كيف نحقق العدالة الإبداعية في عصر الذكاء الاصطناعي؟

4 دقيقة
العدالة الإبداعية
shutterstock.com/Jacob_09

دخل كل من الأتمتة والمساعدين الافتراضيين في تفاصيل حياتنا، وباتت التطورات التكنولوجية تغير الطريقة التي نعيش بها إذ نعمل ونفكر بسرعة، وبدت الخطوط الفاصلة بين الآلة والبشر كأنها تتلاشى تدريجياً مع انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي. ليبرز هنا السؤال الأهم: هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإبداع البشري أم سيظل الإنسان المصدر النهائي للابتكار والأصالة؟

لمن ترجح كفة الإبداع؟

تبدأ المقارنة بين الذكاء الاصطناعي والإبداع البشري بفهم إمكانات وحدود كلٍ منهما، فالذكاء الاصطناعي تقنية تعتمد على الخوارزميات ومدخلات البيانات لأداء مهام مثل حل المشكلات واتخاذ القرارات.

وتستطيع تقنيات الذكاء الاصطناعي معالجة كميات هائلة من البيانات وتوليد مخرجات متطورة للغاية، وإطلاق العنان لإبداع الآلة قد يخلق طفرة غير مسبوقة في عدة مجالات، مثل التنبؤ الدقيق بالتغيرات البيئية، أو تطوير الأدوية والعلاجات والكشف المبكر عن السرطان، وأنظمة التدريس المعتمدة على الذكاء الاصطناعي التي تحلل بيانات الطلاب لتخصيص تجربة التعلم الخاصة بهم، إذ تساعد روبوتات الدردشة أصحاب الهمم على التعلم بكفاءة وفعالية أعلى، أو الخوارزميات التي تؤلف الموسيقى أو تخلق فناً يتردد مع المشاعر الإنسانية بطرائق جديدة.

على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي قطع شوطاً طويلاً في السنوات الأخيرة، فإنه لا يزال يعاني قيوداً عديدة تمنعه ​​من أن يحل محل الإبداع البشري بالكامل، منها أنه يتعامل مع بيانات وأنماط يتكرر التنبؤ بها، مثل تحليل البيانات والتعرف على الصور، وبالتالي لا يمكنه التوصل إلى أفكار أو مفاهيم جديدة تماماً من تلقاء نفسه، ويكافح عندما يواجه مواقف إبداعية وغير متوقعة.

ويكون الذكاء الاصطناعي ذكياً بقدر البيانات التي تغذيه، فإذا كانت متحيزة أو محدودة، فسيكون إبداعه متحيزاً ومحدوداً، لأنه يعمل وفق معايير محددة وواضحة فلن يتمكن من "التفكير خارج الصندوق" دون أن تتم برمجته على نحو صريح للقيام بذلك.

والنقطة الأهم، هي أن الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى الحس العاطفي الذي يمتلكه البشر، والذي يمكن أن يساعد في عمليات صنع القرار التي تتطلب التعاطف أو الحدس، فالذكاء الاصطناعي لا يتمتع بالقدرة على تجربة المشاعر أو الاتصالات الشخصية، والتي غالباً ما تكون محركات للإبداع.

قيمة الإبداع الإنساني

يمتلك البشر قدرة فريدة على توليد الأفكار الجديدة وحل المشكلات المعقدة ما يجعل الإبداع البشري قوة دافعة وراء الابتكار والتقدم في المجتمعات، وعلى عكس الذكاء الاصطناعي فالإبداع البشري لا يعمل وفق قواعد محددة أو أنه مقيد بخوارزميات معينة، لذا يتميز بالتفكير خارج الصندوق وإيجاد حلول غير تقليدية للمشكلات عبر التكيف والتطور والدفع باستمرار نحو حدود ما هو ممكن.

ويتعدى الإبداع البشري مجرد توليد أفكار جديدة، ليشمل أيضاً إيجاد طرائق جديدة للتعبير عن الذات، وانعكاساً لهوية الإنسان وثقافته ومجتمعه عبر مرآة الفن والموسيقى والأدب. لكن التحيز البشري يعد من القيود التي تحد من الإبداع، فالبشر يميلون إلى العمل ضمن معاييرهم الثقافية الخاصة وبما يعكس تجاربهم وخلفياتهم المحدودة، فضلاً عن التأثيرات الخارجية الاجتماعية أو الاقتصادية التي تحد من تنوّع الإبداع.

كما تؤثر القدرات البدنية للبشر على إبداعهم، على سبيل المثال، لا يمكن للإنسان الاحتفاظ إلا بقدر معين من المعلومات في ذاكرته القصيرة المدى، ما يحد من قدرته على معالجة المعلومات المعقدة بسرعة. ومع ذلك، يمتلك القدرة على التفكير خارج الصندوق وتوليد الأفكار بناءً على الحدس والتجارب الشخصية.

إذاً، يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على معالجة البيانات والتنبؤ بها، على سبيل المثال، يمكن لبرامج الذكاء الاصطناعي أن تساعد المهندسين المعماريين على تصميم المباني التي تلبي أهداف الاستدامة بطرق مبتكرة، ومن جهة أخرى، فإن الإبداع البشري مدفوع بالعواطف والتجارب التي لا يمكن لأي آلة أن تحاكيها.

يمكن أن يؤدي التعاون بين الآلة والبشر إلى تحسين الكفاءة والدقة والقدرة الإبداعية، ومع ذلك، لا بد من النظر في الآثار الأخلاقية لهذا التعاون، ومناقشة المسائل المتعلقة بالملكية والمساءلة والشفافية لضمان أن استخدام الذكاء الاصطناعي والإبداع البشري عادل ومفيد للجميع.

والمشكلة تكمن في أن الذكاء الاصطناعي يتحدى المفاهيم التقليدية للإلهام والموهبة، ومع ازدياد انتشار أدواته في العمليات الإبداعية، فإن جوهر الإبداع البشري قد يطغى عليه البحث عن حلول سريعة وسهلة.

بحسب الخبراء، قد يسبب الإفراط في استخدام الإنترنت والتكنولوجيا في التلف الدماغي لدى الأطفال، فعندما تتوافر الحلول من خلال بحث بسيط وسريع فقد يميل الأطفال إلى التوقف عن بذل الجهود أو التفكير في المهام البسيطة، وتبرز هذه الظاهرة بين البالغين أيضاً.

الاستخدام العادل

يثير تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي قضية مهمة حول العدالة الإبداعية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية ومنها حقوق التأليف والطبع والنشر، فتدريب الذكاء الاصطناعي التوليدي على معالجة كميات هائلة من المعلومات يعتمد على استخدام محتوى محمي بحقوق الطبع والنشر، ما يثير تساؤلات بالغة الأهمية: هل يُعد تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية انتهاكاً لحقوق الطبع والنشر؟ وهل يمكن حماية المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي بموجب حقوق الطبع والنشر؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمن يملك هذه الحقوق؟ هل هو مطور نموذج الذكاء الاصطناعي الذي مكّن العملية الإبداعية، أم صاحب نموذج الذكاء الاصطناعي، أم الشخص الذي أدخل البيانات التي سمحت لأداة الذكاء الاصطناعي بإنشاء المحتوى؟ وهذا يعتمد على حجم الإسهام البشري الذي يبرر حماية حقوق الطبع والنشر.

عموماً، هناك قدر أقل من الوضوح حول الجهة المسؤولة إذا كان المحتوى الذي أنشأه الذكاء الاصطناعي ينتهك حقوق الطبع والنشر لشخص آخر.

يتعرض مطورو الذكاء الاصطناعي لانتقادات لعدم تعويضهم أصحاب المحتوى الذي يشكل أساس تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على فهم البيانات وتفسيرها والتنبؤ بالنتائج، وبتنا نشهد مؤخراً مقاضاة لشركات الذكاء الاصطناعي لتدريب نماذجها على محتوى محمي بحقوق الطبع والنشر، إذ رفعت صحيفة نيويورك تايمز دعوى قضائية ضد شركتي مايكروسوفت وأوبن أيه آي (OpenAI) لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي الخاصة بهما محتواها دون إذن.

تثير مثل هذه القضايا القانونية مشاكل تتعلق بطبيعة الإبداع والملكية والإلهام، ليبرز تساؤل آخر مهم: هل نقف في طريق التقدم من خلال عدم السماح للآلات بأخذ الإلهام من عالمنا؟

حان الوقت للبدء بالبحث في أفضل الطرق لتمكين الآلات من التعلم دون خنق الابتكار والإبداع البشري، فقد أكد خبراء في قطاعات الذكاء الاصطناعي والأتمتة والتعلّم الآلي خلال مشاركتهم في منتدى دبي للمستقبل 2023، أن الأطر القانونية القائمة حول الإبداع البشري موجودة، ولكن مشاركة العالم الإبداعي مع الآلات، يتطلب إعادة تقييم هذه الأطر لاستيعاب إبداع الآلة دون تقويض القيمة الإنسانية، وسيكون ضمان الوصول الشامل إلى ما يمكنها إنتاجه أمراً بالغ الأهمية لتعزيز مستقبل رقمي شامل.

تتحرك التكنولوجيا بسرعة، في حين تسير وتيرة التغيير القانوني ببطء، لذا باتت الحوارات بين أصحاب المصلحة المتعددين، بمن في ذلك أصحاب حقوق الطبع والنشر ومطورو الذكاء الاصطناعي والخبراء القانونيون وصانعو السياسات، ضرورية لإعادة التفكير في الأطر القانونية والأخلاقية لاستيعاب إبداع الآلة مع الحفاظ على الغرض والقيمة البشرية.

المحتوى محمي