تُسهم صناعة الدفاع بأكثر من 2% من الانبعاثات الكربونية عالمياً، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 25% بحلول عام 2050، إذا لم تتبع شركات الدفاع العالمية نهجاً أكثر استدامة. والخبر الجيد، أن العديد من قادة هذه الشركات شرعوا في تنفيذ استراتيجياتهم لتحقيق هدف الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري بحلول عام 2050، مثل (شركة بي أيه إي سيستمز BAE SYSTEMS)، إحدى أكبر الشركات العالمية العاملة في مجال تطوير أنظمة الدفاع والفضاء والأمن وتكنولوجيا المعلومات المتقدمة، التي أعلنت في وقت مبكر انضمامها إلى حملة الأمم المتحدة "السباق نحو الصفر".
لماذا تتجه الشركات في قطاع الدفاع للالتزام بنهج الاستدامة؟
يُعد قطاع الدفاع مستهلكاً كبيراً للوقود الأحفوري والمواد الخام، ما يسهم في إحداث بصمة كربونية كبيرة. فعلى سبيل المثال، يمثل الدفاع 50% من الانبعاثات الحكومية في المملكة المتحدة و80% من الانبعاثات الحكومية الأميركية. وقد بدأت بالفعل العديد من الدول بتبني استراتيجيات فاعلة، فمثلاً تمنح وزارة الدفاع في المملكة المتحدة العقود فقط للشركات التي يمكنها إظهار خطة طويلة المدى لتقليل انبعاثات الكربون.
أما قطاع الطيران، فقد أسهم وحده بنحو 4% في ظاهرة الاحتباس الحراري، إذ إنه مسؤول عن نحو 14% من انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن وسائل النقل، ومن المتوقع أن يتزايد التحدي الذي تواجهه هذه الصناعة؛ فمن المرجح أن يؤدي الطلب على النقل الجوي إلى زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 300% بحلول عام 2050، وفقاً للمفوضية الأوروبية.
لا يقتصر الأمر على مواجهة التغير المناخي، إذ كشف تقرير أن تقليل البصمة الكربونية العسكرية يتيح في الوقت نفسه استخداماً أكثر كفاءة للموارد وعمليات أكثر فعالية. ويجب أن تكون هذه العقلية راسخة في استراتيجية الاستدامة طويلة المدى للقطاع لضمان أن إزالة الكربون هي ميزة تنافسية لهذه الشركات لا مجرد شر لا بد منه.
إضافة إلى تأثير صناعة الدفاع على التغيّر المناخي، فالعكس صحيح أيضاً، إذ إن عواقب التغير المناخي تطال صناعة الدفاع عبر مضاعفة التهديدات في ساحة المعركة من عدة نواحي، مثل ضعف البنية التحتية، وتحديات التشغيل، وكفاءة المعدات، وصعوبة التدريبات، وتأثر الإمدادات بسبب نقص الموارد. فمثلاً، من ناحية البنية التحتية، ستكون المنشآت العسكرية، وخاصة الواقعة بالقرب من السواحل، معرضة لارتفاع منسوب سطح البحر وزيادة تواتر العواصف الشديدة، وستكون القواعد البحرية والمطارات ومستودعات الإمدادات معرضة لخطر الفيضانات والتآكل والأضرار الناجمة عن العواصف، وعلى سبيل المثال، في عام 2018، تعرضت قاعدة تيندال الجوية (AFB) في فلوريدا لضربة مباشرة من إعصار مايكل، ما تسبب في أضرار بقيمة 5 مليارات دولار.
ومن ناحية كفاءة المعدات، تؤثر الظواهر الجوية القاسية وارتفاع درجات الحرارة والعواصف الرملية وارتفاع الرطوبة على الأداء الوظيفي لأنظمة الأسلحة والمعدات العسكرية، ما يتطلب من شركات تصنيع الأسلحة محاولة اختيار معدات مختلفة، فمثلاً، أعلنت شركة بي أيه إي سيستمز، في تقريرها لعام 2019 أنها كانت تختبر معدات جديدة في نطاق أوسع من درجات الحرارة، ولا سيّما أن من أسواقها الرئيسية، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، تواجه درجات حرارة شديدة الارتفاع.
ومن ناحية التحديات التشغيلية، يمكن أن تؤثر التغيرات في أنماط المناخ على العمليات العسكرية، مثل تغيير ظروف الطيران، والتأثير على الملاحة والتأثير على فعالية أنظمة أسلحة معينة. وتتطلب هذه التحديات العملياتية تعديلات في التكتيكات والتقنيات والإجراءات. وفيما يتعلق بالتدريبات، يمكن أن تؤدي الأحداث الجوية القاسية، مثل موجات الحر والأمطار الغزيرة والبرد الشديد، إلى تعطيل التدريبات. يمكن أن تشكل الحرارة الشديدة مخاطر صحية على الأفراد، ما يؤدي إلى تعليق أنشطة التدريب.
خطوات شركة بي أيه إي سيستمز للوصول إلى ممارسات الاستدامة في عملها
أعلنت شركة بي أيه إي سيستمز مبكراً عن دخولها السباق الصفري الذي أعلنت عنه الأمم المتحدة، وتماشيها مع استراتيجيات الدول التي تعمل بها، مثل المملكة العربية السعودية التي تهدف إلى الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري بحلول عام 2060، إضافة إلى الاستراتيجية الوطنية لقطاع الصناعات العسكرية التي تتكون من 3 ركائز هي الاستحواذ العسكري والصناعة العسكرية والأبحاث والتكنولوجيا العسكرية، وقد صممت هذه الركائز لدفع الأولويات الاستراتيجية للاستقلال الاستراتيجي، والاستعداد العسكري، والصناعة العسكرية المحلية المستدامة، وقابلية التشغيل البيني داخل الكيانات وفيما بينها، والشفافية وكفاءة الإنفاق.
ومن الخطوات التي اتخذتها شركة بي أيه إي سيستمز للالتزام بخطتها الصفرية هي تصميم سلسلة توريد مسؤولة. إذ ألزمت الشركات التي تريد أن تكون موّردة لها أن تشارك قيمها وتتبنى السلوك الأخلاقي نفسه الذي تتبعه الشركة فيما يخص ممارسات الاستدامة.
وقد بدأت بي أيه إي سيستمز بالفعل في عقد ورش عمل مع الموردين الرئيسيين في هذا الشأن، كان أولها في شهر فبراير/شباط من العام الحالي 2024، وقد ركزت ورش العمل على إزالة الكربون وتعزيز أجندة المسؤولية الاجتماعية والحوكمة داخل المملكة. وقد حظي هذا الحدث باستجابة إيجابية والتزام من الموردين الذين حضروا وشاركوا خطط الاستدامة الخاصة بهم.
كما وقعت شركة بي أيه إي سيستمز السعودية اتفاقية مع جامعة المجمعة بهدف دعم التعليم والابتكار، إذ التزمت خلالها بتمويل إنشاء مختبر استدامة جديد في الجامعة لتوفير ما يحتاج إليه الطلاب من الأدوات والمعرفة ليصبحوا قادة المستقبل في مجال الاستدامة، وتعزيز القدرة على إجراء التجارب والأبحاث في مجالات عدة منها الطب، والعلوم، والهندسة، وتكنولوجيا المعلومات. وتعتبر هذه المبادرة جزءاً من مشاريع التطوير المجتمعي التي تقوم بها الشركة والتي تتماشى مع أهدافها للتطوير والتعاون في المملكة.
تحرص بي أيه إي سيستمز على إصدار تقارير الاستدامة بشكل دوري لمراقبة تقدمها في إحراز النتائج المتوقعة، وهي خطوة تساعد الشركات في الالتزام بأهداف الاستدامة، فيشير تحليل أجرته المبادرة العالمية للتقارير (GRI) إلى أن أقل من نصف الشركات التي أعلنت التزاماً في تقارير الاستدامة الخاصة بها بأهداف التنمية المستدامة (SDGs) حددت أهدافاً قابلة للقياس لكيفية إسهام أفعالها في تحقيق الأهداف.
تركز شركة بي أيه إي سيستمز على توظيف أشخاص يتسقون أيضاً مع هذه القيم، وهي خطوة مهمة للغاية، فقد شهد قطاع الدفاع زيادة متسقة في منشورات الأدوار البيئية والاجتماعية والحوكمة، مع أكثر من 25,000 قائمة وظائف كل ربع سنة منذ عام 2022 من نحو 8,000 جهة توظيف، وفقاً لقاعدة بيانات تحليلات الوظائف التابعة لشركة جلوبال داتا (GlobalData)، وهي شركة رائدة في مجال البيانات والتحليلات.
تسعى الشركات إلى تبني تقنيات مختلفة بشأن تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، إذ يمكن للوقود البديل أن يخفض الانبعاثات بنسبة 55% ويزيل صافي انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بالكامل، ويمكن لوقود الطيران المستدام (SAF)، الذي يُصنّع غالباً من مواد نباتية مثل زيت الطهي والنفايات الزراعية، أن يقدم أداء وقود الطائرات المعتمد على النفط ولكن بسعر أعلى في الوقت الحالي. وتحاول شركة بي أيه إي سيستمز تحريك العالم بقدر أكبر من الكفاءة والفعالية من خلال تطوير الحلول الكهربائية والهجينة في الحافلات والقوارب والشاحنات الثقيلة والمركبات العسكرية. إذ لديها أكثر من 16,000 من أنظمتها الكهربائية الهجينة في جميع أنحاء العالم، ما يوفر الوقود وانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، مع تقليل صيانة المشغل.
لا شك في أن الصراعات المسلحة تضر بالمناخ. ومع ذلك، تظهر التطورات الجيوسياسية الحالية أن هناك حاجة إلى صناعة دفاعية قوية لحماية المجتمعات وتمكين جهود الاستدامة تمكيناً جدياً في المقام الأول. لذلك، من المهم للغاية أن تتكيف الصناعة بسرعة مع الإطار الجديد وتطبق دورها التكنولوجي الرائد لحماية المناخ. وإلا فإن صناعة الدفاع ستُصبح المستخدم الوحيد للوقود الأحفوري، وبالتالي ستجد نفسها في خطر شديد ومتعمد، ما لم تبدأ الشركات الكبرى في وضع خطة للوصول إلى صافي الكربون، ودمج الاستدامة في أعمالها، ومراقبة تنفيذها مثلما فعلت شركة بي أيه إي سيستمز.