تُعد إدارة العمل التطوعي وتنظيمه بفعالية من التحديات الرئيسة لنجاح المؤسسات الخيرية. ومن دون جذب المتطوعين والاحتفاظ بهم وتوجيههم بطريقة صحيحة لن تتمكن تلك المؤسسات من إحداث تأثير فعلي في القضايا التي تعالجها، ولن يكون للتطوع دورٌ في تنمية المجتمع.
المتطوعون قيمة مضافة
لا يمكن النظر إلى المتطوعين على أنهم مجرد أداة لتحقيق أهداف المؤسسة الخيرية، فهم مصدر لرؤى جديدة ومهارات وخبرات تقدم قيمة مضافة لعمل أي مؤسسة، لكن لماذا لا يتم جذب أعداد كبيرة من المتطوعين؟ وما الذي قد يمنع شخصاً ما من التواصل مع مؤسسة خيرية، أو لماذا يفقد اهتمامه بالانضمام إليها؟ وإذا بدأ المشاركة في الأنشطة التطوعية؛ فما الذي يجعله يتوقف؟ لماذا يعمل العديد من المؤسسات الخيرية مع متطوعين ينتمون لقطاعات محددة جداً من المجتمع؟
غالباً ما تواجه المؤسسات الخيرية تحديات بعضها يتعلق بتصورات الأفراد عن التطوع، فيما ينجم بعضها الآخر عن نقص المعلومات، على سبيل المثال، قد ينظر الأفراد إلى التطوع على أنه نشاط يهدر الوقت أو قد يشعرون بالقلق من افتقارهم إلى الخبرة المطلوبة.
نستعرض لكم أبرز 5 تحديات تواجهها المؤسسات الخيرية في إدارة العمل التطوعي وكيفية التغلب عليها.
1. عدم إدراك قيمة التطوع وأهميته
يُنظر إلى التطوع في بعض الأحيان على أنه عمل لا يرتبط بقيمة حقيقية نظراً لعدم وجود مقابل مادي، وأن المتطوعين يشاركون بشكل محدود في التخطيط والتنظيم وعمليات صنع القرار في المؤسسة، ما قد يؤدي إلى ضعف التنسيق وانخفاض الروح المعنوية بين المتطوعين.
في الواقع، قد يمتلك المتطوعون العديد من المواهب والمهارات، والبعض منهم لا يدرك ذلك حتى يُمنح فرصة التجربة، كما يساعد التطوع الأفراد على اكتساب مهارات جديدة تمكّنهم من التقدم والتطور في حياتهم الشخصية والعملية.
وهنا يبرز قصور جهود المؤسسات الخيرية والإعلام للتوعية بأهمية العمل التطوعي، إذ أكدت دراسة الباحث الجزائري نصر الدين بن عودة بعنوان: "المعوقات التي تعترض مشاركة الشباب الجامعي في العمل التطوعي"، أن عدم التوعية بأهمية العمل التطوعي وقلة الورش والبرامج التدريبية القادرة على إعداد جيل جديد من المتطوعين الشباب، وقصور دور الإعلام في تسليط الضوء على الممارسات التطوعية والحث عليها، من أبرز التحديات التي تواجه العمل التطوعي.
لذا يجب على المؤسسات الخيرية ووسائل الإعلام استخدام كافة الأدوات للتأكيد على مزايا التطوع، ويمكن نشر قصص المتطوعين الحاليين وتجاربهم لتحفيز الآخرين على التطوع.
2. جذب المتطوعين
ربما ليس مستغرباً أن يكون جذب المتطوعين أحد أكثر تحديات إدارة العمل التطوعي شيوعاً مع تنافس العديد من المؤسسات الخيرية على وقت الأفراد للتطوع، لذا يجب التأكد من تضمين وصف وظيفي واضح عند الإعلان عن الأدوار التطوعية، ليتمكن المتطوعون المحتملون من معرفة ما يمكن توقعه بالضبط من فرصة التطوع، وثمة العديد من المنصات والمبادرات العربية التي تساعد في نشر فرص التطوع وتشجع عليها، مثل المنصة الوطنية للعمل التطوعي في السعودية، والمنصة الوطنية لتطوع ومشاركة الشباب "نحن" في الأردن، والمنصة الوطنية للتطوع في الإمارات.
3. الالتزام بالوقت
قد يعتقد الأفراد أنهم بحاجة إلى تخصيص قدراً كبيراً من الوقت للعمل التطوعي، لكن وضع برنامج واضح ومحدد يُبين طبيعة الأدوار التطوعية المتنوعة لتناسب أنماط الحياة المختلفة، أو تقدير المؤسسة للالتزام الأسبوعي كأن يكون التطوع يومين في الأسبوع مثلاً، سيساعد على كسر حاجز الوقت.
ويمكن للمؤسسات أن تخصص في البداية يوماً واحداً لتجربة العمل التطوعي لتشجيع الأفراد على الانضمام لاحقاً، والمساعدة على نشر ثقافة التطوع الإلكتروني، والاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي في تيسير العمل التطوعي وحشد الدعم لقضايا اجتماعية وإنسانية مختلفة.
4. تقسيم الأدوار التطوعية
لا يمكن للمؤسسة الخيرية حصر الأفراد بمهام تطوعية معينة، دون الانفتاح على منح المتطوع فرصة لتجربة بعض الأدوار المختلفة إذا كان الدور المقترح لا يناسبه. على سبيل المثال، عادةً ما تمنح المرأة أدواراً تطوعية مرتبطة بالرعاية الصحية والاجتماعية، وتقتصر مشاركاتها التطوعية على قطاعات محددة، إلا أن توسيع نطاق المجالات والأدوار التطوعية المتاحة للمرأة ومنحها هامش حرية اختيار المهام والأنشطة التي تتوافق مع اهتماماتها سيحفزها على المشاركة أكثر.
بالتالي؛ يجب أن تكون المؤسسات الخيرية على استعداد لخلق آفاق جديدة للعمل التطوعي وأن تأخذ الوقت الكافي للدردشة مع متطوعين جدد لمعرفة اهتماماتهم.
5. بيئة التطوع المرهقة
تمثل بيئة العمل التطوعي المرهقة مشكلة أخرى شائعة في المؤسسات الخيرية. غالباً ما تتميز المراحل المبكرة من مشاركة المتطوعين بالحماس والتفاني، لكن قد يتلاشى ذلك مع مرور الوقت، إذا تعرض المتطوعون للإرهاق نتيجة العمل المفرط أو عدم تقدير جهودهم واسهاماتهم. لذا يجب خلق بيئة إيجابية توفر فرصاً للتطور وتنمية المهارات، وتضمن تنوع المهام وجعلها ذات مغزى، وكذلك الاعتراف المستمر بجهود المتطوعين وإنجازاتهم.
وهذا ما عكسته تجربة قطر في إدارة المتطوعين المساهمين بتنفيذ مشاريع كأس العالم 2022، والتي ركزت على رفاهية المتطوعين وتأهيلهم وتدريبهم، فقد يقلق المتطوعون المحتملون من افتقارهم إلى المهارات اللازمة في البداية، لكن تقديم التدريب يساعد على طمأنة المتطوعين المحتملين من خلال إعطاء وصف واضح للمهام التي ينطوي عليها فرص التدريب.