كيف نُحسّن استجابتنا لأزمة اللاجئين حول العالم؟

3 دقيقة
اللجوء
shutterstock.com/Fishman64
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يمثل اللجوء التحدي العالمي الأكبر، ومع التغيرات في الجغرافيا السياسية وتبعات التغير المناخي ومشكلة الفقر ستتفاقم أزمة اللاجئين العالمية، ما يتطلب إثارة استجابة إيجابية قائمة على الاستثمار في الجهود الإنسانية والحلول السياسية لإرساء عوامل الأمن والاستقرار.

الأزمة مستمرة والحل السياسي مفقود

في العقد الماضي، تضاعف نطاق أزمة اللاجئين العالمية، وشهدت نهاية عام 2022، نزوح 108.4 ملايين شخص قسرياً حول العالم نتيجة النزاعات والصراعات وأحداث العنف والاضطهاد وانتهاكات حقوق الإنسان.

وترى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن حالة التشرذم التي يعيشها العالم ستؤدي إلى تضاعُف أعداد اللاجئين لتصبح الهجرة غير الطوعية خطراً متزايداً خلال السنوات العشر المقبلة. وهو ما أكده 1,500 خبير عالمي في تقرير المخاطر العالمية الأخير الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.

لا يزال الدافع الرئيسي للنزوح هو الصراع، ولا يزال تحقيق توازن القوى صعب المنال، فانتقلنا من عالم ثنائي القطب خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وبعد سقوط جدار برلين أصبحنا في يد قوة عظمى واحدة، هي الولايات المتحدة، ثم دخلنا بسرعة كبيرة إلى عالم متعدد الأقطاب.

لقد حان الوقت لتوحيد الجهود لخلق استجابة إيجابية لأزمة اللاجئين العالمية، وذلك من خلال:

تعظيم الاهتمام بقضايا اللاجئين

إنها أزمة عالمية ويجب أن نحوّل الاهتمام بها إلى تركيز أكثر ثباتاً، فلا يمكن أن تكون أزمات اللاجئين مهمة فقط إذا حدثت في البلدان الغنية، كما هي الحال بالنسبة لأزمة اللاجئين الأوكرانيين حيث يعيش معظمهم في أوروبا، لكن الأمر نفسه يجب أن ينطبق على أزمة اللاجئين السوريين الذين يمثلون أكثر من 25% من إجمالي عدد اللاجئين حول العالم، حيث يعيش غالبية اللاجئين السوريين في بلدان متدنية أو متوسطة الدخل مثل لبنان والأردن والعراق ومصر وتركيا.

وسجّل الداخل السوري، نزوح 6.8 ملايين شخص، وهو العدد الأكبر على مستوى العالم والأعلى منذ بداية الصراع، وفي عام 2024، من المتوقع أن يحتاج نحو 16.7 مليون شخص في سوريا إلى مساعدات إنسانية.

وسيكون تركيز الاهتمام بقضية اللاجئين أساسياً مع تزايد الأزمات، ففي السودان أُجبر 7 ملايين شخص على ترك منازلهم في العام الماضي بسبب الصراعات بين الجماعات العسكرية، وقد يحتاج 9 ملايين شخص؛ أي 72% من سكان جنوب السودان، إلى مساعدات إنسانية في عام 2024، ومن المتوقع أن يعاني 7.1 ملايين شخص انعدامَ الأمن الغذائي الشديد بين أبريل/نيسان ويوليو/تموز 2024.

ونتج عن الصراع في السودان موجة غير مسبوقة من الفرار والعودة، فضلاً عن وجود 300 ألف لاجئ بالفعل في البلاد.

أيضاً، يجب التفكير في لاجئي الروهينغا من ميانمار، فمنذ عام 2017 فرّ نحو مليون منهم إلى بنغلاديش هرباً من الاضطهاد والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان.

تغيير طريقة تفكيرنا تجاه اللاجئين

إن أزمة اللاجئين مستمرة ومع غياب الحلول السياسية يجب إدراك أن الاستجابات الإنسانية الطارئة وحدها ليست كافية، بل هناك حاجة إلى نهج إنمائي متوسط ​​الأجل ينطوي على كسر الصورة النمطية عن اللاجئين، والعمل على دمجهم في المجتمعات المضيفة لهم.

وهو ما يفرض على الدول المضيفة ضغوطاً وتحديات تتمثل في تبنّي سياسات مستدامة مالياً واجتماعياً، على سبيل المثال، استقبلت المناطق الحدودية بين تشاد والسودان اللاجئين الذين هربوا من عمليات القتل والاغتصاب والنهب والعنف في السودان، إلا أن تشاد بلد مضيف يتأثر بتغير المناخ وانعدام الأمن الغذائي، حيث يعيش 42% من السكان بين خط الفقر.

الإدماج أمر بالغ الأهمية، ما يتطلب تدخل الشركات والمؤسسات والمنظمات غير الحكومية والمدافعين عن حقوق الإنسان لتقديم دعم قوي للدول المضيفة واللاجئين على الأقل حتى يتمكنوا من العودة بأمان إلى ديارهم، ونقل الاستجابة لأزمة اللاجئين من تقديم المساعدة الإنسانية وخدمات الرعاية الصحية والتعليم إلى خلق الوظائف والانخراط في الأنظمة الوطنية التي تديرها الحكومات بدعم مالي من المجتمع الدولي، ومن قيود المناطق التي تندر فيها الفرص الاقتصادية إلى حرية الانتقال إلى أجزاء أخرى من البلد المضيف تتوافر فيها فرص العمل اللائقة.

بحسب البنك الدولي، تصل تكلفة مساعدة اللاجئين في تشاد إلى 533 مليون دولار سنوياً، ولكن إذا مُنحوا الحق في العمل، فستتراجع التكلفة إلى 207 ملايين دولار، وإذا مُنحوا الحق في العمل والتنقل بحرية، فستنخفض التكلفة أكثر لتبلغ 152 مليون دولار.

أيضاً، يمكن أن تساعد المبادرات الخيرية التي تركز على إعادة توطين اللاجئين وتمكينهم من القيادة وتعزيز مشاركتهم المدنية في المجتمعات التي سيعيشون فيها، على تعزيز شعور اللاجئين بالانتماء والفعالية وإحداث فروق إيجابية.

توظيف الابتكار الاجتماعي

يتميز الابتكار الاجتماعي بطرح حلول إبداعية للقضايا الاجتماعية ومعالجتها برؤية مختلفة، ومع التطور التكنولوجي اتسعت أفق الابتكار بطريقة يمكن الاستفادة منها في مواجهة الأزمات ومنها أزمة اللاجئين حيث ساعد استخدام الطائرات المسيرة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على تحديد أماكن لاجئي الروهينغا وتقييم احتياجاتهم ومعرفة أفضل طريقة لإرسال المساعدات لهم، واستعان الكثير من الأشخاص بمنصة تأجير السكن إير بي إن بي (Airbnb) لتقديم التبرعات إلى أوكرانيا، واستخدموا الخدمة كآلية للتحويل النقدي.

تحقيق الاستقرار ليكون هدفاً نهائياً

بالنسبة للبلدان المضيفة والمجتمع الدولي، ينبغي أن يكون الهدف النهائي دائماً هو تقليل حاجة الناس إلى الفرار وخلق الظروف التي تسمح لهم بالعودة إلى ديارهم، وقد يعد هذا الجزء الأكثر تعقيداً لأن حل النزاعات، وتعزيز السلام والاستقرار، وتجديد العقد الاجتماعي هي أمور تتطلب نهجاً يجمع كل أصحاب المصلحة من أجل الاستثمار الفعّال في الوقاية من تبعات أزمة اللجوء.

مع إدراك أهمية أزمة اللاجئين المستمرة، وضرورة العمل على التنمية المستدامة، وتقديم حلول سياسية لمعالجة الأسباب الجذرية للصراعات والنزاعات، وزيادة الدعم الممنوح للبلدان المضيفة لتتبنى سياسات إدماج شاملة، سنتمكن من استعادة الشعور بالأمل الذي تشتد الحاجة إليه في عالم مضطرب.