كيف تساعد اتجاهات المتبرعين في دعم قرارات المؤسسات الخيرية؟

اتجاهات المتبرعين
shutterstock.com/DOERS
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تلجأ المؤسسات غير الربحية إلى مصادر مختلفة للحصول على المشورة لتصبح أكثر فاعلية. بعضها يعتمد على الخبراء لمشاركة المعرفة والبحث حول الإجراءات المناسبة، فيما يلجأ آخرون إلى التعهيد الجماعي (Crowdsourcing) لتوليد الأفكار واتخاذ القرارات حول الاتجاهات المستقبلية أو التمويل.

ويمكن للخبراء والجماهير إنتاج رؤى قيمة، لكن أحياناً تهمل المؤسسات الخيرية غير الربحية المانحين والمستفيدين سواء كانوا طلاب في المدارس ذات الأداء المنخفض، أو المتدربين في برامج تنمية القوى العاملة، أو صغار المزارعين في إفريقيا، وبذلك تكون تخلت عن المكونات الأكثر أهمية لنجاح المشروع الخيري. 

اتجاهات المتبرعين والمستفيدين حول أداء المؤسسات الخيرية

يُعد المستفيدون والمانحون من أهم الفئات لأي مؤسسة خيرية. لكن غالباً ما تكون هذه المجموعات معزولة تماماً عن بعضها البعض، ولا تسهم بما يكفي في عمل تلك المؤسسات. في هذا الإطار، أجرى الباحثون السعوديون، خالد منصور الشعيبي، وياسر عبد الحميد الخطيب، وعصام حسن كوثر دراسة بعنوان: تقييم دور الجمعيات الخيرية في المملكة العربية السعودية من وجهة نظر المتبرعين والمستفيدين، بهدف تقييم دور الجمعيات الخيرية في السعودية من خلال التعرف إلى اتجاهات المتبرعين والمستفيدين المتمحورة حول طبيعة نشاط تلك الجمعيات وأسلوب إدارتها وتمويلها وتحدياتها، وتناولت تأثير خصائص المتبرعين والمستفيدين في اتجاهاتهم.

وتوصلت الدراسة التي شملت 208 من المتبرعين للجمعيات الخيرية، و223 من المستفيدين من خدماتها داخل السعودية، إلى أن اتجاهات المتبرعين إيجابية وقوية للغاية نحو الاهتمام بتطوير مشاريع خيرية جديدة تلائم مطالب المحتاجين، والبحث عن أساليب مبتكرة للحصول على المزيد من التبرعات، وبالمثل، عكست اتجاهات المستفيدين القوية نحو حاجة الجمعيات الخيرية إلى تطوير برامجها ومشاريعها الخيرية، وتعزيزها ببرامج هادفة مثل برامج الأسر المنتجة، وكذلك السعي لتحقيق الاكتفاء والاعتماد على النفس. وعليه، أوصت الدراسة بتبني سياسة الاحتفاظ بالمتبرع مدى الحياة وإقامة مشاريع مبتكرة ومساعدة المستفيدين لإقامة مشاريع مجزية لهم.

فهم توجهات المانحين وتفضيلاتهم

تتأثر عملية صنع القرار في المؤسسات الخيرية بذوق المتبرع وخبرته الشخصية، ووجدت دراسة بريطانية بعنوان: كيف يختار المتبرعون الجمعيات الخيرية: دور الذوق الشخصي والخبرات في قرارات العطاء (How donors choose charities: the role of personal taste and experiences in giving decisions) أن المتبرعين غالباً ما يدعمون المؤسسات التي تروج تفضيلاتهم الخاصة، ويميلون لمساعدة الأشخاص القريبين منهم.

من الضروري أن تدرك المؤسسات الخيرية توجهات المانحين وتفضيلاتهم لتَبني برامجها ومبادراتها على أساسها، وأن تعرف أسباب التبرع لمؤسسة خيرية دون أخرى، وكيف يمكن دفع المزيد من الأشخاص للتبرع. يُظهر العلم السلوكي أن الناس عادةً ما يتبرعون بالمال للمؤسسات الخيرية تقديراً للصالح الاجتماعي الذي تفعله المؤسسة، أو رغبةً في الإسهام بالتغيير الإيجابي في المجتمع، أو إظهار مقدار المال الذي يملكونه للآخرين.

يرى أستاذ التسويق في كلية إدارة الأعمال بجامعة كونيتيكت، ويليام جونيور روس جونيور (William T. Ross Jr)، أن احتمالية التبرع لا تحددها خصائص المانح فقط، ولكن الخصائص التي يرونها في المتلقي، وبحسب دراسة أميركية بعنوان: التعاطف أم العدالة: ما الذي يجعل المستهلكين يتبرعون أكثر للجمعيات الخيرية؟ (Empathy or Justice: What Makes Consumers Donate More to Charity?)، يتبرع الأفراد لاعتقادهم بأن المتلقي يستحق العطاء، أو لأنهم يتعاطفون معه، أو لارتباط  فعل العطاء بالقيم الأخلاقية الشخصية للمتبرع.

ويمكن للمؤسسات الخيرية دمج المتبرعين في البرامج والمبادرات، وضمان استمرارهم في العطاء من خلال:

  • بناء علاقات قوية مع كل من المانحين المحتملين والمانحين الحاليين، والتعرّف عليهم شخصياً لتحديد قدرتهم المحتملة على العطاء، ومدى اهتمامهم بقضية ما.
  • إدراك أن المجموعات المختلفة من المانحين لها احتياجات مختلفة، على سبيل المثال، يمكن فصل توقعات المانحين الجدد عن المانحين الحاليين، والتسويق للخدمة وفقاً لذلك.
  • الاستعانة ببرامج مثل طلب محدد (ExactAsk)، التي تستخدم العديد من مصادر البيانات لمساعدة المؤسسات على التحديد بدقة المبلغ الذي يرغب المانحون في التبرع به.
  • القيام بالأنشطة التي تساعد المانحين على فهم المستفيدين بطريقة أفضل ومنحهم الفرصة لبناء علاقات مباشرة معهم، مثلاً، إذا كانت المؤسسة تروّج محو الأمية، يمكن أن تطلب من المتبرعين استضافة أحد المستفيدين لفهم الأسلوب الأفضل لتعليمهم.
  • خلق رابط قوي مع المستفيدين، عبر تفعيل التواصل وإرسال ملاحظات شكر مباشرة من المستفيدين أو حتى مشاركة الاتصالات العرضية بين الطرفين.

كيفية استخدام تعليقات المستفيدين

تتجاهل أغلب المؤسسات الخيرية آراء المستفيدين من البرامج الاجتماعية وتجاربهم؛ على الرغم من أنها مصدر مهم للتعرف على فعّالية البرنامج وتأثيرها، ربما لا تثق تلك المؤسسات بوجهة نظر المستفيدين، أو لا تعرف كيفية التماس تعليقات المستفيدين بطريقة موثوقة ومفيدة.

في القطاع الربحي، غالباً ما تتلقى الشركات إشارات مباشرة عندما لا تستمع إلى عملائها، مثل انخفاض المبيعات والأرباح، لكن في القطاع الخيري، قد لا تحصل المؤسسات على رد الفعل في الوقت المناسب إذا تجاهلت المستفيدين. تقوم بعض تلك المؤسسات باستطلاع آراء أولئك الذين يسعون إلى مساعدتهم، لكن تبقى جودة هذه الاستطلاعات دون المستوى، إذ لا توجد عادةً معايير لمقارنة النتائج على أساسها، فيصعُب  عليها تفسير المعلومات وتحسين الأداء. وجد استطلاع أجراه مركز العمل الخيري الفعال (Center for Effective Philanthropy. CEP) الخيرية أن الرؤساء التنفيذيين للمؤسسات الخيرية يعتمدون  بنسبة 19% على استطلاعات المستفيدين لتقييم فاعلية برامج المؤسسة.

ويمكن للمؤسسات التماس وجهات نظر المستفيدين المستهدفين حول  البرنامج أو المشروع الخيري في:

  • مرحلة قبل البدء: عند تصميم برنامج أو مبادرة، يمكن أن يساعد دمج منظور المستفيد في فهم احتياجاتهم وتفضيلاتهم واهتماماتهم وفرصهم وقيودهم.
  • مرحلة التنفيذ: عندما يكون البرنامج قيد التنفيذ، فإن حلقات التغذية الراجعة السريعة التي تلتمس وجهة نظر المستفيد يمكن أن تساعد في التكيف بسرعة.
  • مرحلة ما بعد الإنهاء: عند انتهاء البرنامج، يساعد فهم تجربة المستفيد كجزء من استفسار دقيق في تحديد مدى فعّالية البرنامج.

ختاماً، في تجاوز المتبرعين والمستفيدين تحرم المؤسسات الخيرية نفسها من فهم أفضل للتقدم الذي تحرزه، وإدراك تأثيرها على المجتمعات والمجالات التي تعمل فيها.

هذا المقال نُشر بناءً على أبحاث من منصة “ساهم“.