النمذجة المالية للمؤسسات غير الربحية: أفضل الممارسات والتحديات

4 دقيقة
shutterstock.com/VideoFlow
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تُعد النمذجة المالية إحدى أهم الأدوات التي يمكن أن تمتلكها المؤسسات غير الربحية، إذ تساعد على فهم الأداء المالي للمؤسسة والتنبؤ به، بما يمكّنها من تخصيص الموارد بكفاءة، وتخطيط الاستراتيجيات القصيرة المدى والطويلة المدى تخطيطاً أفضل، وتقييم المخاطر والحد منها.

ما أهمية النمذجة المالية للعمل غير الربحي؟

قد تواجه المؤسسات غير الربحية العديد من التحديات المالية منها، قلة مصادر التمويل ونقص الخبرة في إدارة التكاليف بكفاءة، وعدم القدرة على تحقيق التوازن بين الاستدامة المالية والالتزام بتحقيق الأهداف والتأثير المجتمعي، وضرورة الامتثال للوائح ومتطلبات إعداد التقارير المختلفة التي قد تستنزف الكثير من الوقت والمال.

لذا تحتاج المؤسسات غير الربحية إلى نماذج للتعامل مع البيانات المالية وتحليلها بدقة من أجل اتخاذ قرارات مبنية على حقائق تعكس الأداء الفعلي للمؤسسة، وتساعد على تحسينه، لأن قدرة المؤسسة على اختبار تفاعلات المتغيرات الاقتصادية في مجموعة متنوعة من البيئات أمر مهم في اتخاذ القرارات الفعّالة وتحقيق الاستدامة. ويمكن تلخيص أهمية النمذجة المالية في النقاط الآتية:

التخطيط الاستراتيجي وتحديد الأهداف: غالباً ما تعمل المؤسسات غير الربحية في بيئات محدودة الموارد، لكن اعتمادها على نموذج مالي جيد سيساعدها على تحديد أهداف واضحة، ومواءمة الموارد المالية مع مهمتها، فإذا كانت المؤسسة غير الربحية تُعنى بتعليم الشباب مثلاً وتهدف إلى توسيع برامج ما بعد المدرسة؛ فستتمكن من اتخاذ قرارات استراتيجية سليمة بناءً على نموذج مالي يوضح التكاليف والإيرادات واحتياجات التمويل.

طلبات المنح وجمع التبرعات: يتجه المانحون والمتبرعون إلى المؤسسات غير الربحية التي تثبت قدرتها على تحقيق الاستدامة المالية، وبالتالي تعمل النماذج المالية الدقيقة على تعزيز مصداقية المؤسسة في أثناء جهود جمع التبرعات، على سبيل المثال عندما تستخدم مؤسسة متخصصة في حماية الطبيعة نموذجاً يظهر كيفية استخدام أموال المنحة لاستعادة الغابات، ستزداد فرص حصولها على تلك المنحة.

تقييم المخاطر: تمرّ المؤسسات غير الربحية بحالات عدم يقين بسبب الانكماش الاقتصادي أو النفقات غير المتوقعة، لكن النماذج المالية ستسمح لها بتقييم المخاطر ووضع سيناريوهات تمويل مختلفة في المستقبل، وهذا ما يفيد منظمات الإغاثة في حالات الكوارث على وجه الخصوص.

بناء الثقة: تؤدي الممارسات المبنية على الثقة والشفافية إلى زيادة كفاءة الموارد، وبناء علاقة تفاعلية مع الممولين والمانحين، فمن المهم أن تربط المؤسسة أثر مشاريعها وبرامجها بالمقاييس المالية لجذب الجهات المانحة وأصحاب المصلحة، على سبيل المثال، يمكن ربط تكاليف برنامج محو الأمية بعدد المستفيدين الذين ساعدتهم المؤسسة على تعلم القراءة والكتابة.

وعليه، تتبنى المؤسسات غير الربحية نماذج مالية متعددة منها ما هو قائم على المنح التي تقدمها الوكالات الحكومية والشركات، ومنها ما يعتمد على عضوية الأفراد أو المؤسسات، أو يركز على الأنشطة المدّرة للدخل كأن تبيع مؤسسة غير ربحية متخصصة بالفن تذاكر عروض مسرحية أو تعقد ورشاً للتمثيل.

تعتمد بعض النماذج المالية أيضاً على بناء الأوقاف وإدارتها، مثل صناديق الوقف التي تنشئها الجامعات لتقديم منح دراسية مستمرة للطلاب، أو على الشراكات والتعاون مثل بنوك الطعام المحلية التي تتعاون فيما بينها لتبسيط لوجستيات التوزيع وتقليل التكاليف العامة.

ولا يمكن تحديد نموذج مالي مثالي يناسب الجميع، إذ غالباً ما تجمع المؤسسات غير الربحية بين عناصر من نماذج متعددة لإنشاء نموذج مختلط مصمم لسياقها الخاص بها، فالمسألة تتعلق بالأساس بمواءمة الاستراتيجيات المالية مع مهمة المؤسسة وقيمها وأهدافها الطويلة المدى، والعمل باستمرار على تكييف النماذج المالية لإحداث فروق في حياة المجتمعات.

على سبيل المثال، يركز نموذج بنك غرامين على الالتزام بالرعاية الاجتماعية وتقديم القروض الصغيرة للمحتاجين، وخاصة النساء، في المناطق الريفية في بنغلاديش، ومن خلال الجمع بين الاستدامة المالية والأثر الاجتماعي، فقد غيّر حياة أكثر من 8 ملايين شخص داخل بنغلادش.

وحفّزت مؤسسة أشوكا التغيير المنهجي من خلال تقديم الحلول المبتكرة للتحديات الاجتماعية، إذ يجمع نموذجها المالي بين تمويل المنح والاستثمار المؤثر والشراكات مع الشركات والحكومات.

فيما يلي كيفية التعامل مع النمذجة المالية بما يساعد على إنشاء خطط مستقبلية أكثر واقعية:

مشاركة صناع القرار

يجب أن يكون مجلس الإدارة جزءاً من بناء النموذج المالي للمؤسسة غير الربحية، ولكن من الضروري أن تبدأ عملية النمذجة بالتعاون مع صناع القرار الرئيسيين الآخرين في المؤسسة لضمان تلبية احتياجات الجميع، فكل منهم سيكون لديه جداول أعمال وأولويات مختلفة بناءً على دورهم داخل المؤسسة، وهو ما يجب أن ينعكس على النموذج المالي.

على سبيل المثال، يهتم مجلس الإدارة بتحديد نموذج الأعمال ويركز أكثر على البيانات العالية المستوى والأداء المتوقع، وتقييم التقدم المحتمل للمؤسسة على مدى السنوات القليلة المقبلة، في حين تركز السلطة التنفيذية على تحديد استراتيجية المؤسسة، وتسعى إلى بناء نموذج مالي يتنبأ بأداء المؤسسة في السنة المالية الحالية والمقبلة.

بدوره، يقرر فريق العمليات كيفية تنفيذ الاستراتيجية على أساس يومي، فيركز على النموذج المالي الذي يساعده على تتبع التوقعات الشهرية والنتائج الحقيقية. وبالتالي يجب جمع هذه الأطراف إلى دائرة النقاش حول النموذج المالي الأفضل للمؤسسة، أو أن يكون لديها القدرة على تحديد مشكلات مثل نقص التمويل، وتدفقات الإيرادات التي لا تُدرّ دخلاً كافياً، والنفقات غير المدرجة في الميزانية، وكذلك تحديد الغرض والأهداف من النمذجة بوضوح، سواء كان إعداد الميزانية أو إدارة المنح أو التنبؤ بالإيرادات.

اختيار الأداة المناسبة

يعد برنامج إكسل خياراً شائعاً للنمذجة المالية لأنه يتسم بمرونة كبيرة، فتغيير قيمة خلية واحدة يمكن أن يغير العمليات الحسابية على الفور عبر جدول البيانات، ومع ذلك، قد لا يرغب البعض في استخدامه خشية فقدان الإصدار الأصلي بسبب عدم معرفة كيفية عمل نسخة احتياطية من الأوراق أو حماية الصيغ الفردية.

لذا يمكن للمؤسسات غير الربحية البحث واستكشاف أدوات أخرى قد تناسب احتياجاتها بصورة أفضل وتوفر ميزات ووظائف إضافية مصممة بوجه خاص لهذا القطاع، منها مودانو (Modano) الذي يحتوي على المزيد من عناصر التحكم المضمنة لتجنب المشكلات الموجودة في برنامج إكسل، فعلى الرغم من أنه أقل مرونة، فإنه أقل عرضة لفقدان البيانات.

تنظيم البيانات والتأكد من دقتها

يجب أن تحتوي النماذج المالية على جمع البيانات ذات الصلة كافة، بما في ذلك حجم التبرعات والمنح أو رسوم العضوية والنفقات العامة التي تضم رواتب الموظفين والمكافآت والحوافز، وتكاليف الإيجار والمرافق واللوازم المكتبية والتأمين، والنفقات المتعلقة ببرامج أو مشاريع محددة مثل البرامج التعليمية التي تحتاج إلى تقدير تكلفة أدوات التدريس والمدربين وإيجارات الأماكن.

ولا تُظهر النماذج المالية الفعّالة البيانات الجيدة فقط، بل تعكس بدقة الواقع المالي للمؤسسة سواء كان إيجابياً أو سلبياً، فالهدف من أداة النمذجة المالية هو التنبؤ بالشكل الذي ستبدو عليه الموارد المالية للمؤسسة بأكبر قدر ممكن من الدقة.

لذا من المهم بناء النموذج المالي بطريقة توفر البيانات الأكثر موثوقية، وهذا يعني التمييز بين الدخل الذي يمكن للمنظمة الاعتماد عليه باستمرار، والدخل الذي من المرجح أن يكون مؤقتاً، فبناء التوقعات وفقاً لمعلومات غير مستدامة، قد يؤدي إلى سوء فهم البيانات الحقيقية والإفراط في الإنفاق.

ويساعد أيضاً التمثيل المرئي للبيانات المالية من خلال المخططات والرسوم البيانية والجداول المحورية على تقديمها بطريقة جذابة وسهلة الفهم، ومن خلال تصور البيانات؛ يمكن تسليط الضوء على الأنماط والقيم المتطرفة بما يُمكّن أصحاب المصلحة من اتخاذ قرارات تعتمد على البيانات.

يمكن اعتبار النمذجة المالية حجر الزاوية في عمل المؤسسات غير الربحية إذ تسمح لها بعكس أدائها الحالي بدقة وتوقع السيناريوهات المستقبلية واتخاذ قرارات سليمة، لكن تبقى فعاليتها مرهونة بمدى ملاءمتها لأهداف المؤسسة وقيمها على المدى الطويل.