزعة القواعد السلوكية والسياسات والممارَسات التي تحافظ على ديناميات السلطة الحالية. هذه المهمة مربكة وصعبة وسترتكب الكثير من الأخطاء في سعيك لتنفيذها، ولكنها ضرورية لإنشاء مؤسسة تكافح التمييز العنصري؛ فالمؤسسة التي تكافح التمييز العنصري بحق هي التي تخضع للمساءلة.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.