لماذا نحتاج إلى الابتكار في حياتنا؟

3 دقائق
التفكير المبتكر
shutterstock.com/Sergey Nivens

تحتاج المجتمعات، لا سيما النامية منها، إلى الاستثمار في قدرات الأفراد من أجل الخروج بحلول فعاّلة للمشكلات الجوهرية مثل الفقر والجوع، إذ لا يمكن للأسر المحرومة أن تستمر بالعيش على المعونات الغذائية والتبرعات، بل لا بد من تبنّي  الأساليب المبتكرة لحل تلك المشكلات.

لكن لا يمكن الاستفادة من الابتكار إلا إذا توافرت له الظروف الملائمة. من خلال رصده للأنماط الرئيسية للابتكار وتتبعها عبر الزمن والتخصصات؛ توصّل الكاتب الأميركي ستيفن جونسون (Steven Johnson) في كتابه: "من أين تأتي الأفكار الجيدة: التاريخ الطبيعي للابتكار" (Where Good Ideas Come From: The Natural History of Innovation) إلى أن الابتكار ينتج عن تصميم بيئة خلاقة ومحفّزة على توالُد الأفكار الإبداعية.

لماذا يُعد الابتكار مهماً؟

يتسم العالم بالتغيُر الدائم وتجدُد الاحتياجات وتعقّدها، ولا يمكن للدول مواكبة ذلك بالاعتماد على إرادة التغيير فقط؛ فهي بحاجة إلى مستويات عليا من التفكير لتضمن استمرار دينامية المجتمع وحِراكه.

كان الابتكار، وما يزال، مفتاح الوصول إلى أهم الاختراعات والاكتشافات، من صنع العجلة مروراً بالسيارة والطائرة وصولاً إلى الصاروخ، ولولا الابتكار لما كان استخدام الجينات في علاج الأمراض ممكناً اليوم. فالأفكار المبتكرة تعزز رصيد البشر بمعرفة جديدة يمكن استخدامها لتحقيق رفاهيهتم وعلاج مشكلاتهم.

على مدى العقود الماضية، أحدثت الأفكار المبتكرة تغييرات وتحسينات كبيرة في المجتمع الذي نعيش فيه، وتعد الابتكارات العلمية والتكنولوجية محركات التحديث وأهم عوامل تقدم المجتمع وتطوره، فيما يشكّل الابتكار الثقافي أساس تطوير الممارسات الاجتماعية، وتحسين الشعور بالسعادة والرضا في الحياة. فكيف يُحدث الابتكار فرقاً في حياة الأفراد والمجتمعات؟

مواجهة التهديدات الاجتماعية

يساعد التفكير المبتكر على التوصل إلى حلول للمشكلات الاجتماعية مثل المرض والفقر والجوع، فمع التوقعات بتخطي عدد سكان العالم 9 مليارات نسمة بحلول عام 2050؛ ما تزال هناك قيود شديدة على الأراضي الصالحة للزراعة وموارد المياه العذبة، إلا أن استخدام التطبيقات الرقمية، وتوظيف الابتكار لاستصلاح المساحات غير المُستغلة بالكامل للزراعة الحضرية يجعل الأنظمة الزراعية أكثر مرونة واستدامة.

كما يُحدث الابتكار فرقاً في العملية التعليمية من خلال تطبيق المعرفة العملية بدلاً من مجرد استقاء المعلومة من الكتب المدرسية أو المصادر عبر الإنترنت، ما يسمح للطلاب بتطبيق ما تعلموه في مواقف الحياة الواقعية، ويساعدهم على اختيار المهن التي تهمهم فعلاً.

ويبرز التفكير التصميمي كأداة فعّالة في الابتكار الاجتماعي، يمكن من خلالها استكشاف خيارات جديدة وحلول بديلة، ويعد هذا النوع من التفكير قابلاً للتطبيق على نطاق واسع، إما لتحسين الأفكار الحالية مثل طريقة تقديم الخدمة، أو لابتكار حلول مزعزِعة تلبي احتياجات الأشخاص بطرائق جديدة تماماً.

تحسين ظروف العيش

يحاول الأفراد دائماً جعل المجتمعات أفضل، وقادهم هذا الشعور إلى طرائق مختلفة لتحقيق أهدافهم، لكن الابتكار لا يعني بالضرورة إنشاء شيء جديد تماماً، وإنما يرتبط أكثر بإيجاد أساليب لاستخدام ما هو متاح بالفعل بطريقة أفضل.

وهنا، يمكن أن يعمل الابتكار مع التكنولوجيا الحالية لاكتشاف كيفية استخدام الموارد بكفاءة أعلى وتطبيقها في الحياة اليومية، وبحسب مسح أجراه مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center) عام 2017، يشعر أكثر من نصف الأميركيين أن التقدم التكنولوجي جعل الحياة أفضل في الخمسين عاماً الماضية، فيما يتوقعون استمرار تأثير التكنولوجيا، إلى جانب التطورات الطبية، على حياتهم في الأعوام الخمسين المقبلة.

بيئة عمل أفضل

من دون الابتكار، سيكون العالم عالقاً بالأفكار القديمة والطرائق التقليدية لعمل الأشياء، لذا على الشركات والمؤسسات تبني الأفكار الجديدة وتشجيعها للتكيف مع الظروف الداخلية وضمان النمو والتطور بسلاسة وتعزيز القدرة على الاستمرار والمنافسة.

يسهم الابتكار في زيادة الإنتاجية بمكان العمل، لأنه يحفز الموظفين ويلهمهم طرائقاً جديدة لإنجاز المهام بأقل الوقت والموارد، فمن عصر الزراعة والصناعة إلى عصر المعلومات، تحسّنت الجودة الشاملة وإمكانات الموظفين نتيجةً للتقدم الاجتماعي وتحديث أدوات الإنتاج وتقنياته.

تُسفر زيادة الإنتاجية عن تعدّد فرص العمل وارتفاع مستوى الأجور وتسارع النمو الاقتصادي، وعليه يمكن اعتبار الابتكار عاملاً أساسياً في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والخروج من نطاق الندرة إلى رحاب الخيارات والفرص المتنوعة لإنتاج المزيد بنفس القدر من الموارد أو أقل.

البحث عن الفرص وتعزيز النمو

الرتابة حالة لا بد أن تمر بها المجتمعات والأفراد، لكن يمكن للابتكار تحريك المياه الراكدة، ففي ميدان العمل أو التعلم يشجع الابتكار على تجاوز الحدود وإيجاد الفرص، ويفتح الآفاق أمام إمكانات جديدة، ما يساعد الأفراد على الخروج من "منطقة الراحة" ومفاهيم البحث غير التقليدية، وإطلاق العنان لخيالهم بأفكار مبتكرة.

بذلك، يعزز التفكير المبتكر قدرات الأفراد على التركيز والخيال، ويخلق لديهم حافزاً دائماً للسعي والإنجاز لتحقيق النمو والتطور المستمر في جميع جوانب الحياة، ويشجعهم على المضي قدماً وعدم الخوف من التجارب والفشل، ويزيد قدرتهم على تحمل المخاطر.

المحتوى محمي