هل انتهيت مؤخراً من تنظيم خزانة ملابسك، وقررت التخلص من القطع غير المرغوب فيها؟ هل تدرك حقيقة ما يحدث لملابسك بمجرد وضعها في سلة المهملات؟ هل فكرت بطريقة أفضل للتخلص منها؟ الحقيقة صادمة، على سبيل المثال تتخلّص الأُسر في المملكة المتحدة من نحو 300 ألف طن من الملابس، والكثير منها يذهب إلى مكبّ النفايات، أما في المنطقة العربية، فقد اعتبر مستثمرو قطاع الغزل والنسيج في مصر، أن إعادة تدوير قصاصات الأقمشة بمثابة ثروة مهدرة، يمكن الاستفادة منها في تقليل استهلاك الموارد والحفاظ على الاستدامة البيئية، فضلاً عن المساهمة في التخفيف من وطأة الفقر وإضافة غاية أخلاقية على هذه الملابس عند منحها للمحتاجين
في الواقع، التأثير الدولي للملابس المتبَرع بها أكبر مما يبدو؛ فبحسب تقديرات شبكة أخبار أي بي سي (ABC News)، تبيع المؤسسات الخيرية أقل من 10% من الملابس المتبَرع بها، وتُعيد توجيه النسبة المتبقية من الملابس غير القابلة للاستخدام أو غير المرغوب فيها إلى شركات إعادة التدوير، وبالتالي، فإنها تحصد المال اللازم لمساعدة المحتاجين. ومن هنا، تطرأ أهمية التبرع بالملابس وإعادة تدويرها لما لها من ميزات في معالجة العديد من المشاكل البيئية والاجتماعية.
وعليه، حرصت بعض المشاريع الخيرية في المنطقة العربية على الاستفادة من فائض الملابس، واستغلاله لدعم العمل الخيري، سواء لتوفير الملابس للفئات المحتاجة، أو بيعها والاستفادة من ريعها في تنمية الأعمال الإنسانية. وأهم تلك المشاريع:
بنك الملابس الخيري
أطلقت الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية مشروع بنك الملابس الخيري في بداية أكتوبر/تشرين الأول عام 2013 بالتنسيق مع صندوق المعونة الوطنية لتوفير الملابس الملائمة للأسر الأردنية المتعففة في جميع محافظات المملكة وعلى مدار العام.
ويتيح البنك لروّاده من الفقراء والمحتاجين فرصة التسوق المجاني والحصول على ما يحتاجونه من ملابس، إذ يعمل المشروع على جمع هذه الملابس من المتبرعين والمؤسسات المختلفة، ثم فرزها وترتيبها حسب الموسم والصنف والجنس.
ويحرص البنك على تلبية احتياجات المستفيدين بطريقة كريمة، وذلك من خلال اختيار أماكن لصالات العرض تكون قريبة من المناطق السكنية التي تضم عدداً كبيراً من العائلات المحتاجة، ويسهّل وصول المستفيدين إليها لاختيار ما يحتاجونه من ملابس بحرية تامة.
ويعتمد نجاح المشروع على وصول تبرعات الملابس إلى الفئات المُستحقة بالفعل، لذا يساعد صندوق المعونة الوطنية بنك الملابس في اختيار الأُسر التي تشملها المساعدات، كما يتعاون البنك أيضاً مع أكثر من 300 جمعية محلية شريكة للوصول إلى الأُسر المحتاجة في مختلف المناطق والقرى النائية.
ويتبع بنك الملابس الخيري آلية عمل عادلة في توزيع الملابس لضمان استفادة جميع الأُسر المُسجلة لديه، إذ تحصل كل أسرة على كوبون يحدد عدد القطع المسموح بها لكل أسرة.
تركز استراتيجية عمل البنك على تنويع الفئات المستهدفة لضمان استفادة الجميع من حملاته ومبادرته، منها حملة جاكيت لكل طالب للمدارس الأقل حظاً لمساعدة الطلاب المتواجدين في 36 منطقة شديدة الفقر منتشرة في مختلف المحافظات الأردنية عبر توزيع نحو 50 ألف سُترة على 264 مدرسة للذكور والإناث، وبرنامج كسوة الأيتام، إذ يستضيف البنك 1200 يتيم سنوياً، وبالتنسيق مع المتبرعين، يحصل الأيتام على ملابس وأحذية وألعاب جديدة، ويُنظم لهم البنك أيضاً فعاليات ترفيهية بعد التسوق، وبرنامج كسوة العيد الذي يستهدف الأُسر غير القادرة على تأمين ملابس العيد لأفرادها بسبب ارتفاع الأسعار، ويستقبل البنك خلال الأعياد 100 أسرة أردنية يومياً للانتفاع من خزانة الملابس.
نجح بنك الملابس الخيري في تخفيف العبء عن بعض الأسر الفقيرة، وخلال عام من تأسيسه وزّع ما يزيد عن 3 ملايين قطعة ملابس على أكثر من 500 ألف مواطن، وتثميناً لجهوده، صنّف برنامج خواطر الذي يُعرض على قناة إم بي سي (MBC) البنك في المرتبة الثانية ضمن المراتب العشر لأفضل مجموعة تطوعية في المنطقة العربية.
بنك الملابس في دبي
تسعى دولة الإمارات إلى دعم القطاع الخيري وتنمية الأعمال الإنسانية بما يواكب وتيرة النمو الاقتصادي، وجعلت هذا الهدف جزءاً من استراتيجيتها المنصوص عليها في وثيقة الخمسين التي أطلقها نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في يناير/كانون الثاني عام 2019.
وفي هذا الإطار، أطلقت دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي مشروع بنك الملابس الهادف إلى جمع الملابس المستعملة وبيعها للاستفادة من ريعها في إقامة المشاريع الخيرية والإنسانية المختلفة، ويساهم المشروع في دعم العمل الخيري وتنميته عبر جمع الملابس المستعملة التي لم يعد أصحابها بحاجة إليها من مختلف مناطق إمارة دبي وإعادة تدويرها، ثم الاستفادة من قيمتها في دعم مشاريع الإنسانية.
في عام 2019، وزّع بنك الملابس الخيري 686 صندوق ملابس بطاقة استيعابية إجمالية تبلغ نحو 2,109 طن من الملابس المستعملة على أكثر من 585 موقع داخل الإمارة دبي لتمكين المواطنين والمقيمين من التبرع بالملابس المستعملة، ونجح في مساعدة ما يزيد عن 352,723 حالة إنسانية حول العالم.
يحقق تصريف الملابس المُهملة بطريقة حضارية مكاسب بيئية واجتماعية كبيرة، ويُعد بنك الملابس الخيري مبادرة خضراء مستدامة تعمل على إعادة تدوير نحو ألف طن من الملابس التالفة بما يؤدي إلى تقليل النفايات والحفاظ على البيئة.
مشروع كسوة
تُولي السعودية أهمية كبيرة للقطاع غير الربحي وتنمية الأعمال الإنسانية التي تخدم المجتمع وتعزز قيمه، وتستهدف رؤية المملكة 2030 رفع نسبة مساهمة هذا القطاع في الناتج الإجمالي المحلي إلى 5% بحلول عام 2030، وعليه، انطلق مشروع كسوة ليكون جزءاً من جهود المملكة في تحقيق التنمية المجتمعية، إذ يقوم بجمع فائض الملابس وإعادة تدويرها وتوزيعها على المحتاجين، بما يساهم في الحد من استهلاك الموارد الطبيعية وحفظ الملابس المستعملة والاستفادة منها، وتوفير فرص عمل للشباب السعودي في المشروع.
تقوم آلية عمل كسوة على جمع الملابس التالفة أو المستعملة ليُعاد تدويرها إلى ملابس جديدة كلياً لصالح مستفيدي الجمعيات الخيرية، وبذلك يساعد المشروع في الحفاظ على البيئة عن طريق التخلص من عبء إلقاء هذه الملابس في مكب النفايات أو الشوارع.
تُسهل التكنولوجيا عملية التبرع وتوفر الكثير من الوقت والجهد على المتبرعين، لذا يعتمد المشروع طرقاً حديثة لجمع تبرعات الملابس منها الموقع الإلكتروني، ومنصات التواصل الاجتماعي، وتطبيق كسوة.
يهتم مشروع كسوة ببناء الشراكات مع المؤسسات الخيرية من أجل استدامة العمل الإنساني وتوسيع نطاق تأثيره، إذ تعاون مع تطبيق كلين آب (Qleanapp)؛ الذي يوفر خدمات غسل الملابس وكيّها، من أجل إضافة خدمة كسوة للتبرع بالملابس والأحذية والحقائب القديمة أو الفائضة، ووقّع مذكرة تفاهم مع الجمعية الخيرية لصعوبات التعلم؛ بهدف تحسين الأداء المؤسسي وتطوير الخدمات المجتمعية التي يقدمها كليهما، لضمان رضا المستفيدين عن تلك الخدمات وقدرتها على تغيير حياتهم نحو الأفضل.
بالمحصلة، بعد إدراكك أهمية التبرع بالملابس وإعادة تدويرها والتأثير الإيجابي لذلك على البيئة والمجتمع، حان الوقت لتقديم الملابس التي لم تعد تناسبك أو لم ترتديها منذ زمن طويل إلى هذه المشاريع الخيرية كي يستفيد منها من هم بأمس الحاجة إليها.