في عام 2007، تمكنت وكالة "هوموارد باوند أوف ميرين كاونتي" (Homeward Bound of Marin County)، وهي وكالة للخدمات الاجتماعية للمشردين، من الاستفادة من نجومية وارن بافت لجمع أكثر من مليون دولار. وحسبما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، اشترى بافت الحصة الأولى من الفرصة العامة المباشرة للمنظمة (الطرح الأولي في البورصة)، التي تمثل نسخة منظمة ميرين غير الربحية من الاكتتاب العام الأولي للمؤسسات الربحية. ويطرح هذا سؤالاً مفاده: ما الذي لفت انتباه حكيم مدينة أوماها إلى هذه المنظمة؟
دعونا لا نتلاعب بالألفاظ: المنظمات غير الربحية تتوق لرأس المال النامي. وكما أشار دان بالوتا في مخاطبته الاستثنائية على منصة "تيد": "طريقة تفكيرنا بشأن الأعمال الخيرية خاطئة تماماً". منذ عام 1970، تجاوزت 46 ألف مؤسسة ربحية حاجز الإيرادات السنوية البالغ 50 مليون دولار، مقابل 144 منظمة غير ربحية فقط. وهذا أمر مثير للصدمة. ولا تتمثل الطريقة الأكثر فاعلية واقتصادية لحل المشكلات الكبيرة في وجود 10 آلاف منظمة تخدم 100 شخص سنوياً، بل في وجود 100 منظمة ممتازة من الناحية التشغيلية ومن حيث برامجها كل منها تخدم 10 آلاف شخص.
وتتمثل الأسباب فيما يلي: السبب الأول، كلما زادت الخدمات التي تقدمها المنظمة غير الربحية، ينبغي أن تنخفض تكلفة الوحدة. ثانياً، هناك سبب يفسر لماذا تعد الشركات الكبرى كبيرة ولماذا يمكن لتلك الشركات إقناع الشركات الناشئة بأن تبيع لها: إذ إن حصة السوق ورأس المال النامي والموظفين المتميزين، جميعها مزايا هائلة للمشاريع الصغيرة. ومن المفارقات أنه بدلاً من بيع الماء المُحلّى بالسكر (والذي يُعد، في نهاية المطاف، ليس بهذه الصعوبة - إذ إنه سكر في نهاية الأمر!)، فإن معظم المنظمات غير الربحية والمؤسسات الاجتماعية تبيع الأمل والعدالة والفرص. هذه المنظمات هي التي تحتاج إلى أفضل الحملات الإعلانية وأفضل التقنيات وأفضل الخدمات القانونية والاستشارية وترويج العلامة التجارية وغيرها من الخدمات. علاوة على ذلك، فإن الدافع وراء نمو المنظمات غير الربحية هو أيضاً مسألة مالية. إذ تدير العديد من المنظمات غير الربحية نشاطاً تجارياً كبير الحجم ومنخفض الربح. على سبيل المثال، في قطاع التمويل الأصغر، تحقق منظمات مثل منظمتنا ربحاً ضئيلاً مقابل كل قرض، وبالتالي فهي بحاجة إلى منح العديد من القروض لتغطية النفقات.
وقد دفعت هذه المشكلة الموظفين في وكالة "هوموارد باوند" إلى التساؤل: ماذا لو كان بوسع المنظمات غير الربحية تطوير نسختها الخاصة من الاكتتابات العامة الأولية التي تطرحها المؤسسات الربحية؟ من جانبنا، في منظمة "كابيتال غود فند" (Capital Good Fund)، طربت آذاننا حينما ذُكر هذا المفهوم. فقد كان له وقع الصدمة علينا بصفتنا أداة ممتازة للترويج للعلامة التجارية والنمو، وقد حذونا حذوه. ومنظمة "كابيتال غود فاند" هي مؤسسة غير ربحية تستخدم الخدمات المالية - التوجيه المالي والصحي الفردي، والقروض الشخصية، وإعداد الضرائب مجاناً - للتصدي الفقر في أميركا. وبعد خمس سنوات من تأسيس منظمتنا، نحن فخورون بالنمو الذي بلغناه وقد حققنا نجاحاً معقولاً في التمويل التقليدي (فقد واصلنا عملياتنا بالرغم من كل شيء). لكننا لم نقترب من تأمين الأموال التي نحتاجها للوصول إلى 10 آلاف أسرة في العام، ناهيك عن 100 ألف أسرة أو مليون أسرة. وما عليك سوى إلقاء نظرة على الأرقام: إذ إن خدمة 3500 أسرة في خمس سنوات أمر مثير للإعجاب، غير أن هذا العدد بالكاد يمس المائة مليون أميركي الذين يعيشون في 150 بالمائة من خط الفقر أو أدنى. ولنا باع طويل في عمليات التقديم للمنح والتواصل مع المانحين بما يكفي لندرك أن التحول في نموذج جمع التبرعات فقط هو الذي من شأنه أن يمكّننا من أن نصبح منظمة وطنية.
ولهذا السبب، شرعنا مؤخراً في إجراء الطرح الأولي لإنهاء الفقر. ومن المؤكد أن المفهوم يتبادر إلى ذهنك من مجال عروض التبرعات المكتظ. ويتمثل الهدف من الطرح الأولي للاكتتاب العام في جمع أموال غير مقيدة باستخدام نموذج فريد: مقابل كل 25 دولاراً يتم التبرع بها، يتلقى المتبرع "سهم ابتكار اجتماعي" واحد. ويمنح كل سهم المساهمَ الحق في التصويت في الاجتماع السنوي على مقعد في مجلس الإدارة. ويتمتع المساهمون أيضاً بإمكانية الاطلاع الحصري على التقارير المالية ربع السنوية الخاصة بالمؤسسة والتقارير المتعلقة بالآثار التي تُحدثها المؤسسة، فضلاً عن المكالمات الجماعية بين المساهمين فقط.
وقد طُرحت فكرة الطرح الأولي للمنظمات غير الربحية لأول مرة في مجتمع الابتكار الاجتماعي في عام 2006. ويشير مقال بمجلة "فاست كومباني" (Fast Company) إلى الكيفية التي بدأت بها كل من منظمة "تيتش فور أميركا" (Teach for America) ومنظمة "كوليج ساميت" (College Summit)، وهي منظمة غير ربحية تساعد الطلاب ذوي الدخل المنخفض على الالتحاق بالجامعة، في تقديم "ترتيبات خاصة" للمستثمرين ليصبحوا ممولين للمشاريع. وتُعد منظمة "تيتش فور أميركا" نموذجاً للنمو في عالم الابتكار الاجتماعي، وقد كتبت كلية هارفارد للأعمال أربع حالات منفصلة عن المنظمة.
ويمكن للمرء أن يطلق على الاكتتاب العام الأولي أنه وسيلة للتحايل؛ ففي نهاية الأمر، يُعد السهم مصطلحاً خيالياً للتبرع. ولكن ذلك يغفل المغزى من هذه العملية. إذ إن مجرد مطالبة شخص ما بشراء سهم، بدلاً من التبرع بدولار، لها شعور مختلف. من منظور علم النفس السلوكي، يستفيد الاكتتاب العام من حاجة الإنسان إلى مبدأ التبادلية. إذ إننا نود الحصول على شيء مقابل ما نقوم به، حتى لو كانت شهادة، أو لقب المساهم، أو القدرة على التصويت لانتخاب عضو مجلس إدارة. وما يجعل منهجنا فريداً من نوعه هو فكرة منح المساهمين أسهماً حقيقية وملموسة في المنظمة، وهي فكرة تتعلق بشأن أكبر من مجرد تبرع.
ومع ما تقدم ذكره، لا تزال هناك تحديات قائمة. حيث إننا عالقون في مأزق المشكلة التقليدية المستعصية: لكي ينجح الطرح الأولي للاكتتاب العام، يلزمنا تسويقه بقوة، لكننا نفتقر إلى المال لدفع تكاليف هذا التسويق. وبوجه عام، نشعر - على الرغم من ذلك - أن هذا النهج يمنحنا أداة أخرى في المعركة؛ ليس ضد الفقر بقدر ما هي لإسقاط الحواجز لكسب الإيرادات التي نحتاجها لمكافحة الفقر.
اقرأ أيضاً: نموذج جديد لإعداد التقارير المالية للمؤسسات الاجتماعية
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.