5 ممارسات ضرورية ليصبح النظام الغذائي داعماً للعمل المناخي

النظم الغذائية
shutterstock.com/Roman Samborskyi
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تنعكس عملية إنتاج الغذاء واستهلاكه سلباً على البيئة، ما يجعل التحول إلى النُظم الغذائية المستدامة عنصراً رئيسياً في العمل المناخي، لكن تطبيق هذا النهج المبتكر وتوسيع نطاقه يحتاج إلى إعادة النظر في النظام بأكمله، بما في ذلك الهيئات والمؤسسات والأفراد وأصحاب المصلحة، وتحليل الآثار الاقتصادية والسياسية والبيئية والصحية والاجتماعية.

أزمة الغذاء تُفاقم آثار تغير المناخ

تؤدي الظروف المناخية القاسية إلى فقدان المحاصيل، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وانعدام الأمن الغذائي ما يضع أكثر من 333 مليون شخص تحت وطأة الجوع الشديد وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي، وفي الوقت نفسه، تغذي أزمة الغذاء العالمية آثار تغير المناخ، حيث تسهم صناعة الغذاء بنحو ثلث انبعاثات الغازات الدفيئة وما لا يقل عن 15% من إجمالي استخدامات الوقود الأحفوري سواءً في شكل وسائل النقل أو المواد الكيميائية الزراعية، وتتسبب أيضاً في إزالة الغابات بنسبة 90%. لكن بحسب تحليل أجراه التحالف العالمي لمستقبل الغذاء (The Global Alliance for the Future of Food)، فإن 3% فقط من التمويل العام يجري توجيهه إلى الأنظمة الغذائية.

تؤكد هذه الأرقام أنه لا يمكننا معالجة تغير المناخ دون تغيير الطريقة التي ننتج بها الغذاء ونستهلكه، فبعد التقدم المحرز في إزالة الكربون من قطاعي الطاقة والنقل، سيتحول الاهتمام إلى قطاع الأغذية الزراعية لربطه بالعمل المناخي، لكن الحلول الناجحة في مجال الطاقة والنقل استغرقت عقوداً من البحث والاستثمار، وبالمثل، تحتاج النُظم الغذائية الزراعية إلى الاستثمار في العلم والابتكار من أجل إيجاد حلول عادلة ومنصفة.

النظام الغذائي أساس العمل المناخي

إن التغيير في النُظم الغذائية يحدث على مستويي القاعدة والقمة، إذ انطلقت قمة الأمم المتحدة لتغير المناخ “كوب “28 (COP28) هذا العام لتضع الغذاء والزراعة في مركز الاهتمام للمرة الأولى، وأُعلن خلالها عن مجموعة من المبادرات الداعمة للنظم الغذائية والعمل المناخي، ووقعّت 134 دولة على إعلان (COP28) بشأن النُظم الغذائية والزراعة والتي تمثل ما يزيد على 5.7 مليارات شخص، و70% من إجمالي إنتاج الغذاء العالمي، ونحو 500 مزارع، و76% من إجمالي انبعاثات النُظم الغذائية العالمية.

وتمكّنت القمة من حشد تمويل يزيد على 2.5 مليار دولار لدعم الأمن الغذائي في إطار مواجهة تغير المناخ، شاركت فيه مجموعة من المؤسسات أهمها مؤسسة بيل وميليندا غيتس (Bill & Melinda Gates) وصندوق بيزوس للأرض (Bezos Earth Fund).

كما يستخدم المزارعون وصيادو الأسماك والرعاة ومربّو الماشية المعرفةَ المحلية والتقليدية للتكيف مع تأثيرات تغير المناخ والحفاظ على الإنتاج، لكن العالم الآن بحاجة إلى توسيع نطاق هذه التغييرات ليصبح النظام الغذائي عاملاً مسرّعاً للعمل المناخي، بدلاً من محرك لتغير المناخ. ويمكن تحقيق ذلك من خلال 5 ممارسات:

أولاً: توسيع نطاق الزراعة المستدامة

من خلال اعتماد ممارسات زراعية صديقة للبيئة ومتجددة تساعد الرُعاة وصغار المزارعين على إنتاج الأغذية المستدامة والصحية والمغذية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل دون التوسع في أراضٍ جديدة.

فنظام الزراعة القائم على إنتاج المحاصيل نفسها سنوياً واستخدام كميات هائلة من المبيدات الحشرية والأسمدة الكيماوية يضر بالبيئة ويزيد من آثار تغير المناخ، وبالتالي الانتقال إلى الممارسات الزراعية المستدامة يتطلب أن تكون المجتمعات المحلية والشعوب الأصلية والنساء في صلب عملية التحول لما يملكونه من معرفة وفهم أفضل لطبيعة أراضيهم واحتياجاتهم المعيشية تساعد على التكيف مع التغيرات المناخية بطريقة تحمي صحة التربة وتحافظ على التنوع البيولوجي. على سبيل المثال، إذا كانت الأسر التي تعولها نساء في جنوب إثيوبيا تتمتع بالموارد التي تمتلكها الأسر التي يعولها رجال، فإن إنتاجها للذرة سيزيد بأكثر من 40%.

ثانياً: زيادة الاستثمار في أساليب تجديد الزراعة

يشكل هذا الاستثمار أهمية بالغة لصغار المزارعين وصيادي الأسماك ورعاة المواشي في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، فهم من يتحملون العبء الأكبر لتكاليف تغير المناخ، لكن تدريبهم وتحسين مستوى معرفتهم وتزويدهم بالابتكارات المناسبة، سيساعد على إنتاج أغذية أكثر وأفضل بموارد أقل مع حماية الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي.

ويبلغ إجمالي الاستثمارات الحالية في أساليب تجديد نظم الأغذية الزراعية 44 مليار دولار سنوياً، في حين أن التكلفة المتوقعة للتحول العالمي إلى الزراعة الإيكولوجية والممارسات التجديدية قد تصل إلى 430 مليار دولار سنوياً، لذا هناك حاجة لزيادة مثل هذه الاستثمارات عشرة أضعاف، خصوصاً أن التكلفة الاقتصادية لأنظمة الأغذية الزراعية المضرة بالبيئة تقارب 10 تريليونات دولار.

ثالثاً: الحد من هدر الغذاء

بحسب منظمة الأغذية العالمية، يُهدر ويفقد 1.3 مليار طن من الغذاء سنوياً؛ في المقابل لا يزال واحد من كل تسعة أشخاص تحت وطأة الجوع، ما يتسبب بضغوط متزايدة على سلاسل قيمة الغذاء العالمية تزيد من عواقب تغير المناخ.

ويبرز هنا دور الحكومات في تسهيل التعاون بين القطاعات المختلفة للحد من فاقد وهدر الغذاء وإصدار التشريعات وتنظيم مبادرات لرفع مستوى الوعي بأهمية الأمن الغذائي وتسريع عجلة التنفيذ والتغيير. على سبيل المثال، يُلزِم التعهد 123، الذي أُطلق في مؤتمر المناخ الماضي (COP27) القطاعين العام والخاص بخفض الفاقد والمُهدر من الغذاء إلى النصف بحلول عام 2030، وبدورها تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال الأجندة الوطنية الخضراء 2030 والمبادرة الوطنية للحد من فقد وهدر الغذاء “نعمة” على وضع إطار للإنتاج والاستهلاك المستدام وتنسيق الجهود المشتركة بين الهيئات الحكومية والقطاع الخاص والمؤسسات غير الحكومية والمجتمع عبر سلسلة الإمداد الغذائية.

رابعاً: حماية البيئة

قد يسهم تخفيف الأضرار التي تلحق بالتربة والمياه والتنوع البيولوجي في ثلث الانبعاثات اللازم تخفيضها بحلول عام 2030، والحد من ارتفاع الحرارة إلى أكثر من 1.5 درجة مئوية ومساعدة البلدان على التكيف مع تغير المناخ.

بالتالي يمكن التشجيع على التشجير والحفاظ على الشعب المرجانية التي تحمي من ارتفاع منسوب مياه البحر. ومن الخطوات الإيجابية في هذا الإطار اعتراف الحكومات والجهات الخيرية في عام 2021 بدور المجتمعات المحلية والشعوب الأصلية في حماية الغابات والطبيعة.

خامساً: التحول إلى نظام غذائي أكثر صحة واستدامة

وفقاً للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ فإن الأنظمة الغذائية الصحية أكثر ملاءمة للمناخ والطبيعة، لأنها تركز على الأطعمة النباتية وتقلل من استخدام اللحوم الحيوانية، فضلاً عن دورها في تجنب مشاكل صحية، مثل أمراض القلب والسرطان والسكري القلب والسمنة.

لا يمكن للعالم تجاهُل النظم الغذائية ودورها في التغير المناخي، فمن جهة تتأثر به بشدة، ومن جهة أخرى تعد أحد أفضل الحلول لمواجهته. العالم مطالب بالمزيد من الإجراءات القائمة على العلم والعدالة والإنصاف لوضع هذه النُظم على مسار العمل المناخي.