5 حلول عملية لمشكلات التعلم عن بُعد

6 دقائق
التعلم عن بُعد
freepik.com/freepik

صمت مخيف في الشوارع، وحالة من عدم اليقين تنعكس على وجوه الجميع، مشهدٌ تصدّر أحداث عام 2020 مع انتشار جائحة كوفيد-19، أجبر معه الأفراد على البقاء في المنزل. لكن في ظل هذه الأوقات العصيبة؛ أدت التكنولوجيا دوراً مهماً في الحفاظ على العالم متصلاً، ومكّنت الأفراد من الوصول إلى المعلومات في أي زمان ومكان.

ولم يكن النظام التعليمي بمنأى عن هذه التغيرات النظام التعليمي، فتحولت الجامعات إلى غرف عمليات إلكترونية لتنظيم الجلسات والدورات عبر الإنترنت، وطرَح هذا التغيير عدة تساؤلات حول مزايا التعلم عن بُعد وعيوبه، وفرصه وتحدياته بالنسبة للطلاب والمعلمين على حدٍ سواء.

وعلى الرغم من فوائد التعليم عن بُعد المتمثلة في زيادة المرونة والقدرة على تحمل التكاليف مقارنةً بالتعلم التقليدي؛ إلا أنه من المهم الاعتراف بالتحديات التي تواجه الطلاب. 

وبهدف معرفة الفرص والتحديات التي تواجه طلاب الجامعة عند اعتماد المعلمين هيكلية التعلم عن بعد في التعليم العالي، أعدّت الباحثة الإماراتية غادة المرشدي دراسة بعنوان: فرص التعلم عبر الأجهزة المحمولة والتحديات التي تواجه طلاب الجامعات في الإمارات، واستقصت تصورات 400 طالب حول استخدام الأجهزة المحمولة في العمل الأكاديمي، وتوصلت إلى أن غالبية الطلاب استخدموا أجهزة الكمبيوتر اللوحي، الآيباد، والهواتف المحمولة، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة للدراسة في أي وقت وفي أي مكان، وعلى الرغم أن ذلك ساعدهم في الوفاء بالمواعيد النهائية للواجبات أسرع من الطلاب الذين لا يمتلكون أجهزة محمولة، إلا أنهم أشاروا إلى صعوبات في الوصول إلى شبكات الإنترنت في معظم الأماكن؛ ما أثر في إنتاجيتهم ومستوى كفاءتهم.

ماهية التعلم عبر الأجهزة المحمولة

تفتح التطورات التكنولوجية المستمرة الباب أمام ظهور أدوات تعليمية رقمية جديدة، وساهم استخدام الأجهزة المحمولة في تحسين البيئات التعليمية للطلاب في مجالات الدراسة المختلفة، إذ يُمكّن الآيباد، على سبيل المثال، الطلاب من التعلم في أي وقت وأي مكان، ويتيح لهم الوصول إلى الموضوعات التي يدرسونها ومشاركتها مع الأساتذة بين الاجتماعات أو خلال عطلة نهاية الأسبوع؛ ما يؤدي إلى زيادة أوقات الدراسة والحصول على درجات أفضل في الامتحان.

ويشجع التعلم عبر الأجهزة المحمولة، الطلاب على الانخراط في التعلم التعاوني، والعمل مع الفرق والمجموعات المتعددة لتحقيق مجموعة متنوعة من المهام مثل حل مشاكل البحث، والسماح للطلاب بإبداء آرائهم والتعبير عن اختياراتهم؛ ما يساعدهم في تطوير قدرتهم على العمل الجماعي وغيرها من المهارات التي يحتاجها سوق العمل.

لا يوجد تماثل بين الطلاب، لكلٍ منهم طريقته الخاصة في الدراسة وفهم المحتوى التعليمي، وباستخدام الأجهزة المحمولة؛ أصبح الطلاب قادرين على التعلم بأسلوبهم الخاص وفي المكان والسرعة التي يختارونها، وبذلك يمكن التغلب على مشكلة عدم استيعاب بعض الطلاب للأفكار والمعلومات وتردّدهم في طلب تفسيرها.

تُمكّن الأجهزة المحمولة الطلاب في ملاءمة أنماط التعلم المختلفة في البيئة الرقمية، إذ يسمح الآيباد بقراءة فصول الكتاب إلكترونياً دون تحمل عناء حمله، أو التعلم من خلال مقاطع الفيديو المتعلقة بموضوعات الدورة التدريبية، أو الاستماع إلى المدونات الصوتية، البودكاست المتعلقة بالبحث.

وكان الآيباد والهواتف الذكية الحديثة من الأجهزة الأكثر استخداماً من قِبل الطلاب المشاركين في الدراسة الإماراتية، ومثل هذه الأجهزة ساعدتهم في تطوير مهارات البحث وسهّلت عليهم الحصول على الملاحظات والإشعارات من المدرسين، وتبادل مواد الدورات التدريبية مع الأصدقاء.

قد يوفر استخدام الاختبارات عبر الإنترنت أداة تحقُق ذاتي مفيدة للطلاب ويقلل كثيراً من مخاوف الغش، ويمكن أن توفر للطلاب أيضاً دليلاً لنموذج الامتحان، وإجراء اختبار تجريبي عبر الإنترنت قبل أيام قليلة من الاختبار الفعلي.

بينما يتعرف الطلاب على الاختلافات بين أجهزة الكمبيوتر المحمولة وأجهزة الآيباد، مثل الحجم، والسعة، وعمر البطارية وغيرها؛ يفضل الطلاب المشاركون في الدراسة الإماراتية المذكورة أعلاه استخدام أجهزة الكمبيوتر المحمولة بدلاً من أجهزة الآيباد لأنها تتمتع بدرجة أمان وكفاءة أعلى، وتعد أداة فعّالة لتبادل المعلومات، وإجراء العمليات الحسابية المعقدة.

تحديات التعلم عن بُعد

لا يمكن إغفال التحديات والصعوبات المرتبطة بأي تغيير، والاعتماد على التكنولوجيا في التعليم يمكن أن يرافقه بعض التحديات، منها:

  • إدارة الوقت غير الفعّالة

ترتبط إدارة الوقت الناجحة بأداء أكاديمي أكبر ومستويات أقل من القلق لدى الطلاب؛ إذ كشف بحث بعنوان: تأثير سلوكيات إدارة الوقت على أداء طلبة البكالوريوس في الهندسة أن العديد من الطلاب يجدون صعوبة في إيجاد توازن بين دراستهم وحياتهم اليومية، والأسوأ من ذلك، أن عدم إدارة الوقت بفاعلية،  كانت مرتبطة بنتائج مثل أنماط النوم السيئة، وزيادة مستويات التوتر.

يمكن أن تكون الإدارة الفعالة للوقت صعبة في بيئة التعلم عن بُعد؛ حيث يواجه الطلاب تحديات في تحفيز أنفسهم على التركيز أمام المشتتات والمغريات المتمثلة في دخول حيوان أليف إلى الغرفة أو المكتب المخصص للدراسة في منتصف الجلسة الافتراضية، أو تصفح المواقع الإلكترونية وحسابات  التواصل الاجتماعي وتفقُد الإشعارات القادمة منها.

  • عدم وجود اتصال فوري

في إطار التعلم التقليدي، يحدث الاتصال بطريقة فورية ومباشرة؛ ما يسهل على الطلاب الحصول على إجابات وتوضيح النقاط غير المفهومة في المادة التعليمية، أما في بيئة التعلم الإلكتروني؛ غالباً ما يكون الاتصال غير متزامن، ما يعني وجود فجوة بين المعلم والطالب يمكن أن تتفاقم قبل معالجتها.

  • مشاكل تقنية

لسوء الحظ، قد تحدث مشكلات فنية في أثناء الاتصال بالإنترنت، ما يؤدي إلى الانقطاع عن الجلسة التعليمية بسبب ضعف الشبكة التي يتصل من خلالها الطلاب، أو نفاذ بطارية الجهاز المحمول المُستخدم في التعلم، ما يُصعب على الطلاب مواكبة زملائهم والاندماج في بيئة التعلم، واشتكى الطلاب المشاركون في الدراسة الإماراتية من قلة السعة التخزينية للآيباد بما يؤثر في إنتاجيتهم.

  • عدم تلقي ردود الفعل في الوقت المناسب

يُعد تقديم الملاحظات أحد أهم الطرق للتعامل مع الطلاب وتطوير أدائهم الأكاديمي، وعندما تتأخر ردود الفعل لأيام أو أسابيع إضافية بسبب تنسيق الملاحظات والتعليقات لإرسالها عبر الإنترنت؛ يمكن أن يسبب ذلك إرباكاً للطلاب وجعلهم غير متأكدين بشأن تقدمهم وأدائهم في الفصل الدراسي.

  • عدم تلقي تعليمات أو توقعات واضحة

من الضروري دائماً تحديد توقعات واضحة للطلاب، خلافاً لذلك، يمكنهم تخمين ما إذا كانوا يؤدون المهام والمشاريع بطريقة صحيحة، في حين أن وضع معايير واضحة يمثل تحدياً في أي فصل دراسي، فإن الاتصال غير المتزامن في بيئة التعلم عن بُعد يمكن أن يجعله عقبة أكبر.

  • فقدان العديد من الجوانب الاجتماعية

تتيح المسارات التعليمية عبر الإنترنت فرصاً للتفاعل الاجتماعي بين الطلاب من خلال نشاط الفصل الافتراضي أو حتى الصالات الاجتماعية التي  تُوضع خارج الفصل الدراسي الرقمي. كل هذا رائع، لكنه لا يماثل العلاقات الشخصية المباشرة التي تخلق روابط أكثر قوة، وصداقة حميمة قائمة على العمل والأهداف المشتركة، والعديد من السمات الداعمة الأخرى للطالب، وهذا يمثل تحدياً كبيراً يصعُب على بعض الطلاب مواجهته.

  • مشاكل صحية ونفسية

من الجيد أن يتمتع الأفراد بالقدرة على التواصل في أي مكان، ابتداءً من الشخص الذي يستخدم الهاتف المحمول في أثناء المشي للتحقق من رسائل البريد الإلكتروني، وصولاً إلى الراكب على متن الطائرة الذي يعمل على عرض تقديمي أو كتابة اقتراح على كمبيوتره المحمول أو اللوحي، لكن يمكن أن تسبب التكنولوجيا مشاكل صحية ونفسية خطيرة، مثل إجهاد العين، ومشاكل النوم، وقلة النشاط البدني، والعزلة، والاكتئاب، وغيرها.

كيفية التغلب على تحديات التعلم عن بُعد

يمكن التخفيف من مشاكل التعليم عن بُعد والتحديات التي يواجها الطلاب من خلال 5 حلول فعّالة:

  • استخدام تطبيقات إدارة الوقت

الإدارة الفعّالة للوقت هي مهارة أساسية للمتعلمين عن بُعد، لذا يمكنهم الاستفادة من تطبيقات إدارة الوقت التي يكون بعضها مجاني، ومنها، تو دو ليست (Todo List)، المهام والملاحظات (Tasks & Notes)، وإيفرنوت (Evernote)، ونظراً لأن المطورين يطلقون تطبيقات جديدة باستمرار؛ ما يزيد عن 100 ألف شهرياً لإصدارات نظام آندرويد وحده، وفقاً لبيانات شركة ستاتيستا (Statista)، لأبحاث السوق، من المهم مراجعة متجر التطبيقات باستمرار للحصول على أكثر التطبيقات حداثة، ويوصي خبراء التعليم أيضاً بإجراء مسح دوري للطلاب لتحديد الرؤى القابلة للتنفيذ حول كيفية تخصيص الطلاب لوقتهم لإنجاز المهام المختلفة.

من جهة أخرى، يمكن معالجة التشتت عن طريق استخدام أدوات حجب المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، وغيرها من الأمور التي تسبب ضياع الوقت عندما يحتاج الطلاب إلى التركيز على الدراسة.

  • الاستفادة من تكنولوجيا التعليم

ليس بالضرورة أن يكون الاتصال عبر الإنترنت غير متزامن. في الواقع، هناك العديد من الأدوات المجانية لمساعدة الطلاب والمعلمين على التواصل في الوقت الفعلي، على سبيل المثال، يمكن استخدام برنامج مؤتمرات الفيديو لإجراء محادثات مباشرة مع الطلاب، ما يمنحهم فرصة لطرح الأسئلة والاستفسارات والعمل في أثناء الدورات التدريبية المعقدة بطريقة أكثر نجاحاً، ويمكن الاستفادة أيضاً من تطبيقات المراسلة الفورية للطلاب الذين يفضلون التواصل عبر الرسائل النصية، مثل سكايبي (Skype)، وجوجل ميت (Google Meet) وفيس تايم (Facetime) وزووم (Zoom).

  • زيادة مراجعة الأقران

يحتاج الطلاب إلى الحصول على ملاحظات مفيدة في الوقت المناسب من أجل قياس وتحسين أدائهم، ويوجد عدة طرق لتحقيق ذلك، منها، جدولة جلسات فردية أو جماعية مع الطلاب على أساس أسبوعي أو كل أسبوعين مخصصة لتقديم ملاحظات حول المهام الأخيرة، إذ يساعد تقديم الملاحظات بطريقة لفظية في توفير الوقت في كتابة المستندات وتحريرها، دون التضحية بتفاصيل أو جودة التقييم، ونتيجةً لذلك، يتلقى الطلاب تعليقات أفضل وفي وقت أقرب.

تتمثل الطريقة الأخرى في السماح للطلاب بالمشاركة في مزيد من مراجعة الأقران، أو تقديم التعليقات حول عمل بعضهم البعض. ومن التجارب الجيدة في هذا الإطار، سمحت مدرسة بجامعة ديوك (Duke University) الأميركية بمعالجة 100% من الدرجات عن طريق مراجعة الأقران، ونتج عن ذلك زيادة رضا الطلاب، وتقليل الضغط على المدرسين.

  • توفير قواعد تصنيف واضحة

يمكن الاستفادة من القواعد والمناهج التي تعد أدوات مهمة في الفصول الدراسية التقليدية، لاستخدامها  في الفصول الافتراضية أيضاً، ويجب أن تقدم للطلاب نظرة عامة واضحة ومفصلة عن الفصول الدراسية، بما في ذلك معلومات حول نوع المواد، والعناصر التي يحتاجها كل طالب، وكيفية المشاركة أو تحميل المستندات، وكيفية مواجهة المشاكل التكنولوجية، وتوضيح المواعيد النهائية للواجبات وتواريخ الامتحانات والعُطل.

  • الإبلاغ عن المشاكل التكنولوجية أو الفنية

عند مواجهة أي مشكلة فنية، من المهم البقاء على اتصال مع الأساتذة وإبلاغهم بما يحدث والتعامل مع هذا التحدي بمرونة، ويمكن للطلاب تسجيل الجلسات التعليمية على جهاز الكمبيوتر الخاص بهم من خلال منصات التعلم كنسخة احتياطية، وسيكون من الجيد أيضاً أن يكون لدى الجامعة خدمة الدعم الفني لمساعدة الطلاب على البقاء متصلين.

بالمحصلة، يُعد الطلاب الجامعيين جزءاً أساسياً من الثورة الرقمية، ومن فئة الشباب الأكثر انغماساً في البيئة التكنولوجية؛ التي تساعدهم في الاتصال عالمياً ومعالجة المعلومات بطريقة سريعة ومختلفة ، لذا من المهم إدراك تحديات التعلم عن بُعد، وتنفيذ حلول فعّالة تُمكنّ الطلاب من اغتنام الفرص والاستفادة من الأدوات التعليمية الجديدة.

نُشر هذا المقال استناداً إلى بحثٍ مُقدّم من مركز "أبحاث الشباب العربي".

المحتوى محمي