يقترب موعد انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ "كوب 28" (COP 28) في دولة الإمارات العربية المتحدة في الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 12 ديسمبر/كانون الأول 2023، ولا تزال منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تشهد تحديات كبيرة فيما يخص أمن المياه والطاقة والغذاء تتطلب اعتماد سياسات متسقة لإدارة هذه القطاعات الثلاثة على نحوٍ يحقق أهداف التنمية المستدامة.
فلا يمكن فصل مشكلة ندرة المياه في المنطقة عن مسألة الأمن الغذائي والافتقار إلى الأراضي الصالحة للزراعة واستنزاف الطاقة والموارد، والتي ستتفاقم أكثر على إثر تغير المناخ.
أهمية نهج الترابط الثلاثي
نشأت الصلة الوثيقة بين عناصر المياه والطاقة والغذاء في مطلع ثمانينيات القرن الماضي مع إطلاق الأمم المتحدة برنامجاً يجمع بين هذه العناصر، وفي عام 2002 أدرج مؤتمر القمة العالمي المعني بالتنمية المستدامة في جوهانسبرغ المياه والطاقة والإنتاج الزراعي ضمن المجالات ذات الأولوية لمناقشتها ومعالجتها، لتتوالى بعد ذلك الدراسات والمؤتمرات التي تُبرز الصلة بين العناصر الثلاثة.
يعكس مفهوم الترابط العلاقة التفاعلية بين البشر والموارد الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية التي تعزز أمن المياه والطاقة والغذاء، ولكنه يمثل أيضاً مدى اعتماد كل عنصر من هذه العناصر الثلاثة على الآخر، فالعلاقة المتداخلة فيما بينها لا يمكن النظر إليها بمعزل عن العوامل المؤثرة الأخرى، مثل النمو السكاني وأساليب الزراعة الحديثة والتوسع العمراني والتقدم الصناعي.
وتبزر أهمية هذه العلاقة في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وخصوصاً الدول العربية، لما تعانيه من أزمة في المياه وزيادة الطلب على الموارد الطبيعية وانخفاض كفاءة إدارتها، فضلاً عن استمرار الاعتماد على الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة.
وبالتالي أي محاولة لمعالجة أزمة المياه والغذاء والطاقة دون الأخذ بالاعتبار التكامل بين القطاعات الثلاثة، وتداخلها مع القطاعات الأخرى لن تُمكن دول المنطقة من تعزيز أمن هذه القطاعات واستدامتها، وتؤكد دراسة للبنك الدولي بعنوان: "الترابط بين الماء والغذاء والطاقة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: سيناريوهات لمستقبل مستدام" (The Water-Energy-Food Nexus in the Middle East and North Africa Scenarios for a Sustainable Future) أن بناء مستقبل أكثر استدامة في المنطقة يتطلب نهجاً جديداً يأخذ بعين الاعتبار المصير المشترك لهذه القطاعات المختلفة.
ندرة المياه
تُعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأكثر شحّاً في المياه عالمياً، إذ تعاني 11 دولة في المنطقة من أصل 17 دولة في العالم الإجهادَ المائي، ويفتقر نحو 66 مليون شخص في المنطقة إلى خدمات الصرف الصحي الأساسي.
ويقلّ نصيب الفرد السنوي من موارد المياه المتجددة عن 1,000 متر مكعب في 18 دولة عربية من أصل 22، وتعاني نحو 13 دولة من ندرة المياه المُطلقة، ومن المتوقع تراجع نصيب الفرد الواحد من المياه سنوياً بنسبة 50% تقريباً بحلول عام 2050.
بحسب تقرير صادر عن اليونيسف بعنوان: "على وشك الجفاف: تأثير شحّ المياه على الأطفال في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، يعيش 90% من الأطفال، أي نحو 9 من كل 10 أطفال، في المنطقة في أماكن تعاني إجهاداً مائياً مرتفعاً يؤثر على صحتهم، ويعود ذلك إلى استخدام المياه الجوفية في المنطقة لغرض الزراعة بنسبة 80%، مقابل استهلاك 70% من المياه في الزراعة على مستوى العالم، وتشكّل النزاعات عاملاً مهماً لشح المياه في سوريا والسودان واليمن، إلى جانب الهجرة من الريف إلى المدن.
وعلى الرغم من ارتفاع تغطية الصرف الصحي المُحسن إلى 75% في بلدان المنطقة، لا تزال المناطق الريفية تعاني نقص المياه، ولا يتوافر الصرف الصحي المحسّن إلا لنحو خُمس السكان فقط، ومن جهة أخرى فإن تراجع معدل هطل الأمطار سنوياً وتبايُن كميتها يجعل المنطقة أكثر عرضة لآثار تغير المناخ.
تنذِر هذه العوامل باستمرار ندرة المياه في جميع أنحاء المنطقة، وتفرض حاجة مُلحة إلى توسيع نطاق الحلول المتمثلة في تحلية المياه وإعادة استخدامها والاستمطار وبناء السدود، لتفادي تأثير أزمة المياه على نقص المواد الغذائية والإنتاج الزراعي واستنزاف الطاقة في إيجاد مصادر بديلة للمياه.
انعدام الأمن الغذائي
تقود ندرة المياه إلى تراجع الإنتاج الزراعي في المنطقة بنحو ثلاثة أضعاف عن المتوقع في حال وفرة المياه، فمن المتوقع أن يخسر اليمن 60% من إنتاجه الزراعي بسبب تقييد الطلب على المياه، وبحسب تقرير الإسكوا ومنظمة الأغذية العالمية "آفاق تعزيز الأمن الغذائي في المنطقة العربية"، يعاني 33 مليون شخص في البلدان العربية نقصَ التغذية، وتبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في المنطقة العربية 14.5% فقط، وتواجه هذه المساحة مخاطر مستقبلية كالتصحر، ما يتسبب بتفاقم انعدام الأمن الغذائي.
ولكن، يمكن اعتماد حلول مبتكرة تساعد في القضاء على أزمة الجوع، منها الزراعة العمودية، التي تضمن التحكم في بيئة زراعة المحاصيل من حيث توفير استهلاك المياه والتغلب على مخاطر التربة الصالحة للزراعة.
استهلاك الطاقة
شهدت السنوات الأخيرة خطوات مهمة في تحول العديد من دول المنطقة إلى الطاقة النظيفة، عبر الاستفادة من المصادر المتجددة كالشمس والرياح، من أجل توفير خدمات الطاقة للمناطق الريفية والنائية بحلول مستدامة، لكن مشكلة ندرة المياه تنعكس سلباً على توليد الطاقة في المنطقة، إذ يتمتع 50 مليون شخص فقط بخدمات الطاقة الحديثة، بحسب التقرير السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية لعام 2016.
وتتكبد البلدان التي تعاني ندرة مياه شديدة مثل العراق واليمن، تكلفة أعلى لاعتماد تقنيات الطاقة وخيارات التبريد، تقدّر بما يزيد على 100 مليار دولار، وفقاً لدراسة حديثة أشرف عليها مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية في السعودية، بعنوان: "آثار ندرة المياه على الإنتاج الزراعي وتوليد الكهرباء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" (Impacts of Water Scarcity on Agricultural Production and Electricity Generation in the Middle East and North Africa).
من جهة أخرى، يستنزف إنتاج المياه الكثير من الطاقة في معظم الدول العربية، خصوصاً التي لا تمتلك مصادر مياه سطحية، وفي الدول التي تعتمد على تحلية المياه على نحو كبير، مثل دول الخليج، أو على ضخ المياه الجوفية مثل ليبيا يزداد الطلب على الطاقة في قطاع المياه، وبحسب تقرير "الترابط في أمن المياه والطاقة والغذاء في المنطقة العربية" الصادر عن الإسكوا، فإن عمليات ضخ المياه الجوفية تستهلك 14% من الوقود في ليبيا، وتعتمد تحلية المياه في البحرين على 30% من إجمالي الطاقة.
وعلى الرغم من اعتماد معظم دول المنطقة سياسيات واستراتيجيات واضحة لزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، من الضروري توسيع نطاق الخيارات المتجددة من الطاقة من أجل الحد من استخدام المياه وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن قطاع الطاقة في الوقت نفسه، مع الأخذ في الاعتبار التفاوت بين دول المنطقة في توافر موارد الطاقة وأنماط الاستهلاك.
يؤكد التأثير القوي لأمن المياه على الغذاء والطاقة أن ترابط القطاعات الثلاثة أمر حتمي، وأنه يجب على دول المنطقة تقليل الاعتماد على إمدادات المياه الكثيفة الاستهلاك للطاقة، والحد من استخدام المياه في الزراعة، للحفاظ على أمنها واستقراريها الاجتماعي والاقتصادي.