الابتكار في عمليات التقييم الجامعية: هل من المُجدي إلغاء الامتحانات؟

التقييم المستمر
shutterstock.com/magic pictures
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لم تعد أساليب التقييم المستمر التي تهيئ الطلبة للحياة العملية تعتمد على الحفظ وطرائق التعلم التقليدية.

 لقد أصبحت جدوى الامتحانات في إعداد الطلبة لمواجهة التحديات المهنية موضع تساؤل.

دفعت بيئة العمل المعاصرة الجامعات إلى إعادة النظر في أسلوب التعليم ومحتوى المناهج التعليمية والبحث عن طرائق مبتكرة لتقييم الطلبة.

وعلى الرغم من أهمية الامتحانات سابقاً لتحديد الدرجات الأكاديمية العلمية وتقييم مستويات الحفظ لدى الطلبة، تبرز تساؤلات كثيرة تتعلق بدورها كطريقة فعالة لتعزيز آلية التعلم وتطوير المهارات العملية المطلوبة لسوق العمل الحالية وكذلك المستقبلية.

ندرك تماماً القيود المرتبطة بالامتحانات التقليدية، التي تشكّل محوراً أساسياً في العديد من عمليات التقييم الجامعية، إذ يجد الطلبة أنفسهم في حاجة إلى دراسة كميات هائلة من المعلومات التي ينسون معظمها بعد نهاية الامتحان، وكأن الهدف من الامتحان هو اختبار قدراتهم على حفظ المعلومات وتخزينها.

ويتناقض هذا النوع من التقييمات مع المرونة والقدرة على التكيف المطلوبتين لتحقيق التطور والازدهار في عالم سوق العمل، فقد تبدّى لنا عجز الامتحانات عن تعزيز قدرات الطلبة على مواجهة التحديات التي قد تعترض طريقهم في المستقبل. فما الفائدة من المعرفة المجردة إذا لم نتمكن من توظيفها في حياتنا العملية؟

ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي والخدمات القائمة عليه، مثل شات جي بي تي يقود إلى تهميش دور الحفظ والاختبارات الكتابية.

ارتأت جامعة زايد إلغاء مفهوم الامتحانات نهائياً انطلاقاً من ثقتها بعدم جدوى الامتحانات في التشجيع على التعلم وإعداد خريجين يلبّون متطلبات سوق العمل الحديثة. والواقع أننا نحتاج إلى طرق تقييم تحفز الطلبة على المشاركة والتفاعل في صفوفهم على مدار العام الدراسي، ما يسهم في تقييمهم بصورة مستمرة.

يساعد التقييم المستمر، بدلاً من التقييم في نهاية الفصل الدراسي، الطلبة على مواصلة التركيز في أثناء التعلم واستثمار إمكاناتهم وقدراتهم الشخصية. وتشجع هيكلة البرامج التعليمية المبنية على التقييمات المنتظمة قبل الفصل الدراسي وفي أثنائه وبعده الطالب على الانخراط في العملية التعليمية، وتمكّن المعلمين من تقديم ملاحظات منتظمة تتعلق بأداء الطالب. كما يعزز هذا النهج عملية التطور المستمر بدلاً من الاعتماد على الاختبارات الحفظية في نهاية كل فصل دراسي، ومن المرجح أن يطوّر الطلبة فهماً معمقاً مع استمرار تفاعلهم مع هذه البرامج الخاصة.

ويعطي التقييم المستمر توصيفاً أكثر دقة لمسار تقدم الطالب الدراسي وقدراته الشخصية، ويمكّن المعلمين من تتبع تطور الطالب على نحو مستمر، وتحديد المجالات التي قد تحتاج إلى مزيد من الاهتمام وتخصيص الإرشادات والنصائح التعليمية وفقاً لذلك. ويحظى الطالب، على ضوء هذه التقييمات بفرصة تطبيق هذه المفاهيم في الحياة العملية.

أدى ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي والخدمات القائمة عليه، مثل شات جي بي تي، إلى تهميش دور الحفظ والاختبارات الكتابية. وأصبح بإمكان الطلبة الوصول إلى المصادر دون عوائق، التي قد تشجع الطالب على الاقتباس من هذه المواقع، أو ما يُعرف بالانتحال الأدبي. وتمتلك هذه التقنيات إمكانات مذهلة من شأنها إحداث نقلات نوعية في أماكن العمل، ولهذا لا يشكّل حظرها حلاً للمشكلة. فبدلاً من ذلك، يجب علينا أن نعيد تصميم التقييمات بأسلوب يتيح لنا الاستفادة من هذه التقنيات الناشئة.

كما يمكننا تطوير تقييمات تعتمد على تطبيقات عملية قائمة على حل المشكلات لتعزيز التفكير النقدي لدى الطلبة ودفعهم لإثبات قدراتهم العلمية، ما يقلل من وقوع حالات الغش المرتبط بالذكاء الاصطناعي، ويمكّن الطلبة من مواجهة التحديات المستقبلية في حياتهم المهنية، ويرفع من قدراتهم في تطبيق المعارف المكتسبة بطرق عملية.

تتضمن الأساليب المبتكرة للتقييمات إدراج منصة تعليمية عبر الإنترنت، إلى جانب تطبيق خطط مصممة لتعزيز مشاركة الطلبة داخل الصفوف الدراسية إذ يتم اختبارهم باستخدام أدوات تفاعلية متنوعة، مثل استطلاعات الرأي وجلسات نقاشية، إلى جانب الأنشطة المركزة، مثل استخدام ما يُعرف بالخرائط الذهنية. ويُكلف الطلبة بإعداد المزيد من العروض التقديمية وشرحها في أثناء الفصل والتركيز على المشاريع الجماعية لأهميتها في تعزيز العمل الجماعي. وتتيح المنصة لأعضاء هيئة التدريس في جامعة زايد الاستعانة بالتحليلات لإدارة مشاركة الطلبة في الفصول الدراسية، ما يضمن مشاركة جميع الطلبة دون استثناء.

وفي هذا السياق، كان إطلاق جامعة زايد لبرنامج “تحدي الشركاء” لتمكين الطلبة من العمل من كثب مع الموجهين الصناعيين في مشاريع حقيقية ذات أهداف محددة. ويوفر البرنامج للطلبة الكثير من أدوات التعلم من الخبرات غير الأكاديمية. وتحقيقاً لهذا الهدف، تعاونت الجامعة مع نحو 100 مؤسسة، بما في ذلك أكسنتشر وسي إن بي سي وسيسكو ودائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي. وتتيح أساليب التقييم المبتكرة تجربة تعليمية أكثر شمولاً ومصممة على نحو خاص لتعزيز عملية التعلم.

وفي هذا الإطار، يقول زعيم حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأميركية، مارتن لوثر كينغ: “تكمن وظيفة التعليم في تعليم الطالب أسس كل من التفكير المكثف والنقدي، فالذكاء والشخصية هما جوهر التعليم الحقيقي”.

لن يتم قطف ثمار التعليم الحقيقي إلا في حال اعتمدت الجامعات على طرق تقييم تواكب تطلعات المستقبل، مع التركيز على أهمية اكتساب المهارات والكفاءات للنجاح في مجتمع اليوم الحيوي الذي يتطلب امتلاك العديد من القدرات. وهذا الأمر يتطلب منا التعاون لإحداث نقلة نوعية في استراتيجيات التقييم، والانتقال من مرحلة الاختبارات التقليدية والتعلم القائم على الحفظ والتلخيص إلى أسلوب تعليمي يركز على الطالب ويشجع على التعلم المستمر تزامناً مع اعتماد تطبيق مناهج مبتكرة تلبي متطلبات العصر الرقمي.