تقرير خاص

كيف يتواءم اقتصاد الدول مع برامج الدعم الاجتماعي: المغرب عقب الزلزال مثالاً

الدعم الاجتماعي
مقابلة بين العاهل المغربي الملك محمد السادس، والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا، ورئيس مجموعة البنك الدولي أجاي بانجا، الجمعة 13 أكتوبر / تشرين الأول 2023.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في الثامن  من سبتمبر/أيلول الماضي، استيقظ العالم على وقع مأساة من العيار الثقيل، إثر زلزال مدمر بلغت قوته 7 درجات على مقياس ريختر وقع في إقليم الحوز بالمغرب، وكان الأقوى في تاريخ البلاد منذ عام 1960 وأسفر عن آلاف الضحايا وآلاف الإصابات.

تحولت بعض القرى إلى حطام، وأُعلن الحداد الرسمي، ونُكست الأعلام المغربية، ليقضي هذا الزلزال على جزء من آمال مدينة مراكش التاريخية بإعادة أمجادها بوابةً رئيسيةً للسياحة في المغرب، واستقبال السائحين من جديد ليتعافى القطاع بعد جائحة كوفيد-19، مع توقعات سابقة بإمكانية استقبال المدينة لنحو 13 مليون سائح في 2023.

تلاشت الآمال العريضة بالتعافي، ورجحت هيئة المسح الجيولوجية الأميركية أن تصل خسارة الاقتصاد المغربي إلى نحو 8% من الناتج المحلى الإجمالى.

بعد أسبوعين من الزلزال المدمر، لم تسلم المباني من آثاره وتبعاته، فبلغ عدد المباني المنهارة بما فيها المباني التاريخية، سواء بصفة كلية أو جزئية نحو 60 ألف مبنى، وارتفعت أعداد المتضررين إلى 2.8 مليون نسمة. كما تضررت مجموعة من المباني المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، مثل ساحة جامع الفنا.

وعلى الرغم من تضرر التراث الثقافي للمغرب الذي يحق لشعبه أن يتوارثه جيلاً بعد جيل، فهذه الأزمات تؤكد ضرورة إعطاء الأولوية القصوى لحياة الإنسان، فالخسارة مهما كانت كبيرة لن تقارن بالخسائر البشرية كما أوضحت منظمة اليونسكو.

جهود إعادة الإعمار

دفعت الظروف الطارئة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى تعديل محتوى اجتماعاتهما السنوية إذ قررا أن يلتزما بانعقادها في مراكش المغربية، متطلعين إلى عدم تعطيل جهود الإغاثة خاصة أن الاجتماعات ستستمر على مدار 6 أيام في الفترة من 9 إلى 15 أكتوبر/ تشرين الأول، بالتزامن مع مرور شهر على وقوع الزلزال المدمر.

وقبيل انطلاق الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أفاد البنك الأوروبي، أن عملية إعادة الإعمار بعد زلزال المغرب، يمكنها أن تعزز نموه الاقتصادي على المدى المتوسط. كما عادت الحياة من جديد إلى سوق أسني في إقليم الحوز المنكوب، ليعود النشاط التجاري ومعه ابتسامة ممزوجة بالألم للشعب المغربي.

وقبل أسبوع من الاجتماعات، رصد المغرب نحو 12 مليار دولار على مدار خمس سنوات لإعادة إعمار البلاد، وقرر صرف مساعدات عاجلة بنحو 230 دولاراً شهرياً على مدار عام كامل لصالح الأسر المتضررة، ليبدأ صرف المساعدات من 6 إلى 16 أكتوبر/ تشرين الأول. كما خصص 14 ألف دولار لأصحاب المساكن المنهارة كلياً، ونحو 8 آلاف دولار لأصحاب المساكن المنهارة جزئياً، علماً أن المغرب جمع نحو 1.2 مليار دولار من الإسهامات والتبرعات للصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة على زلزال الحوز.

انطلاق اجتماعات صندوق النقد والبنك الدولي

مثلت الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي أداة دعم مباشرة للشعب المغربي الذي أثبت صلابته في مواجهة هذه الفاجعة، وحضر ملف الزلزال وإعادة الإعمار والدعم الاجتماعي على رأس طاولة النقاش.

بدأت الجلسات الافتتاحية للاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بتأكيد مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، أن المغرب هو “الدولة الإفريقية الوحيدة المؤهلة للحصول على خط الائتمان المرن، الذي يوفّر الدعم المالي للبلدان القوية اقتصادياً، علماً أن الصندوق سبق أن وافق على قرض للمغرب بقيمة نحو 1.32 مليار دولار، عبر صندوق الصمود والاستدامة.

هذا الثبات الاقتصادي، أو بالأحرى القوة الاقتصادية للمغرب نتجت عن الدعم الاجتماعي برعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، وهو الأمر نفسه الذي ساعد على عودة الحياة إلى طبيعتها تدريجياً بعد الزلزال المدمر، بدءاً من إعادة فتح المدارس وصولاً إلى إطلاق برنامج الدعم الاجتماعي المباشر.

عودة الحياة تدريجياً

أُعيد افتتاح المدارس المغربية، إذ نُقل 630 طالباً من الأقاليم المتضررة بدعم من متخصصي المساعدة الاجتماعية للوصول إلى مدارسهم في بلدة تلاوين. كما تكفّل المخيم الميداني للقوات المسلحة الملكية بنحو 2,500 شخص من الأسر المتضررة من الزلزال ليوفر لهم الدعم النفسي والطبي إضافة إلى احتياجاتهم الأساسية عبر توزيع 18 ألف وجبة يومياً لضمان أمنهم الغذائي.

ويتضمن المخيم أيضاً حضانة لخدمة 80 طفلاً من ثلاث إلى خمس سنوات، إضافة إلى وحدة طبية بهدف تقديم المساعدات اللازمة للأسر والأطفال، سواء علاجاً طبياً أو استشارات نفسية ، إلى جانب تقديم المساعدات الاجتماعية للأسر.

وعلى هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اجتمع نائب رئيس بنك الاستثمار الأوروبي ريكاردو مورينيو فليكيس، بالوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المغربية المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، ليُتوّج هذا الاجتماع بالإعلان عن تقديم بنك الاستثمار الأوروبي قرضاً للمغرب بقيمة نحو 1.06 مليار دولار لدعم جهود إعادة الإعمار.

برنامج الدعم الاجتماعي المباشر

أعقب حضور الملف المغربي المتضرر من الزلزال في الاجتماعات السنوية هذه بمراكش، إعلان برنامج الدعم المباشر بحضور رئيس البنك الدولي، أجاي بانغا، والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغيفا في الرباط، إذ افتتح ملك المغرب الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، مؤكداً أن بلاده تضع إعادة الإعمار نصب أعينها، ما يعكس التزام المملكة بكل ما تتعهد بتقديمه في هذا البرنامج.

وشدد على ضرورة الاستمرار في مساعدة الأسر المنكوبة وإعادة بناء المناطق المتضررة وتوفير الخدمات الأساسية، إضافة إلى تعميم الحماية الاجتماعية، قائلاً “إرادتنا هي البناء وإعادة الإعمار. والفاجعة أظهرت انتصار القيم المغربية الأصيلة، التي مكنت بلادنا من تجاوز المحن والأزمات”.

من هنا، أعلن العاهل المغربي عن تفعيل برنامج الدعم الاجتماعي المباشر بنهاية عام 2023؛ بهدف رفع المستوى المعيشي للأسر المعنية، إضافة إلى محاربة الفقر وتحسين مؤشرات التنمية الاجتماعية والبشرية، قائلاً “إن البرنامج سيسهم في الرفع من المستوى المعيشي للعائلات المستهدفة، وفي محاربة الفقر والهشاشة، وتحسين مؤشرات التنمية الاجتماعية والبشرية”.

جاء خطاب العاهل المغربي، ليتماشى مع البعد الاجتماعي الذي يتمسك به صندوق النقد والبنك الدولي، وهو ما أكداه ضمن اجتماعات مراكش، بهدف الحفاظ على التوازن الاجتماعي وتقليص دائرة الفقر خاصة في ظل الأزمات المتتالية التي يشهدها العالم. كما أظهر الخطاب قيم التضامن وكيفية التعاطي مع الأزمات الملحة، وهو الأمر الذي أشادت به غورغيفا في المحافل الدولية.

ومن المقرر أن يقدّم هذا البرنامج الدعم للأطفال في سن الدراسة، إلى جانب الأطفال من أصحاب الهمم، إضافة إلى حديثي الولادة والمسنين.

يُكمل هذا البرنامج مسيرة برامج الدعم الاجتماعي التي تعتمدها المغرب، إذ تملك برنامج الدعم المباشر للأرامل وأطفالهن اليتامى الذي استفادت منه قرابة 114,851 أرملة، وأكثر من 195 ألف يتيم بحلول يوليو/ تموز 2021.

ويوفر المغرب كذلك الدعم الاجتماعي لأصحاب الهمم، عبر توفير الأجهزة الخاصة وتحسين الظروف الدراسية للأطفال وتشجيع الاندماج المهني، فضلاً عن تجهيز مراكز المساعدة.

استمر تأثير الاجتماعات بعد انتهائها بأيام، إذ أعلن كل من المغرب وإسبانيا عن اتفاقهما لتحويل نحو 11.6 مليار يورو لصالح تمويل مشاريع إعادة الإعمار في المغرب، كما قرر رئيس برنامج الخليج العربي للتنمية، الأمير عبدالعزيز بن طلال بن عبدالعزيز، التبرع بنحو 100 ألف دولار لصالح وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة المغربية.

توضّح جهود إعادة الإعمار المتزامنة مع الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومناقشة الاقتصاد وأهم تداعيات كارثة إنسانية كبرى، أن الاقتصاد يمكنه أن يعتمد بالضرورة على الاستثمار في الإنسان وطرق الحفاظ على وضعه الاجتماعي الجيّد.