3 طرق تُسهم فيها الحروب والنزاعات في أزمة المناخ

الحروب
shutterstock.com/Marti Bug Catcher
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تقود الحروب والنزاعات المسلحة إلى عرقلة مسيرة التنمية الاقتصادية أو عكس اتجاهها، لكن الجانب الاقتصادي وحده لا يروي كامل القصة؛ فهناك العديد من التغيرات البيئية والمجتمعية التي تحدث في المناطق غير الآمنة والمتأثرة بالصراعات، لعل أبرزها زيادة انبعاثات الغازات السامة، وانهيار الأنظمة البيئية بسبب انتشار الممارسات غير المستدامة.

البيئة ضحية الحروب

لا يبدو أن البشر وحدهم من يقعون ضحايا الحروب والنزاعات، ففي كثير من الأحيان تتسبب الصراعات المسلحة بأضرار بيئية نتيجة أعمال التدمير المتعمدة، أو لفقدان الحكومات سيطرتها على الموارد الطبيعية وإدارتها خلال النزاعات، فكان لنحو 40% من النزاعات الدائرة حول العالم تأثيرات سلبية على الموارد الطبيعية.

وتشير التقديرات إلى أن نحو 6% من سطح الأرض هي أراضٍ عسكرية، وعلى الرغم من أنها غنية بالتنوع البيولوجي فإنها معرضة لخطر الانبعاثات والتلوث الناجم عن أنشطة التدريبات العسكرية، فضلاً عن الحروب والنزاعات المسلحة التي تؤثر سلباً على التربة والمياه.

يعيش اليوم مليارا شخص؛ أي ربع سكان العالم، في دول تشهد حروباً، وبالتالي لا يمكن أن تركز التشريعات والاستراتيجيات البيئية فقط على دور الأنشطة المدنية في تغير المناخ، وإنما يجب رصد الأنشطة العسكرية التي قد تهدد الحياة والتنوع البيولوجي في بعض المناطق.

ويمكن تحديد الطرق التي تسهم بها الحروب والنزاعات في أزمة المناخ من خلال ما يلي:

  • تعتمد الأنشطة العسكرية على كميات كبيرة من الوقود الأحفوري، ما يسهم بزيادة الانبعاثات الضارة المرتبطة بظاهرة الاحتباس الحراري.
  • تقود الحروب والنزاعات المسلحة إلى تلويث المسطحات المائية والتربة والهواء، ما يجعل المناطق غير آمنة للعيش.
  • تهدد أساليب الحرب الحديثة الحياة البرية والتنوع البيولوجي؛ إذ يمكن لتبعات الصراع المسلح أن تقضي على نحو 90% من الحيوانات الكبيرة في منطقة ما.

إطلاق انبعاثات غازات الدفيئة

تُقدر الأبحاث حجم انبعاثات الغازات الدفيئة المسؤولة عن الاحتباس الحراري والمرتبطة بالنشاطات العسكرية بما يتراوح بين 1% و5% من الانبعاثات العالمية. على سبيل المثال، نتج عن حرب الخليج الثالثة إطلاق 141 مليون طن من انبعاثات مكافئ ثاني أوكسيد الكربون بين 2003 و2008، بما يفوق الانبعاثات السنوية الصادرة عن العديد من البلدان. وأسهمت حرائق حقول النفط في حرب الخليج عام 1991 بأكثر من 2% من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من الوقود الأحفوري على مستوى العالم في ذلك العام.

من جهة أخرى، تفرض الحروب والنزاعات المسلحة ضغوطاً على سوق الطاقة، ما قد يعرقل الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة زيادة استخدام الوقود الأحفوري لتعويض نقص الإمدادات، فالحرب الروسية الأوكرانية دفعت دول أوروبا والاقتصادات الكبرى إلى استراتيجيات لإيجاد بدائل للغاز الروسي، فكان الفحم أبرز هذه البدائل، فبدأت بالفعل دول مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا بالعودة إلى الاعتماد على الفحم لسد جزء من احتياجاتها للوقود، على الرغم من أن الفحم يعد مسؤولاً عن خمس انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن أرقام إسهام القطاع العسكري في انبعاثات الغازات الدفيئة تبقى تقديرية لأن اتفاق باريس للمناخ لم يُلزم الدول بخفض البصمة الكربونية لنشاطها العسكري.

انتشار التلوث

لا يتوقف التأثير البيئي للحرب على انبعاثات الغازات الدفيئة التي تعمل على زيادة درجة حرارة الغلاف الجوي، ولكن يتعداه إلى انتشار التلوث في مناطق النزاع الذي يفرض على السكان العيش في ظل هواء ومياه وتربة غير آمنة. إذ تؤدي المحطات المؤقتة لتكرير النفط وتدمير منشآت البنية التحتية وفقدان القدرة على إدارة المخلفات، إلى انتشار التلوث في التربة والمياه ما يتسبب بأضرار مباشرة وخطيرة على الأفراد والبيئة عموماً.

وانعكست مثل هذه التأثيرات البيئية للصراعات بشدة خلال حرب الخليج الثانية عندما أُضرمت النيران في 700 حقل نفط في الكويت، ما تسبب بسحابة من الدخان امتدت إلى مسافة 800 ميل، وألقي 11 مليون برميل من النفط الخام في الخليج العربي، ما أدى إلى إنشاء بقعة نفطية بطول تسعة أميال، وتشكلت في الداخل قرابة 300 بحيرة نفطية أضرّت بجودة التربة لعقود من الزمن.

ولا تعد النظم البيئية البحرية محمية من هذا التلوث، حيث تطلق السفن الحربية كميات هائلة من النفايات في المسطحات المائية، ما يؤدي إلى تدهور الموائل البحرية والسواحل.

تدمير الحياة البرية والتنوع البيولوجي

تُلقي الحرب بظلالها أيضاً على الحياة البرية فتتسبب بقتل الحيوانات، وإحراق الغابات، وفقدان التنوع البيولوجي، إذ يمكن أن تقضي الصراعات المسلحة على 90% من الحيوانات الكبيرة الموجودة في منطقة ما، حتى بعد سنوات من انتهاء الحرب، قد تستمر الألغام الأرضية في الانفجار والقضاء على الحياة البرية.

على سبيل المثال، دُمرت 5 ملايين فدان من الغابات بفعل الحرب الروسية – الأوكرانية، وتسبب استخدام المواد الكيميائية في الحرب على فيتنام بفقدان ما بين 14 إلى 44% من غاباتها، وخسرت أفغانستان قرابة 95% من غطائها الحرجي في العقود الأخيرة، وفي سوريا يبدو الوضع أكثر سوءاً، فقد أدت الصراعات الدائرة الى تدمير ما يزيد على 20% من الغطاء الشجري ما بين عامي 2012 و2019، كما تقلصت مساحة الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة بنسبة 21% في الفترة بين عام 2010 إلى عام 2014 نتيجة التصحر وعوامل تعرية التربة.

الحروب نتاج غير مباشر لتغير المناخ

تؤدي الحروب والنزاعات المسلحة إلى اضطراب النظم البيئية المحلية وجعلها أقل تنوعاً وقدرة على مواجهة تغير المناخ، بما يشمل الأعاصير والزلازل والجفاف وتآكل التربة.

ومن جهة أخرى، قد لا يشكل التغير المناخي سبباً مباشراً للحروب والنزاعات، إلا أنه قد يزيد من احتمالات نشوب النزاعات بسبب الضغط على الموارد الطبيعية التي تُستغل للحفاظ على اقتصادات الحرب، الأمر الذي يُضعف الثقة في الحكومات وقدرتها على إدارة البيئة وحمايتها، ويقوّض سبل العيش والأمن الغذائي وجودة الصحة والتعليم.

يدفع تغير المناخ على نحو غير مباشر إلى تفاقم العوامل التي تفضي إلى النزاع، وبالنسبة للمنطقة العربية تتأكد الصلة بين النزاعات والأخطار المناخية في ظل ندرة المياه وضعف الأمن الغذائي، والفقر والتهميش والاعتماد الشديد على الزراعة.

تتعالى أصوات النشطاء البيئيين المعارضة للحروب والنزاعات لأنها تهدد بزوال النُظم الطبيعية، فيما يُحذر دعاة السلام من أن يُشعل تدهور البيئة فتيل الحروب بسبب حرمان المجتمعات من الموارد الأساسية. قد تمثل أزمة المناخ تهديداً للأمن العالمي، لكن إنهاء الحرب والنزاعات هو أضمن طريقة لحماية أنفسنا والحفاظ على الكوكب.