كيف نكسر الصورة النمطية عن اللاجئين؟

اللاجئين
shutterstock.com/Jacob_09
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تخيّل معي هذا المشهد: حشد من الأشخاص تبدو عليهم ملامح البؤس والفقر، يعبرون الحدود سيراً على الأقدام أو في قوارب صغيرة، تدفعهم أمواج البحر بلا هوادة، فترتسم ملامح الذعر على وجوههم ويعلو صوت بكاء أطفالهم وصراخهم.

بالطبع فكّرت في اللاجئين، فهذه هي الصورة النمطية الشائعة عنهم، لكنها للأسف صورة منقوصة وتضر بمستقبلهم ومستوى المساعدة المُقدمة لهم.

ما المقصود بالصورة النمطية؟

اشتُق مصطلح الصورة النمطية من كلمتين يونانيتين: (stereos) و(typos)؛ أي الانطباع الراسخ، وفي عام 1922 طوره لأول مرة الكاتب والمراسل والمعلق السياسي الأميركي، والتر ليبمان، ليعبّر عن الصورة المشوهة في ذهن الشخص عن مجموعة من الأشخاص الآخرين لأنها مستمدة من المحيطين الاجتماعي والثقافي وليست مبنية على تجربة شخصية.

بالعودة إلى المشهد المذكور في بداية المقال، يمكن أن يكون اللاجئون من أي طبقة اجتماعية، فبحسب الأمم المتحدة ينطبق تعريف اللاجئ على أي شخص يمتلك مخاوف مبررة من التعرض للاضطهاد، فالجزء المفقود في القصة يتمثل في أن اللاجئين هم أشخاص كانوا يعيشون حياة طبيعية ولديهم وظائف، لكنهم خسروها بسبب النزاعات والصراعات والكوارث. وليسوا مجرد أشخاص كسالى ومتطرفين أتوا من بلدان أخرى لاقتناص فرص العمل، والحصول على الرعاية الاجتماعية والإعانات الحكومية من دون دفع أي ضرائب.

فقد يكون اللاجئ طالباً يواظب على محاضراته في الجامعة، أو حِرفياً ماهراً يرغب في استعادة توظيف مهاراته، أو قد يكون رياضياً يحلم بالعودة إلى التمرين والمشاركة في البطولات العالمية، مثل اللاجئة السورية يسرى مارديني.

تفاقم الأزمة وازدياد المخاوف من التهديدات المحتملة

أصبح اللجوء قضية جوهرية آخذة في التوسع، فبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، اضطر 108.4 ملايين شخص للنزوح قسراً نتيجة الحروب والاضطهاد والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان في عام 2022، بزيادة 19 مليون شخص مقارنة بعام 2021.

تؤثر هذه القضية على كل من البلدان المرسِلة والمضيفة، وبدرجة أكبر على اللاجئين، إذ يُنظر إليهم على أنهم يعيشون في مخيمات محددة ومعزولة اجتماعياً واقتصادياً، أو أنهم يستولون على فرص العمل المتاحة ويستنزفون موارد البلدان المضيفة.

وبالتالي تتولد ممارسات التحيز والعنصرية والتمييز ضد اللاجئين من فكرة أنهم يشكلون تهديداً للمجتمعات المضيفة من عدة جوانب:

  • تأثير ثقافة اللاجئين ودينهم على أسلوب حياة المجتمعات المضيفة.
  • استيلاء اللاجئين على فرص العمل المتاحة.
  • ارتفاع معدل الجرائم التي يرتكبها اللاجئون.
  • الارتفاع المحتمل لوجهات النظر العنصرية واليمينية المتطرفة.
  • فشل الدولة المضيفة في تقديم الدعم اللازم للاجئين.

والآن، لنرَ كيف يؤثر الخوف من هذه التهديدات على مستقبل اللاجئين.

نشأت في دول الغرب نزعة سياسية معادية للاجئين، وصوّرتهم على أنهم عبء اقتصادي واجتماعي على الدول المضيفة، ما خلق ازدواجية تجاه التعامل معهم، فالبعض يحتفي باللاجئين “الجيدين” الذين تمكنوا من تخطي الصعاب والتفوق في مجالات متعددة مثل الطب والرياضة، والبعض الآخر يدعو إلى سياسات أشد قسوة لإبعاد اللاجئين “السيئين” بسبب حصولهم على الوظائف والمزايا وإخفاقهم في الاندماج مع المجتمعات المضيفة.

هذه النظرة تجاه اللاجئين تضعهم في إطار من العزلة والاستبعاد الاجتماعي، وبحسب دراسة بعنوان: “كيف تتنبأ الصور النمطية للاجئين تجاه أعضاء المجتمع المضيف بالتوجهات الثقافية” (How Refugees’ Stereotypes Toward Host Society Members Predict Acculturation Orientations) استطلعت آراء 783 لاجئاً في ألمانيا، فإن التمييز الاجتماعي المتصور حول اللاجئين قلّل من دافعيتهم لتبنّي ثقافة المجتمعات المضيفة.

وقد يؤثر استخدام المسميات الجماعية المختلفة على الصور النمطية التي يحملها أفراد المجتمع المضيف تجاه اللاجئين، وكذلك التوجه لتقديم المساعدة لهم، على سبيل المثال، أثارت تسمية المهاجرين الاقتصاديين صوراً نمطية سلبية حول هذه الفئة وأدت إلى تراجع الدافع لمساعدتهم.

ولا يمكن إغفال قدرة الخطاب الإعلامي على إثارة التمييز والتحيّز تجاه اللاجئين، إذ توصلت دراسة تناولت التغطية الإعلامية في كلٍ من ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا والسويد والمملكة المتحدة إلى أن 21% فقط من الأخبار المتعلقة باللجوء والهجرة تتحدث عن لاجئ بعينه، وأقل من نصف هذه الأخبار (40%) تقتبس القصص منهم مباشرة، بالتالي قد يؤدي عدم دقة تمثيل اللاجئين إلى رسم صور خاطئة حولهم وتقليل التعاطف معهم.

ونادراً ما يُقدَّم اللاجئون في وسائل الإعلام على أنهم خبراء، أو أن لديهم مهنة أخرى تشكل مصدر دخل إضافي لهم إلى جانب إعانات اللجوء، ما يشير إلى اتجاه أوسع لتهميشهم، بالإضافة إلى غياب النساء عن الصورة الإعلامية للاجئين، إذ لا يُذكَرن إلا في 27% من المقالات التي تناقش قضية اللجوء.

غالباً ما تُصنف النساء ضمن الفئات الضعيفة والمُعالة إلى جانب القاصرين والمسنين، كما أن غياب سياسات الهجرة المراعية للنوع الاجتماعي، تؤثر على النساء اللاتي يعشن في مناطق اللجوء، فيواجهن نقصاً مستمراً في الوصول إلى المعلومات ومعرفة حقوقهن ووضعهن القانوني والموارد اللازمة لتطوير مهاراتهن والوصول إلى شبكات الدعم والمناصرة.

كيف يمكننا تغيير هذه التوجهات؟

يمكن أن تساعد إزالة الوصمة عن اللاجئين من خلال الاعتراف بهم وتأكيد قيمتهم في المجتمع. ولفهم التأثيرات الحقيقية للجوء، يجب أن نعتمد على البيانات الفعلية مثل المؤشرات الاقتصادية ومعدلات الجريمة، وليس على الإيديولوجية أو الروايات التي نرويها عنهم.

نحن بحاجة إلى إزالة الغموض عن الممارسات الثقافية للاجئين حتى يظهروا على أنهم أقل تهديداً. ولن يحصل هذا إلا من خلال إتاحة الفرصة لهم للحديث عن رحلتهم وإثبات أنهم يمكن أن يشكلوا قيمة مضافة للمجتمعات المضيفة وليس سبباً لأزمتها.

بالتالي توفير منصة لأصوات اللاجئين أنفسهم ليروا قصصهم وأن يُنظر إليهم على أنهم خبراء في قصصهم سيساعد على كسر حاجزي التحيز والتمييز ضدهم، ففي عام 2016 صدرت مجلة “سولمون” وكان لها دور في عكس وجهات النظر المختلفة بعيداً عن حدّة معارضة العديد من اليونانيين لتدفق أكثر من مليون لاجئ من السوريين وغيرهم على جنوب أوروبا، وانساقوا وراء أفكار السياسيين القوميين المناهضين للهجرة.

ويوجد العديد من القصص الإبداعية والمشاريع الريادية التي يطورها اللاجئون للوصول إلى سبل العيش المستدام، فإلى جانب المساعدات التي تساعدهم على البقاء، فإنهم يسعون باستمرار إلى الاكتفاء الذاتي والبحث عن مصادر متنوعة من الدخل والغذاء.

ما يحتاج إليه اللاجئون هو فرصة للاعتماد على أنفسهم، فاعتمدت البرازيل منذ خمسة أعوام استراتيجية النقل الطوعي للاجئين الفنزويليين من ولاية رورايما الحدودية إلى مدن برازيلية أخرى، عادت بالنفع على أكثر من 100 ألف شخص، ووفرت لهم فرص عمل وإسكان أفضل وأتاحت لهم إمكانية الوصول إلى برامج التعليم.

من المهم أيضاً توعية سكان المجتمعات المضيفة بأنه لا يتعين على اللاجئين التخلي عن جوهر هويتهم لتحقيق الاندماج، فالعديد من الثقافات يتمتع بالمرونة الكافية من أجل التكيف والتطور.

لقد بات النظام الإنساني مهدداً مع توقعات باستمرار حركة اللجوء حول العالم، ما يخلق حاجة ماسّة إلى التفكير في حلول جديدة ومبتكرة لأزمة اللاجئين تبدأ بكسر الصورة النمطية عنهم وفتح الأفق أمامهم ليكونوا قيمة اقتصادية واجتماعية على حد سواء.