أعمل ناشطة اجتماعية ولديّ صديق اختار الامتناع التام عن وسائل التواصل الاجتماعي -ما عدا "لينكد إن"- أثارت التجربة إعجابي وانجذبت لها في البداية، ولكن عندما أدركت عدم وعيه بالفظائع التي حدثت في سورية أو غزة، بدأت إعادة النظر في موقفي تجاه هذه التجربة، وأصبحت أرى في موقعي "فيسبوك" و"تويتر" فرصة للنشر حول أي قضية بوتيرة أسرع، ولعدد أكبر من الناس.
تفكير الناشطة ينبع من فهمها للأساليب الجديدة في التواصل التي فرضها ظهور الإنترنت، إذ لم يكن أحد يتوقع أن تصبح الصحف الورقية مهددة بالانقراض أو أن الأعمال المصرفية باتت تُنجر خلال ثوانٍ، وبالمثل تحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصاً "تويتر"، إلى حافز للتغيير والتحرك لمواجهة قضايا مختلفة حول العالم أو دعمها من خلال ميزة "الهاشتاغ" (Hashtag) التي تساعد على ربط التغريدات بأحداث أو سياقات معينة.
أثر نشاط الهاشتاغ
لا يحتاج التغيير ومحاربة الظلم الاجتماعي والسياسي إلى الاشتباك المباشر مع الأطراف الأخرى أكثر مما يحتاج إلى "الإعجاب"، و"المشاركة"، و"إعادة التغريد"، ولتوضيح قوة نشاط الهاشتاغ في الحراك السياسي والاجتماعي عالمياً، أعدت الباحثة شيماء العيسائي دراسة لجامعة "حمد بن خليفة" بعنوان: "تأثير نشاط الهاشتاغ في إعادة تشكيل العالم: ثورة السودان كدراسة حالة"، إذ ثَبُت من خلال الأمثلة التي أوردتها أن نشاط الهاشتاغ يشكل أداة رقمية قوية في محاولة تغيير الآراء والقواعد السياسية والمطالبة بالحقوق.
انطلق "تويتر" في عام 2006 من دون ميزة "الهاشتاغ" أو "الوسم"، إلى أن صنعها كريس ميسينا (Chris Messina)، مطوّر سابق في شركة "جوجل"، عام 2007 لتنظيم تدفق المعلومات والمحادثات، وتشجيع الناس على التعبير عن آرائهم بحرية حول المواضيع المختلفة، وبمجرد إضافة العلامة "#" قبل الكلمة أو العبارة المُراد مشاركتها، يتمكن المستخدم من العثور على المشاركات المتعلقة بموضوع معين بسهولة، وفي عام 2011 ظهر مصطلح "نشاط الهاشتاغ" (Hashtag Activism)، في مقال نشرته صحيفة "الغارديان"، لوصف الدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في احتجاجات "احتلوا وول ستريت" (Occupy Wall Street)، إذ استُخدم الهاشتاغ #occupywallstreet على منصات التواصل الاجتماعي، مثل "تويتر"، للتنسيق بين المحتجين والناشطين في حركة "احتلوا وول ستريت".
منذ ذلك الوقت، اتخذ نشاط الهاشتاغ أشكالاً مختلفة، وبات يستخدم الآن لوصف النشاط عبر الإنترنت؛ من رفع الوعي حول القضايا الاجتماعية، إلى تنسيق الاحتجاجات والمسيرات، وربط المجتمعات، وحتى تعزيز النقاش لمشاركة القصص بين الناس.
قوة وسائل التواصل الاجتماعي
تمد وسائل التواصل الاجتماعي الأشخاص بالقدرة على سرد القصص من الواقع، وتمنحهم فرصة التعبير بصوت مرتفع، كما توفر مساحة واسعة لاحتضان من "وُصموا بالعار"، وللحديث عن قضايا لطالما تجاهلتها وسائل الإعلام الرئيسية، فما أسباب قدرة هذه الوسائل على التغيير؟
- تساعد وسائل التواصل الاجتماعي على إيصال المعلومات إلى عدد أكبر من الأشخاص وبطريقة أسرع، إذ سجل "فيسبوك" خلال الربع الثالث من عام 2021 نحو 1.93 مليار مستخدم نشط يومياً، 66% من المستخدمين النشطين شهرياً، وترسل 500 مليون تغريدة عبر "تويتر"يومياً، ما يعادل 6,000 تغريدة كل ثانية.
- تتسم الأخبار المنشورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالتوازن نوعاً ما، والقدر القليل من التحيز أو عدمه ربما، إذ تقدم المنشورات على "تويتر" و"فيسبوك" قصصاً وصوراً صادقة عن حياة الأشخاص، ويمكن للمستخدمين رؤيتها في أي وقت ودحض المعلومات التي يعتقدون أنها خاطئة، كما يلجأ الصحفيون المهنيون إلى استخدام هذه المواقع في نقل الأخبار الحيّة والحقيقية إلى الجمهور دون تحريف.
قد لا تتسع تغريدة من 280 حرفاً لسرد القصة كاملةً، لكنها كافية لتقديم تقرير أولي وروابط تحتوي كل المعلومات، وعلى الرغم من مستوى التحيز البسيط في منشورات وسائل التواصل فإنها تقدم هيكلاً جديداً تماماً لكيفية نقل ما يجري حول العالم، على سبيل المثال، عندما سحبت شبكة "NBC" الإخبارية مراسلها في غزة أيمن محي الدين بسبب تقرير عن مقتل أربعة فلسطينيين على يد قوات الدفاع الإسرائيلية في أثناء لعبهم كرة القدم على الشاطئ، أطلق النشطاء هاشتاغ #LetAymanReport، وفي غضون 24 ساعة عاد أيمن إلى غزة لاستكمال عمله.
- تمنح وسائل التواصل الاجتماعي الأشخاص القدرة على الوقوف في وجه التحريف والتزييف بهدف فهم أفضل لمختلف الثقافات والأفراد، على سبيل المثال، كتبت بروك إيكماير (Brook Eikmeier)، محاربة في الجيش الأميركي تتحدث اللغة العربية، مسلسل "أليس في بلاد العرب" (Alice in Arabia)، وحمل المضمون صوراً نمطية سيئة عن العرب والإسلام، فانطلقت حملة هاشتاغ على تويتر #AliceinArabia لتسليط الضوء على المغالطات التي وردت في المسلسل، فقررت شبكة "أي بي سي" (ABC) وقف عرض المسلسل.
- من خلال تنظيم وإنشاء ودعم حملات الهاشتاغ، يمكن للأشخاص من جميع أنحاء العالم المشاركة في النقاش حول موضوعات وقضايا مهمة، وتنسيق الاحتجاجات والرسائل الموجهة إلى السياسيين وأصحاب السلطة، إذ يعتمد "تويتر" وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي نظام تحليلات لتتبع انتشار "الوسوم"، ويعرض أفضل عشرة منها في الشريط الجانبي ليُسهل على المستخدمين رؤيتها والتفاعل معها.
- تبرز أهمية وسائل التواصل الاجتماعي وقوتها بدرجة أكبر في بعض البلدان التي تحظر الوصول إلى المحتوى الرقمي أو تتحكم فيه، إذ تفرض الحكومة الصينية رقابة على "جوجل"، وبالإضافة إلى حظر محرك البحث الخاص بالشركة؛ تأثرت منتجاتها بما في ذلك "جيميل" والتقويم والترجمة، كما تحظر إيران قائمة واسعة من المواقع الإلكترونية، ما يدفع الأشخاص، حتى من الموالين للنظام الحاكم، إلى التحايل على الإنترنت لإنجاز مهامهم، وبالتالي اهتمام مثل هذه الدول بالسيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي يعكس قوة هذه الوسائل في إحداث التغيير، وربما التسبب في اضطرابات سياسية في بلدانهم، وهو ما لا يصب في مصلحة الحزب الحاكم.
- تساعد وسائل التواصل الاجتماعي على خلق جمهور نشط وتفاعلي للعروض التلفزيونية الحية، لذا يلجأ العديد من القنوات وشبكات البث الرقمي إلى استخدام هذه الوسائل، وخصوصاً "تويتر"، للتفاعل مع الجمهور وإشراكه في المحتوى وإعداد التقارير، إذ فازت "قناة الجزيرة" بجائزة "أفضل حساب إخباري على تويتر" في الدورة السادسة من "جائزة شورتي إندستري" (Shorty Industry Award)، لأنها تعتمد أساليب متنوعة لإشراك المتابعين على المنصة الزرقاء بدءاً من تحديثات الأخبار في الوقت المناسب وحتى استطلاعات الرأي وحملات الهاشتاغ، ويسهم الجمهور أيضاً في العروض التي تقدمها القناة من خلال سؤالهم عن القضايا التي يريدون مناقشتها ثم استخدام تغريداتهم في المناقشة للتأكيد على أهمية رأيهم وليس فقط مشاركتهم.
نشاط الهاشتاغ في المنطقة العربية
منذ عام 2011 وانطلاق أحداث "الربيع العربي"، ظهر العديد من الوسوم على "تويتر" التي تدعو إلى التغيير في المواقف السياسية والاجتماعية مثل المساواة بين الجنسين والعدالة الاجتماعية وتغيير قواعد الحكومات بل والدعوة إلى إسقاط الأنظمة الحكومية، إذ انتشر العديد من التغريدات التي تحتوي هاشتاغ #25jan، أو #ثورة_25يناير، و #Egypt لتنقل أحداث الثورة ومطالب المواطنين التي حملت شعار "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، وساعد ارتفاع معدل استخدام الإنترنت في مصر والتعداد السكاني الكبير على بقاء نشاط الهاشتاغ لفترة أطول ووصوله إلى جمهور أوسع داخل مصر والمنطقة.
في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، خرجت مظاهرات في السودان لمواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة وسوء الأوضاع الاجتماعية والسياسية في البلاد، وعلى الرغم من حظر الحكومة الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، استخدم السودانيون شبكة افتراضية خاصة (VPN) لنشر وسوم على "فيسبوك" و"تويتر"، للضغط على حكومتهم وتنظيم المظاهرات وتوثيقها على مرأى العالم ومسمعه، مثل #مدن_السودان_تنتفض، و Sudan’s_cities_revolt#، و#SudanUprising.
وعند ذكر ثورة السودان، لا بد من الحديث عن هاشتاغ #Kandaka أو # الكنداكةـالسودانية أو #كنداكة الذي انتشر مع ظهور مقطع فيديو في على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر فيه شابة تدعى آلاء صلاح وهي تقف على سيارة في العاصمة الخرطوم مرتدية رداء أبيض اللون أو "ثوباً" وتضع أقراطاً دائرية على شكل قمر تغني الأغاني السودانية التقليدية، وسميت بـ "كندانة" نسبةً إلى المرأة القوية.
تحوّلت آلاء إلى أيقونة بثوبها الأبيض الذي يرمز إلى المرأة العاملة والجمال الأنثوي في الثقافة السودانية، وأصبحت النساء السودانيات وجهاً للحراك الذي أطاح بنظام عمر البشير، ورمزاً للنضال من أجل حقوق المرأة في السودان وإنهاء عقود من الظلم الاجتماعي الذي تعرضت له النساء، مثل زواج القاصرات، والتحرش الجنسي، وختان الإناث، والعنف الأسري والاغتصاب.
لم يعكس نشاط الهاشتاغ في الدول العربية المطالب السياسية فقط، ولكن أيضاً الحقوق الاجتماعية، وخاصةً حقوق المرأة، ففي المملكة العربية السعودية، تصدر هاشتاغ #قيادة_المرأة_السعودية، أو #SaudiWomenDriving ليطالب بحق المرأة السعودية في قيادة السيارة إلى أن حصلت عليه في عام 2018، وأيضاً هاشتاغ #سعوديات_نطالب_بإسقاط_الولاية، و#StopEnslavingSaudiWomen، الذي استخدم على نطاق واسع لرفض قواعد ولاية الرجل التي تتطلب من كل امرأة سعودية أن يكون لها ولي أمر شرعي يسمح لها باتخاذ قرارات حياتية أساسية مثل الزواج، أو السفر للدراسة في الخارج، أو حتى الحصول على العلاج من الطبيب.
ببساطة، نشاط الهاشتاغ ليس مجرد أداة لزيادة الوعي بالقضايا الاجتماعية والسياسية، ولكنه أيضاً أداة ديمقراطية مُنظمة تسمح بالتغيير، ويكفي أن يبدأ فرد بالتحرك ضد أشياء غير عادلة حتى ينضم إليه الآلاف بل الملايين لاتخاذ إجراءات فعّالة خارج حدود العلامة الزرقاء.
نُشر هذا المقال استناداً إلى بحثٍ مقدّم من مركز "أبحاث الشباب العربي".