اتباع نهج قائم على نُظم الشعوب الأصلية لمواجهة أزمة المناخ

العدالة الاجتماعية
shutterstock.com/Piyaset
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أخبرني أحد الزملاء مؤخراً أن العدالة المناخية تتعلق ببناء روابط بين السكان وأراضيهم وطرق أسلافهم المتوارثة. وفي جميع سنوات عملي في النشاط البيئي، كانت هذه واحدة من أكثر الطرق إيجازاً التي سمعتها لوصف ما تعنيه العدالة المناخية للسكان الأصليين ومجتمعاتهم؛ فإعادة الاتصال بأرضنا هي جزء لا يتجزأ من مواجهة التغير المناخي، بالنسبة إلى كل من شعوبنا ومجتمعاتنا الأوسع نطاقاً.

لفهم السبب، نحتاج إلى إلقاء نظرة فاحصة على الكيفية التي تم بها إبعاد الأجيال القليلة السابقة من الشعوب الأصلية من أراضينا وحياتنا، وإلى أي مدى وصلت عواقب تلك الإجراءات. كما أوضحت بينيليس دروز مسؤولة البرامج في مؤسسة “إن دي إن” (NDN)، عندما وصل المستوطنون وبدأ الاستعمار استُهدفت نُظمنا الاقتصادية من خلال إعاقتها وتدميرها،

و”إزالة وسائل إعالة الشعوب لنفسها هي طريقة ماكرة لقمعها والسيطرة عليها. اشتهر جورج واشنطن بقيادة إحراق مخازن البذور الخاصة بشعب ‘الهودنوسوني’. وشجعت الولايات المتحدة على ذبح الجاموس لتقويض قدرة سكان السهول على إعالة أنفسهم. وفي كاليفورنيا، دمر المستوطنون بشكل منهجي أشجار البلوط التي كان الناس يعتمدون عليها. فقد تم خلق حالة من التبعية عن قصد، مع اضطرار الأمم إلى الاعتماد على مستعمريها من أجل المساعدة على البقاء”.

عندما أُجبر السكان الأصليون في جميع أنحاء أميركا الشمالية على الالتحاق بمدارس داخلية، تعرضوا للاستيعاب القسري وعوقبوا بسبب تحدثهم بلغاتهم وتم تشويه سمعة ثقافاتهم. في الوقت نفسه، أعطى “قانون إبعاد الهنود” (Indian Removal Act) الرئيس أندرو جاكسون سلطة التفاوض مع القبائل في الجنوب للانتقال إلى غرب المسيسيبي، حتى يتمكن المستوطنون أصحاب البشرة البيضاء من تطوير تلك الأراضي. وعندما تم توقيع “قانون إعادة التوطين الهندي لعام 1956” (1956 Indian Relocation act)، وهو جزء من حقبة “إنهاء عهد الهنود”، تم تشجيع السكان الأصليين على الانتقال إلى المناطق الحضرية مع وعود بوظائف أفضل وتحقيق الازدهار (على الرغم من أنهم في أغلب الأحيان قوبلوا بدورات قمعية من الفقر الممنهج والتمييز).

انتهاك حقوق السكان الأصليين

السياسات التي سُنت في القرنين التاسع عشر والعشرين لم تنتهك حقوق السكان الأصليين وسيادتهم وتبطل المعاهدات وترفع التحفظات فحسب، فقد أفسحت المجال أيضاً لشركات النفط والوقود الأحفوري لاستخراج الموارد من أراضينا الأصلية والقبلية. وعلى الرغم من الروابط القوية بين أزمة المناخ وترحيل السكان الأصليين من أراضينا، فإنها كثيراً ما يتم تجاهلها. لذا، إذا أردنا حقاً إنقاذ كوكبنا وموارده، يجب أن نكون مستعدين لاستكشاف هذا الرابط المؤذي والمتفشي، والعمل على إصلاحه من المصدر.

على كل حال، نعلم الآن أن ما قامت به دائرة الغابات الأميركية من سوء إدارة للغابات أدى إلى تفاقم حرائق الغابات في مختلف أنحاء الولايات الغربية مثل كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن. ولأن الرأسمالية، التي يدعمها قطاع الوقود الأحفوري، تعطي الأولوية للربح على حياة الإنسان والرفاهية البيئية، فإننا نرى هذه القصة تتكرر مراراً عبر البلاد، سواء كان ذلك في شكل مد خطوط أنابيب عبر أماكن مقدسة وإنشاء شبكات مياه أو تدمير الغابات المعمرة في ألاسكا التي تعد من أفضل عوامل عزل الكربون.

إبعاد الشعوب الأصلية من أرضنا سلب منا قدرتنا على الاحتفاظ بالمعارف البيئية المتوارثة ونقلها، مثل تلك المتعلقة بكيفية إدارة الأراضي وارتباطنا بطرق الغذاء المتوارثة وهياكلنا الاقتصادية المتوارثة. فهناك الكثير لنتعلمه، على سبيل المثال، من السكان الأصليين الذين أشعلوا حرائق متعمدة ومحكومة لاستعادة صحة النظام البيئي. وفي الآونة الأخيرة، أقام شعب “اليوروك” في كاليفورنيا شراكة مع الإدارات المحلية لمكافحة الحرائق لإعادة الممارسة القديمة المتمثلة في إشعال حرائق محكومة، ما أدى إلى نمو أشجار البندق في المنطقة لأول مرة منذ سنوات عديدة. ويُظهر نجاح هذه الشراكة أهمية الاستفادة من السكان الأصليين ومعرفتنا بالكوكب في مكافحة أزمة المناخ.

توضح بينيليس دروز: “كل أمة من أمم السكان الأصليين كان لديها نظام اقتصادي متوارث، وهو طريقة لجمع ما نحتاج إليه للعيش والازدهار وتوزيعه، وقد كان مرتبطاً بوجود طرق تجارية واسعة عبر الأميركيتين وسمح بتبادل خيرات الأرض والمعرفة واللغة والثقافة. تطورت هذه الاقتصادات مع تعلم أجيال لا حصر لها من أوطاننا ومع تعلمنا من بعضنا بعضاً كيفية رعاية الكائنات التي تساعدنا على العيش مع الحفاظ على بقائها. تعكس هذه الاقتصادات أيضاً فهماً بأن أوطاننا كائنات حية ينبغي بناء علاقات جيدة معها للحصول على خيراتها الوفيرة مع أهمية الحفاظ على تلك العلاقات وتوزيع الموارد بين أفراد المجتمع”.

عندما نستغل أراضي السكان الأصليين وننتزعها و/أو نلوثها، فإننا نقضي على المعرفة والتكنولوجيا المهمة واللازمة لإدارة أزمة المناخ، سواء كان ذلك قبل 200 عام أو اليوم.

بناء اقتصادات السكان الأصليين التجديدية

“إن دي إن كوليكتيف” (NDN Collective) هي مؤسسة تستخدم أطر عمل السكان الأصليين ومعارفهم لمعالجة قضايا مثل التغير المناخي. نعلم أنه عندما لا يعمل ولو حتى جزء واحد فقط من النظام، فإن النظام بأكمله يتأثر. ولذلك ننظر إلى الصورة الشاملة مع التركيز على إيجاد حلول؛ فنحن ندعو مجتمعاتنا إلى إنهاء اعتمادها على اقتصاد الوقود الأحفوري ونعدّها لذلك، ونوفر أيضاً الموارد لها ونستثمر فيها لخلق مسارات لإعادة الارتباط بأراضيها وثقافتها ومعارفها المتوارثة. ونتبع هذا النهج لأننا نعلم أن النتائج ستعزز العدالة المناخية وستسمح لمجتمعات السكان الأصليين باستعادة القوة التي تصحبها علاقة ذات منفعة متبادلة مع أرضنا.

على الرغم من تعرض المؤسسات التي يقودها سكان أصليون وأفراد متميزون للهجوم والإجبار على مغادرة أراضينا لأجيال، فإنها تقود جهوداً ابتكارية لمقاومة ذلك، وتعزز العدالة المناخية من خلال إعادة ارتباط السكان الأصليين بأرضنا المستحقة والمعارف المتوارثة عن الأجداد. في مدينة كوردوفا في ولاية ألاسكا، على سبيل المثال، تعمل مؤسسة “نيتيف كونسيرفنسي” (Native Conservancy) على بناء اقتصاد محلي تجديدي حيث تكافح التعدين الذي يمكن أن يدمر كل من الأراضي المتوارثة لشعب “إياك” والنظام البيئي الإقليمي. مثال آخر على ذلك: في عام 1989، شاهد ديون لانكارد ناقلة النفط “إكسون فالديز” (Exxon Valdez) وهي تصطدم بصخور “بلاي ريف” (Bligh Reef) وتسرب منها عشرات الملايين من الغالونات من النفط الخام في أراضي وطن ديون والمياه المتوارثة عن الأجداد في “لسان برينس وليام البحري” (Prince William Sound) في ألاسكا، وهو اليوم الذي يشير إليه باسم “اليوم الذي ماتت فيه المياه”.

ولكن منذ انسكاب النفط المدمر، عمل ديون بحماس وبلا كلل كقائد مجتمعي لحماية أكثر من مليون فدان داخل “دلتا نهر النحاس” (Cooper River Delta) و1,500 ميل عبر المحيط الهادئ إلى كودياك، وهي محمية بشكل دائم من التنمية. ومن خلال بناء اقتصاد تجديدي، يعمل ديون ومؤسسة “نيتيف كونسيرفنسي” على تعزيز الحقوق المتأصلة المتمثلة في السيادة والعيش والجانب الروحاني لمجتمعهم. وفي الوقت الحالي، يعمل فريق ديون بجد على بناء حضانة مجتمعية لبذور عشب البحر وإجراء بحوث تتعلق بزراعة عشب البحر. فالهدف هو بناء أول مشروع محلي لاستعادة عشب البحر يديره المجتمع المحلي للسكان الأصليين في منطقة انسكاب النفط من الناقلة، وتمكين قرى السكان الأصليين من إدارة وسائلها الخاصة في زراعة عشب البحر، من خلال دعم ملكيتهم لبذوره.

لن يوفر عشب البحر مصدراً للغذاء فحسب، فكما يقول ديون: “ما تحصل عليه هو منتج يمكن استخدامه في مجموعة متنوعة من الأغراض مثل المغذيات والسماد العضوي والمواد المخصّبة والوقود الحيوي والعديد من المنتجات الثانوية الأخرى”.

ويضيف: “بالإضافة إلى أن عشب البحر غذاء وسماد ممتاز للأراضي الزراعية، فإن له فوائد جمة للبيئة. فهو يحسن جودة المياه ويوفر موطناً ثميناً لمئات من الكائنات التي تعيش في المحيط ولديه القدرة على التخفيف من آثار التغير المناخي مثل تحمض المحيطات. يمكن أن يعمل عشب البحر أيضاً كبالوعة كربون فعالة للغاية؛ إذ تشير التقديرات إلى أن غابات عشب البحر يمكنها عزل خمسة أضعاف ثاني أكسيد الكربون من الغابات الأرضية. بعبارة أخرى، زراعة عشب البحر تعد مكسباً لثلاثة أطراف: مجتمعات الشعوب الأصلية وكوكبنا الأزرق العليل وبناء اقتصاد تجديدي مرن وترميمي”.

تحول السكان الأصليين إلى الطاقة المتجددة

تعمل شركة “نيتف رينيوابلز” (Native Renewables) في محمية شعب “النافاجو” الريفية، وهي تساعد في تمكين مجتمعات السكان الأصليين من خلال منحهم إمكانية الوصول إلى الطاقة الشمسية المتجددة، وقد أسستها واليه جونز التي بدأت مؤخراً في الاضطلاع بدور جديد بوصفها كبيرة المستشارين في “مكتب سياسات الطاقة الهندية وبرامجها”. لا يقتصر عمل الشركة على معالجة التحديات والفجوة في البنية التحتية لدى المجتمعات الأصلية والقبلية التي تفتقر إلى الكهرباء من خلال تركيب نُظم للطاقة الشمسية الكهروضوئية غير الموصلة بالشبكة، بل إنها تبني أيضاً القدرات في مجتمعاتنا من خلال قيادة تدريب قوة العمل. ومنذ تأسيسها، شاركت في استضافة العديد من الفصول الدراسية وورش العمل التطبيقية في أريزونا ونيو مكسيكو وألاسكا حول تكنولوجيا الطاقة الشمسية وكيف يمكن لهذا الشكل من الطاقة المتجددة أن يدعم مجتمعاتنا.

تدمج “نيتف رينيوابلز” القيم والتعاليم الثقافية في عملها، من خلال الاستفادة من التصورات الكونية للسكان الأصليين حول الشمس وتوفير الأدوات التي تربط بين التثقيف في مجال الطاقة الشمسية وإحياء اللغة. يمكن أن يكون شعب “النافاجو” نموذجاً تحتذي به بقية الشعوب الأصلية وسيظل كذلك، فهو يواصل التحول من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة. وتدعم الشركة هذا التحول من خلال تزويد مجتمعاته بالمهارات والموارد اللازمة لتحقيق سيادة حقيقية في مجال الطاقة والتحرر من قطاع الوقود الأحفوري.

الاستفادة من مجتمعات السكان الأصليين

في الأساس، الصفقة الخضراء الجديدة والحلول التجديدية الأخرى والسياسات التقدمية حول العدالة المناخية هي في الواقع نماذج خاصة بالشعوب الأصلية. وبينما نواصل حشد القوى من أجل تشريع شامل يخص العدالة المناخية، من الضروري الاستفادة من مجتمع السكان الأصليين وقادة القواعد الشعبية الذين كانوا ينفذون حلولاً منذ عقود. فالسكان الأصليون يعرفون ما الذي يتطلبه إنقاذ كوكبنا والموارد المعيشية التي يوفرها لنا.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.