كيف يمكن أن يخدم الذكاء الاصطناعي تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة؟

4 دقيقة
تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة
shutterstock.com/Nor Gal
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يقدّم الذكاء الاصطناعي حلولاً للأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، ما يُحدث ثورة في إمكانية الولوج لخدمات التعليم بالنسبة لشرائح واسعة من الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة. يستكشف هذا المقال الأشكال والطرائق التي يمكن لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من خلالها تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة في تعلمهم.

لا يستطيع ما يقرب من مليار شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة استخدام أدوات التكنولوجيا المُساعدة، ما يحرمهم من المساواة على مستوى الخدمات، بحسب تقريرٍ لمنظمة الصحة العالمية. وتتوقع المنظمة أيضاً أنه بحلول عام 2030، سيحتاج أكثر من 2.5 مليار شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة إلى تلك الأدوات.

يتمتّع الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة بنفس الحقوق في التعليم الجيّد، وفرص النجاح والتحقيق الأكاديمي والمهني مثل أي شخص آخر في هذا العالم. غير أنهم يواجهون تحديّات إضافية في تعليمهم، ما يجعل التعلّم أكثر صعوبة بالنسبة لهم. يمكن أن تشمل هذه التحديّات العزلة الاجتماعية، والصعوبات السلوكية والعاطفية، وعدم ملاءمة استراتيجيات التدريس في التعليم الخاص للاحتياجات الفردية. لكن الثورة التي تُحدثها حلول الذكاء الاصطناعي (AI) في مجال التعليم الخاص هي بالفعل فريدة من نوعها، وتستطيع قلب كفة الميزان لصالح الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة.

أبرز صعوبات التعليم الخاص بذوي الاحتياجات الخاصة عالمياً وفي بلدان مجلس التعاون الخليجي 

يشهد التعليم الخاص (Special Education)؛ وهو التعليم الموجّه لفئة الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة عوائقَ مختلفة، مثل نقص التمويل، والعقبات اللوجيستية. تؤدّي غالباً مشكلات التمويل إلى تأخير الخدمات المقدمة للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة وخفض جودتها، حيث أن القرارات المالية يمكن أن تعتمد على الميزانيات المخصّصة لهذه الفئات وليس احتياجاتهم الحقيقية. كما تعيق اللوجستيات مثل المباني غير المجهّزة كالمداخل الضيقة، وعدم وجود منحدرات ووسائل النقل الاستفادة من تلك الخدمات. ومن ناحية التعليم نفسه؛ قد يستخدم بعض المعلمين مقاربات تربوية شاملة بدلاً من تلك المبنية على التقييمات الفردية التي تراعى احتياج كلّ فردٍ بظروفه الفريدة. هذا بالإضافة إلى المواقف السلبية المرتبطة بالتمييز والنظرة النمطية تجاه الشخص في من ذوي الاحتياجات الخاصة، ما يُعيق تحقيق المساواة في الحصول على التعليم.

وعندما يتعلّق الأمر بأُسر ذوي الاحتياجات الخاصة تظهر التحديات على مستويات أخرى؛ أهمها نقص التسهيلات على الرغم من وجود برامج تعليمية. فقد يحتاج الآباء إلى الدفاع عن احتياجات أطفالهم، ويحتاجون إلى خدمات دعم منزلية تكون غير مجانية في الأغلب. ناهيك من التحديات السلوكية والعاطفية التي تصاحب الإعاقات وتتطلّب تدريس استراتيجيات مواجهتها للأبوين والمعلمين، وتوفير بيئة منظمة ومتعاونة مع المدرسة.

تشير الأستاذة المشاركة بقسم العلوم النفسية بجامعة قطر في الدوحة، مها الهنداوي، في بحثٍ لها نُشر في 2023 إلى إن التعليم الخاص في بلدان مجلس التعاون الخليجي ما يزال في مراحل محدودة أو متوسطة على الرغم من التقدّم السريع الذي حدث في التعليم في دول الخليج منذ منتصف القرن العشرين، والمثل العليا التي تؤمن بها هذه الدول بشأن تعليم أطفالها وشبابها، والتي تشبه تلك الموجودة في العديد من الدول الأخرى، لكن تلك المثل لا تتحقّق تماماً على أرض الواقع.

وتضيف إن المكونات المختلفة المترابطة والضرورية من أجل تحقيق مُثُل التعليم الخاص في الخليج تتمثّل في تدريبٍ خاص للمعلمين، وإنشاء قاعدة بحثية ذات سياق خليجي لكي تشكّل أساس كافة الجهود المبذولة في هذا المجال. فعلى الرغم من التقدّم الحاصل في السنوات الأخيرة، فمازالت المشاريع قيد التطوير إلى حدٍّ كبير.

ما دور ابتكارات الذكاء الاصطناعي والروبوتات المُساعدة في تمكين المُتعلّمين من ذوي الاحتياجات الخاصة؟

يمكن أن يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل التعليم الخاص من خلال تقديم مسارات تعليمية مخصّصة للطلاب ذوي الاحتياجات المتنوّعة والمختلفة. إذ تزوّد تقنيات التعلم التكيّفي (Adaptive Learning Technologies) المدعومة بالذكاء الاصطناعي، أنماط التعلم الفردية، بإمكانية تكييف المحتوى من أجل تفاعلٍ أفضل من قبل المُتعلّمين. كما تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي، مثل التعرّف على الصوت وتحويل النص إلى كلام، على تحسين التواصل بين الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، وتسهيله أيضاً من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي الصوتية، مثل (Siri) و(Alexa). ولا يفيد الذكاء الاصطناعي الطلاب على نحوٍ مباشرٍ فحسب، بل يوفّر أيضاً بيانات قيّمة للمعلمين لمراقبة التقدّم، وتصميم استراتيجيات التدريس الأكثر فعالية.

ولأنه يضمن الشمولية (Inclusivity) في التعليم، تساعد التطبيقات المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي توفّر معلمي برايل (Braille) الأفراد ضعاف البصر على نحوٍ كبير. وبالنسبة للأفراد الذين يعانون من صعوباتٍ في النطق؛ تساعد تطبيقات مثل باروترون (Parrotron) من جوجل على التواصل بفعالية.

اقرأ أيضاً: تجارب من السعودية والعالم حول تعليم الأطفال المرضى بالسرطان؟

الروبوتات الاجتماعية يمكن أن تساعد الطلاب المصابين بالتوحد

يُشخّص واحدٌ من كل 54 طفلاً بالتوحد، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (Centers for Disease Control and Prevention). لذا يستكشف الباحثون مثل أستاذ علوم الكمبيوتر والعلوم المعرفية والهندسة الميكانيكية في جامعة ييل (Yale University) الأميركية، بريان سكاسيلاتي (Brian Scassellati)، كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفيد الأفراد الذين يعانون من صعوبات التعلم أو كما يُعرف أيضاً بإعاقات التعلم (Learning Disabilities).

ولتحقيق تلك الغاية؛ تُصمّم أدوات الذكاء الاصطناعي مثل الروبوتات الاجتماعية لمساعدة الأطفال المصابين بالتوحد على تطوير المهارات الاجتماعية والتعليمية. حيث توفر هذه الروبوتات تفاعلاً جاذباً وغير مُصدرٍ للأحكام، وبخاصة للأطفال الذين يعانون من طيف التوحد. وتهدف الألعاب التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، إلى تعزيز الفهم الاجتماعي للأفراد المصابين بالتوحد، والاستفادة من مهارات التفكير البصري المتفوقة لديهم.

بالإضافة إلى ذلك، يساعد الذكاء الاصطناعي في تحسين إمكانية الولوج للطلاب الصم وضعاف السمع من خلال منصات مثل مترجم مايكروسوفت (Microsoft Translator) والأجهزة المبتكرة مثل نظارات فوزيكس (Vuzix). وفيما يخص عسر القراءة (Dyslexia)، يستخدم الباحثون التعلّم الآلي لتحليل البيانات بهدف تعزيز الاكتشاف المبكّر، وتحسين الاستراتيجيات التعليمية.

حكومة دبي تتبنى الذكاء الاصطناعي لتحسين الخدمات المقدمة لأصحاب الهمم

خلال المجلس الأخير الذي استضافه مجلس شباب دبي خلال فعاليات معرض أكسس أبليتيز (AccessAbilities) الذي اختُتم في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، سلّط الخبراء الضوء على دور الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة الحياة بالنسبة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. حيث شاركت العديد من الجهات الحكومية والخاصة في تطوير الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على مجالاتٍ مثل ميزات البناء الذكي، والتواصل المرئي، وترجمة لغة الإشارة، ومعالجة اللغات الطبيعية. وشدّدت المناقشات على التأثير الإيجابي للذكاء الاصطناعي في مجالات مثل إمكانية الولوج في الأماكن العامة.

وأوضحت مايكروسوفت مشاركتها المستمرّة في تدريس البرمجة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وتمكين مقدمي الخدمات من دمج الذكاء الاصطناعي للحصول على حلول مخصّصة. حيث قال مسؤول أمن البيانات في شركة مايكروسوفت، رفيق جرجس (Rafik Gerges)، إن الشركة تنخرط في تدريس البرمجة والترميز للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة السمعية والأشخاص الذين يعانون من عسر القراءة. إذ يساعد تعليمهم كيفية إنشاء ألعاب الكمبيوتر ومشاركتها مع الأصدقاء على تعزيز مهارات حل المشكلات لديهم، وبالتالي رفع مستوى ثقتهم بأنفسهم.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للمؤسسات التعليمية الريادية أن تُتيح التعليم العالي على نطاق أوسع؟ 

وختاماً، يُظهر دمج حلول الذكاء الاصطناعي في التعليم الخاص نتائج واعدة في تلبية احتياجات التعلم المختلفة. وعلى الرغم من إمكاناته الهائلة، يجب العمل على إدماج تقنياته وإتاحة استخدامها السهل والعادل لفئة الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة لتجنب اتساع الفوارق التعليمية. ويبقى البحث المستمرّ ضرورياً لضمان الفعالية والتطبيق العملي لهذه التكنولوجيا الثورية.