ما يحتاج المستثمِر أن يعرفه لتبنِّي فكرة رأس المال التحفيزي

رأس المال التحفيزي في الاستثمار
iStock/archy13
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يوضِّح أحدث استطلاع لآراء المستثمِرين أجرته شبكة الاستثمار المؤثِّر العالمية (the Global Impact Investing Network -GIIN)، أن مجال العمل الخيري لم يعد مقتصراً على قطاع الاستثمار المؤثِّر وحده، إذ نما بصورة مطردة بعد دخول مؤسسات الخدمات المالية الكُبرى إليه ووصل إلى نحو 715 مليار دولار في عام 2020.

لكن على الرغم من نمو رأس المال المؤثِّر، فقد عجز عن تلبية الاحتياجات الملِحّة بالكامل حول العالم، التي حددت أهداف التنمية المستدامة (SDGs) غالبيتها، وأحد أهم أسباب ذلك هو التوقعات غير المرنة لعوائد الاستثمار. أوضح الاستطلاع أن توفير رأس المال المناسب لتمويل الأعمال بما يتناسب مع المخاطر والعوائد المتوقعة هو التحدي الأكبر في القطاع على مدى الأعوام الستة الماضية.

ورد في تقارير مؤسستَي لوك كابيتال (Lok Capital)، وأوميديار نيتوورك (Omidyar Network)، وغيرهما من مؤسسات الاستثمار المؤثر العريقة ما يلي: تتمثّل إحدى صعوبات الانتقال إلى مجموعة القطاعات المؤثرة التي تتعدى نطاق المجالات الأساسية المعتادة -أي الخدمات المالية ونماذج تقليل الأصول وأسواق رأس المال المتطورة- في ترافق الاستثمارات مع العوائد المنخفضة المعدَّلة حسب المخاطر، والأفق الزمنية الأطول وفرص الانسحاب الأقل. خذ الهند مثلاً، إذ اتجه أكثر من نصف الاستثمارات المؤثِّرة هناك نحو الشمول المالي، في حين يمثل قطاعا الزراعة والتعليم نسبتَي 4% و 5%  فقط من إجمالي الاستثمارات، بالترتيب.

من المحتمل أن يزداد الوضع سوءاً في الأعوام المقبلة، فلم يعد بالإمكان تحمل مزيد من التأخير، إذ ازداد عدد المستثمرين  في هذا القطاع الذين يعتبرون العائد بمعدل السوق هدفاً لازماً لا اختيارياً، وتقلصت المهلة المتبقية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة إلى 10 أعوام، إلى جانب أزمة كوفيد-19.

كي نتمكن من إحراز تقدم حقيقي، يجب أن نتوقف عن مطالبة المؤسسات المستثمَر فيها والمجتمعات التي تؤثر فيها بالتذلل للمؤسسات المستثمرة الراسخة وإرضاء توقعاتها، وأن نبدأ بدلاً من ذلك بتحميل رأس المال مسؤولية التوقعات غير المعقولة، إذ يجب أن يدعم الحلول الناجحة لا أن يعيقها، ويجب على المؤسسات المستثمِرة تعديل ممارساتها.

كان رأس المال المحفِّز في مقدِّمة هذا التوجه، وهو وفقاً لتعريف مؤسستَي ماك آرثر فاونديشن (MacArthur Foundation) وتايدلاين (Tideline)، رأس المال الذي يقبل المخاطر غير المتناسبة أو العوائد الميسرة لتوليد أثر إيجابي وتمكين استثمار الطرف الثالث الذي لن يكون ممكناً بطريقة أخرى. من الممكن أن يكون رأس المال المحفِّز وسيلة لإحراز تقدم في حال وجود صندوق أو مؤسسة أو ابتكار غير مثبَت الفعالية، إذ يحقق مجموعة إنجازات تجذب مستثمِرين آخرين إلى الاستثمار في فرص ذات خطورة أعلى ومجالات مثل إتاحة الحصول على خدمات الطاقة. كما يمكن لرأس المال المحفِّز أن يَحدّ المخاطر في عمليات التمويل المختلط من خلال الضمان أو التخلي عن الأولوية، أو الاستثمار الأولي المعرض للخسارة، وكان عنصراً حاسماً في جهود توسيع نطاق الأثر، مثل المؤسسات المالية للتنمية المجتمعية (community development financial institutions – CDFIs) في الولايات المتحدة، والقروض الصغيرة في جميع أنحاء العالم.

على الرغم من مكامن القوة التي يتمتع بها رأس المال المحفِّز، فهو يتمتع بالقدرة على تحقيق فوائد أكبر، بل حريّ به أن يحققها. لكن الفجوات المعرفية تشوش فهم المستثمِرين له، وهي نقطة ضعف تهدف مبادرة اتحاد رأس المال المحفِّز (Catalytic Capital Consortium) (C3) إلى معالجتها من خلال برنامج مِنح تعزيز السوق الذي تنفّذه [إفصاح عن المعلومات الكاملة: كلفت مؤسسة مؤسسة إف إس  جي (FSG)، التي أشغل فيها منصب مدير إداري، مبادرة اتحاد رأس المال المحفِّز بهذا العمل].

السبب الأول هو أننا نفتقر إلى الشرح الوافي عن سبب حاجتنا إلى رأس المال المحفِّز والحالات التي نحتاج إليه فيها، فما زلنا غير قادرين على تحديد فجوات رأس المال السوقيّ وتداعياتها بوضوح ودقة، كما يجب أن نتعامل مع صفقات رأس المال المحفِّز وشروطه بشفافية أكبر، وأن نوضح طرق توظيفه بفعالية لتحقيق أقصى قدر ممكن من نتائجه المرجوة، وأن نبدد المخاوف التي تصوره على أنه مجرد استثمار غير مدروس.

أخيراً، يجب علينا صياغة وجهات النظر هذه بما يتناسب مع احتياجات مختلف فئات المستثمِرين، إذ تشكِّل مؤسسات تمويل التنمية والمؤسسات الخيرية الخاصة شريحتين في غاية الأهمية، لأنها تمثل مصادر ذات أهمية بالغة لرأس المال بدأت بالفعل التوجه نحو الاستثمار المحفِّز، لكن يمكنها أن تقدم أكثر مما تقدمه بالفعل. وسنستكشف التحديات الخاصة التي تواجهها عند استخدام رأس المال المحفِّز، استناداً إلى الأبحاث الحديثة التي أجرتها مؤسسة إف إس جي  من أجل مبادرة اتحاد رأس المال المحفِّز.

اقرأ أكثر عن الاستثمار المؤثر

مؤسسات تمويل التنمية

مؤسسات تمويل التنمية هي كيانات تدعمها الحكومة تستثمر في البلدان النامية على أسس تجارية إجمالاً لخلق فرص العمل وتحفيز النمو الاقتصادي، ومن المتوقع أن تولّد عائدات مالية بمعدل السوق أو نحوه. وبما أن هذه المؤسسات تعتمد على أموال دافعي الضرائب، فهي تتعامل بشفافية كبيرة من خلال إثبات كفاءة استثماراتها واستخدامها الحكيم للدعم المالي الذي تحصل عليه وقدرتها على تجنب الآثار الضارة غير المقصودة. كشف بحثنا عن المعوقات الرئيسية التي تحول دون استخدامها لرأس المال المحفِّز، وهي تشمل:

  •        نقص الأدلة على فجوات رأس المال في السوق، التي يفترض بها أن تربط بين الفجوات وحالات العجز المعروفة في السوق، مثل العوامل الخارجية وتباين المعلومات.
  •         صعوبة تحديد المستوى المناسب أو الفعّال من الدعم المالي، وصعوبة الحد من مخاطر تشويه السوق بالاستفادة من هذا الدعم.
  •       الافتقار إلى استراتيجيات وهيكليات وممارسات متطورة في الاستثمار المحفِّز يمكن للمستثمرين فهمها واستخدامها بسهولة وسرعة نسبيتين.

تمكّنت بعض هذه المؤسسات من التغلب على هذه العقبات، مثل المؤسسة الرسمية لتمويل التنمية في المملكة المتحدة، مجموعة سي دي سي غروب (CDC Group). في عام 2019، وبعد عدة أعوام من الاختبارات، أَطلقت مبادرة التحفيز كاتاليست (Catalyst) التي تبلُغ قيمته مليارَي دولار، والتي أتاحت أنواعاً جديدة من الصفقات عالية التأثير تتضمَّن قروضاً بالعملة المحلية لدعم وصول المستهلك إلى الطاقة النظيفة، وبناء رأس المال المغامر ونظام الأسهم الخاصة في ميانمار، واستخدام ضمانات الحجم المكفولة للانتقال بسوق الصناعات الدوائية نحو إجراء فحوصات ولقاحات بتكلفة مناسبة.

نعتقد أن الاهتمام يتزايد بإعادة التفاوض على مهام مؤسسات تمويل التنمية من أجل تخصيص رأس المال المحفِّز ووضع استراتيجيات جديدة له، ولكن كما توضِّح التحديات المذكورة أعلاه، تحتاج مؤسسات تمويل التنمية إلى المزيد من الأدلة القائمة على الأبحاث لتساعد في إقناع المساهمِين الحكوميين بقيمة الاستثمارات التحفيزية، كما أنها بحاجة إلى ممارَسات أفضل لتبسيط هذه الاستثمارات وتوثيقها كي يكون التنفيذ أكثر كفاءة وشفافية وفعالية.

المؤسسات الخاصة

يسير العمل في المؤسسات الخيرية الخاصة بأسلوب مختلف تماماً عن مؤسسات تمويل التنمية، فأهداف الأثر لديها محددة أكثر، ولا تركز بشدة على العائدات المالية، ولا تخضع إلّا لتدقيق خارجي بسيط، كما توفِّر ميزانياتها للبرامج إمكانيات كبيرة لاستثمار رأس المال المحفِّز، وفي حين تستخدم ميزانيتها في المنح غالباً فهي تستثمرها أيضاً بمرونة كبيرة فيما يتعلق بالمخاطر والعوائد، وهذا ما يُصنَّف في الولايات المتحدة على أنه استثمار مرتبط بالبرامج (program-related investment – PRI).

تتشارك هذه المؤسسات الخيرية مع المؤسسات المستثمرة الأخرى في الرغبة بفهم الفجوات السوقية المحددة، ومواضع الحاجة إلى رأس المال المحفِّز. ومع ذلك، وعلى عكس المؤسسات المستثمرة الأخرى، يجب عليها تحديد الحالات التي يكون رأس المال المحفِّز مناسباً لها بدلاً من المنحة، ويجب عليها أيضاً النظر في سبب عدم إمكانية استثمار رأسمال استثماريّ بمعدل السوق من صندوق منح المؤسسة (بدلاً من ميزانيات البرامج)، والمشار إليه في الولايات المتحدة باسم الاستثمار المرتبط بالرسالة (mission-related investment – MRI). تتطلب المسألة الأخيرة أن تفهم المؤسسات الخيرية بدقة القيمة التي يضيفها رأس المال المحفِّز، أي دوره في تحقيق أثر أعمق أو على نطاق أوسع من أثر رأس المال الاستثماري التقليدي.

تتجلى هذه القيمة الإضافية في الاستثمار المحفِّز المتعلق بالبرامج لدى مؤسسة ماك آرثر بقيمة 6 ملايين دولار في برنامج إنرجي سيفرز (Energy Savers) الذي يموِّل عمليات التجديد التي يجريها أصحاب مشاريع المجموعات السكنية متعددة العائلات، مقلِّصاً تكاليف المرافق العامة وانبعاثات الكربون. وقد وضَّحت المؤسسة كيف أتاحت لها القدرة الأكبر على تحمُّل المخاطر ومرونة الاستثمارات التحفيزية المرتبطة بالبرامج اختبار نظرية هذه الفكرة الواعدة غير المثبَتة، على نحو عجز عنه التمويل التقليديّ. عندما أثبت النموذج نجاحه، انضمت مؤسسات إقراض أخرى إلى مؤسسة ماك آرثر، وقدَّم برنامج إنرجي سيفرز مليون دولار على شكل قروض ومنح لمجالات تطوير الطاقة لأكثر من 66 ألف شقة، ما ساعد على إتاحة الإيجارات المقبولة والدخل الثابت لأصحاب المتاجر الصغيرة، بالإضافة إلى ذلك، تبنت مؤسسة الإقراض غير الربحية الرائدة، كوميونيتي إنفيسمنت كورب (Community Investment Corp)، نهج برنامج إنرجي سيفرز في ضمان الاكتتاب وتحجيم القروض، وجعلته ممارستها النموذجية المتَّبعة في جميع قروضها.

يُظهِر مثال آخر من مؤسسة مايكل آند سوزان ديل فاونديشن ( MSDF-Michael & Susan Dell Foundation)، كيف يكون دور رأس المال المحفِّز والمنح مستقلاً لا مكمِّلاً، إذ قامت المؤسسة في عام 2009 بمجازفة كبيرة حين أجرت استثماراً أوليّاً بقيمة مليون دولار في شركة مايكرو هاوزنغ فاينانس كومباني (تمويل مشاريع الإسكان الصغيرة) (Micro Housing Finance Company)، التي كانت تقدِّم قروضاً عقارية متناهية الصغر للمقترِضين من القطاع غير الرسميّ وذوي الدخل المنخفض الذين لا يملكون إثباتاً موثَّقاً لدخلهم مثل البائعين المتجوِّلين وسائقي سيارات الأجرة. بدت هذه الفكرة غير منطقية آنذاك، ولكنها تحوّلت فيما بعد إلى قطاع مؤثِّر مزدهر بقروض بلغ مجموعها أكثر من 4 مليارات دولار، كما قدّمت مؤسسة مايكل آند سوزان ديل منحاً لمؤسسات كثيرة منها مؤسسة إف إس جي، لجمع معلومات أفضل عن السوق وبناء السياسات العامة الفعالة عليها.

نحن بحاجة إلى أبحاث أفضل على المواضع التي حقق فيها رأس المال المحفّز أثراً إضافياً وطرق تحقيق هذا الأثر وأسبابه مقارنة برأس المال التقليدي أو المنحة من أجل مساعدة عدد أكبر من المؤسسات الخيرية على ممارسة دور تحفيزي، ويجب علينا مساعدتها على فهم أهمية رأس المال المحفّز في أولويات برامجها الحالية، من خلال تحديد فرص معينة.

اقرأ أيضاً: ماذا نقصد بالأثر الجماعي عالي الجودة؟

متطلَّبات بيئة العمل الأخرى

تُمثل مؤسسات التنمية المالية  والمؤسسات الخيرية الخاصة مصادرَ مهمة لرأس المال المحفِّز، لكن فعاليتها تعتمد على العمل إلى جانب فئات أخرى من المستثمرين ممّن لديهم متطلبات منفصلة إضافية.

مثلاً، يجب أن يعرف مدراء الاستثمار المؤسسات التي تقدم رأس المال المحفِّز وشروطها وأولوياتها التي قد تتباين بدرجة كبيرة، لأن الصفقات لا تتَّبع معايير السوق التقليدية.

المؤسسات الاستثمارية مهمّة أيضاً، فمع أنه من غير المحتمل أن تقدم رأس المال المحفِّز، فمن الممكن أن تشارك في الصفقات مع مؤسسة الاستثمار المحفّز أو بعدها، وقد تستفيد من زيادة الوعي بطرائق المشاركة وستحتاج إلى رؤية أمثلة عملية على صفقات سابقة تشمل الهيكليات وأوراق شروط العمل.

التغيير المحفِّز

مع تنامي الحاجة الملحَّة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والارتفاع الكبير في الاستثمار المؤثِّر، وانتقال ثروات تبلغ قيمتها عدة تريليونات من الدولارات بين الأجيال، حان الوقت الآن لمساعدة المستثمِرين المهتمين على حشد المزيد من رؤوس الأموال المحفِّزة لتحقيق أثر أكبر، يجب أن نشرح سبب اعتماد رأس المال المحفِّز وطبيعته وطرقه بأسلوب أوضح لفئات المستثمِرين المختلفة، ويجب أن نجري أبحاثاً على فرص الاستثمارات على مستويي العرض والطلب، كما ينبغي لنا أن نبحث في إمكانية تحسين الأُطُر التنظيمية التي يمكن أن تؤثر في تدفق رأس المال المؤثر، والتي تتجلى في الصناديق التضامنية في فرنسا، ومناطق الفرص في الولايات المتحدة. سيسهم اتخاذ هذه الخطوات في توسيع نطاق استخدام رأس المال المحفِّز ويجعلنا أقرب إلى تحقيق الحلول الواسعة النطاق التي يحتاج إليها العالم اليوم.

 يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط،علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.