لماذا يجب أن ننشر ثقافة التطوع الإلكتروني الآن؟

4 دقائق
التطوع الإلكتروني
shutterstock.com/BackWood

حالة مذهلة من التطور التكنولوجي يعيشها العالم في الآونة الأخيرة، وقد انعكس هذا التطور على مناحي الحياة الثقافية والتعليمية والاقتصادية والمجالات الحياتية كافة، ففي ضوء هذا التطور، أصبح العالم بمثابة قرية كونية تخطت الحدود الجغرافية والحواجز الزمنية، وكنتيجة متوقعة لثورة المعلومات، زاد الوعي بمدى أهمية المسؤولية الاجتماعية، كما ظهر مصطلح "التطوع الإلكتروني" أو الرقمي، خاصة مع توافر الشبكة العنكبوتية في كل منزل حالياً.

بدأت الإنترنت في توسيع القاعدة المعرفية لفئة الشباب على وجه الخصوص، وأسهمت في تعزيز مفهوم العمل التطوعي، إيماناً بدور المسؤولية الاجتماعية للأفراد في تنمية فرص العطاء للفئات المهمشة ودعم الأكثر احتياجاً.

هل يشكل التطوع الإلكتروني بديلاً للعمل الخيري التقليدي؟

لا يشكل التطوع الإلكتروني أو الافتراضي بديلاً عن العمل التطوعي الميداني، لكنه يعتبر داعماً ومكملاً له، وهذا ما أكدته دراسة فلسطينية للباحثين جمال حبش، وعماد نزال، بعنوان "التطوع الإلكتروني وسيلة معززة للعمل التطوعي"، حيث اعتمدا على المنهج الاستقرائي لتحديد كيفية الاستفادة من التطوع الإلكتروني في مجالات الحياة المختلفة، وأهم السبل التي يمكن استخدامها لذلك، وتوصلت الدراسة إلى أن التطوع الإلكتروني لا ينفي أهمية التطوع الميداني، لكنه قد يعمل على تهيئة ودعم التوجه نحو العمل التطوعي وتحقيق مستهدافته، لمن يرغب من ممارسة الرسالة التطوعية من الفئات التي لا تتمكن من الوصول إلى الجهات التي تستحق الدعم، وبالتالي قد تكون منصات التواصل الاجتماعي باعتبارها الأكثر انتشاراً في الوقت الحالي هي المقصد لتفعيل العمل الخيري.

استغلال منصات التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية

من النساء وكبار السن وصولاً إلى ذوي الاحتياجات الخاصة، تعتبر مواقع التواصل الاجتماعي الوسيلة المثالية بالنسبة لكل الفئات من أجل الانخراط في العمل التطوعي وذلك بطريقة افتراضية تضمن وصول الدعم لمستحقيه، فقد وصل عدد مستخدمي وسائل التواصل إلى أكثر من 3.9 مليار في الربع الأول من العام الحالي فقط، بزيادة بلغت 4.8% عن العام الماضي، وفقاً لتقديرات "أوبيرلو" (Oberlo) الحديثة.

هذه الزيادة المستمرة بالضبط هي السبب في التفكير بمنصات التواصل الاجتماعي، كوسيلة لنشر مفهوم التطوع الإلكتروني، خاصة أنها مجانية وتتيح لكل الفئات إنشاء حسابات عليها، لذلك من السهل تسليط الضوء على الفئات التي تحتاج الدعم سواء عن طريق الحملات الافتراضية، أو اعتماد هاشتاغ معين وترويج له، أو استغلال المؤثرين لنشر الوعي تجاه قضية إنسانية تهم المجتمع عبر حساباتهم الحافلة بالكثير من المتابعين.

ومن هذا المنطلق، ومع استمرار التفكير بهذه الطريقة، تماشى الشباب خاصة مع استخدامهم لمنصات التواصل الاجتماعي والإنترنت في كل مناحي الحياة، مع فكرة التطوع عن بُعد، أو ما يُطلق عليها "التطوع المصغر"، فوفقاً للدراسة الفلسطينية، ظهر التطوع الإلكتروني من رحم العمل الإلكتروني، لكن هناك من أشار إلى أن مجموعة المتطوعين عبر الإنترنت تمكنوا من إنجاز أكثر من 14,313 مهمة تطوعية خلال عام 2009، إذاً الأمر لم يبدأ من اعتماد أنظمة العمل عن بُعد، لكنه بدأ بالفعل منذ انتشار مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث تُشكل شبكات مثل "تويتر" و"فيسبوك" مساحة مهمة للمتطوعين لنشر القضايا الإنسانية، وجلب التبرعات، وبالتالي توسيع نطاق العمل التطوعي الإلكتروني.

وتعتبر مجموعة "معانا لإنقاذ إنسان" التابعة للمؤسسة التي تحمل الاسم ذاته، من التجارب العربية البارزة في هذا الشأن، حيث استطاعت أن تجمع أكثر من ربع مليون متابع منذ تأسيسها في منتصف عام 2016، وذلك في الوقت الذي تعمل فيه على مشاركة العديد من القصص وتسليط الضوء على معاناة كبار السن، والمرضى، وكل الفئات التي تحتاج إلى التمتع بحياة كريمة، في الوقت الذي قد يعانوا فيه من قساوة البرد، أو النوم في الشوارع دون الحصول على منزل.

كما جمعت مجموعة "أنا إنسان" أكثر من 170 ألف متابع على موقع فيسبوك، حيث تطرح العديد من الأفكار لفتح سُبل التعاون وتنسيق أعمال الخير، كما تنشر عدداً من المنشورات الإنسانية الهادفة إلى نشر الوعي لفعل الخير.

ولم تقف ثقافة الدعم الإلكتروني عبر مجموعات التواصل الاجتماعي على قضايا الإنسان فقط، بل عملت العديد من المجموعات عبر الشبكات الاجتماعية على نشر ثقافة الرفق بالحيوان، نظراً لوجود أعداد كبيرة من الحيوانات الضالة التي تحتاج إلى رعاية، فكانت مجموعة "إنقاذ الحيوانات" من أشهر المجموعات التي جذبت أكثر من 100 ألف متابع، كما تهتم مجموعة "إنقذ روح حيوان بريء" من أجل رعاية الحيوانات الضالة، وتوفير التطعيمات الخاصة لهم.

الوعي بأدوات التطوع الإلكتروني

تعد التكنولوجيا الحديثة بالفعل إحدى الوسائل التي تعزز سرعة الانخراط في العمل التطوعي وتساعد في بناء التحالفات، وتبادل الخبرات، لكنها، وفي الوقت ذاته، لا تحظى باهتمام لتسليط الضوء على أهمية التطوع الإلكتروني أو آلية عمله، إذ وجدت دراسة مصرية للباحث عصام بدري، بعنوان: "التدخل المهني لطريقة تنظيم المجتمع لتنمية اتجاهات مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي نحو التطوع الإلكتروني" شملت 35 من مستخدمي الشبكات الاجتماعي، أن نسبة 73% منهم فضّلوا التطوع التقليدي اعتقاداً منهم أنه أفضل وسيلة لخدمة مجتمعهم، فيما يرون أنهم لا يملكون الوقت الكافي للتطوع الإلكتروني على الرغم من قضاء وقت طويل في استخدام التواصل الاجتماعي الافتراضي، بينما لم يتمكن 86% منهم من معرفة أساليب الانخراط في التطوع إلكترونياً، وهم ليسوا على دراية بمميزاته المتمثلة في نخفيض تكاليف الإعداد لبرامج التطوع وأنشطته.

وهنا، يجب التفكير في كيفية نشر ثقافة التطوع الإلكتروني، ومميزاته، بما يحقق التكافل الاجتماعي، والتمساك المجتمعي، وذلك كما يلي:

المجموعات الافتراضية

تعتبر المجموعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أهم أدوات التطوع الإلكتروني التي أثبتت فاعليتها، حيث تجمع العديد من الأفراد أصحاب الاهتمامات الواحدة، من أجل أهداف محددة، ويمكنها أن تضع عدداً من الشروط، مع العمل مع الجهات الرسمية المعنية للمتابعة وضمان المصداقية؛ ما يجذب العديد من الأفراد إليها.

القوائم البريدية الإلكترونية

يمكن أن تشكل القوائم البريدية الإلكترونية، حلقة الوصل بين المتطوعين والمستهدفين من الحملات التطوعية، حيث وجدت الدراسة الفلسطينية سالفة الذكر، أن هذه القوائم يمكنها المساعدة في جمع المعلومات والنشرات البريدية للمتطوعين الإلكترونيين، كما يمكنها الترويج لفكرة التطوع الإلكتروني وتسهيل ممارسته، مع الحفاظ على عدة معايير مهمة منها: المصداقية، وحداثة المعلومات، والدعم المستمر.

النوادي الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية

لم يكن غريباً أن تعمل المؤسسات غير الربحية على الترويج لمفهوم المسؤولية الاجتماعية، لكن يجب على الأفراد المتطوعين، أو من سبق لهم التطوع الإلكتروني أن يروجوا لهذه الفكرة، مع نشر مفهوم المسؤولية الاجتماعية باعتبارها الآلية التي تساهم في تحقيق التنمية المستدامة للمجتمع، فقد وجدت دراسة مصرية للباحثة ندا حسين، بعنوان: "المسؤولية الاجتماعية كآلية لتنمية ثقافة التطوع الإلكتروني لدى الشباب" أن إقامة المؤسسات لعدد من النوادي الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية يسهم في نشر مفهوم التطوع الإلكتروني، كما تساعد في تقوية الروح المعنوية للمتطوعين واحترام أفكارهم.

تظهر أهمية العمل التطوعي الفردي، من قرار الفرد ذاته بالتضحية بوقته ومجهوده من أجل قضية إنسانية يؤمن بها، لذلك فإن التطوع على الرغم من تعدد تعريفاته الأكاديمية، يُجسد التطبيق الفعلي لممارسة التكافل الاجتماعي، خاصة أنه يعتبر دليلاً على انتماء الفرد ليس لوطنه أو دينه بل انتمائه لدعم أخيه الإنسان بغض النظر عن لونه، أو خلفيته الثقافية أو توجهاته الدينية، لأنه بالأخير قيمة اجتماعية فكرية نبيلة، تعتمد على الإيثار، ويمكنها أن تشكل أسلوب حياة الفرد.

نُشر المقال استناداً على أبحاث من منصة ساهم

المحتوى محمي