نماذج التمويل غير الربحي العشر

تمويل
www.unsplsh.com/ rupixen
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

المال موضع نقاش دائم بين قادة المؤسسات غير الربحية: ماهو المبلغ الذي نحتاج إليه؟ كيف يمكن أن نحصل عليه؟ لماذا لا نحصل على المزيد منه؟ ويتكرر هذا النمط من الأسئلة أكثر ويصبح ملحاً بدرجة أكبر في الأزمات الاقتصادية. وللأسف، لا تتوفر الإجابات عن هذه الأسئلة بسهولة لأن قادة المؤسسات غير الربحية متمرسون في إنشاء البرامج أكثر من توفير التمويل لمؤسساتهم، وغالباً يواجه المتبرّعون صعوبة بالغة في فهم تأثير تبرعاتهم (وحدودها).

تنشأ عن هذا الغموض المالي عدة تبعات، فعندما لا تتكافأ المؤسسات غير الربحية مع مصادر التمويل، لن تتدفق الأموال إلى المواضع التي ستحقق فيها الفائدة الأكبر، وفي كثير من الأحيان يؤدي ذلك إلى إيقاف البرامج الواعدة أو تقييدها أو عدم إطلاقها أبداً، وعندما تشحّ الأموال من المرجّح بقوة أن تتهافت المؤسسات على نحو فوضوي على جمع التبرعات.

أما في العالم الربحي، نرى القضايا المالية بوضوح أكبر بكثير لا سيما حين نتحدث عن فهم طرائق عمل مجالات الأعمال المختلفة، والتي يمكن تجسيدها في مجموعة مبادئ تعرف باسم نماذج الأعمال. وعلى الرغم من عدم توفر قائمة تعريفية بنماذج أعمال الشركات، فثمة توافق كاف حول ما تعنيه بحيث يمكن للمستثمرين والمسؤولين التنفيذيين على حدّ سواء المشاركة في نقاشات معقّدة حول استراتيجية أي شركة؛ فعندما يصف شخص ما شركة بأنها “مزوّد لمنتجات أو خدمات منخفضة التكلفة” أو “سريعة المواكبة”، تكون الخطوط العريضة الرئيسية لطريقة عمل هذه الشركة شديدة الوضوح. وبالمثل، الإشارة إلى أن شركة ما تعمل وفق  نموذج “شفرة الحلاقة” (the razor and the razor blade” model) (الذي يعتمد على بيع المنتج الأساسي بتكلفة منخفضة وبيع مكمّلاته المرافقة له بتكلفة مرتفعة) يصف نوعاً من العلاقة المتواصلة مع العميل، وهي لا تنحصر في منتجات الحلاقة فقط.

تكمن قيمة هذا الإيجاز في السماح لقادة الشركات بتحديد طريقة نجاحهم في السوق بسرعة ووضوح، كما أنه يسمح للمستثمرين تسهيل مساءلة المسؤولين التنفيذيين حول الطريقة التي ينوون اتباعها لجني الأموال. يزيد هذا الكرّ والفرّ من احتمالات نجاح الأعمال التجارية وكسب المستثمرين المال وتعلّم الجميع المزيد من تجاربهم.

نادراً ما يشارك العالم غير الربحي في حوارات واضحة وموجزة مماثلة، حول استراتيجية المؤسسة الطويلة الأمد في التمويل، لأن أنواع التمويل المختلفة التي تغذي المؤسسات غير الربحية لم تحدّد بوضوح قطّ، ولا يمثّل هذا ضعفاً في اللغة والتعبير فحسب بل يمثّل ضعفاً في الفهم والتفكير السليم ويضاعفه.

حدّدنا من خلال بحث أجريناه 10 نماذج غير ربحية شائعة الاستخدام في أكبر المؤسسات غير الربحية في الولايات المتحدة، لا نهدف إلى تحديد نهج محدد لكل مؤسسة غير ربحية بل إلى مساعدة قادة المؤسسات غير الربحية على صياغة النماذج التي يعتقدون أنها تدعم نمو مؤسساتهم بوضوح أكبر، وتسخير هذه المعلومات لفحص الإمكانات والقيود المترافقة مع هذه النماذج.

اقرأ أيضاً: إرشادات مموِّل حول تغيير القادة في المؤسَّسات غير الربحية

المستفيدون ليسوا عملاءً

أحد أسباب عدم تطوير القطاع غير الربحي قاموس مصطلحاته الخاص بنماذج التمويل هي أن إدارة مؤسسة غير ربحية أعقد إجمالاً من إدارة شركات ربحية بالحجم نفسه. وعندما تجد شركة ربحية طريقة لخلق قيمة للعميل، تكون قد وجدت مصدر إيراداتها، فالعميل يدفع المال مقابل القيمة عموماً؛ لكن هذا لا ينطبق على القطاع غير الربحي إلا نادراً، وعندما تجد مؤسسة غير ربحية طريقة لخلق قيمة للمستفيد (مثل مساعدة سجين على الاندماج في المجتمع من جديد، أو إنقاذ نوع مهدد بالانقراض)، لا تكون قد حددت محرّكها الاقتصادي، بل هذه خطوة منفصلة.

يصف أستاذ إدارة الأعمال في جامعة ديوك، جيمس غريغوري ديس (J. Gregory Dees)، في عمله بريادة الأعمال الاجتماعية الحاجة إلى فهم كل من عرض القيمة للمتبرّع وعرض القيمة للمستفيد، وتتحدث الرئيسة التنفيذية لصندوق التمويل غير الربحي التي كتبت أيضاً عن هذه المعضلة بشكل رائع، كلارا ميلر، عن عمل جميع المؤسسات غير الربحية ضمن نوعين من الأعمال: أعمال متعلّقة بأنشطة برامجها، وأخرى متعلقة بجمع الإعانات المالية الخيرية.

ونتيجة لهذا التمييز بين المستفيد والمموّل يجب فهم الجوانب الأساسية (والمصطلحات المرافقة) لنماذج التمويل غير الربحي، بصورة منفصلة عن نماذج التمويل الخاصة بالعالم الربحي، ولهذا أيضاً نستخدم مصطلح نموذج التمويل بدلاً من نموذج الأعمال لوصف هيكلية العمل. يتضمّن نموذج العمل خيارات عن بنية التكلفة وعرض القيمة للمستفيد، في حين يركّز نموذج التمويل على التمويل فقط، وليس على البرامج والخدمات المقدّمة للمستفيد.

يمكن لجميع المسؤولين التنفيذيين في المؤسسات غير الربحية استخدام نماذج التمويل العشر التي نقترحها لتحسين طرق جمع الأموال وإدارتها، لكن تبرز فائدة هذه النماذج بوضوح أكبر عند توسّع المؤسسات غير الربحية؛ تتوفر عدة طرق لجمع مليون دولار سنوياً تقريباً، ويمكن ارتجال بعضها خلال هذه العملية، لكن بمجرّد أن تحاول المؤسسات جمع ما بين 25 مليون و50 مليون دولار أو أكثر سنوياً فلن تجد الكثير من الطرق الممكنة لتحقيق ذلك. يتناقص عدد صانعي القرار المحتملين الذين يمكنهم السماح بإنفاق مبالغ مالية ضخمة كهذه (أو يتعين عليك حشد عدد كبير منهم)، وأصبحت العوامل التي تحفزهم على الموافقة على هذا الإنفاق راسخة أكثر (أو لم تعد تتأثر كثيراً بقائد مؤسسة غير ربحية واحد يتمتع بشخصية جذّابة).

يؤكّد بحثنا عن المؤسسات غير الربحية الكبرى ذلك، ففي دراسة حديثة حدّدنا 144 مؤسسة غير ربحية أنشئت منذ عام 1970، ونمت إلى ما يقدّر بـ 50 مليون دولار سنوياً أو أكثر، فوجدنا أن كل واحدة من هذه المؤسسات حققت نمواً كبيراً من خلال السعي خلف مصادر تمويل محدّدة تتركز غالباً في مصدر وحيد للتمويل بما يتلاءم مع دعم أنواع محدّدة من العمل، كما بنت كلٌّ منها إمكانيات داخلية على درجة عالية من الكفاءة في جمع التبرّعات مستهدفة تلك المصادر. بعبارة أخرى، كان لكل مؤسسة غير ربحية ضخمة نموذج تمويل متطوّر.

كلما زاد حجم التمويل المطلوب، زادت أهمية اللجوء إلى أسواق التمويل القائمة حيث يعمل صناع قرار محدّدون بدوافع ثابتة. مثلاً، احتشدت مجموعات كبيرة من المانحين الأفراد حول مخاوف مشتركة متعلقة بقضايا متنوعة مثل أبحاث سرطان الثدي. وفي مثال آخر، تملك مجموعات التمويل الحكومية الرئيسية أهدافاً  محددة مسبقاً مثل دور الرعاية، وفي حين تستطيع المؤسسة غير الربحية التي تحتاج إلى بضعة ملايين من الدولارات سنوياً أن تقنع عدداً قليلاً من المؤسسات أو الأفراد الأثرياء بدعم قضية لم يسبق لهم منحها أي أولوية، ونادراً ما تنجح في جمع عشرات الملايين من الدولارات سنوياً.

هذا لا يعني أن أسواق التمويل مستقرّة؛ تزامنت أول فعالية نُظّمت من أجل يوم الأرض في عام 1970 مع توسع كبير في دعم القضايا البيئية، إذ أدّت المجاعة الإثيوبية في عامي 1984-1985 إلى زيادة ضخمة في دعم الإغاثة الدولية، كما مهّد الوعي بالأزمة التعليمية في الولايات المتحدة في أواخر الثمانينيات لتمويل المدارس المستقلة المجانية. لكن لا يمكن توقّع التغيرات وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها كمصدر للتمويل، بالإضافة إلى أن هذه التغيرات كانت ثمرة أحداث وطنية ودولية معقّدة، وليست حصيلة عمل مؤسسة غير ربحية واحدة.

أجاد الشريك المؤسّس لـمؤسسة بيل (BELL) التعليمية في فترة ما بعد المدرسة وفصل الصيف، إيرل مارتن فالين، استخلاص فوائد هذا العمل المدروس، حيث لخّص تجربته لمجموعة من قادة المؤسسات غير الربحية في عام 2007 بقوله: “كانت استراتيجيتنا المعتادة في جمع التبرعات تتمثل في العمل على جمع مبالغ أكبر من العام السابق، وكنا دائماً غير واثقين مما سنحققه، ثم بدأنا التفكير بجدية في نموذجنا، وحددنا تمويلاً حكومياً مستمراً يتوافق جيداً مع عملنا على الرغم من أن ذلك اقتضى إجراء بعض التغييرات في البرنامج كي ينجح. والآن يمكن التنبؤ  بقدرتنا على سداد 70% من نفقاتنا في أي منطقة من خلال اتباع هذا النهج.

اقرأ أيضاً: إهمال النفقات العامة: دورة الجوع في المؤسسات غير الربحية

عشر نماذج تمويل

ينتج عن صياغة هيكلية عمل للتمويل غير الربحي عدّة تحديات، وكي تكون النماذج مفيدة لا يمكن أن تكون أعمّ مما ينبغي أو محدّدة أكثر مما ينبغي. خذ مثلاً العيادة الصحية المجتمعية التي تخدم المرضى الذين يشملهم التأمين الصحي لبرنامج ميديكيد (Medicaid)، والمؤسسة غير الربحية التي تقوم بأعمال تنموية بدعم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، فهما مموّلتان من الحكومة لكن ثمة اختلاف هائل في نوع التمويل الذي تحصلان عليه وصنّاع القرار الذين يديرونه، ولن يفيد جمع المؤسستين في النموذج ذاته. وفي نفس الوقت سيكون تعيين نموذج منفصل للمؤسسات غير الربحية، مثل التي تتلقى تمويلاً من برنامج تايتل ون إس إي إس (Title I SES)، محدوداً للغاية لدرجة تفقده جدواه.

اعتمدنا في النهاية على 3 معايير لتحديد نماذج التمويل: مصدر التمويل، وأنواع صنّاع القرار ودوافعهم، وأتاح لنا ذلك تحديد 10 نماذج تمويل مختلفة، بمستوى ملائم إجمالاً ولكنه يحدّد خيارات حقيقية.

ومن الجدير بالذكر أنه كان هناك العديد من نماذج التمويل التي ظننا مخطئين أننا سنراها هنا، وتمثل أحد النماذج المحتملة في مؤسسة غير ربحية تدعمها مشاريع الدخل المكتسب المختلفة التي لا تماثل الأنشطة الأساسية المتعلّقة بمهمة المؤسسات. وثمة نموذج آخر محتمل يتمثل في المؤسسات غير الربحية التي تتقيد بشدة بنموذج الرسوم مقابل الخدمة، إما باتباع أسلوب التعامل التجاري بين الشركات وإما بالتعامل المباشر مع المستهلك، دون تنفيذ أنشطة جمع الأموال الملحقة المهمة (من الأعضاء أو المستفيدين السابقين)، أو الدعم الحكومي الأساسي. على الرغم من وجود بعض المؤسسات غير الربحية التي تكسب الدعم من خلال مناهج تمويل مماثلة، فهي لم تكن حاضرة بين المؤسسات غير الربحية الكبرى التي يشملها بحثنا. نرى أن هذه الأنواع من الأساليب لا تصلح لتمييز مؤسسة غير ربحية مستدامة واسعة النطاق على المؤسسات الربحية.

تتضمّن الفقرات التالية وصفاً لنماذج التمويل العشر، إلى جانب لمحة عن المؤسسات غير الربحية الممثّلة لكل نموذج. رتّبت النماذج حسب الفئة المهيمنة من المموّلين، وحصلت النماذج الثلاث الأولى ( الرابط العميق، والمنشئ المستفيد، و تحفيز الأعضاء) على الجزء الأكبر من التمويل عبر التبرّعات الفردية، في حين حصل النموذج التالي (الممول الرئيسي) على الجزء الأكبر من التمويل من شخص واحد أو عدد قليل من الأفراد أو المؤسسات، بينما حصلت النماذج الثلاث التالية (التمويل العام، وابتكار السياسة، والوسيط المستفيد) على الجزء الأكبر من التمويل من الحكومة، وحصل النموذج التالي (إعادة تدوير الموارد) على الجزء الأكبر من التمويل من خلال تمويل الشركات، أما آخر نموذجين (صنع السوق والتأميم المحلي) فلديهما مزيج من المموّلين.

1. الرابط العميق

تحقق بعض المؤسسات غير الربحية، مثل مؤسسة ميكاويش فاونديشن (Make-a-Wish Foundation)، نموّاً هائلاً من خلال التركيز على القضايا التي تتوافق مع الاهتمامات الحالية لأعداد كبيرة من الناس على اختلاف مستويات دخلهم، وإنشاء طريقة منظّمة ليتمكنوا من التواصل إذ لم يكن أي منهم جزءاً من المؤسسة سابقاً. تتبنى هذه المؤسسات نموذج تمويل نسميه “الرابط العميق”، وتشمل بعض القضايا الأكثر شيوعاً التي تتناولها مجالات الأبحاث البيئية والدولية والطبية. تختلف هذه المؤسسات عن المؤسسات غير الربحية التي تستهدف الأفراد ذوي المعتقدات الدينية أو الميول السياسية أو الاهتمامات الرياضية المشتركة الذين يجتمعون لتشكيل مؤسسات في إطار التعبير عن اهتماماتهم، ويحاول نموذج الرابط العميق غالباً بناء روابط صريحة بين المتطوعين من خلال إقامة فعاليات خاصة لجمع التبرعات. تعدّ مؤسسة سوزان جي كومن فاونديشن (Susan G. Komen) مثالاً على هذه المؤسسات: تأسّست عام 1982، وتعمل عبر شبكة من 125 شركة تابعة لها للقضاء على سرطان الثدي باعتباره مرضاً مهدّداً للحياة من خلال تمويل المنح البحثية بدعم مشاريع التعليم والفحص والعلاج في مختلف المجتمعات حول العالم وتثقيف النساء حول أهمية التشخيص المبكّر. تلقى مهمة المؤسسة تجاوباً عميقاً من نساء كثيرات على الرغم من أن عملها قد لا يفيدهنّ بشكل مباشر أبداً، فقد زاد المبلغ المكتسب من جمع التبرعات السنوي للمؤسسة بين عامي 1997 و 2007 من 47 مليون دولار إلى 334 مليون دولار. صحيح أن متوسّط تبرّع الفرد قليل -نحو 33 دولاراً- لكن مبادرات المؤسسة لجمع التبرعات اعتمدت على قدرتها على الوصول إلى قاعدة دعم دائمة التوسّع، ووسيلتها الرئيسية لجمع التبرعات هي فعالية السباق في سبيل الحصول على الترياق الذي تقيمه المؤسسة (Susan G. Komen Race for the Cure). تقيم المؤسسة والشركات التابعة لها نحو 120 سباقاً للجري كل عام يجذب أكثر من مليون مشارك، وتتيح هذه الفعاليات للأفراد التبرع بالمال وتساعد المتطوعين في المشاركة في تكوين الفرق والتماس التمويل والمشاركة في تجربة يوم السباق. ينبغي لقادة المؤسسات غير الربحية الذين يفكرون في اتباع نموذج تمويل الرابط العميق أن يطرحوا على أنفسهم الأسئلة التالية:

  • هل أبدت شريحة متنوعة واسعة من الأشخاص بالفعل استعدادها لتمويل القضايا ضمن هذا المجال؟
  • هل يمكننا توضيح الأمور الملحّة التي تعنى بها مؤسستنا غير الربحية ببساطة وإيجاز؟
  • هل تتوفر وسيلة طبيعية لجذب أعداد كبيرة من المتطوعين وضمّهم؟
  • هل نملك الإمكانيات الداخلية أو يمكننا تطويرها كي نتمكن من السعي إلى الانتشار الواسع ولو في منطقة جغرافية واحدة؟

اقرأ أيضاً: الجدوى التجارية للاستثمار في المواهب في القطاع غير الربحي

2. المنشئ المستفيد

تحصل بعض المؤسسات غير الربحية، مثل كليفلاند كلينيك (Cleveland Clinic)، على تعويض لتكاليف الخدمات التي تقدّمها لأفراد معينين، لكنها تعتمد على المستفيدين السابقين من هذه الخدمات للحصول على تبرعات إضافية. نطلق على نموذج التمويل الذي تعتمده هذه المؤسسات “المنشئ المستفيد”، ومن أفضل الأمثلة عليها المستشفيات والجامعات. يتمثل مصدر القسم الأكبر من تمويل هذه المؤسسات غير الربحية عموماً في الرسوم التي يدفعها المستفيدون مقابل الخدمات التي تقدّمها، لكن التكلفة الإجمالية لتقديم هذه الخدمة النافعة لا تغطيها تلك الرسوم، ولذلك تحاول المؤسسة غير الربحية بناء علاقات طويلة الأمد مع الأشخاص الذين استفادوا من الخدمة لتأمين الدعم المكمّل؛ ومن هنا استنبط اسم المنشئ المستفيد. وعلى الرغم من أن هذه التبرعات تكون غالباً ضئيلة مقارنة بالرسوم (بمتوسّط 5% في المستشفيات و 30% في الجامعات الخاصة)، إلا أن هذه الأموال هي مصادر دخل رئيسية للمشاريع الكبرى مثل مشاريع البناء والأبحاث وصناديق الهبات، وتنبع رغبة المانحين في التبرع بالمال من إيمانهم أن المنفعة التي حصلوا عليها غيرت حياتهم للأفضل. تميل المؤسسات التي تستخدم نموذج المنشئ المستفيد إلى الحصول على غالبية الدعم الخيري من العطايا الضخمة، ومن الأمثلة عليها جامعة برينستون التي اكتسبت مهارة عالية في الاستفادة من طلابها الخرّيجين البارزين لجمع التبرعات، وتتباهى بأعلى معدّل تبرّع لطلابها الخريجين بين الجامعات الوطنية، بمعدّل 59.2 %، ففي عام 2008 تبرع أكثر من 33 ألف طالب بارز مقبل على التخرج بمبلغ 43.6 مليون دولار إلى جامعتهم الأم، ونتيجة لبراعتها في جمع التبرعات فهي تسدّد أكثر من 50% من ميزانيتها التشغيلية من التبرعات والإيرادات من المنح. ينبغي لقادة المؤسسات غير الربحية الذين يفكرون في اتباع نموذج تمويل المنشئ المستفيد أن يطرحوا على أنفسهم الأسئلة التالية:

  • هل ينتج عن مهمتنا منفعة فردية، وينظر إليها في الوقت نفسه على أنها مهمة للصالح الاجتماعي؟
  • هل ينشأ لدى الأفراد ولاء عميق للمؤسسة أثناء تلقّيهم منفعتهم الفردية؟
  • هل نملك البنية الأساسية اللازمة للوصول إلى المستفيدين بأسلوب قابل للتطوير؟

3. تحفيز الأعضاء

تعتمد بعض المؤسسات غير الربحية، مثل كنيسة سادلباك (Saddleback Church)، على التبرعات الفردية وتعمل وفق نموذج تمويل نسميه “تحفيز الأعضاء”، حيث يتبرع هؤلاء الأفراد بالمال (وهم أعضاء في المؤسسة غير الربحية) لأن القضية جزء أساسي من حياتهم اليومية، وتعود فائدتها عليهم جميعاً. لا تخلق هذه المؤسسات ما يسوّغ النشاط الجماعي بل تتواصل مع الأعضاء (والمتبرعين) من خلال توفير الأنشطة التي يسعون إليها بالفعل أو دعمها. تشارك هذه المؤسسات غالباً في المجالات الدينية أو البيئية أو الفنون والثقافة والعلوم الإنسانية، ومن الأمثلة عليها الاتحاد الوطني المعني بالديوك الرومية البرية (The National Wild Turkey Federation – NWTF) الذي يحمي مواطن الديك الرومي البري ويوسّعها، ويشجّع على صيده، فهو يجذب صيّاديه الذين يستفيدون جميعاً من عمل الاتحاد، فيصبحون أعضاءً مخلصين وجامعين للتبرعات. يقيم أعضاء الاتحاد المحليون أكثر من 2,000 وليمة لجمع التبرعات كل عام ليجمعوا نحو 80% من إيرادات المؤسسة السنوية، وتوفّر هذه الولائم عدّة وسائل للتبرع منها تذاكر الدخول (تكلفة كل منها نحو 50 دولاراً متضمّنة عضوية سنوية) وشراء البضائع (بمتوسط قيمته أكثر من 100 دولار من كل ضيف) وبطاقات اليانصيب (التي تدرّ نحو 16000 دولار في كل وليمة)، ويزوّد المقر الوطني الاتحاد بجوائز السحب والبضائع لتباع فيها، وينتج عن كل وليمة ما يعادل 10 آلاف دولار بعد اقتطاع النفقات، ويخصص جزء كبير من الأموال التي تجمع لحماية الأراضي والديوك الرومية في المجتمع الذي قدّم هذه التبرعات. ينبغي لقادة المؤسسات غير الربحية الذين يفكرون في اتباع نموذج تحفيز الأعضاء في التمويل أن يطرحوا على أنفسهم الأسئلة التالية:

  • هل سيشعر أعضاء مؤسستنا أن أعمالنا تعود عليهم بالنفع المباشر، حتى لو تشارك الجميع هذه المنفعة؟
  • هل لدينا القدرة على إشراك أعضائنا في أنشطة جمع التبرعات وإدارتهم؟
  • هل يمكننا التزام التناغم مع عضويتنا الأساسية، و إخلاصنا لها، حتى لو عنى ذلك رفض فرص التمويل، وعدم متابعة الأنشطة التي لا تلقى قبولاً لدى أعضاء مؤسستنا؟

اقرأ أيضاً: الاستثمار الخيري في الفن والابتكار

4. الممول الرئيسي

تعتمد قلّة من المؤسسات غير الربحية، مثل مؤسسة ستانلي للأبحاث الطبية، على المنح الضخمة التي تتلقاها من عدد قليل من الأفراد أو المؤسسات لتمويل عملياتها، نطلق على نموذج التمويل الخاص بهم اسم “الممول الرئيسي”، وغالباً يكون هذا المتبرع الرئيسي مؤسساً أيضاً يريد أن يعالج قضية تمسّه شخصياً. على الرغم من أن غالبية المؤسسات التي تتبع هذا النموذج تنشأ أساساً اعتماداً على دعم مالي كبير مضمون يتيح لها النمو السريع، فثمة حالات أخرى تحصل فيها مؤسسة قائمة بالفعل على دعم ممول رئيسي يقرر تمويل نهج جديد ومهم لحل مشكلة ما، وتركز المؤسسات غير الربحية التي تعمل وفق هذا النموذج على البحث الطبي أو القضايا البيئية. يتمثل العاملان الأساسيان اللذان يمنحان هذه المؤسسات قدرتها على جذب تبرعات كبيرة في إمكانية حل المشكلة المطروحة بالمبالغ الضخمة (مثل إطلاق معهد أبحاث لعلاج أحد الأمراض)، واتباع المؤسسة نهجاً فريداً ومقنعاً لحل المشكلة. من الأمثلة على المؤسسات غير الربحية التي تتبنى نموذج الممول الرئيسي، منظّمة الحفظ الدولية (Conservation International. CI) التي تتمثل مهمتها في الحفاظ على التنوع الحيوي في الأرض، وإثبات قدرة البشر على العيش بانسجام مع الطبيعة؛ هذه المنظمة قادرة على تحديد مواقع مختلفة في العالم يمكن أن توقع حماية مساحة من الأرض فيها تأثيراً كبيراً على الحفاظ على التنوع الحيوي في العالم، ما يساعدها على جذب المانحين المستعدين للإسهام بمبالغ كبيرة من أجل خلق أثر مهم ودائم في حماية الأرض، ويقدم عدد قليل من كبار المانحين غالبية التبرعات التي تحصل عليها المنظّمة. ينبغي لقادة المؤسسات غير الربحية الذين يفكرون في اتباع نموذج الممول الرئيسي أن يطرحوا على أنفسهم الأسئلة التالية:

  • هل يمكننا التوصل إلى حل ملموس ودائم لمشكلة ضخمة ضمن إطار زمني قصير؟
  • هل يمكننا أن نحدّد بوضوح طرق استخدام التمويل الضخم في تحقيق أهدافنا؟
  • هل تثير قضيتنا أو نهجنا اهتمام أحد من أثرى الأفراد أو المؤسسات؟

5. المموّل العام

تعمل مؤسسات غير ربحية كثيرة، مثل مؤسسة ساكسيس فور أول فاونديشن (Success for All Foundation)، مع الهيئات الحكومية لتقديم الخدمات الاجتماعية الأساسية كالإسكان والخدمات الإنسانية والتعليم التي سبق للحكومة أن حددت التمويل المخصص لها، وهي تستخدم نموذجاً للتمويل نطلق عليه “المموّل العام”. في بعض الحالات تستعين الحكومة بمصادر خارجية لتأدية مهمة تقديم الخدمات ولكنها تضع شروطاً محدّدة تضمن أهلية المؤسسات غير الربحية لتلقّي التمويل، مثل صيغ السداد أو عملية طلب العروض (RFP)، ومع نمو المؤسسات التي تتبنى نموذج الممول العام، تبحث غالباً عن مصادر تمويل أخرى لتعزيز قاعدتها التمويلية، ومن الأمثلة عليها مؤسسة تي إم سي (TMC)، مجلس تكساس للمهاجرين (Texas Migrant Council) سابقاً، التي تدعم الأطفال والأسر في مجتمعات المهاجرين والوافدين. استفادت هذه المؤسسة عند إنشائها في عام 1971 من برنامج الحكومة الفيدرالية المسمى هيد ستارت (Head Start) لتمويل عملها الأولي في مساعدة الأطفال على الاستعداد لارتياد المدرسة من خلال التركيز على احتياجات العائلات الثنائية اللغة والثنائية الثقافة، ومع نمو المؤسسة سعى قادتها إلى تقليل اعتمادها على مصدر التمويل هذا والتعرّف على فئات أخرى من التمويل الحكومي، فتلقت بعدها تمويلاً من مجموعة متنوعة من مصادر الحكومة الفيدرالية والمحلية وحكومات الولايات، وتوسعت من ولاية تكساس إلى 7 ولايات أخرى، كما أنها أصبحت تقدّم برامج جديدة مثل محو الأمية ورعاية الحوامل وتثقيف المستهلك. ينبغي لقادة المؤسسات غير الربحية الذين يفكرون في اتباع نموذج المموّل العام أن يطرحوا على أنفسهم الأسئلة التالية:

  • هل تتطابق مؤسستنا بشكل طبيعي مع برنامج أو عدّة برامج حكومية ضخمة موجودة مسبقاً؟
  • هل يمكننا إثبات أن عمل مؤسستنا سيتفوق على عمل منافسينا؟
  • هل نحن على استعداد لتخصيص وقت لضمان تجديد العقود دورياً؟

6. ابتكار السياسة

تعتمد بعض المؤسسات غير الربحية، مثل قرى الشباب (Youth Villages) على الأموال الحكومية، وتعمل وفق نموذج تمويل نطلق عليه “ابتكار السياسة”. استحدثت هذه المؤسسات غير الربحية أساليب جديدة لمعالجة القضايا الاجتماعية التي لا تتوافق بوضوح مع برامج التمويل الحكومية الموجودة مسبقاً، وتقنع المموّلين الحكوميين بدعم هذه الأساليب البديلة عادة من خلال تقديم حلولها على أنها أعلى فعالية وأقل تكلفة من البرامج الحالية (في المقابل تستفيد المؤسسات التي تتبنى نهج المموّل العام من البرامج الحكومية الحالية لتوفير التمويل للخدمات التي تقدّمها). من الأمثلة على هذا النوع من التمويل المؤسسة غير الربحية، هيلب يو إس أيه (HELP USA) التي تؤمّن مساكن انتقالية للمشرّدين، وتقدّم مساكن دائمة بأسعار معقولة للعائلات المحدودة الدخل. أسّس أندرو كومو (نجل حاكم نيويورك السابق ماريو كومو) مؤسسة هيلب يو إس أيه في عام  1986 بديلاً لنهج نيويورك في دفع المال للفنادق لإيواء المشردين تحت مسمّى الفنادق الاجتماعية، ونشأ نهج مؤسسة هيلب يو إس أيه المبتكر في التعامل مع أزمة الإسكان في مرحلة كان فيها التشرّد قضية عامة بارزة، وكان الممولون الحكوميون مستعدين لتجربة نهج جديد. نال أندرو الدعم الأولي من صنّاع القرار الحكوميين من خلال عرض الحل الذي قدّمه على أنه أعلى فعالية وأقل تكلفة، ما كان عاملاً حاسماً خلال فترة الأزمة المالية في نيويورك حينها. في عام 2007، بلغت إيرادات المؤسسة 60 مليون دولار، تلقّت نحو 80% منها من مصادر حكومية نصفها فدرالي والنصف الآخر دولي ومحلي، وكانت تعمل في مدن نيويورك وفيلادلفيا ولاس فيغاس وهيوستن وبوفالو في ولاية نيويورك. ينبغي لقادة المؤسسات غير الربحية الذين يفكرون في اتباع نموذج ابتكار السياسة أن يطرحوا على أنفسهم الأسئلة التالية:

  • هل نقدّم نهجاً مبتكراً يتفوق على النهج الراهن (من حيث التأثير والتكلفة)، ويكون مقنعاً بما يكفي لاستقطاب المموّلين الحكوميين الذين يميلون نحو الحلول التقليدية؟
  • هل يمكننا تزويد المموّلين الحكوميين بالأدلة على نجاح برنامجنا؟
  • هل نحن مستعدون وقادرون على بناء علاقات قوية مع صنّاع القرار الحكوميين الذين سيؤيّدون التغيير؟
  • هل توجد ضغوط كافية في الوقت الحالي على الحكومة تدفعها لإنهاء الوضع الراهن؟

7. الوسيط المستفيد

تتنافس بعض المؤسسات غير الربحية، مثل شركة آيوا ستيودنت لون ليكويدتي كوربوريشن (Iowa Student Loan Liquidity Corporation)، على تقديم خدمات تموّلها الحكومة أو تدعمها للمستفيدين، وتتبنى ما نسميه نموذج الوسيط المستفيد للتمويل، ومن المجالات التي تتنافس فيها الإسكان وخدمات التوظيف والرعاية الصحية والقروض الطلابية، وتتميز عن غيرها من البرامج التي تموّلها الحكومة بإتاحة الحرية للمستفيدين في اختيار المؤسسة غير الربحية التي ستقدّم لهم الخدمة. خذ مثلاً  شراكة متروبوليتان بوسطن للإسكان (Metropolitan Boston Housing Partnership – MBHP) وهي مؤسسة إقليمية غير ربحية تدير برامج قسائم المساعدة الفيدرالية والحكومية للإيجار في 30 مجتمعاً بولاية ماساتشوستس، فهي من المؤسسات غير الربحية التي تتبنى نموذج الوسيط المستفيد للتمويل، وأصبحت تعرف بسمعتها الحسنة كمزوّد موثوق لقسائم الإسكان للأسر المحتاجة منذ إطلاقها في عام 1991. شراكة ميتروبوليتان بوسطن هي أكبر مزوّد لقسائم الإسكان في منطقة مدينة بوسطن، إذ توفر مساكن لأكثر من 7500 أسرة في أي وقت كان، كما توفر خدمات ذات صلة، مثل برامج التعليم ومكافحة التشرّد. تجني المؤسسة أكثر من 90% من إيراداتها من الرسوم الإدارية الزهيدة التي تقدّمها الدولة في جزء من برنامج القسائم، أما بقية التمويل فتحصل عليه من الشركات والمؤسسات. ينبغي لقادة المؤسسات غير الربحية الذين يفكرون في تبني نموذج تمويل الوسيط المستفيد أن يطرحوا على أنفسهم الأسئلة التالية:

  • هل يمكننا أن نثبت للحكومة جدارتنا في ضمان حصول المستفيدين أو أصحاب القسائم على مستحقاتهم، بتحقيق معدلات إسكان المرتفعة والحصول على تقييمات إيجابية من العملاء؟
  • هل يمكننا تطوير خدمات تكميلية تزيد من قيمة المنفعة إلى الحد الأقصى؟
  • هل يمكننا تلبية اللوائح والمتطلّبات الحكومية اللازمة لجعلنا مزوّداً لهذه المستحقّات؟
  • هل يمكننا التوصل إلى وسائل لجمع الأموال تكمّل الرسوم التي نتقاضاها من برنامج المستحقّات؟

8. إعادة تدوير الموارد

حققت بعض المؤسسات غير الربحية، مثل أميريكيرز (AmeriCares)، نمواً هائلاً من خلال جمع التبرعات العينية من الشركات والأفراد، ثم توزيعها على المستفيدين المحتاجين الذين يتعذّر عليهم شراؤها من السوق. تتبنى المؤسسات غير الربحية التي تنفذ هذا النوع من البرامج نموذج تمويل نسميه إعادة تدوير الموارد؛ ترغب الشركات في التبرع بالسلع تجنباً لهدرها (مثل الأطعمة التي لها تاريخ صلاحية)، أو لأن التكلفة الحدية لصنعها منخفضة ولن توزّع في الأسواق التي تنافس الجهة المنتجة (مثل الأدوية في البلدان النامية). تولّد التبرعات العينية عادة معظم الإيرادات، ولكن لا مفرّ للمؤسسات التي تتبنى نموذج إعادة تدوير الموارد من جمع تمويل إضافي لدعم تكاليف التشغيل التي تترتّب عليها، لذا تشارك الغالبية العظمى منها في برامج الغذاء والزراعة والطب والتغذية، وتوجّه تركيزها غالباً على الصعيد الدولي. مؤسسة بنك الغذاء في بوسطن الكبرى (Greater Boston Food Bank) هي مثال على المؤسسة غير الربحية التي تتبنى نموذج إعادة تدوير الموارد في التمويل، فهي أكبر مؤسسة للإغاثة من الجوع في منطقة نيو إنغلاند حيث توزّع ما يقارب 14 مليون كيلوغراماً من الطعام سنوياً إلى أكثر من 600 مؤسسة محلية تشمل مخازن الطعام ومطابخ الحساء ومراكز الرعاية النهارية ودور العجزة وملاجئ المشردين. تجمع هذه المؤسسة البضائع بعدة طرائق؛ شركات تجارة التجزئة والمصانع هي مصادر السلع الرئيسية لها، كما تستقبل فائض الطعام من المطاعم والفنادق. شكّل الدعم العيني من الشركات 52% من إيراداتها في عام 2006، وتمدّها البرامج الفيدرالية والحكومية بالسلع العينية والأموال لتشكّل 23% من ميزانيتها السنوية التي تكرّسها لشراء الطعام المخصّص للتوزيع، وتشكّل التبرعات النقدية من الأفراد النسبة المتبقية البالغة 25% من الإيرادات وهي تغطي النفقات العامة والتحسينات الرأسمالية. ينبغي لقادة المؤسسات غير الربحية الذين يفكرون في اتباع نموذج إعادة تدوير الموارد أن يطرحوا على أنفسهم الأسئلة التالية:

  • هل يرجّح أن يكون التبرّع بالمنتجات التي نوزعها مستمراً؟
  • هل يمكننا تنمية الخبرات لمواكبة أحدث المستجدات في القطاعات التي تتبرع بالمنتجات كي نستعدّ لتقلّبات التبرعات؟
  • هل نملك استراتيجية لاستقطاب الأموال التي سنحتاج إليها لتمويل العمليات والنفقات العامة؟

9. صنع السوق

تقدّم بعض المؤسسات غير الربحية مثل ترست فور بابليك لاند (Trust for Public Land)، خدمة في المجال ما بين دوافع المانح الإيثاري الإنسانية والدوافع المادية أو التي تحفزها قوى السوق، وفي حين تملك الشركات الربحية المال لسداد تكاليف هذه الخدمة فمن غير اللائق أو غير القانوني أن تقدمها. تتبنى هذه المؤسسات غير الربحية نموذج تمويل نسميه “صنع السوق”، ومن الأمثلة على مجال عمله التبرع بالأعضاء، إذ يوجد طلب على الأعضاء البشرية لكن بيعها غير قانوني. تكسب هذه المؤسسات غير الربحية معظم إيراداتها من الرسوم أو التبرعات المرتبطة مباشرة بأنشطتها، وتعمل غالبيتها في مجال الصحة والأمراض، ويعمل بعضها في مجال حماية البيئة (مثل الحفاظ على الأراضي). خذ مثلاً صندوق الكلى الأميركي (The American Kidney Fund)، وهو مؤسسة غير ربحية أنشئت في عام 1971 لمساعدة ذوي الدخل المنخفض الذين يعانون الفشل الكلوي على دفع تكاليف غسيل الكلى، وأصبحت المصدر الرئيسي في البلاد للمساعدات المالية لمرضى غسيل الكلى؛ في عام 2006 قدّمت 82 مليون دولار في منح سنوية إلى 63,500 مريض كلى (نحو 19% من إجمالي مرضى غسيل الكلى). كان بإمكان مقدمي الرعاية الصحية قبل عام 1996 دفع أقساط التأمين ضمن برنامجَي ميديكير الفئة بي (Medicare Part B) وميديغاب (Medigap) (نحو 20% من إجمالي التكاليف) لمرضى غسيل الكلى الفقراء، وفي عام 1996 صنفت الحكومة الفيدرالية ذلك مخالفاً للقانون، لأنه قد يجبر المريض على إجراء عملية لغسيل الكلى لدى مؤسسة صحية محددة. أدى القانون الجديد إلى عجز الآلاف من مرضى الكلى عن دفع تكاليف العلاج، ولاحظت مؤسسة صندوق الكلى الأميركي هذه الفجوة وأنشأت برنامجاً لسدها، وبدأت تسدد هذه الأقساط وتساعد المرضى على مواصلة علاجهم. تتلقّى المؤسسة تمويلها أساساً من مقدّمي الرعاية الصحية وشركات أخرى، وطبّقت المؤسسة بعد ذلك المبادئ نفسها على الأدوية المستخدمة في علاج هشاشة العظام. ينبغي لقادة المؤسسات غير الربحية الذين يفكرون في اتباع نموذج صنع السوق أن يطرحوا على أنفسهم الأسئلة التالية:

  • هل تتوفر مجموعة مموّلين ممن لديهم مصلحة مالية في دعم عملنا؟
  • هل توجد أسباب قانونية أو أخلاقية تمنح الأفضلية لمؤسسة غير ربحية في تقديم هذه الخدمة؟
  • هل لدينا بالفعل برنامج موثوق وعلامة تجارية؟

10. التأميم المحلي

حققت عدة مؤسسات غير ربحية نمواً هائلاً، مثل مؤسسة بيغ براذرز بيغ سيسترز أوف أميركا (Big Brothers Big Sisters of America)، من خلال إنشاء شبكة وطنية من العمليات المحلية. تتبنى هذه المؤسسات غير الربحية نموذج تمويل نسميه “التأميم المحلي”، وهي تركز على قضايا تهم المجتمعات المحلية في كافة أنحاء الدولة، مثل المدارس الفقيرة أو الأطفال الذين يحتاجون إلى قدوة من البالغين، وتعجز الحكومة عن معالجتها بمفردها. تجمع معظم الأموال المخصّصة للبرامج محلياً، غالباً من تبرعات الشركات أو التبرعات الفردية ومن المناسبات الخاصة، ويرد مبلغ ضئيل من المال من الهيئات الحكومية أو الرسوم. يندر أن يتجاوز حجم العمليات المحلية 5 ملايين دولار، ولكن يمكن أن تكون ضخمة في المجمل. تعد مؤسسة تيتش فور أميركا (Teach for America – TFA) مثالاً على هذه المؤسسات، وهي تستقطب خريجي الجامعات الجدد وتدرّبهم وتعيّنهم في وظائف تدريس في مدارس في جميع أنحاء الدولة. تأسست تيتش فور أميركا في عام 1989، وبحلول عام 2007 تجاوزت إيراداتها السنوية 90 مليون دولار، وهي تعتمد على مكاتبها الإقليمية، وعددها 26، لجمع أكثر من 75% من تمويلها، وسبب نجاحها هو أن مهمتها في تحسين جودة التعليم من مرحلة رياض الأطفال وحتى نهاية المرحلة الثانوية تتناسب مع اهتمامات الممولين المحليين. بنت المؤسسة ثقافة حيث يشكّل جمع التبرعات جانباً أساسياً من جوانب المؤسسة على كافة المستويات، وعيّنت مدراء تنفيذيين محليين ليتولوا مسؤولية اجتذاب نمو التمويل الإقليمي. ينبغي لقادة المؤسسات غير الربحية الذين يفكرون في اتباع نموذج التأميم المحلي أن يطرحوا على أنفسهم الأسئلة التالية:

  • هل نتناول قضية تحظى بأولوية قصوى لدى القادة المحليين، وهل هذه القضية مقنعة للمجتمعات في مختلف أنحاء الدولة؟
  • هل يحقق توسيع مؤسستنا لتشمل مجتمعات أخرى مهمتنا؟
  • هل يمكننا تكرار نموذجنا في مجتمعات أخرى؟
  • هل نحن ملتزمون بتحديد القادة ذوي الأداء العالي وتمكينهم لإدارة فروع مؤسستنا المحلية في المجتمعات الأخرى؟

الآثار المترتبة على المؤسسات غير الربحية

في المناخ الاقتصادي السائد، ينجذب قادة المؤسسات غير الربحية إلى الحصول على المال بأي طريقة، ما يسبب انحراف بعض المؤسسات غير الربحية عن مسارها، وهذا خطأ كبير؛ فمن الضروري في الأزمات دوناً عن أي وقت آخر أن يعمل قادة المؤسسات غير الربحية على دراسة استراتيجية التمويل بدقة واتباع نهج منظم لجمع الأموال، ونأمل أن تقدّم هذه المقالة لقادة المؤسسات غير الربحية هيكلية عمل لتحقيق ذلك.

سوف تتنوّع أساليب التمويل التي تتّبعها المؤسسات غير الربحية، ولن تعثر جميعها على نماذج تدعم برامجها الواسعة النطاق، لكن من الجيد أنه بإمكان المؤسسات غير الربحية كلها أن تستفيد من فهم نموذج التمويل الأعلى فعالية بصورة أوضح، وبإمكان بعضها تطوير نماذج تتيح لها جمع مبالغ كبيرة من المال؛ فكما ذكرنا آنفاً، تجاوزت الإيرادات السنوية التي جمعتها 150 مؤسسة غير ربحية جديدة تقريباً (باستثناء الجامعات والمشافي) 50 مليون دولار بين عامي 1970 و 2003.

وبالمقابل ازداد تنظيم فاعلي الخير في استثماراتهم غير الربحية، إذ تزداد المؤسسات التي تستثمر في الجهات المستفيدة من منحها، مثل المؤسستين إيدنا مكونيل كلارك فاونديشن (Edna McConnell Clark Foundation) و نيو بروفيت إنك (New Profit Inc)، لتحسين كل من البرامج ونماذج التمويل. نأمل أن تساعد هذه المقالة فاعلي الخير على فهم استراتيجيتهم في التمويل بصورة أوضح كي يتمكنوا من دعم برامجهم بفعالية أكبر.

نظراً إلى تطلّع المجتمع إلى القطاع غير الربحي والعمل الخيري لحل المشكلات المهمة، تتزايد أهمية الفهم الواقعي لنماذج التمويل من أجل تحقيق تلك التطلّعات.

 

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.