تحدُث الأزمات دون سابق إنذار وقد تتجاوز أي حدود ممكنة، وتعد المؤسسات الخيرية الركيزة الأساسية المُساندة للجهود الحكومية والخاصة في مواجهة أي أزمة، لقدرتها على الاستجابة على نحو أسرع والوصول إلى المجتمعات المستهدفة من المساعدات الإنسانية، فكيف نعزز دورها في أثناء الأزمات؟
أهمية القطاع الخيري في أثناء الأزمات
إذا ذهبت في نزهة إلى الغابة فقد تفكر في أهمية المبادرات الخيرية التي تعمل على الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، وإذا اصطحبتَ معك في نزهتك حيوانك الأليف فقد تدرك أهمية الملاجئ غير الربحية ومؤسسات الإنقاذ التي تحمي هذه الكائنات، وإذا وقع نظرك على جارك الكبير السن فقد ينتابك شعور بالتقدير للخدمات التي تقدمها المؤسسات الخيرية إلى هذه الفئة من الأشخاص من أجل تحسين نمط حياتهم وجعله أكثر صحة.
لكن تخيّل حجم الدور المضاعف الذي يمكن أن تؤديه المؤسسات الخيرية في أوقات الأزمات إذا عملت بطريقة استراتيجية سليمة ولاقت الدعم والتعاون من أفراد المجتمع المحلي والقطاعين الحكومي والخاص.
تحديات إدارة الأزمات بفعّالية
يتمتع العمل الخيري بالقوة والقدرة على مواجهة الأضرار المجتمعية الناجمة عن الكوارث والأوبئة والصراعات وإعادة بناء المجتمعات بعد انتهاء الأزمات، لكن رصدت دراسة بعنوان: "دور الجمعيات الأهلية في إدارة الأزمات التي تواجه المجتمعات الريفية بمحافظة شمال سيناء"، بعض المشاكل التي قد تعوق فعّالية دور القطاع الخيري في إدارة الأزمات، منها نقص خبرة العاملين ومهاراتهم، وضعف التنسيق مع المؤسسات والمنظمات الأخرى لمواجهة الأزمة، وغياب التعاون بين أفراد المجتمع في توفير خدمات وقائية لمواجهة الأزمات.
ووفقاً لتوصيات دراسة بعنوان: "دور الإدارة الاستراتيجية في إدارة الأزمات بالمؤسسات الخيرية بدولة قطر" يمكن رفع مستوى كفاءة المؤسسات في إدارة الأزمات من خلال زيادة الاعتماد على العمالة ذات الخبرة في مجال العمل الإنساني وإدارة الأزمات، والتوسع في برامج تدريب المتطوعين والموظفين على التعامل مع الأزمات، واتباع مرونة أكبر في إجراءات تنفيذ البرامج الخاصة بإدارة الأزمات والكوارث.
خلال الأزمات، غالباً ما تحصل المؤسسات الخيرية على استجابات قوية من الأشخاص والمانحين والممولين الذين يريدون إحداث فرق بطريقتهم الخاصة، إذ كشف التقرير البحثي الأول الصادر عن المركز الاستراتيجي للأعمال الخيرية في جامعة كامبريدج أن جائحة كوفيد-19 شجعت الجهات المانحة على أن تصبح أكثر مرونة من أجل تسريع عملية تقديم المنح وتعظيم تأثيرها، لكن لا تزال بعض المؤسسات الخيرية تفتقر إلى سياسات مالية واضحة ومبادئ محددة للعمل التطوعي واتصالات واضحة مع الممولين والمانحين، تساعدها على زيادة مواردها وتحقيق الأثر على نطاق أوسع.
والإدارة الفعّالة لا تقتصر على اتخاذ الإجراءات المناسبة في أثناء الأزمة فقط، بل تتطلب أيضاً الاستعداد المسبّق لها، واستخلاص الدروس المستفادة منها لمواجهة أزمات مستقبلية مماثلة، فقد يغفل العديد من المؤسسات الخيرية عن أهمية مراجعات ما بعد الإجراء (AAR) للكشف عن نقاط القوة والضعف في استراتيجيات إدارة الأزمات، وتحديد الأمور التي سارت بالاتجاه الصحيح وما كان يمكن القيام به على نحو أفضل، لإجراء التحسينات اللازمة لتعزيز استعداداتها المستقبلية.
ومن المفيد أيضاً وضع سيناريوهات لكيفية الاستجابة للأزمات المتوقعة وتحديد المستلزمات البشرية والمادية اللازمة لها، فالتعامل مع كوارث مثل الزلازل والبراكين يختلف عن التعامل مع أوبئة مثل جائحة كوفيد-19، علاوة على ذلك، تحتاج خطط الاستجابة للأزمات إلى مراجعة كل 6 أشهر مثلاً لمواكبة التطورات التي قد تطرأ على المعدات والأدوات وحتى الخبرات والمهارات اللازمة لتنفيذها.
تجارب خيرية عربية ناجحة في مواجهة الأزمات
عندما اجتاحت جائحة كوفيد-19 العالم، كان الأطباء وطاقم التمريض وغيرهم من العاملين في القطاع الصحي في الخطوط الأمامية لمكافحة الوباء، لكن بعض المؤسسات الخيرية في المنطقة العربية كانت تؤدي أيضاً دوراً حيوياً في التخفيف من آثار الجائحة، منها هيئة المساهمات الاجتماعية "معاً" التابعة لدائرة تنمية المجتمع في أبوظبي التي استطاعت في عام 2020، إيجاد حلول فعالة للتحديات الاجتماعية وبناء مجتمع مُتعاون عبر ترسيخ ثقافة التطوع والمشاركة والمساهمة المجتمعية، فأطلقت سندات الأثر الاجتماعي الأولى من نوعها في الإمارات والخليج بهدف تزويد أصحاب الهمم بالمهارات اللازمة للتوظيف، والمُسرّع الاجتماعي لتمكين رواد الأعمال الاجتماعيين من تطوير حلول مبتكرة مستدامة للتحديات المجتمعية وتحويل أفكارهم وتحويلها إلى مؤسسات اجتماعية ناجحة.
وفي الكويت، شكلت جمعية النجاة الخيرية إدارة خاصة للأزمات والكوارث والطوارئ لتفعيل دور الجمعية في مواجهة الجائحة، إذ تعمل الإدارة على وضع سيناريوهات الكوارث المحتملة وخطط التعامل معها، وتدريب الكفاءات البشرية وفرق إدارة الأزمات والكوارث وتأهيلها للقيام بأدوارها على أكمل وجه.
وتمكنت مؤسسة مجتمع جميل السعودية بالشراكة مع لجنة الإنقاذ الدولية من تخفيف وطأة الجائحة على اللاجئين في الأردن، عبر توزيع مستلزمات الوقاية وتغطية تكاليف علاج المرضى المعرضين لمخاطر صحية عالية، وكذلك تقديم الرعاية الصحية اللازمة لحالات الولادة المعقدة.
إلى لبنان، إذ لم تكن الجائحة أزمته الوحيدة، ففي 4 أغسطس/آب من عام 2020، حدثت كارثة انفجار مرفأ بيروت الذي خلّف أكثر من 200 قتيل ونحو 6,500 مصاب وألحق أضراراً بالغة بأكثر من 9 آلاف مبنى، فتعاونت مؤسسة الفنار الخيرية مع العديد من الشركات والجهات المانحة، وأطلقت صندوق الإغاثة في حالات الطوارئ الخاص بلبنان، الذي تمكن من جمع ما يزيد على مليون دولار بهدف توصيل الغذاء للأسر المنكوبة وإصلاح المباني المتضررة، وتقديم الدعم المادي للشركات الصغيرة والمؤسسات الاجتماعية، واستطاعت تقديم أكثر من 130 ألف وجبة وتوفير 66 وظيفة في مجال توريد الأطعمة وتوزيعها.
بعض المؤسسات الخيرية لم تغفل التأثير النفسي للأزمات، ففي أعقاب الزلزال العنيف الذي ضرب المغرب في 8 سبتمبر/أيلول 2023، دخلت الجمعيات المحلية على خط الاستجابة للأزمة، وإلى جانب دعم الأسر المتضررة منازلهم وتأمين احتياجاتهم اليومية الأساسية، استعانت الجمعية الخيرية سيدي بالعباس – دار الطفل في مراكش والمعنية بالأطفال الأيتام، بأطباء نفسيين لمعالجة الأطفال من آثار ما بعد الصدمة.
لا يمكن إغفال أهمية تعزيز الدور الحيوي للمؤسسات الخيرية في مواجهة الأزمات، وتمكينها أكثر من توفير المساعدات المباشرة للقطاعات والمجتمعات المهمشة، خصوصاً أنها تتعرض أحياناً إلى مخاطر لا تستطيع الحكومات والشركات تحملها.