تنامت أهمية الاستدامة في البنية التحتية بدرجة كبيرة في السنوات القليلة الماضية. من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى ما يقرب من 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050، وبالنظر إلى التحديات التي يفرضها التغير المناخي، من الضروري اكتشاف وسائل أكثر استدامة لتلبية الحاجة المتزايدة للبنية التحتية، بما فيها المباني والنقل وإمدادات المياه والطاقة وغيرها. بوسع الاستثمار الاستراتيجي في البنية التحتية المستدامة أن يحد من الإضرار بالبيئة، ويقلل من انبعاثات الكربون، ويحسّن القدرة على التحمل، ويعزز العدالة الاجتماعية، ويسهم على نحو مستدام في النمو والتنمية. وذلك يؤدي إلى استحداث فرص عمل مستقبلية وزيادة النشاط الاقتصادي، وبخاصة في قطاعات البناء والتصنيع والخدمات.
اكتسب البناء المستدام أهمية متزايدة في الشرق الأوسط، إذ تسعى المنطقة إلى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وتحمل المسؤولية تجاه البيئة. وقد أقرّت دول شرق أوسطية عدة بأهمية منهجيات البناء المستدام وهي تطبّق مبادئ البناء الأخضر في مشاريعها للبنية التحتية. تتنوع هذه المنهجيات من استخدام مواد بناء صديقة للبيئة إلى دمج الأنظمة الموفرة للطاقة واعتماد مصادر الطاقة المتجددة. كما يضم الشرق الأوسط العديد من مشاريع البناء المستدامة الجديرة بالاهتمام، ومنها مدينة مصدر في إمارة أبو ظبي التي تُعد أكثر المجتمعات استدامة في العالم. ومع استمرار المنطقة في التوسع والتقدم العمراني، تبرز أهمية ممارسات البناء المستدام لضمان تحقيق التقدم الاقتصادي مع حماية البيئة والحفاظ على الموارد للأجيال القادمة.
النهج اللولبي الثلاثي نموذج تعاوني يتضمن التفاعل بين ثلاثة كيانات رئيسية؛ الحكومة وقطاع البناء والمؤسسات الأكاديمية، وبوسعه أن يسهم بقوة في تعزيز التنمية المستدامة في الشرق الأوسط. وتكمن أهمية النهج اللولبي الثلاثي في قدرته على جمع أصحاب المصالح الرئيسيين الذين يتمتعون بخبرات وموارد ووجهات نظر متنوعة لمعالجة تحديات الاستدامة. إذ تضع الحكومة إطاراً تنظيمياً وتقدم حوافز مالية، وتدمج الجهات الفاعلة في قطاع البناء الممارسات المستدامة في عملياتها، مثل استخدام المواد الصديقة للبيئة والحد من النفايات واستخدام مصادر الطاقة المتجددة، وتجري المؤسسات الأكاديمية البحث والتطوير لتعزيز الممارسات والتكنولوجيا المستدامة. يتعاون أصحاب المصالح لإنشاء بيئة عمل قوية تهدف إلى تحقيق الاستدامة في قطاع البناء تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم.
تبنّت دولة الإمارات العربية المتحدة نهج اللولب الثلاثي لتعزيز التنمية المستدامة في مختلف القطاعات ومنها قطاع البناء. تتعاون الجهات الحكومية والأكاديمية وقطاع البناء لتعزيز الابتكار والنمو الاقتصادي والاستدامة البيئية. إذ تؤدي المؤسسات الأكاديمية دوراً حاسماً في هذا النهج من خلال تقديم الأبحاث وتطوير المعرفة اللازمة لتحسين الممارسات والتكنولوجيا المستدامة. على سبيل المثال، يجري معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا في أبو ظبي أبحاثاً حول التكنولوجيا المستدامة، مثل الطاقة المتجددة والحفاظ على المياه وإدارة النفايات. وهو يتعاون مع شركائه في قطاع البناء لتطبيق هذه التكنولوجيا في المشاريع على أرض الواقع، مثل تطوير مدينة مصدر. ومن الأمثلة الأخرى عن المؤسسات الأكاديمية مركز التميّز في البناء الذكي التابع لجامعة هيريوت وات في دبي، الذي يركز على تطوير ابتكارات قطاع البناء التي تستطيع أن تحدث ثورة في تطوير المدن الذكية وإدارتها.
تمكنت المؤسسات الأكاديمية في دولة الإمارات العربية المتحدة من تسريع تبادل المعرفة والتكنولوجيا لدعم النمو الاقتصادي والابتكار من خلال أنشطة البحث والتطوير. فهي تزود صنّاع التغيير بالمعرفة والتعليم المناسب وتسهّل العمل الهادف. يمكن للمؤسسات الأكاديمية من خلال التعاون الوثيق مع قطاع البناء والحكومة أن تساعد على إنشاء بيئة عمل ابتكارية حيوية مزدهرة تعود بالفائدة على جميع أصحاب المصالح. وسيزداد دورها أهمية باستضافة دولة الإمارات العربية المتحدة مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP28) هذا العام، حيث تبقى المؤسسات الأكاديمية ركيزة أساسية في جدول أعمال العمل المناخي العالمي.