كيف يصبح التشجير وسيلة فعّالة لمكافحة التغير المناخي؟

تغير المناخ
shutterstock.com/rangizzz
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

الاحتباس الحراري، والتصحر، وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات، وحرائق الغابات، جميعها ظواهر تضع مستقبل كوكب الأرض على المحك، فهل يمكن لمشاريع التشجير أن تنقذ الكوكب قبل اندثاره؟

زراعة الأشجار درع حماية للكوكب

تُعد حلول المناخ الطبيعية أدوات فعّالة من حيث التكلفة وسهولة الوصول إليها، ويمكنها توفير ثلث ما هو مطلوب للحد من تغير المناخ، فالحد من إزالة الغابات والاهتمام بمشاريع التشجير وإعادة التشجير، تساعد على خفض درجات الحرارة وتحسين جودة الهواء، والحد من تآكل التربة، وحماية التنوع البيولوجي.

وتؤدي الأشجار دوراً مهماً في تنظيم أنماط الطقس المحلية والحد من آثار تغير المناخ العالمي، إذ تستخدم ثاني أوكسيد الكربون كجزء من عملية البناء الضوئي، ولكن في الوقت نفسه، “تتنفس” لتلفظ كمية منه إلى الخارج.

ومع ذلك، تستمر إزالة الغابات بوتيرة سريعة، فسطح الأرض يضم نحو 3 تريليونات شجرة، وهو بحسب دراسة نشرتها مجلة نيتشر (Nature) في سبتمبر/أيلول 2015، يمثل نصف عدد الأشجار التي يقدّر أنها كانت موجودة قبل 12 ألف سنة فقط، فيما يشير تقرير نُشر في موقع ناشيونال جيوغرافيك (National Geographic) عام 2019 إلى قطع نحو 15 مليار شجرة سنوياً، لا سيما في الغابات الاستوائية.

من هنا تبرز أهمية استعادة الغابات المفقودة وحماية الغابات القائمة وإصلاح الأراضي الحرجية المتدهورة كجزء من حل مشكلة التغير المناخي، لكن هل تسير مشاريع التشجير وإعادة التشجير على الطريق الصحيح؟

التشجير الخاطئ يزيد المخاطر البيئية

تعد الأشجار آلات طبيعية لاحتجاز الكربون وتخزينه، إذ يمكن احتجاز 400 طن من الكربون في هكتار واحد فقط. لكن مشاريع التشجير وإعادة التشجير السيئة التخطيط قد تزيد من انبعاثات الكربون وتضر بالنُظم البيئية، على سبيل المثال، عندما زرعت دولة جنوب إفريقيا أشجاراً ذات خصائص تربة مختلفة بأنحاء مدينة كيب تاون؛ عانت المدنية أزمةَ جفاف حادة عام 2018، نتيجة هدر نحو 55 مليار لتر من المياه.

كما تتحول مشاريع التشجير إلى عبء بيئي إذا نُفذت في أماكن غير طبيعية مثل الأراضي العشبية، التي تمتص ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي أكثر مما تطلقه. بالتالي مع تعهُد الحكومات والشركات بمبادرات لزراعة الأشجار لمعالجة تغير المناخ واستعادة التنوع البيولوجي، يجب إدراك أن مشاريع التشجير ليست مجرد زرع الأشجار في التربة، بل يجب تحديد نوع الأشجار المراد زراعتها والمكان الذي ستُزرع فيه.

وكي تساعد مشاريع التشجير على إنشاء أنظمة بيئية صحية واحتجاز الكربون بصورة فعالة، يجب أن ترتبط باستخدام مجموعة مناسبة ومتنوعة من الأنواع المحلية، وألّا تُفرض مخططات الحراجة على السكان المحليين، خصوصاً في البلدان النامية، بل يتم إشراكهم في رعاية الأشجار على المدى الطويل بدلاً من ذلك والتأكد من استفادتهم منها.

والأهم مما سبق، التأكد من حماية الغابات الموجودة واستعادتها وجعلها أكثر مرونة وتكيفاً مع الظروف المناخية. على سبيل المثال، قد تبدو زراعة نوعين متقاربين من الأشجار؛ الأول جيد لصنع الأخشاب والآخر جيد لتقليل انبعاثات الكربون، فكرة جيدة، ولكن في حال عدم تأقلم هذا النوع من الأشجار مع أي ظرف يضر بها، سيقضي على الغابة بأكملها.

في هذا الإطار، تُعد “مبادرة الشرق الأوسط الأخضر” التي أعلن عنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 27 مارس/آذار 2021، والتي تتضمن زراعة 50 مليار شجرة في جميع أنحاء المنطقة، مثالاً جيداً عن مبادرات التشجير الناجحة، إذ ستُزرع أشجار محلية مختلفة في كل منطقة بحسب الظروف المناخية التي تناسبها، وستعمل المملكة على استحداث عدد من المراكز الإقليمية بهدف توفير المعرفة والخبرة اللازمتين لإتمام عملية التشجير، وجذب الاستثمارات ورفع مستوى التعاون والتنسيق في المجالات ذات الصلة، كما ستُستخدم تقنية الاستمطار الصناعي للحد من الآثار السلبية على مصادر المياه غير المتجددة، مثل المياه الجوفية.

لتساعد هذه الجهود في نهاية المطاف على خلق وظائف جديدة وزيادة قدرة المجتمعات النائية على التكيف، وخفض مستويات الانبعاثات الكربونية حول العالم بنسبة 2.5%.

الأمر لا يتعلق بالكربون فقط

تؤدي زراعة الأشجار دوراً مهماً في حل أزمة المناخ، لكنها ليست الحل الوحيد، إذ يعد الوقود الأحفوري المُسبب الأكبر لظاهرة الاحتباس الحراري، وعلى الرغم من التزام القطاعين الحكومي والخاص بالحد من انبعاثات الغازات الدفيئة فإننا نواصل إصدار المزيد منها عاماً بعد آخر.

لكن في الوقت نفسه، لا يمكننا الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وبلوغ أهداف اتفاق باريس للمناخ من دون الحفاظ على الطبيعة واستعادتها والتوقف عن إزالة الغابات، لأنها مصدر للحفاظ على التنوع البيولوجي إذ تضم 60 ألف نوع مختلف من الأشجار، و80% من أنواع البرمائيات، و75% من أنواع الطيور، و68% من أنواع الثدييات على مستوى العالم، وتوفر أيضاً أكثر من 86 مليون فرصة عمل خضراء لمن يعيشون في فقر مدقع، إذ يعتمد أكثر من 90% منهم على الغابات في الغذاء أو سبل العيش.

والمقصود باستعادة الأنظمة البيئية للغابات هنا، هو مراعاة تنوع الأشجار، وزراعة الأشجار المناسبة في الأماكن المناسبة وبالطريقة الصحيحة والاستمرار في رعايتها على المدى الطويل لضمان استفادة الأشخاص والطبيعة والمناخ منها.

وبالتالي من الخطأ التعامل مع استعادة الغابات من منظور احتجاز الكربون فقط، بل يجب أن يترافق ذلك مع مبادرات محلية تُمكن المجتمع المحلي من خلق سبل عيش مستدامة.

استغلال الفرصة قبل فوات الأوان

توصلت دراسة عالمية نُشرت في مجلة ساينس (Science) عام 2019، إلى أنه توجد 8.7 هكتارات في العالم، أي ما يقرب من ثلثي الأراضي، من الممكن زراعتها بالأشجار، منها 5.5 هكتارات مزروعة بالفعل بالأشجار، و1.5 هكتارات تستخدم في زراعة الغذاء، ما يعني أنه يوجد 1.7 هكتارات إضافية يمكن زراعتها بالمزيد من الأشجار.

العالم بحاجة إلى زراعة مساحة مليار هكتار للحد من الاحتباس الحراري وعدم تجاوز معدل 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2050، والوقت ليس في صالحنا لنستمر في النقاش حول قدرة زراعة الأشجار على حل الأزمة، بل يجب استعادة الغابات بالطريقة الصحيحة لحماية مستقبلنا ومستقبل الكوكب.