تحديث مفهوم أخلاقيات العمل في المؤسسات غير الربحية

4 دقائق
العمل لساعات طويلة
Shutterstock.com/Bystrov

غالباً ما ينقل الأشخاص الذين يعملون في المؤسسات غير الربحية وجهة نظر غير صحيحة بشأن معنى «العمل الجيد»، لأنهم يعتقدون أن طبيعة هذا العمل تتعلق بالتضحية، مثل العمل لساعات طويلة، وجعله الأولوية في حياتهم.

ما يضخّم هذا الشعور هو حقيقة أن المؤسسات غير الربحية غالباً ما تتعرض لضغوط مالية؛ أي تكون عادةً تحت ضغط مستمر لتقديم المزيد بموارد أقل، ونتيجةً لذلك؛ يُجبرون أنفسهم على إنجاز كامل المهام على حساب الاهتمام بذواتهم، كما يعزز القادة ومجالس الإدارة والزملاء في العمل فكرة أن كل شيء يتعلق بهذا العمل هو مهم للغاية، وينبغي المحافظة على مستوى مرتفع، وبالتالي؛ يعمل الجميع على خلق ثقافة يسودها الشعور بالإرهاق والضغط الشديدين.

أن تكون مهنيّاً يعمل في مؤسسة غير ربحية لا يعني أن تكون ضحية؛ كما أنه لا يعني- مجازاً أو حرفياً- التخلي عن حياتك من أجل قضية، يجب ألا ننظر إلى عادات العمل أو ظروفه المختلفة كأعباء متعلقة بالضرورة بعالم المؤسسات غير الربحية. في المقابل، ينبغي أن نسأل التالي: هل تؤدي هذه الحالة بالفعل إلى خلق المزيد من الأثر الاجتماعي؟ هل العمل لساعات طويلة على حساب الحياة الشخصية والصحة يساعد حقاً مؤسستنا على تحقيق نتائج أفضل؟

الإجابة هي غالبا «لا»؛ حيث تشير الدراسات إلى أن الإنتاجية تنخفض بعد حوالي 50 ساعة من العمل في الأسبوع، وأظهرت دراسة أجراها جون بيركافيل من «جامعة ستانفورد» حدوث انخفاض حاد بعد 55 ساعة أو أكثر من العمل، وبعد مرور 70 ساعة، لا تفوق الإنتاجية كثيراً تلك المنجزة بعد 56 ساعة؛ مما يعني أن هناك 14 ساعة ضائعة خلال وقت العمل.

للإرهاق أيضاً تأثير ملحوظ على الصحة البدنية؛ حيث أظهرت إحدى الدراسات من «جامعة تكساس» ارتباطه بزيادة في المشكلات الصحية؛ بما في ذلك ارتفاع مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بين الموظفين الذين يعملون أكثر من 45 ساعة في الأسبوع، وأضافت إحدى المقالات احتمال الإصابة بالسكتة الدماغية إلى المخاطر الصحية المتعلقة بالعمل لساعات طويلة، كما يُظهر بحث آخر أن الحرمان من النوم؛ الذي قد يعاني منه الموظف نتيجة الإرهاق، يؤثر سلباً على المزاج، والقدرة على التركيز، والوصول إلى وظائف الدماغ ذات المستوى الأعلى.

يقدم بحث أُجري في السويد نظرة متعمقة إضافية، فقد نفذت مؤسستان سويديتان غير ربحيتين (دار للمسنين ومستشفى) عام 2015 تجربة للعمل لمدة ست ساعات في اليوم بدلاً من ثماني ساعات، وأفاد الباحث بينجت لورنتزون، الذي عمل على المشروع، أن 68 ممرضاً وممرضة من الذين عملوا في الأيام الأقصر احتاجوا إلى نصف الإجازات المرضية، وكانوا أكثر سعادة بنسبة 20% من أولئك في المجموعة الضابطة.

معالجة مشكلة العمل لساعات طويلة

يبدأ التغيير من أعلى الهرم؛ إذ يحتاج قادة المؤسسات غير الربحية إلى دراسة عدد الساعات التي يمكنهم وموظفيهم العمل خلالها بإنتاجية في أسبوع معين، ثم البدء في وضع الحدود المناسبة، وعند تنفيذ ذلك، لا ينبغي فقط مراعاة القواعد المكتوبة في دليل الموظف، ولكن أيضاً القواعد غير المكتوبة وغير المعلنة؛ إذا كان المدراء التنفيذيون يرسلون رسائل إلكترونية في الساعة 11 مساء، فسيرى الموظفون الآخرون أن ذلك متوقع منهم أيضاً وسوف يتبعونهم. يلاحظ الموظفون عندما يبقى مديرهم أو زملائهم في العمل بعد الساعات المحددة، أو عندما يعملون في عطلات نهاية الأسبوع، أو يتناولون الغداء في مكاتبهم، ويميلون إلى محاكاة ما يرونه، لذلك فإن بذل جهود مدروسة لتجنب مطالبة الموظفين بالعمل خارج الساعات المحددة، أو في وقت متأخر، سيكون له أثر إيجابي على صحتهم النفسية والبدنية، ويقلل من احتمالية الإصابة بالإرهاق.

ينبغي على القادة أيضاً تشجيع الموظفين على تطوير خطط الرعاية الذاتية الفردية، وتصف «منظمة الصحة العالمية» مفهوم الرعاية الذاتية بأنه «ما يفعله الناس لتحسين صحتهم بأنفسهم والمحافظة عليها، وما يفعلونه للوقاية من المرض والتعامل معه». قد تتضمن هذه الخطة فصل الأجهزة الإلكترونية وتجنب الرسائل الخاصة بالعمل أثناء المساء وعطلات نهاية الأسبوع، والتقيد بوقت النوم. من الناحية التنظيمية للمؤسسة، يمكن أن يشمل ذلك تخصيص فترات راحة جماعية، أو تنظيم اجتماعات سيراً على الأقدام، أو صرف الموظفين لمنازلهم في ساعة غير متأخرة، أو توفير إجازات كافية لممارسة أنشطة الرعاية الذاتية، وإليك بعض الأمثلة على ذلك:

  1. قضاء أوقات الإجازة. تقدم مؤسسة «دونورز تشوز» (DonorsChoose) غير الربحية؛ وهي ذائعة الصيت بدعمها للمعلمين، إجازة مدفوعة الأجر لمدة 25 يوماً في السنة، وتعمل على تتبع كيفية قضاء موظفيها لتلك الإجازات. توضح ميلاني دوبينز؛ نائبة رئيس عمليات الموظفين التالي: «نحن نعمل مع المدراء لتشجيع موظفيهم على أخذ إجازاتهم، ونتيح للمدير تخصيص الإجراء الذي سيتّبعه حسب الحالة، على سبيل المثال، قد يكون لدينا شخص مدمن على العمل؛ حيث يحتاج المدير إلى الإصرار عليه لأخذ إجازة، أو ربما يتعلق الأمر بنا لحل مشكلات معينة مع المدير لضبط حجم العمل حتى يتمكن الموظف من الابتعاد عن العمل للمدة اللازمة، أو قد يكون لدينا في بعض الأحيان موظف يعمل لأوقات طويلة ولأيام متتالية؛ وهنا نتحدث إلى المدير بشأن منحه إجازة تعويضية».
  2. دمج الحركة مع يوم العمل. لاحظت مؤسسة «بروجكت كوشر» (Project Kesher)؛ التي تستثمر في التدريب على القيادة وإدارة المشاريع وتعمل على تمكين النساء والفتيات، أن سلوك الموظفين من الضروري أن يعكس التغييرات التي يحاولون إحداثها في العالم، وتقول كارين بلوم؛ الرئيسة التنفيذية للتطوير: «إذا كنا في اجتماع مع الموظفين ونحاول معالجة مشكلة معينة، فقد أطلب منهم التوقف عن مناقشتها وإدراجها ضمن جدول أعمال الاجتماع المخصص عقده سيراً على الأقدام؛ حيث نمشي بين الأشجار حاملين بعض المهام والأفكار المتعلقة بالحملات أو البرامج، ووجدنا أن العصف الذهني خلال المشي لمدة ساعة واحدة يُسفر عن أفكار إبداعية أكثر مما لو كنا جالسين في غرفة الاجتماعات المملة».
  3. تطوير خطط الرعاية الذاتية. يشرح دليل الموظف في مؤسسة «كرايسس تكست لاين» (Crisis Text Line)؛ الكائنة في مدينة نيويورك، الصلة بين الرعاية الذاتية والإنتاجية، ويشجع الموظفين على وضع خططهم الخاصة، ويوفر الدعم والموارد؛ مثل تقديم إجازات طويلة للموظفين الذين عملوا في المؤسسة لمدة سنتين.

تُبنى ثقافة المؤسسة الصحية؛ والتي تتسم بالأداء العالي، من قِبل قادة يهتمون بتمكين موظفيهم من النجاح في الحياة والعمل، ويبدأ التحول نحو ثقافة الرعاية الذاتية وتجنب الإرهاق من قمة الهرم، ويجب أن يكون ذلك من أولويات التخطيط للاستراتيجية؛ ليس فقط بالنسبة إلى قادة المؤسسات غير الربحية، ولكن أيضاً مجالس الإدارة والممولين.

اقرأ أكثر عن الاحتراق الوظيفي

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي