تعمل التكنولوجيا على تحسين أساليب الحياة والعمل بطرائق مختلفة؛ من زيادة الوصول إلى المعلومات إلى تحسين الرعاية الصحية والتعليم، ومع تزايُد التحديات العالمية بشكل غير مسبوق؛ يمكن للتكنولوجيا أن تسهم في بناء مستقبل أكثر استدامة.
استكشاف إمكانات التكنولوجيا كمحفّز للتنمية المستدامة
وضعت البدان خططاً وأهدافاً مختلفة لجعل العالم أكثر استدامة بحلول عام 2030، وبفضل التطورات التقنية المتسارعة زادت فرص تحقيقها لهذه الخطط والأهداف، حتى أصبحت التكنولوجيا أداة تنموية بحد ذاتها، إذ تؤكد خطة التنمية المستدامة على أن "انتشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والترابط العالمي بإمكانات كبيرة تتيح التعجيل بالتقدم البشري وسد الفجوة الرقمية وإيجاد مجتمعات تقوم على المعرفة، وهو ما يعد به أيضاً الابتكار العلمي والتكنولوجي في مجالات شتى من قبيل الطب والطاقة".
وتشكل التكنولوجيا إلى جانب العلم والابتكار أحد العناصر الرئيسية الثلاثة لتحقيق التنمية، والتي تتكامل فيما بينها من أجل إنتاج المعرفة ونشرها واستخدامها في تقييم تحديات التنمية وفقاً للأدلة المتاحة وجمع المعلومات اللازمة حول الحلول الممكنة، فالعلم مُكرّس لجمع المعارف بطريقة منهجية، فيما تنطوي التكنولوجيا على تطبيق تلك المعارف من أجل تحقيق غاية معينة، أما الابتكار فيتضمن اتباع طرائق جديدة لإنتاج السلع والخدمات واستخدامها على أساس التكنولوجيا وتطور النظم الاجتماعية والاقتصادية.
على الرغم من التأثير السلبي للتكنولوجيا على التنمية المستدامة والمتمثل في استنزاف الموارد، وزيادة استهلاك الطاقة، والإضرار بالبيئة؛ فإن قواعد البيانات وتقنيات إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي وخدمات التخزين السحابي سهّلت عملية التحول إلى الاستدامة مع القدرة على تحديد آثارها السلبية المحتملة ومعالجتها بشكلٍ كافٍ.
والتنمية المستدامة لا تتعلق بالمجال البيئي فقط، فالجوانب الاقتصادية والاجتماعية تُعد على نفس القدر من الأهمية، ويجب أن يكون للتكنولوجيا دوراً فاعلاً في هذه المجالات الثلاثة، فتعزيز الاستدامة الاقتصادية والبيئية، يتطلب معالجة الاستدامة الاجتماعية أولاً، وهذا يعني حث الأفراد على الالتزام بالممارسات المستدامة مثل إعادة التدوير وخفض استهلاك المياه والطاقة، ويوجد العديد من التقنيات التي تسمح للأشخاص بالتحكم في كل هذه الأمور، على سبيل المثال تضيء أنظمة الإضاءة الذكية مناطق محددة فقط، ويحتفظ منظم الحرارة الذكي مثل نيست (Nest) بدرجات حرارة معينة خلال أوقات محددة من اليوم، ما يُقلل من فاقد الطاقة.
بالنسبة للنمو الاقتصادي المستدام؛ فيمكن للتكنولوجيا المساعدة في تحسين العمليات التشغيلية للمؤسسات وفتح الأفق أمام وظائف جديدة مثلاً، وأخيراً، قد تساعد الاستدامة البيئية في الحفاظ على الموارد الطبيعية وضمان استمرارها للأجيال المقبلة، ويمكن تسخير التكنولوجيا من أجل الصالح البيئي بعدة طرائق، أبرزها التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.
فيما يلي أبرز المجالات التي يمكن أن تسهم التكنولوجيا من خلالها في خلق مستقبل مستدام:
الحد من الفقر
لا يزال يعاني 700 مليون شخص - نحو 10% من سكان العالم – من الفقر المدقع، ففي إفريقيا مثلاً، يعيش الغالبية على أقل من 1.90 دولاراً في اليوم، لكن توفير الخدمات المالية الرقمية لذوي الدخل المحدود وتقديم تقنيات الاتصال بأسعار معقولة في المجتمعات المهمشة سيسهم في الانفتاح على أسواق جديدة وخلق وظائف ومصدر دخل يساعد الأفراد والأسر على الخروج من دائرة الفقر إلى جانب توفير شبكات الأمان والدعم لتحسين مستوى معيشتهم على المدى البعيد.
على الرغم من أن النفاذ إلى الخدمات المالية الرقمية يساعد على القضاء على الفقر؛ فإن 1.4 مليار نسمة حول العالم لا يمتلكون حسابات مصرفية، ما يتطلب العمل أكثر على توسيع نطاق الشمول المالي ليشمل المناطق الريفية ويقلص الفجوة أكثر بين الجنسين في ملكية الحسابات المصرفية.
الأمن الغذائي
يعد الجوع من أبرز التحديات التي تضع العالم على مفترق طرق، حيث من المتوقع أن تتفاقم مشكلة انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، وأن تستمر معاناة 670 مليون شخص من الجوع بحلول 2030، لكن يمكن أن تُمكّن التكنولوجيا المزارعين من ابتاع ممارسات مستدامة تساعد على تحسين غلة المحاصيل وخفض التكلفة وترشيد استهلاك المياه والطاقة، فاستخدام تكنولوجيا إنترنت الأشياء وأجهزة الاستشعار والطائرات بدون طيار وغيرها، يجعل الزراعة أكثر ذكاءً وكفاءة وفاعلية، ويُحسّن ظروف عمل المزارعين ويعزز المجتمعات الريفية.
تحسين صحة الأفراد
نتج عن جائحة كوفيد-19 تصوُر جديد للرعاية الصحية يتخطى حاجز جدران المنشآت أو المباني الطبية بمفهومها التقليدي، ليصبح الطب عن بُعد ممكناً بفضل التكنولوجيا، إذ تمكّن التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي من التنبؤ بالأمراض وتحسين التفاعل مع المرضى وجمع المعلومات الصحية الدقيقة وتحليلها.
كما أن ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية والتواجد في الأماكن النائية أو التي تعاني من نزاعات مشكلة أخرى يمكن للتكنولوجيا حلها، مثل تجربة منصة سبيتار التي استطاعت التأثير في حياة مليوني شخص داخل ليبيا وخارجها.
التعليم الجيد
يفتقر 773 مليون شخص إلى المهارات الأساسية في القراءة والكتابة، فيما يعاني 69.4 مليون شخص في المنطقة العربية من الأمية، بحسب تقرير الألكسو عام 2021، ولا تزال أوجه عدم المساواة في الوصول إلى برامج محو الأمية مستمرة ومتعددة الأبعاد.
قبل جائحة كوفيد-19 كان ما يزيد عن 264 مليون طفل خارج نطاق التعليم بحسب تقديرات اليونسكو، وجاءت الجائحة لتؤكد أهمية الإنترنت لاستمرارية التعليم، لتحقيق هدف التنمية المستدامة المتمثل بالتعليم الجيد المنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة.
وعالجت التكنولوجيا هذه المشكلة من خلال فتح أفق التعلم عن بُعد، وتوجد تجارب رائدة عالمياً في مجال التحول الرقمي في التعليم منها مشروع منصة "مدرسة" للتعليم الإلكتروني الذي أُطلقته مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية عام 2018، ومبادرة المدرسة الرقمية التي تعد الأولى من نوعها في المنطقة العربية، لتوفر التعليم عن بُعد بطريقة ذكية ومرنة بالاعتماد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مستهدفة الوصول إلى مليون طالب بحلول عام 2026 مع التركيز على الفئات المجتمعية الأكثر هشاشة والأقل حظاً واللاجئين في المجتمعات العربية والعالم.
مواجهة تغير المناخ
تمثل المشاكل البيئية مثل الجفاف والتصحر عقبات رئيسية لتحقيق التنمية المستدامة، فبحسب تقديرات البنك الدولي، قد يدفع التغير المناخي أكثر من 100 مليون شخص إلى الفقر بحلول عام 2030.
وفق تقرير منظمة العمل الدولية "الاستخدام والآفاق الاجتماعية في العالم 2018: التخضير مع فرص العمل؛ سيسبب الإجهاد الحراري خسارة عالمية في ساعات العمل بنسبة 2% بحلول 2030 جراء تزايد الإصابة بالمرض.
هنا تبرز التكنولوجيا كحل فعّال لمواجهة تحديات المناخ، من خلال تطوير مصادر الطاقة المتجددة وتسريع عجلة التحرك نحو الاقتصاد منخفض الكربون، إذ توصل بحث شركة إريكسون إلى أن الحلول التكنولوجية يمكنها تقليل انبعاثات الكربون العالمية بنسبة تصل إلى 15% بحلول عام 2030.
وأكدت دراسة مصرية أن للتكنولوجيا دوراً جوهرياً في تحسين الأداء في المجال البيئي وتعزيز إدارة الموارد وإذكاء الوعي بالمخاطر البيئية من خلال القضاء على ظاهرة إزالة الغابات ورفع كفاءة الطاقة.
يمكن للتكنولوجيا تسهيل الوصول إلى أهداف التنمية المستدامة، لكن يبقى استخدامها بطريقة مسؤولة أمراً ضرورياً لضمان الاستفادة منها دون التسبب بأي ضرر، وعليه، يجب على صانعي السياسات والشركات والأفراد العمل معاً لضمان توظيف التكنولوجيا لتحقيق النمو الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية وحماية البيئة.