المؤسسات أم الأفراد: من المعني بتقديم العمل الإنساني؟

4 دقائق
العمل الإنساني
shutterstock.com/REDPIXEL.PL

من بين مئات الآلاف من الروهينغا، الذين قرروا النزوح إلى بنغلاديش منذ عام 2017، قررت الطفلة "روبينا"، ذات الحادية عشرة سنة، أن تأخذ يد ابنة عمها، صاحبة السبعة سنوات، على متن قاربٍ صغير؛ لبدء رحلة مجهولة، هروباً من ميانمار بعدما قُتل والديهما. "لا تخافي، سنكون بأمان"؛ تلك الكلمات التي رددتها باستمرار في أثناء رحلتهما.

وبعد الوصول إلى بنغلاديش، بدأتا حياة جديدة في واحد من أكبر مخيمات اللاجئين في العالم، ارتسمت ضحكات بريئة ممزوجة بالحزن على وجهيهما، ونظرة عميقة لا تليق بعمريهما. هما اثنتين بين أكثر من مليون لاجئ من الأقلية المسلمة عديمة الجنسية في ميانمار، الذين واجهوا العنف والاضطهاد؛ 90% منهم الآن يعيشون في بنغلاديش وماليزيا، علماً أن الغالبية العظمى من كبار السن والنساء والأطفال، بما في ذلك الأطفال حديثي الولادة.

 قصة "روبينا" هي واحدة من ملايين القصص التي يكتبها الأطفال في العالم، ممن يعانون من أزمات لم تكن في حسبانهم. فحتى التصعيد الأخير للأزمة الأوكرانية، التي فر بسببها أكثر من 6 ملايين لاجئ، كانت أزمة اللاجئين السوريين الناجمة عن أكثر من عقدٍ من الصراع، هي أكبر أزمة نزوح في العالم، حيث يعيش 5.7 مليون لاجئ مسجل، بما في ذلك أكثر من 2.7 مليون طفل سوري، في مصر والعراق والأردن ولبنان وتركيا.

جنبًا إلى جنب مع شركائها، تواصل مؤسسة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" (UNICEF) مساعدة الأطفال السوريين اللاجئين والأسر التي تعيش في المخيمات والمستوطنات العشوائية والبيئات الحضرية، وكذلك الأطفال المعرضين للخطر؛ من خلال التعليم الأساسي وتوفير المياه والصرف الصحي والنظافة والصحة والتغذية، إلى جانب خدمات الحماية الاجتماعية وبرامج المراهقين والشباب.

وبالتالي، فقد ارتفع عدد الأشخاص الذين أُجبروا على الفرار من الصراع والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان والاضطهاد في جميع أنحاء العالم بشكل كبير في العام الماضي. وبحلول أواخر مايو/ آيار عام 2022، تجاوزت نسبة اللجوء 100 مليون للمرة الأولى، وهي زيادة دفعتها الأوضاع الأوكرانية، وموجات جديدة من العنف في إثيوبيا وبوركينا فاسو وميانمار ونيجيريا وأفغانستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

هذا في الوقت الذي قالت فيه "جويس مسويا" (Joyce Msuya)، مساعدة أمين عام الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، نائبة منسق الإغاثة في حالات الطوارئ، إن 14.6 مليون شخص في سوريا يحتاجون للمساعدة الإنسانية هذا العام، بزيادة قدرها 9% عن عام 2021. 

كل هذه الأرقام والإحصائيات، تدفعنا إلى التفكير في كيفية دعم هذه الفئات، وكيفية ضمان وصول هذا الدعم إلى مستحقيه؛ لكن يجب أن نطرح سؤالاً مهماً عن ماهية المعني بهذا العمل، أي من يمكنه تقديم العون فعلاً؛ المؤسسات أم الأفراد؟

تطور دور المؤسسات

يعد المانحون من أهم الفئات الأساسية لأي مؤسسة خيرية. وسبق أن تطرقنا في مقال بعنوان: "لماذا يجب دراسة اتجاهات المتبرعين لدعم قرارات المؤسسات الخيرية؟" إلى تأثُر عملية صنع القرار في المؤسسات الخيرية بذوق المتبرع وخبرته الشخصية، فهو غالباً ما يدعم المؤسسات التي تروج تفضيلاته الخاصة، ويميل لمساعدة الناس الذي يشعر ببعض التقارب معهم.

لكن لماذا يتبرع الأفراد لمؤسسة خيرية دون أخرى؟. تتمثل الإجابة هنا استناداً على ما يُظهره العلم السلوكي في أن الناس عادةً ما يتبرعون بالمال للمؤسسات الخيرية إما تقديراً للصالح الاجتماعي الذي تفعله المؤسسة، أو رغبةً في المساهمة بالتغيير الإيجابي في المجتمع، أو إظهار مقدار المال الذي يملكونه للآخرين. وهنا، تكمن أهمية الاهتمام بالأفراد لدعم قرارات المؤسسات الخيرية.

ومع تطور التحديات الإنسانية التي يواجهها القطاع الخيري؛ فقد استطاع تطوير منظومة العطاء عن طريق مسرعات الأعمال. فعلى سبيل المثال، انطلقت المسرّعات الإنسانية بالإمارات العربية المتحدة في 23 يونيو/حزيران عام 2017، ضمن مبادرة مشتركة بين مؤسستي "مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية" و"مسرّعات دبي المستقبل"، بهدف رفع الكفاءة المالية للمؤسسات التنموية والإنسانية، والجمع بين أفضل العقول لمواجهة أهم التحديات الإنسانية عبر حلول الذكاء الاصطناعي.

ولأعوام متتالية، أضاف المحسنون بالمنطقة العربية الطابع المؤسسي على عطائهم وتنفيذ جهودهم بطريقة فعّالة، وفي الوقت الحالي، فإننا نشهد عصراً جديداً من العمل الخيري الاستراتيجي الجماعي، ففي سبتمبر/أيلول من عام 2021، أعلنت "جامعة نيويورك أبوظبي" عن مبادرة "العمل الخيري الاستراتيجي" الأولى من نوعها في المنطقة. 

وبالنسبة لأحدث الإحصائيات حول عمل المؤسسات الخيرية، فقد لفت "معهد بلاكباود" (The Blackbaud Institute) للبحوث، إلى زيادة متوسط إجمالي العمل الخيري في عام 2021 بنسبة 10%، وبلغ متوسط مبلغ التبرع 813 دولاراً. كما نما التبرع عبر الإنترنت بنسبة 9% في العام ذاته، وهو ما يمثل زيادة لمدة ثلاث سنوات بنسبة 42%، الأمر الذي يشير إلى الاهتمام العالمي بدعم القضايا الإنسانية المختلفة، خاصة في ظل الظروف الطارئة والأزمات التي يمر بها العالم.

دور الفرد في دعم العمل الإنساني

في أبسط أشكاله، العمل الإنساني الخيري هو التطوع بوقتك ومواردك لصالح الآخرين. إنها طريقة رائعة لرد الجميل لمجتمعك وإحداث تغيير إيجابي في حياة شخص ما. يمكن أن تكون الأعمال الخيرية بسيطة مثل التبرع ببعض الملابس، أو التبرع بدمك، أو حتى تقديم بعض وجبات الإفطار في شهر رمضان، مثلما وزّع "البنك الكويتي للطعام والإغاثة" 185 ألف وجبة على المساجد والعمال ومرتادي الأسواق في إطار مشروع "إفطار صائم" وذلك خلال شهر رمضان عام 2022.

من بين جميع التبرعات المقدمة إلى المؤسسات غير الربحية، يأتي 71% من الأفراد، حيث تبرع الأفراد بأكثر من 309 مليار دولار في عام 2019، وفقاً للصندوق الخيري الأمريكي "إن بي ترست" (NP Trust)، مما يجعل المساهمات الخيرية الفردية واحدة من أفضل مصادر التمويل غير الربحية.

عندما يتعلق الأمر بالتبرع للجمعيات الخيرية، فهناك الكثير من الطرق المختلفة للقيام بذلك. نحن كمجتمعات نقدر أهمية التطوع الذي قد يكون ذو قيمة أعلى من العمل المعتاد، وبحسب مؤسسة "القطاع المستقل"، بلغت قيمة الساعة التطوعية 28.54 دولاراً عام 2021، لكن المال لا يعني شيئاً للمتطوعين، فمعظمهم يريد التطوع لمساعدة الآخرين وإحداث فرق في حياة من هم أقل حظاً.

 إذاً، كيف تنخرط في عمل خيري؟ الإجابة بسيطة: أنت كفرد يمكنك إعطاء وقتك، مع القليل من المال أو الأشياء والسلع، فالخيار الأفضل يعتمد على ظروفك الفردية، ولدينا بعض الأخبار الرائعة، كل القليل يمكنه المساعدة بالفعل. الشيء الأكثر أهمية هو أن تبدأ ببساطة في اتخاذ بعض الإجراءات. اتخذ هذه الخطوة الصغيرة الأولى اليوم، تواصل مع مؤسسة خيرية، أو تبرع لمرة واحدة، أو اشترك للتطوع حتى إن كان إلكترونياً، أو التواصل مع إحدى المؤسسات التي تتيح لك العمل على تقديم يد العون. على سبيل المثال، تتيح مؤسسة "أطباء بلا حدود" (Doctors Without Borders) الفرصة للموظفين من مختلف الاختصاصات في مجال تقديم ‏الخدمات الطبية المنقذة للحياة ومساعدة الأشخاص الذين لولا هذه الخدمات والجهود لكانوا حرموا من ‏الحصول على الرعاية الصحية والمياه النظيفة والمأوى.‏ 

إن المشكلات التي يسعى العمل الخيري إلى معالجتها ضخمة وفوضوية ومعقدة، لكن يمكن محاولة التصدي لها في معظم الأحيان بحلول بسيطة. الأعمال الإنسانية بصفة عامة، لا تنتمي لجنس أو دين أو فئة مُعينة من البشر إنما هي متاحة للجميع بعيداً عن الطائفية والعنصرية؛ وهذا ما يكسبها صفة سامية. قد يتطوع شخص واحد 6 ساعات شهرياً من وقته في مأوى للمشردين، وربما يتبرع شخص آخر بالمال لنفس الملجأ دون زيارته، وغيرها من الأمثلة الكثيرة، فكل منهم يعكس الانتماء للإنسانية. 

يتعلق الأمر بإحداث تأثير في حياة شخص ما، والذي يشمل العمل الخيري الكبير والصغير على حد سواء، وذلك بعيداً عن السبل التقليدية لرد الجميل، فكر في كيفية مساعدة شخص واحد فقط. وهناك الكثير من الطرق للمشاركة حتى إن كنت تفعل في تقديم الدعم عن طريق شيء صغير، فالعمل الخيري يستحق دائماً الوقت، ويمكن أن يحدث فرقاً كبيراً.

المحتوى محمي