كيف تعزز خدمات الرعاية الصحية الريادية القطاع الصحي في ليبيا؟

سبيتار
shutterstock.com/Andy Dean Photography
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تبدأ قصتنا مع الحاجة سليمة، سيدة تبلغ من العمر 80 عاماً تسكن في مدينة الخمس الليبية والتي كغيرها من المدن الصغيرة تعاني نقصاً في الكوادر الطبية الأمر الذي جعل سفر أهلها لغرض الحصول على الرعاية الصحية في المدن المجاورة أمراً روتينيا. تبعد الخمس حوالي 135 كم عن العاصمة طرابلس، وفي كل مرة تحتاج فيها المراجعة مع طبيبها، يجب عليها السفر إلى هناك في الصباح الباكر، على كرسيها المتحرك حاملة علب أدويتها في كيس صغير وملفاً به تحاليلها السابقة. وعند الوصول، تنتظر في صالة المستشفى لساعات على أمل الحصول على موعدٍ في نفس اليوم، ناهيك بكل ما في السفر من مشقة نتيجة بعد المسافات، الطرق المغلقة، أو عدم استقرار الأوضاع أحياناً.

المشكلة أكبر من قصة واحدة

لا تعتبر قصة الحاجة سليمة قصة فردية فالقطاع الصحي في ليبيا يعاني. في سنة 2021 وبحسب تقريرالأمم المتحدة  –  50% من البيوت الليبية (ما يعادل 3.5 مليون شخص) لا يستطيعون الحصول على خدمات الرعاية الصحية، و25% من المنشآت الصحية الحكومية مغلقة نتيجة تداعيات الحروب أو نقص حاد في مزودي الرعاية الصحية، و6% فقط من المستشفيات تقدم خدمات صحية متكاملة (مع نقص حاد في القرى والمناطق الريفية).

ومع صعوبة الأوضاع المعيشية، لجأ عدد كبير من الأطباء إلى مغادرة البلاد بحثاً عن حياة أفضل، ما أدى إلى خسارة كفاءات كبيرة منهم وإلى استمرار النقص في الأطقم الطبية نسبة إلى عدد السكان.

كما أصبح السفر للخارج من أجل العلاج إلى الدول المجاورة أمراً روتينياُ لدى كثير من الليبيين.

التكنولوجيا في خدمة الرعاية الصحية

على الرغم من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الشباب، تشهد ليبيا العديد من المبادرات عن طريق عمل مجموعة من المؤسسات غير الربحية والشركات الناشئة نحو النهوض بالقطاعات المختلفة في البلاد عبر التفكير في حلول ريادية من شأنها الارتقاء بجودة حياة المواطن ووضع خطط لتنفيذها. وسنتحدث في هذا المقال عن إحدى الشركات الرائدة في قطاع الصحة.

رحلة سبيتار

في سنة 2016 بدأ مجموعة من الأطباء والخبراء الليبيين بالتعاون مع باحثين في جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتقنية رحلة البحث عن الحلول الممكنة لسد الثغرة الكبيرة في قطاع الصحة، حيث قاموا بإنشاء منصة سبيتار، ويرجع أصل الاسم للكلمة التي يتداولها الأجداد والتي تعني مستشفى باللهجة العامية الليبية.

ماهية الخدمة؟

يسعى فريق سبيتار إلى بناء منظومة صحية متكاملة، بدأت بالاستشارات الطبية عن بعد (Telemedicine) خلال جائحة كورونا، ثم استمرت الخدمات في تزايد بحسب احتياجات كل من المستخدمين ومقدمي الرعاية.

تتوفر خدمات سبيتار عن طريق تطبيق على الهاتف تم تصميمه بحيث يضمن سهولة الاستخدام، وأمن المعلومات ونقلها بسرية تامة، وبشكل مناسب للمناطق ذات الموارد المحدودة. وتتمثل خدماته فيما يلي:

  • الرعاية أو التطبيب عن بُعد: استشارات طبية عبر الإنترنت تتمثل في مكالمة صوتية أو فيديو لكل من هم بحاجة لكشف مبدئي أو لمتابعة حالتهم الصحية بسهولة مع أكثر من 1,000 طبيب ومختص حول العالم فيما يزيد عن 30 تخصص طبي، والبقاء على اتصال عبر الرسائل المباشرة للرد على الاستفسارات الصحية.

مع تركيز كبير على الصحة النفسية من ناحية توفير التخصصات المختلفة واختبارات الصحة النفسية لتقييم الحالة المبدئي، على اعتبارها أحد أكثر التخصصات طلباً.

  • الطبيب المساعد: خدمة دعم طبي على مدار الساعة، تتمثل في قراءة التحاليل والوصفات الطبية وترجمتها، مع إمكانية الإحالة للمختص المناسب.
  • الرعاية الصحية المنزلية: حجز زيارة منزلية مع مزود الرعاية الصحية وتتمثل الخدمات في التمريض المنزلي، العلاج الطبيعي لحالات الجلطات والإصابات الرياضية، سحب عينات التحاليل وتوفير نتائجها عبر التعاون مع العديد من المعامل ومراكز التحاليل المحلية.
  • الملف الطبي الإلكتروني: يمكنك من رفع بياناتك الطبية المختلفة من صور، أشعة، أو تحاليل على حسابك في التطبيق، الأمر الذي يحافظ على تواجدها في مكان واحد ويساعد مقدمي الرعاية من الوصول إليها.

كما يتم استخدام هذه الخاصية لإرسال نتائج التحاليل لحسابك عند توافرها من المعامل.

“مشروع رعايتي” التعاون نحو تمكين المجتمعات

يعمل سبيتار على سلسلة من المشاريع تحت مسمى “رعايتي” والتي تهدف إلى تفعيل شراكات تنموية مستدامة مع القطاع العام والخاص، عبر العمل على مشاريع ذات تأثير إيجابي بما يتماشى مع رؤية المؤسسة في توفير خدمات رعاية صحية عالية الجودة لكل من يحتاجها مع التركيز خصوصاً على المرضى من الأقليات والمناطق الريفية النائية والمهجرين.

مثل مشروع سبيتار كوفيد-19 بالتعاون مع وزارة الصحة الليبية والمركز الوطني لمكافحة الأمراض، مبادرة الرعاية الصحية لمرضى السكري بالتعاون مع مستشفى السكري والغدد الصماء في طرابلس، مشروع حملة خيرية لرعاية  100 طفل اليتيم، ومشروع رعاية كبار السن في دور الرعاية.

قصة نجاح

على الرغم من جميع التحديات التي تواجه رواد الأعمال كل يوم من عدم استقرار في البلاد، وانقطاعات الكهرباء، أو حتى من كسر حاجز الخوف لدى الناس عند استخدامهم لتقنية جديدة – خاصة عندما يتعلق الأمر بصحتهم! فإننا لا ننكر شعورنا بالأمل من جديد عند سماعنا بتجربة الحاجة سليمة مع تطبيق سبيتار، وحصولها على استشارة طبية عبر الإنترنت وبسهولة تامة دون أن تغادر منزلها، مع طبيبها الكائن في المدينة البعيدة بمساعدة أحد أفراد أسرتها.

التجارب الناجحة تتوالى باستمرار والتخفيف عن الناس هو ما يدعو هذا العمل نحو الاستمرار على الرغم من كل العوائق. استطاع سبيتار حتى الآن من التأثير في حياة 2 مليون شخص من داخل وخارج ليبيا، بمعدل 32,000 مستخدم فعال شهرياً بهدف تجنيب المرضى مشقة التنقل من مكان لآخر بحثا عن الاستشارة الطبية، بداية بليبيا ومنها إلى العالم.