كيف يمهّد البناء الأخضر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمستقبل مستدام؟

البناء الأخضر
shutterstock.com/Billion Photos
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في السنوات القليلة الماضية، أدرج قطاع البناء الممارسات المستدامة في عمله بدرجة كبيرة، ومنها تقنية البناء الأخضر والتصميم الصديق للبيئة. تتوقع الأمم المتحدة أنه بحلول عام 2050، سيعيش 68% من سكان العالم في المناطق الحضرية، ولتحقيق صافي الانبعاثات الصفري حينئذ، من الأهمية بمكان إعطاء الأولوية لأسلوب البناء الأخضر. وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، تمثل عمليات البناء 30% من الاستهلاك العالمي النهائي للطاقة و26% من الانبعاثات العالمية المرتبطة بالطاقة، وتُظهر الأبحاث التي أجرتها شركة ماكنزي في عام 2022 أن المباني السكنية والتجارية والبنية التحتية وحدها مسؤولة سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، عن 40% من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون العالمية الناتجة عن احتراق الوقود و25% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة.

يمثل التخلص من الكربون في قطاع البناء وتقليل استهلاك الطاقة في البيئة الحضرية أولوية رئيسية لدول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عموماً، ووفقاً لمركز الدراسات البيئي الإقليمي إيكو مينا (EcoMENA)، تستهلك العقارات التجارية في الشرق الأوسط طاقة أكثر مما تستهلكه تلك الموجودة في أجزاء أخرى من العالم، وأحد أهم أسباب ذلك هو الطقس الشديد الحرارة واستخدام الواجهات الزجاجية بكثرة والاعتماد على تكييف الهواء، ومن ثم فإن المنطقة أكثر عرضة لتغير المناخ. تعد دولة الإمارات من الدول الرائدة في تبنّي أنماط الطاقة المتجددة والعمل على جعل قطاع البناء والتشييد صديقاً للبيئة بغية تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050. في الواقع، لاحظ مجلس الإمارات للبناء الأخضر (EmiratesGBC) في دولة الإمارات العربية المتحدة ارتفاعاً ملحوظاً في طلبات الحصول على شهادة صافي الانبعاثات الصفري، إذ تضاعف العدد ثلاث مرات في عام 2022 مقارنة بالعام السابق له، وعلى ضوء هذا المشهد، نوضح فيما يلي كيف يمكن تقليل استهلاك الطاقة وإزالة الكربون من البيئة الحضرية.

إزالة الكربون من شبكة الكهرباء

تتضمن إزالة الكربون من الشبكة الكهربائية تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة المرتبطة بتوليد الكهرباء، أو إزالتها، ويعد الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية والطاقة الحرارية الأرضية، خطوة أساسية في إزالة الكربون من شبكة الكهرباء، ومن خلال زيادة حصة الكهرباء المولدة من هذه المصادر نقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ونخفض انبعاثات الكربون. وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، من المتوقع أن تصبح الطاقة الشمسية أكبر مصدر للكهرباء في العالم بحلول عام 2050، لتمثل 27% من إجمالي توليد الكهرباء، وتتمتع دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط بظروف مثالية لتوليد الطاقة الشمسية، إذ يتوافر في المنطقة بعض من أعلى معدلات التعرض لأشعة الشمس في العالم، على سبيل المثال، تهدف دولة الإمارات العربية المتحدة إلى توليد 50% من احتياجاتها من الكهرباء من مصادر خالية من الكربون، تعتمد أساساً على الطاقة الشمسية الكهروضوئية (PV)، بحلول عام 2050. بالإضافة إلى ذلك، سيكون لشبكات الكهرباء الذكية دور بالغ الأهمية في هذا التحول، وهي شبكات تستخدم تكنولوجيا الاتصال والاستشعار الرقمي لمراقبة تدفق الكهرباء وإدارته، ما يسمح بتوليد الطاقة وتوزيعها بكفاءة أكبر. يمكن أن تساعد الشبكات الذكية على دمج الطاقة الشمسية في الشبكة من خلال توفير بيانات في الوقت الفعلي حول إنتاج الطاقة واستهلاكها، وباستخدام هذه البيانات يمكن لمشغّلي الشبكة تحقيق التوازن بين العرض والطلب، ما يضمن الحفاظ على استقرار الشبكة وموثوقيتها.

تخفيف الانبعاثات المضمّنة

لتحقيق صافي الانبعاثات الصفري، من الضروري التركيز على تحسين عملية تصنيع مواد البناء ذات الكثافة الكربونية المنخفضة لمعالجة الانبعاثات المضمنة في أثناء مرحلة البناء. تتحمل صناعة الإسمنت مسؤولية 25% من كامل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناتجة عن الأنشطة الصناعية، كما تُظهر أعلى انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون لكل وحدة من الإيرادات المولدة، لذلك يمثل إدراك أهمية تخفيف الانبعاثات المرتبطة بالإسمنت ضرورة لتحفيز التحول الشامل إلى الاستدامة. بالإضافة إلى ذلك، يُعد تطوير اقتصاد الحلقة المغلقة لتقليل النفايات المرسلة إلى مدافن النفايات مكملاً مهماً للحد من الانبعاثات المضمنة. ثمة طرائق مختلفة لتعزيز هذه العملية، ومنها تقييم مواد البناء بدقة باستخدام أدوات مثل نمذجة معلومات البناء (BIM)، وتشجيع إعادة تدوير مخلفات الهدم، والاستفادة من مكونات البناء أو منتجاته المتهالكة في البناء المعياري.

نشر التكنولوجيا لتقليل استهلاك الطاقة

لمعالجة الاستهلاك الكبير للطاقة في قطاع البناء، أول إجراء فعال يجب التركيز عليه هو تنفيذ أنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء الموفرة للطاقة، مع الأخذ في الاعتبار أن تبريد المساحات الداخلية الكبيرة يسهم على نحو كبير في استخدام الطاقة. يمكن أن يساعد دمج التقنيات المختلفة في تقليل استهلاك الطاقة وانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، ويشمل ذلك استخدام أنظمة التبريد التي تعمل بالطاقة الشمسية بمساعدة المواد المبرّدة الامتصاصية وأنظمة التخزين الحراري للثلج. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي تطبيق تقنيات موفرة للطاقة للتزجيج والعزل الحراري في الجدران إلى انخفاض كبير في أحمال التبريد، ما قد يعني توفير ما يصل إلى 25% من الطاقة. وأخيراً، يمكن أن يسهم اعتماد الأجهزة الموفرة للطاقة في تقليل استهلاك الكهرباء في المباني. باستخدام تدابير فعالة مثل أنظمة إدارة المباني (BMS) يمكن التحكم في استهلاك الطاقة في المباني ومراقبته بطريقة عملية، إذ يمكن لنظام إدارة المباني (BMS) إدارة أنظمة مختلفة مثل التدفئة والتهوية وتكييف الهواء (HVAC)، والإضاءة، والأجهزة، ما يضمن راحة السكان مع توفير كفاءة الطاقة وخفض تكاليف التشغيل،

لما كان قطاع البناء يسهم بجزء كبير من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، فإن هذا التغيير يوفر فرصة كبيرة لتقليل انبعاثات الكربون والانتقال إلى مستقبل مستدام. شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تقدماً كبيراً في تبني الممارسات والتقنيات المستدامة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وقد اكتسب دمج مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح زخماً أدى إلى تغيير مشهد الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. يجري العمل على تنفيذ أساليب بناء المباني الموفرة للطاقة وتصميمها، ومنها العزل المتقدم وأنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء الفعالة، والتقنيات الذكية لتحسين استهلاك الطاقة، وفي حين تستمر التحديات، مثل الحاجة إلى التقدم التكنولوجي وتنمية القوى العاملة الماهرة والتغلب على الممارسات التقليدية، فالشرق الأوسط يستعد للتغيير التحويلي في هذا المجال.