أهمية التمويل المبني على الثقة في العمل الخيري

6 دقيقة
بناء العلاقات
shutterstock.com/minicase
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على المموّلين أن يلتزموا بجعل مؤسساتنا مواطن للثقة وبناء العلاقات مع شركائنا الحاصلين على المنح لتحقيق رسالتهم.

عندما انضمت جيمي أليسون إلى مؤسسة والتر آند إليز هاس فاند (Walter & Elise Haas Fund) في عام 2018 بصفتها مديرة تنفيذية، تساءلت: “ما طبيعة العمل في هذه المؤسسة؟ ما أسلوب القيادة هنا؟ على ماذا يتمحور العمل في هذه المؤسسة؟”.

نمت حركة العمل الخيري المبني على الثقة سريعاً، ولكن ما زال ثمة سوء فهم كبير حول هذا النهج ورؤيته الجريئة لمجتمع أكثر عدالة وشمولية. يوضح هذا الملحق المعنى الحقيقي للنهج المبني على الثقة، وما ضرورته للعمل الخيري الفعال، وما الفرص المتاحة في حال تبنّاه المزيد من الممولين. برعاية مشروع ترست بيسد فيلانثروبي (Trust-Based Philanthropy Project)

عندما كانوا يواجهون صعوبات في سعيهم لتحقيق رغبتهم في التمويل بطرق أكثر تأثيراً وجرأة وفعالية. وكان ذلك خلال عملية انتقال السلطة التنفيذية ومجلس الإدارة من الجيل الثالث إلى الجيل الرابع من العائلة، عندما شرع مجلس الإدارة في عملية تدبّر وتفكير. تتذكر عضو مجلس الإدارة والرئيسة السابقة لمجلس الإدارة جينيفر هاس، وهي من الجيل الرابع، تلك الأيام والتحولات البطيئة التي أثارتها التساؤلات حول كيفية تفعيل الثقة في المؤسسة مع الأخذ في الحسبان تاريخها وبناء مستقبلها. واليوم بعد مرور 71 عاماً، ما تزال مؤسسة والتر آند إليز هاس فاند في طور التغيير.

شاركنا في السنوات الأخيرة باهتمام بالغ مع شركائنا في البرامج لتحديد الحالات التي نعمل فيها من منطلق العادة وليس الغاية، وكنا نطرح الأسئلة التي تفتقر إلى إجابات بسيطة بفضول كبير. أدى الإصغاء الجيد إلى وضوح أكبر في الرؤية، خاصة فيما يتعلق بما يجب فعله بطريقة مختلفة لأداء عملنا بطريقة أفضل.

أدركنا مبكراً أن طريقة العمل هذه قد توجه مؤسستنا في اتجاهات جديدة. سألنا أنفسنا: “كيف يمكننا أن نكون أفضل المانحين وصانعي التغيير في مجتمعنا بالنظر إلى مواردنا ومعرفتنا ومواطن قوتنا؟”. أدركنا عبر محادثاتنا المستمرة أننا يجب أن نصبح نوعاً مختلفاً من الممولين، وأن نتبنى التزاماً كاملاً بالمساواة والعدالة، وأن نعتمد على الثقة.

ما وراء الكواليس في تقديم المنح

في عام 2020، استدعت جائحة كوفيد-19 وانتفاضات العدالة العرقية الحاجة المُلحة إلى إعادة النظر في أساسيات عملنا. على الرغم من أننا كنا نمول الجهود التي تعزز العدالة العرقية، أدركنا أن التزامنا يجب أن يصبح أوضح، وشعرنا بأهمية تعميق فهمنا لممارساتنا في تقديم المنح. لذلك حدد مجلس الأمناء 4 قيم لتمثل علامات إرشادية لعملنا وهي الأسرة والقدرة والمسؤولية المشتركة والانتماء. أجرينا مراجعة سريعة للعدالة والإنصاف والتنوع والشمول في مِنح المؤسسة في السنوات الخمس الأخيرة، ولمنح المؤسسة الرأسمالية مدة 15 عاماً.

كشفت النتائج عن أن الاستثمارات الرأسمالية في الأحياء ذات الكثافة السكانية الكبيرة من ذوي البشرة الملونة كانت قليلة أو معدومة، مثل أوكلاند، وميشن وباي فيو-هانترز بوينت، على الرغم من أن مؤسستنا كانت تركز تاريخياً على منطقة باي إيريا. كما أظهرت أن غالبية التبرعات الكبيرة والمنح الرأسمالية التي قدمتها المؤسسة كانت تذهب إلى مؤسسات ثقافية وجامعات كبيرة يقودها أشخاص من ذوي البشرة البيضاء. ولتصحيح أوجه التباين في النتائج التي توصلنا إليها ولدعم شركائنا من المؤسسات غير الربحية على نحو أفضل، أجرينا 3 تحولات مهمة في عملية تقديم المنح:

التحول من العزلة إلى التكامل: أنشأنا محفظة متكاملة تسمى الرفاهة الاقتصادية لتقليل الفجوة في الثروة بين الأعراق وبين الرجال والنساء. يعالج نهجنا المتكامل الطبيعة المترابطة للهياكل والسياسات والممارسات لخلق آفاق اقتصادية أكثر استدامة للأجيال القادمة. نسعى إلى تلبية احتياجات الأفراد والعائلات بصرف النظر عن مكانهم أو سياق احتياجاتهم بهدف كسر العزلة بين مجالات برامجنا الخاصة بتقديم المنح، كما نسعى في الوقت نفسه إلى تغيير النظم التي تؤدي إلى الفقر بين الأجيال.

التحول من الأعراض إلى الحلول: حفزت جائحة كوفيد-19 والمساءلة الوطنية بخصوص العنصرية الممنهجة نقاشات جديدة حول فعالية العمل الخيري في أوقات الأزمات. نحن فخورون بوقوفنا إلى جانب مجتمعنا خلال الاضطرابات التي شهدتها السنوات الثلاث الماضية، لكننا نتحول الآن إلى نهج أكثر استباقية يسعى إلى التوصل إلى حلول المشكلات قبل أن تتطور إلى مستوى الأزمات، ويشمل ذلك تمويل المؤسسات التي تعمل على إيجاد حلول داخل الأنظمة التي تتسبب في حدوث دائرة الفقر، بدءاً من التعليم والعدالة الجنائية وصولاً إلى الحكومة وقوة العمل.

التحول من الإسهام إلى الالتزام:
مثّلت الإسهامات الخيرية تقليدياً الدليل على دعم رسالة الجهة الممنوحة، لكن كلاً من نطاقها ومدتها وتأثيرها كان محدوداً. نحن نتحول إلى عقد شراكات طويلة الأجل تتسم بتقاسم المسؤولية لدعم المؤسسات غير الربحية بفعالية أكبر. ويتمثل نهج منحنا الجديد في تقديم منح تشغيلية عامة أكبر وأطول مدة، التي تعتبرها المؤسسات غير الربحية ضرورية لاستمراريتها. توفر إقامة علاقات ملتزمة مع المؤسسات فرصاً لبناء شراكات صادقة ومبنية على الثقة.

أدوار جديدة، إمكانات جديدة

مؤسسة والتر آند إليز هاس فاند ليست أول مؤسسة خيرية تدرك أن بعض التقاليد المتعلقة بأدوار موظفي المؤسسة قد عفاها الزمن، مثل الفصل بين أدوار البرامج وأدوار الإدارة. يعمل الموظفون الآن في فرق عمل تعمل بنظام المصفوفة وتضم قادة البرامج والقادة الإداريين الذين يعملون في شراكة استكمالاً لتحولنا من العمل المنفرد إلى العمل المتكامل. بالنسبة إلى المنح الكبرى، تجري مديرة الشؤون الإدارية في المؤسسة الفحص النافي للجهالة المالية وتقدم تقريرها إلى مدير إدارة البرامج في المؤسسة وإلى الجهة المستفيدة من المنحة. أعربت الجهات المستفيدة من المنح عن تقديرها العميق لإعفائها من هذا العبء وبدأت استخدام التقارير في عملياتها الداخلية. تحدد نماذج العمل القديمة طريقة دعم الشركاء الحاصلين على المنح، وأين يركز الممولون الجزء الأكبر من جهدهم، ومن الذي يتولى القيادة، وغير ذلك.

في إطار عملية التغيير أنشأنا أدواراً للموظفين تتبنى رؤية مختلفة لنماذج العمل والهياكل التي تدعمها.

يُنظر في نماذج المؤسسات التقليدية إلى موظفي البرامج على أنهم خبراء وأوصياء على الموارد، لكننا أعدنا توجيه عمل البرامج بالتركيز على القيادة التيسيرية، وذلك عبر الاستماع إلى حاجات المجتمع ودعوة المجتمع المحلي للتأثير في عملنا. نحن نتبنى التعلم المتبادل والاعتماد المتبادل وننظر إلى أعضاء المجتمع وقادة المؤسسات غير الربحية على أنهم خبراء.

ولمساعدتنا على التعلم بطرق تركز على شركاء المنح، استحدثنا منصباً جديداً في فريقنا يسمى “خبير استراتيجي للعدالة والإنصاف والتعلم”. يساعدنا هذا المنصب على تبني أهداف المستفيدين من منحنا، ومراقبة التقدم المحرز بالشراكة معهم، ومشاركة التعلم المتبادل فيما بيننا. يبقى تقديم المنح أحد مهام المؤسسة، ولكنه يُنفذ إلى جانب أعمال رئيسية أخرى، مثل تنظيم عمل الممولين، وعقد اجتماعات للجهات المتلقية للمنح، والتحدث عن نهجنا في العمل، وتعزيز معرفة الجهات المتلقية للمنح.

أنشأنا فريق عمل مكون من الموظفين لتطبيق منظور إصلاحي في تقديم المنح. استناداً إلى عمل فريق العمل باعتباره دليلاً إرشادياً، أقر موظفونا عدة توصيات بشأن المنح الرأسمالية لتقديمها إلى مجلس الإدارة. لقد كان تعاون الموظفين بهذه الطريقة غير الفردية والمشتركة بين البرامج والأقسام تجربة جديدة بالنسبة لنا. يتطلب هذا التعاون الذي يشمل قادة البرامج، ومدير المنح، والخبير الاستراتيجي للعدالة والإنصاف والتعلم، ومديرة الشؤون الإدارية، وغيرهم من الموظفين، الثقة والتعاون على المستوى الداخلي الذي نسعى إلى إقامته على المستوى الخارجي في علاقاتنا مع المجتمع. فالأهم هو الاستماع والتوافق وتقاسم الصلاحيات والاعتراف بحكمة الجماعة.

ثمة مجال آخر للتغيير يتمثل في التقارير المقدمة إلى مجلس الإدارة، إذ أصبحت التقارير وسيلة لموظفي البرنامج لإظهار قيمتهم وخبرتهم في غالبية المؤسسات؛ فكلما كانت مذكراتهم أطول وأكثر تفصيلاً، شعروا بتقدير آرائهم وأنهم يحظون بالاحترام. لكننا أدركنا أن العكس هو الصحيح، فقد كانت المذكرات غير مستساغة. والأهم من ذلك أنها كانت تمثل نهجاً أكاديمياً قائماً على المعاملات في تقديم المنح يعطي الأولوية للعملية على حساب التأثير، وللضغط على مجلس الإدارة على حساب التعلم معهم. ونتيجة لذلك، أصبحت التقارير أقصر، مع التركيز على رفع مستوى الموضوعات الرئيسية في مختلف القضايا والمنح. وبالنسبة للموظفين وأعضاء مجلس الإدارة، فقد أوضح هذا التحول الجوانب المشتركة في عملنا ورسالتنا. انتقل المجلس من الموافقة على المنح على نحو فردي إلى الموافقة على قوائم منها.

التحول من التفعيل إلى التحويل

اكتشفنا أن تقديم المنح يحتاج إلى إصلاح شامل ليتماشى مع قيمنا على نحو أفضل
ويعطي شركاءنا مساحة أكبر لإنجاز أعمالهم وتجربتهم واستثمارهم وتحقيق النجاح.

أهم استثمار خيري لدينا حتى الآن هو
صندوق إنديفور (Endeavour Fund). إذ منحنا عبره 3.5 ملايين دولار لسبع مؤسسات غير ربحية رائدة على مدى سبع سنوات، ليبلغ إجمالي الاستثمار 24.5 مليون دولار، وذلك بهدف سد فجوة الثروة بين الأعراق وبين الرجال والنساء. تمكّن هذه المبادرة المتعددة السنوات المؤسسات التي يقودها أصحاب البشرة الملونة من تحديد أفضل الطرق لتعزيز أنظمة التغيير وتنميتها. نحن ندرك أهمية الاستثمار في القدرات التنظيمية ونشجعها، مثل أجور العاملين والتطوير المهني.

ما زالت المنح غير المقيدة المتعددة السنوات ليست القاعدة السائدة.
حتى بالنسبة للذين يتبنّون نهجاً متعدد السنوات، فإن متوسط المدة يتراوح بين سنتين إلى ثلاث سنوات. تتذكر أليسون أنها كانت في مؤتمر للمانحين منذ سنوات عدة وشاهدت كيف ذُهل الحضور عندما اقترحت واحدة من كبار الباحثين في مشروع ترست بيسد فيلانثروبي أن تكون فترات المنح المستقبلية 10 سنوات. “تشير الصدمة التي أصابت الجمهور -بمن فيهم أنا شخصياً- إلى مدى أهمية أن يشجع الممولون أنفسهم وبعضهم بعضاً لتبادل الأفكار التي لم تظهر نتائجها بعد، خاصة عندما يخبرنا شركاؤنا من المؤسسات غير الربحية بما يحتاجون إليه لأداء عملهم على أكمل وجه”.

إن أعراف الوضع الراهن للعمل الخيري؛ أي العمل في برامج منعزلة وفرض متطلبات صارمة تعتمد على نحو مفرط على المعاملات والمقترحات المكتوبة والتقارير، كانت توفر لنا في السابق إمكانية التنبؤ بمواعيد تقديم المنح والاطمئنان على قوة سلطتنا والنماذج القابلة لإعادة الاستخدام. كانت تتطلب منا القليل من الجهد، وبالتالي كان تأثيرها وإنجازها أضعف. يتطلب عملنا اليوم أن نكون شركاء فاعلين وملتزمين، وأن تكون علاقاتنا مبنية على الثقة وليس على السيطرة. نحن مسؤولون أمام شركائنا جميعاً؛ أي مجتمعنا وموظفينا ومجلس إدارتنا.

خلال رحلتنا في تفعيل الثقة، ما زلنا نتعلم دروساً حول ما يتطلبه هذا العمل. يمكن أن يتحقق تفعيل الثقة تدريجياً بدلاً من أن يكون عملية إعادة تمحور صعبة. يستحق هذا التحول جهداً كبيراً في حال كان هدفنا إحداث التغيير ودعم شركائنا من المؤسسات غير الربحية لبناء مستقبل أكثر إنصافاً ومبني على الثقة.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.