على الرغم من التقدم الذي تحرزه المنطقة العربية في مجال التنمية المستدامة، فإنها تواجه تحديات وصعوبات في تبني الخطط والبرامج الإنمائية التي تتمحور حول الجدوى الاقتصادية وحماية البيئة والعدالة الاجتماعية.
بدأت المنطقة العربية الأعوام العشر من العمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة وسط فوضى اقتصادية واجتماعية تسبب بها جائحة كوفيد-19، فضلاً عن الصراعات والاضطرابات السياسية التي تشهدها بعض دول المنطقة، فما الذي حققته حتى اليوم في مسار التنمية المستدامة؟
خطوات عربية بطيئة نحو التنمية
قطعت 6 دول عربية وهي الإمارات وسلطنة عمان، الأردن وتونس والجزائر والمغرب وسلطنة عُمان، ثلثي الطريق لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وحققت 3 دول فقط هدفاً واحداً من أهداف التنمية، إذ نجحت كل من الإمارات ولبنان في بلوغ هدف القضاء على الفقر، في حين حققت فلسطين الهدف الخاص بحماية أشكال الحياة تحت الماء.
وبحسب تقرير "مؤشر ولوحات متابعة أهداف التنمية المستدامة للمنطقة العربية لعام 2022" الصادر عن القمة العالمية للحكومات بالشراكة مع كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية تواجه البلدان الفقيرة والمتأثرة بالصراعات مثل سوريا وليبيا أكبر خطر للتخلف عن الركب.
اعتمدت دول المنطقة حزم تحفيز وتدابير لحماية سبل العيش وتنشيط الاقتصاد منها إعانات دعم الأجور وضبط أسعار السلع، لكن ما يزال الاستثمار في الحماية الاجتماعية منخفضاً مقارنة بمناطق أخرى، وخاصة فيما يتعلق بالمرأة. فبحسب "الاستعراض السنوي لأهداف التنمية المستدامة 2022" الصادر عن لجنة الإسكوا التابعة للأمم المتحدة، ما تزال المرأة تعاني من الانخراط في العمالة المهمشة، والعمل في القطاع غير الرسمي.
وتواجه المنطقة صعوبة في زيادة اعتماد حلول الطاقة المتجددة، وقد يُعزى ذلك إلى وفرة الوقود الأحفوري في عدد من بلدان المنطقة التي تستمد ما يزيد عن 95% من إمداداتها من الطاقة من النفط والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى ضعف التدفقات المالية إلى المنطقة لدعم الطاقة النظيفة. أما القطاع الخاص، فما يزال أداءه ضعيفاً على صعيد البيئة والمجتمع والحوكمة، وفقاً لتقرير الإسكوا حول القطاع الخاص وأهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية.
بالمحصلة، لم تحقق المنطقة العديد من الأهداف الإنمائية للألفية، لا سيما الدول المتضررة من النزاعات والمناطق الريفية، وتقدر الفجوة في التمويل اللازم لتحقيق الأهداف ذات الأولوية في اثني عشر بلد عربي متوسط ومترفع الدخل بحلول عام 2030، بنحو 660 مليار دولار سنوياً.
تحديات تبني الخطط والبرامج التنموية
بدأت التحركات الحثيثة نحو التنمية المستدامة منذ إعلان ريو دي جانيرو المعني بالبيئة والتنمية عام 1992، لكن العديد من الدول النامية ومنها العربية، لا تزال تواجه خمس تحديات رئيسة في تبني الخطط والبرامج التنموية، وهي:
1. النمو السكاني
ارتفع عدد سكان المنطقة العربية من 355 مليوناً عام 2010 إلى 436 مليوناً عام 2020، بزيادة سنوية تتجاوز 8 ملايين نسمة، وتشير تقديرات الأمم المتحدة أن النمو السكاني ستستمر ليصل إلى نحو 520 مليون نسمة بحلول عام 2030، و676 مليون نسمة بحلول عام 2050.
تقود مشكلة الزيادة السكانية إلى زيادة الطلب على الموارد والخدمات الصحية والاجتماعية وتدني الأحوال المعيشية، ما يشكل حجر عثرة أمام نجاح خطط الدول العربية للحد من الفقر والبطالة والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، نتيجة عدم القدرة على تحقيق التوازن بين عدد السكان والموارد الاقتصادية.
في هذا الإطار تسعى مصر التي تتصدر دول المنطقة من حيث عدد السكان، إلى خفض معدلات الزيادة السكانية من خلال إطلاق عدد سياسات ومبادرات بما يتناسب مع الإمكانيات الاقتصادية للارتقاء بالمستوى المعيشي للأفراد.
2. الفقر
يعيق الفقر تحركات التنمية المستدامة لما يرتبط به من مشكلات صحية واقتصادية وتعليمية، فاستمرار ضعف مستوى التعليم، وتراجع مستويات الدخل والركود الاقتصادي، وكذلك تفشّي ظاهرة الفساد المالي والإداري التي تحرم الفئات الفقيرة والمهمشة من الحصول على الخدمات الاجتماعية اللازمة، سيقوض جهود الدول العربية في القضاء على الفقر.
يمكن معالجة مشكلة الفقر عبر وضع سياسات اجتماعية ناجحة تساعد في تحقيق التنمية المستدامة والتكافل الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي، تركز على عدة محاور رئيسية منها، إصلاح التعليم، وتحقيق الأمن الغذائي والتنمية الريفية، وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي.
3. تغير المناخ
تشكل الكوارث الطبيعية، بما في ذلك مشاكل الجفاف والتصحر عقبات رئيسية أمام نجاح خطط التنمية المستدامة وتؤثر سلباً على المجتمعات الفقيرة، فقد يدفع التغير المناخي أكثر من 100 مليون شخص إلى الفقر بحلول عام 2030، بحسب تقديرات البنك الدولي.
وتعد المنطقة العربية من أكثر المناطق التي تعاني من ندرة المياه في العالم. بحسب الإسكوا، يصل متوسط نصيب الفرد من موارد المياه المتجددة في 13 دولة عربية إلى 500 متر مكعب سنوياً، فيما بينت دراسة أميركية بعنوان: "الاقتصاد السياسي للمناخ في المنطقة العربية" (The Political Economy of Climate in The Arab Region)، أن موجات الجفاف التي تعرضت لها المنطقة قبل عام 2011 أدت إلى تدمير الأراضي الزراعية في شرق سوريا التي تمثل مصدر رزق وغذاء لأكثر من 800 ألف شخص.
وعليه، يمكن التفكير في طرق مبتكرة لمواجهة تغير المناخ والحد من آثاره السلبية على البيئة والاقتصاد والمجتمع، مثل اعتماد التفكير التصميمي أو اتباع نهج قائم على نُظم الشعوب الأصلية.
4. الصراعات وعدم الاستقرار السياسي
شهد العقد الماضي تصاعداً حاداً للنزاعات في المنطقة العربية، ما ألحق أضراراً بفرص التنمية المستدامة بسبب تدمير البنى التحتية وتزايد أعداد اللاجئين وأوجه عدم المساواة، فضلاً عن المساس بسلامة البيئة، الأمر الذي وسع نطاق ضعف الدول وعدم قدرتها على مواجهة هذه التحديات والتكيف معها على سبيل المثال، توصلت دراسة "أثر النزاع الحالي على التنمية المستدامة في اليمن" إلى أن الصراع الدائر في البلاد أثر على قطاع الصحة بنسبة 66.96%، والكهرباء 66.52%، والتعليم 66.07%.
من جهة أخرى، تقود كثرة التغييرات الحكومية إلى تضارب في السياسات وبرامج التنمية واستمراريتها، وانتشار مظاهر الفساد الإداري والافتقار إلى المساءلة، وإهدار المال العام بما يتعارض مع التنمية المستدامة.
ما يتطلب العمل أكثر على جهود إحلال السلام في المنطقة، وترسيخ مبادئ الحوكمة والشفافية على نطاق أوسع داخل المؤسسات والشركات، واعتماد قوانين وتشريعات تضمن عدم الإضرار بالبيئة والبنى التحتية.
5. الافتقار إلى التكنولوجيا المتخصصة
عززت التكنولوجيا قطاع المعرفة وأدت العولمة إلى كسر حاجز تدفق المعلومات بكل أشكالها، وباتت المعرفة مرتبطة بامتلاك أحدث الوسائل التكنولوجية، ووجود أفراد مؤهلين وقادرين على إنتاج التكنولوجيات وتكييفها لجعلها مناسبة لتنفيذ برامج التنمية.
لكن الفجوة الرقمية بين البلدان المتقدمة والنامية في اتساع. في عام 2021، لم يتمكن نحو 142 مليون شخص في المنطقة العربية من الاتصال بالإنترنت، فيما كان 56% من النساء و68% من الرجال لديهم إمكانية الولوج للشبكة، ما يخلق فجوة بين الجنسين تبلغ 0.82، بحسب الاتحاد الدولي للاتصالات.
وعليه، افتقار الدول العربية إلى التقنيات الحديثة والخبرة الفنية لتنفيذ برامج التنمية المستدامة وخططها، يوسع الفجوة الرقمية ويعرقل سبل التنمية المستدامة.
المعادلة بسيطة: إدارة التنمية لتحقيق التوازن البيئي والاقتصادي والاجتماعي، لكن المعضلة تكمُن في الممارسة، فثمة حاجة إلى نهج جديد قائم على الإدارة العادلة للموارد والتوزيع العادل للثروة، وتعزيز الممارسات المستدامة في المجتمعات.