تجارب من السعودية والعالم حول تعليم الأطفال المرضى بالسرطان

المستشفى
shutterstock.com/alexkich
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

من الطبيعي أن يفرح الأطفال عند منعهم من الذهاب إلى المدرسة في حال تعرضهم لوعكة صحية خفيفة كالزكام، لكن الوضع مختلف بالنسبة للأطفال من مرضى السرطان ممن يضطرون إلى البقاء في المستشفى لفترة طويلة، ما يؤثر في تحصيلهم العلمي، لكن تقديم الخدمات التعليمية داخل المستشفى الذي يتلقى فيه الأطفال العلاج سيساعدهم على تحسين كل من مستواهم التعليمي والنفسي.

الحرمان من حق الحصول على التعليم

بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن ما يقدّر بنحو 400 ألف طفل ومراهق تتراوح أعمارهم بين أقل من سنة و19 سنة يصابون بالسرطان سنوياً، ويؤثر التشخيص بهذا المرض في حياة كلٍ من الطفل المريض وعائلته، إذ يضطر إلى الانقطاع عن الدراسة في أثناء رحلة العلاج، بالإضافة إلى الآثار الجانبية المرتبطة بالعلاج مثل ضعف التركيز وتراجع القابلية للتعلم بسبب صعوبة اكتساب المعلومات والاحتفاظ بها، ما يؤدي إلى تراجع التحصيل العلمي.

وتوصلت دراسة حول تأثير مرض السرطان على التحصيل العلمي للأطفال إلى أن نحو 50% من الأطفال المصابين بالسرطان لا يتمكنون من الذهاب إلى المدرسة خلال الشهر الأول من تلقي العلاج، و70% من الأطفال لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة خلال الشهر الرابع من العلاج، ويعاني قرابة 90% من الأطفال المتعافين من السرطان من مشكلات جسدية واجتماعية وعاطفية، ويواجه 35% منهم مشكلات معرفية وعصبية تؤثر في أدائهم الأكاديمي ونتائجهم التعليمية، هذا ما يضطر بنحو 30% من المتعافين إلى إعادة العام الدراسي الذي توقفوا عنده عند بدء العلاج.

العبور إلى المستقبل

بالنظر إلى طبيعة مرض السرطان، واحتياج المصاب به إلى وقت طويل كي يتجاوز تبعاته؛ فإن التفكير تجاه إمكانية عدم إهمال العملية الدراسية أمر ضروري ونافع، لأن شعور الطفل بعدم توقف حياته بالكامل بسبب مرضه يزيد من كفاءته النفسية، وفي المقابل، قد يضيف انتظار التعافي التام أعباءً نفسية جديدة يصعب تجاوزها مع الوقت.

وأظهرت الأبحاث أن الأطفال الناجين من مرض السرطان ممن تابعوا مراحل التعليم خلال فترة العلاج، يتمتعون بمهارات اجتماعية أفضل وثقة بالنفس تخوّلهم لمتابعة التحصيل الدراسي بكفاءة عالية مقارنةً بأولئك الذين تلقوا تعليمهم في المنزل طيلة فترة العلاج.

تحمل فكرة انخراط الطفل في العملية التعليمية وهو في هذا الظرف الصحي معنىً مميزاً؛ إذ توحي له بشكلٍ أو بآخر أن العَرَض الصحي الحالي مؤقت، ويجب أن يستعد للعودة إلى الحياة الطبيعية، وتبعث له رسالة مفادها: أنت بخير وستتعافى قريباً، وتُكمل مراحلك الدراسية.

طرق المواظبة على الدراسة في أثناء العلاج

قد تضم مستشفيات الأطفال معلمين ومنسقاً تعليمياً لمساعدة الطفل على متابعة الدراسة في أثناء إقامته الطويلة في المستشفى، أو قد يتخذ المعلمون في المستشفى ترتيبات أخرى بالتنسيق مع مدرسة الطفل، أو أخصائي اجتماعي، أو قد تختار أسرة المريض استكمال دراسته في المنزل أو الاستمرار في الذهاب إلى المدرسة، فهناك العديد من الخيارات المتاحة كي يستكمل الطفل المصاب بالسرطان دراسته، والأمر يتعلق بنوع السرطان المصاب به الطفل وأنواع العلاجات اللازمة.

لكن عندما يضطر الطفل إلى البقاء في المستشفى لفترة طويلة، ستكون “مدرسة المستشفى” هي الخيار الأنسب، إذ يقدم الأساتذة في مدارس المستشفى الدروس التعليمية في مختلف المواد التي تضمن بقاء الطفل المصاب بالسرطان مواكباً للعملية التعليمية في مدرسته العادية طيلة فترة العلاج، ليصبح جاهزاً للعودة إليها والانخراط من جديد بين رفاقه ومتابعة الدراسة بمجرد أن يُشفى تماماً من المرض.

تجارب مدارس المستشفيات 

ينتشر الكثير من تجارب “مدرسة المستشفى” لتعليم الأطفال المصابين بالسرطان في مختلف دول العالم، لكن الغالبية تبقى في إطار غير رسمي ومدعوم من منظمات وجمعيات خيرية مستقلة تعتمد على أساتذة متطوعين أرادوا المشاركة في مثل هذه المبادرات الإنسانية. لكنها في نهاية المطاف تبقى مبادرات مهمة لتنفيذ فصول دراسية في المستشفى تشكل جسراً للأطفال والمراهقين الخاضعين للعلاج لاستئناف الدراسة النظامية.

في السعودية، وتحديداً في القصيم، توجد قصة إنسانية بدأت عام 2017 عندما تعاونت وزارتا الصحة والتعليم على تنفيذ مشروع الخدمات التعليمية للأطفال المقيمين في مركز الأمير فيصل بن بندر للأورام، الذي يهدف إلى تقديم فرص التعليم للأطفال المنوّمين في المركز، تجنباً لانقطاعهم عن الدراسة لفترات طويلة بسبب حالتهم الصحية.

فلم تعد الخدمة التعليمية للأطفال المرضى مقتصرة على مجموعة متطوعة من المعلمات في إدارة التعليم بمنطقة القصيم، بل اكتست طابعاً رسمياً قائماً على المتابعة المستمرة للأطفال ليكملوا مسيرتهم التعليمية دون التخلف عن أقرانهم.

وكان للقطاع الثالث دور في تنفيذ مشروع الخدمات التعليمية لأطفال السرطان، إذ أطلقت جمعية سند بالتعاون مع وزارة التعليم “برنامج سند التعليمي” لتقديم خدمات التعليم للأطفال المصابين بالسرطان في مختلف مستشفيات المملكة العربية السعودية عن بُعد ودون الحاجة إلى الحضور شخصياً، ويتضمن البرنامج 8 فصول أسهمت في تعزيز التواصل والتعارف بين الطلاب الذين وصل عددهم إلى 2,380 طالباً من مختلف أنحاء المملكة.

وفي الأردن، تقدّم مؤسسة الحسين للسرطان بدعم من وزارة التربية والتعليم برنامج العودة إلى المدرسة بهدف تمكين الأطفال المرضى من مواصلة الدراسة في أثناء فترة العلاج، والتخفيف من معاناتهم ومساعدتهم على استعادة ثقتهم بأنفسهم. وفي المملكة المغربية تجربة مماثلة، إذ عملت جمعية أسرة التعليم ومحاربة الهدر المدرسي على تقديم الدعم المدرسي لأطفال مرضى السرطان بمدينة مراكش.

أما ألمانيا، فقد حققت خطوات متقدمة في مجال دعم تعليم أطفال السرطان من خلال إطلاق مدارس المستشفيات في عدد من المدن الألمانية، أهمها مستشفى مدينة كولونيا الجامعي المتخصص بالأورام، الذي يقدم تجربة فريدة لتعليم الأطفال المصابين بالسرطان منذ 60 عاماً، إذ خصص المستشفى في الطابق الأرضي قاعة دراسية يلتقي فيها الأطفال المرضى مع المعلمين ويدرسون مواد مثل الرياضيات والإنجليزية والألمانية، أما الطفل الذين يصعب عليه النزول إلى الطابق الأرضي، فيتوجه المعلم إلى غرفته ليبدأ الدرس مع الطفل الراقد في السرير، كما تقدم للأطفال المرضى ما يلزم من وسائل للتواصل عن بُعد مع زملائهم في المدارس العادية التي كانوا فيها قبل اكتشاف الإصابة.

ومن مدارس المستشفيات لأطفال السرطان المعروفة عالمياً، مدرسة مستشفى سيدني للأطفال المصابين بمرض السرطان، ومدرسة المستشفى الملكي للأطفال واليافعين في أدنبرة عاصمة اسكتلندا، وبرنامج مدرسة المستشفى في مستشفى سينسيناتي للأطفال في ولاية أوهايو الأميركية الذي انطلق في عام 1999.

إن العلاج من السرطان رحلة في غاية الصعوبة، بالإضافة إلى خوف الأطفال من المرض؛ إذ يساورهم قلق حرمانهم من حقهم في التعليم، ووجود مبادرات مدارس المستشفيات سيهوّن عليهم طريق التعافي ويعزز لديهم الشعور بالحياة الطبيعية من خلال متابعة مسيرتهم التعليمية.