ما تأثير التغير المناخي على فرص العمل؟

3 دقائق
أسواق العمل
shutterstock.com/Linhsiaowei

لا يمثل الذكاء الاصطناعي وحده تهديداً مُحتملاً لوظائف البشر، فتغير المناخ الذي يُعد أكبر تحديات القرن الحادي والعشرين، له تأثيرات سلبية على أسواق العمل، ويجب التصدي لها لتحقيق التنمية المستدامة.

عند النظر في تأثير الكوارث والأوبئة، فإن جائحة كوفيد-19 لم تتسبب بوفاة الملايين من الأشخاص فحسب، بل أدت إجراءات الإغلاق المرافقة لها إلى فقدان العديد من الوظائف والتغيرات في سوق العمل فضلاً عن زعزعة أنظمة الرعاية الصحية، ويبدو أن تغير المناخ له تأثير الدومنيو أيضاً، كما ذكر تقرير صحيفة نيويورك تايمز، وسيكون له عواقب اجتماعية اقتصادية خصوصاً على البلدان النامية التي تعاني أصلاً من ارتفاع معدلات الفقر، ونقص فرص العمل اللائق، وقلة الموارد اللازمة للزراعة وضعف الحماية الاجتماعية.

إجهاد حراري يقوّض الإنتاجية

يؤثر تغير المناخ بشكل واضح على النشاط الزراعي والأمن الغذائي والبنية التحتية وصحة الأفراد وسبل عيشهم، وبحسب دراسة لشركة ديلويت للاستشارات الإدارية، يضر تغير المناخ في أكثر من 800 مليون وظيفة حول العالم، وتؤدي الظواهر المناخية الشديدة إلى خسارة مباشرة في الوظائف والدخل؛ إذ تسبب إعصار كاترينا عام 2005 بفقدان 230 ألف وظيفة، وفقاً لتقديرات وزارة العمل الأميركية.

ويُعد الإجهاد الحراري من أهم تأثيرات المناخ على العاملين، والمقصود به وصول درجة الحرارة إلى مستوى يتجاوز قدرة الجسم على التحمّل، وبالتالي سيؤثر ارتفاع الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن في صحّة الأفراد وقدرتهم على العمل ما يؤدي إلى تراجع الإنتاجية، وزيادة الخسائر الاقتصادية.

يتوقع تقرير منظمة العمل الدولية "العمل على كوكب أكثر دفئاً: تأثير الإجهاد الحراري على إنتاجية العمل والعمل اللائق" (Working on a warmer planet: The impact of heat stress on labour productivity and decent work)، أن تبلغ خسارة الإنتاجية نحو 80 مليون وظيفة بدوام كامل بحلول عام 2030، أي ما يعادل ضياع 2% من إجمالي ساعات العمل حول العالم، وبحسب دراسة أعدتها مجلة لانسيت الطبية (Lancet)، شهد عام 2021 ضياع 470 مليار ساعة عمل محتملة بسبب الإجهاد الحراري.

عدالة مناخية مفقودة

للأسف، مثل هذه الأضرار لا تتوّزع بالتساوي، فالبدان النامية والمناطق الأشد فقراً سينالها النصيب الأكبر من تداعيات المناخ لعدم امتلاكها الموارد الكافية للتكيف مع الاحتباس الحراري، وكذلك القطاعات غير الرسمية التي يفتقر فيها العاملون لإمكانية الوصول إلى الحماية الاجتماعية والتأمين ضد الحوادث والإصابات، ما يجعلهم أكثر عُرضة للآثار السلبية لتغير المناخ.

يرجّح تقرير منظمة غرين بيس البيئية، أن 80% من المدن المكتظة بالسكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيعاني من موجات الحر بحلول نهاية القرن، محذّراً من تعرض المنطقة لشح المياه والغذاء في ظل ارتفاع درجات الحرارة.

ومن جهة أخرى، قد تتعرض مدن ساحلية مثل الإسكندرية، وبنغازي، والجزائر، للغرق في حال ارتفاع منسوب مياه البحر المتوسط، فمن المتوقع مثلاً أن تفقد الإسكندرية 214 ألف وظيفة، إذا ارتفع مستوى البحر 50 سنتيمتراً، وسيضطر نحو ثلث سكان المدينة إلى الانتقال إلى مكان آخر.

ولفت تقرير البنك الدولي "أخفضوا الحرارة: مواجهة الواقع المناخي الجديد" إلى أن ارتفاع منسوب مياه البحر خاصة في البحر المتوسط قد يؤدي إلى نزوح نحو 3.8 ملايين شخص من سكان دلتا النيل والسواحل إلى المناطق الداخلية، ومن المتوقع أن تشهد إفريقيا هجرة داخلية لنحو 86 مليون شخص بحلول عام 2050.

تُعد المناطق الساحلية وسكان المجتمعات التي تعتمد على الزراعة لكسب العيش أكثر عُرضة لتداعيات تغير المناخ، ما يجعل الزراعة القطاع الأشد تضرراً، ومن المتوقع أن يشكل 60% من إجمالي ساعات العمل التي سيخسرها العالم بحسب موجات الحر بحلول عام 2030، ويرجح أن تفقد مصر نصف إنتاجها الزراعي بحلول عام 2060.

الحل في الاقتصاد الأخضر

لا يمكن مواجهة تحديات تغير المناخ من خلال المفاضلة بين خيارين أولهما حماية البيئة والحد من الاحتباس الحراري، والآخر توفير فرص عمل لائقة، بل يجب العمل عليهما بالتوازي، وأن تتكامل سياسات الإصلاح البيئي وخطط مواجهة تغير المناخ مع سياسات أسواق العمل والحماية الاجتماعية من أجل تسهيل الانتقال إلى الاقتصاد المستدام أو الأخضر، وإحداث تحولٍ جذري في أنماط الانتاج والاستهلاك اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة.

سيقدِّم الانتقال إلى اقتصاد مستدام وصديق للبيئة فرصاً مهمة للتنمية الاجتماعية تتمثل في توليد المزيد من الوظائف، أو تحسين نوعية الوظائف الحالية، أو توسيع نطاق الإدماج الاجتماعي، إذ توقعت دراسة في مجلة وان إيرث (One Earth)، أن تحصل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والولايات المتحدة على أكثر من مليون وظيفة بحلول عام 2050، نظراً لامتلاكها إمكانات عالية في مجال الطاقة المتجددة قد تزيد من فرص العمل.

ويمكن أن تسهم جهود إزالة الكربون في توفير ما يزيد على 300 مليون وظيفة إضافية بحلول عام 2050، منها 75 مليوناً في إفريقيا، ما يساعد على تعويض خسائر فرص العمل في القطاعات المختلفة.

لكن الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر يحتاج إلى تغييرات جوهرية في سوق العمل، أهمها تحسين ظروف العمل وتوفير دخل أعلى وتعزيز الصحة والسلامة المهنية على نحوٍ أفضل، وكذلك تدريب العاملين في مختلف القطاعات وإعادة تشكيل مهارتهم لتجاوز عائق جذب المواهب، على سبيل المثال، التحوّل إلى الزراعة المستدامة يتطلب تدريب المزارعين على أساليب زراعية صديقة للبيئة، وكذلك تطوير سلاسل القيم والاستثمار في الحماية الاجتماعية وتحسين البُنى التحتية لزيادة المحاصيل والدخل.

حان الوقت الآن للتعامل مع تحديات المناخ من منظور اجتماعي يسهم في استحداث وظائف أكثر وأفضل، ويخلق أسواق عمل ملائمة للانتقال نحو الاقتصاد الأخضر، ويساعد البلدان النامية والمجتمعات الفقيرة على مواجهة التغير المناخي بطرق أكثر استدامة.

المحتوى محمي