كلمة الاجتماع لها معنى فضفاض، فهي تستخدم للإشارة إلى كثير من الفعاليات بدءاً من اجتماعات الفريق الدورية وصولاً إلى الفعاليات العامة الكبرى حيث تلتقي مجموعة من الأشخاص لمناقشة الفرص والتحديات المؤسسية اليومية، أو لإطلاق حلّ أو تحالف أو مؤسسة لها أثر تحويلي كبير. وبغضّ النظر عن حجم الاجتماع أو جدول أعماله، فالفِرق التي تجتمع بناءً على هدف مدروس لا على تقليد أعمى تخوض تفاعلات هادفة وتولّد نتائج فعالة. لكن للأسف، تفشل غالبية الاجتماعات في أن تكون أحد الاجتماعات الناجحة وفي تحقيق كل ما تعد به إمكاناتها، تقول مديرة قسم تصميم الاجتماعات في مؤسسة روكفلر فاونديشن، مارلي مارغولين: "حضرنا جميعنا اجتماعات كان المشاركون فيها مشتتين أو غير مندمجين، حيث لم نتمكن من فهم المحتوى جيداً ولم نشعر بالطاقة الإيجابية بين المشاركين".
وبالفعل، يوضح الكثير من منظمي الاجتماعات والمشاركين فيها عدم رضاهم عن نتائج اجتماعاتهم التي لا تتطابق مع ما يريدونه. تشمل الشكاوى الشائعة ما يلي:
- "كان من الممكن إرسال ذلك في رسالة إلكترونية". مدة الاجتماع محددة بستين دقيقة، ولكن لا ينتهي الموظفون من التعريف بأسمائهم وأدوارهم الرسمية إلا عند الدقيقة التاسعة والأربعين، في حين من المفترض أن تتوفر هذه المعلومات في الرسالة الإلكترونية التعريفية للاجتماع.
- "لماذا أنا هنا؟". تدخل إلى قاعة الاجتماع (أو تنضمّ إليه عبر منصة زووم) وأنت لا تعرف أساساً سبب دعوتك إليه، لا تعرف سوى عدد قليل من الحاضرين، وينشغل فكرك بالأعمال الكثيرة التي تنتظرك وتتساءل عن دواعي حضورك في اجتماع يضيع وقتك.
- "اطّلعتُ على هذه المعلومات من قبل". تشعر بالحماس لمناقشة موضوع معين ولديك بعض الأفكار والحلول والأسئلة التي تود طرحها، ولكن منظّم الاجتماع لا يتيح لك المجال ويستهلك الوقت في التعريف بأمور قرأتها في المواد المرسلة مسبّقاً.
- "عظيم، لكن ماذا بعد؟". تخرج من الاجتماع متحمساً لتنفيذ مشروع معين ولكنك لا تعرف تحديداً ما ستفعله وكيف ستنفذ العمل ومن سيتعاون معك، لا تجد من يتابع تنفيذ العمل وتبقى أفكار المشاركين حبيسة سبورة الاجتماع البيضاء.
هذه هي العلامات التي تشي بأن الاجتماع لم يحقق هدفه الموعود، ولكن من الممكن تجنبها. يمكن لمنظمي الاجتماعات تحسين نتائجها بدرجة كبيرة عن طريق التعامل مع تصميم الاجتماعات على أنه نهج استراتيجي، علماً أن الاجتماع الناجح يتطلب دراسة دقيقة وتحديد خيارات الغاية منه والمشاركين فيه وهيكليته والإعداد له ومتابعته. يمكن أن يؤدي عقد الاجتماع وفق خطة منظمة بهدف تحقيق الغرض منه إلى صناعة قرارات مؤسسية مستنيرة أكثر وتنفيذ الأعمال التعاونية بفعالية أكبر وتوليد حلول أقوى للتحديات الاجتماعية.
تصميم الاجتماعات الاستراتيجية
كان الحظ حليفنا إذ تعلمنا من أعرق مختبرات الاجتماعات في العالم؛ مركز بيلاجيو (Bellagio Center) الإيطالي التابع لمؤسسة روكفلر فاونديشن (Rockefeller Foundation) حيث يجتمع القادة من جميع أنحاء العالم منذ عقود على اعتبار هذه الاجتماعات أداة لدراسة تفاصيل المجالات الناشئة وتخطيطها وإنشاء تحالفات جديدة واكتشاف مسارات مبتكرة للتأثير وتسريع العمل الجماعي. تساعدنا سياسة تصميم الاجتماعات التي نتبعها في مركز بيلاجيو وفي اجتماعاتنا الافتراضية على ضمان أن تكون هذه الاجتماعات استراتيجية؛ أي أن تحقق النتائج القصيرة الأمد وتعزز الأثر الطويل الأمد اللاحق.
يجب أن تكون نقطة اختتام الاجتماعات الاستراتيجية مختلفة دوماً عن نقطة البداية، وتختلف هذه الاجتماعات عن التجمعات التي يتمثل فيها دور الحاضرين في الاستماع أكثر من التحدث أو في التعارف ببساطة. تحفز الاجتماعات الاستراتيجية تغييراً هادفاً ملموساً سواء كانت شخصية أو افتراضية، وسواء كانت مدتها ساعة واحدة أو استمرت على مدى عدة أيام. وهي تتميز على وجه التحديد بما يلي:
- تحقق نتائج ابتكارية بالتغلب على العقبات المستعصية أو بتحقيق قفزة ابتكارية من أجل تسريع التقدم نحو الهدف البعيد الأمد.
- تعتمد على مجموعة متنوعة من أصحاب المصالح الذين يشاركون في تجربة مختارة تحفز توليد مجموعة الآراء والأفكار الضرورية للابتكار.
- تضمن الالتزام تجاه العمل اللاحق وتحشد الموارد الإضافية غالباً.
- تحفز أعمالاً تعاونية غير متوقعة للتعامل مع التحديات والفرص الجديدة.
من أجل توضيح الفكرة على نحو عملي، عمل فريق الابتكار في مؤسسة روكفلر فاونديشن في صيف عام 2021 على تصميم سلسلة اجتماعات متعددة يستمر كل منها 90 دقيقة على مدى 3 أشهر، وتهدف إلى تحقيق التوافق بين جداول العمل والتعريفات والأولويات لدى عدة فرق تعمل على إنشاء البنية التحتية العامة الرقمية. تمثل الهدف في الاعتماد على العمل الموسع الذي أداه المشاركون وتحديد سبل تنسيق الإجراءات المعتمدة لإنشاء البنية التحتية العامة الرقمية وجذب الاستثمارات اللازمة لتمويله.
بدأ الاجتماع بالأساسيات، اجتمع قادة عدد من المؤسسات الممولة ووكالات الإعانة الثنائية والمتعددة الأطراف ومسؤولون حكوميون وخبراء تقنيون في غرفة افتراضية واحدة بهدف العمل بصورة جماعية على تحديد القيم التي يربطها كل مشارك بالعمل على البنية التحتية العامة الرقمية وفهمها. كان الحوار قائماً على الإجابات التي قدمها المشاركون في استبيان مسبق حول أهداف المبادرة والطرائق التي يعتزمون اتباعها لتحقيقها، وناقشوا مجالات عدم التوافق التي كشف عنها الاستبيان والتي لم تكن ستكتشَف لولاه، وعملوا على التوصل إلى إجماع بشأن سبل تلبية البنية التحتية العامة الرقمية لاحتياجات السكان مثل التحويلات النقدية الإسعافية.
تضمنت سلسلة الاجتماعات أيضاً جلسات منفصلة لتحديد المشكلات ووضع خطة عمل وتطوير خطة لإشراك أصحاب المصالح. أدى عدم دمج الأنشطة الثلاثة كلها في اجتماع واحد إلى تمتع المشاركين بالوقت الكافي للتعمق في تفاصيل كل موضوع وتعزيز التوافق فيما بينهم، كما أفسح الفصل بين هذه الجلسات المجال ليفكر أفراد المجموعة في الحوار التالي بوضوح أكبر والاستعداد له.
وفي نهاية سلسلة الاجتماعات تمكنت المجموعة من تحقيق قفزة كبيرة، ونشرت وثيقة للرؤية المشتركة تهدف إلى التأثير في الشركاء الآخرين واجتذابهم، وتشارك أعضاؤها في استضافة فعالية تحفيزية على مستوى الوزارات أطلقوا عليها عنوان كو ديفلوب (التنمية المشتركة) (Co-Develop) اقترح فيها رائد الأعمال، ناندان نيليكاني إنشاء صندوق تعاوني يحشد الموارد اللازمة من أجل مساعدة الدول على إنشاء بنية تحتية عامة رقمية شاملة وآمنة ومنصفة، وحصل الصندوق على التمويل الأولي من مؤسسات روكفلر فاونديشن ونيليكاني فيلانثروبيز (Nilekani Philanthropies) وبيل ومليندا غيتس فاونديشن وأوميديار نتوورك (Omidyar Network).
يقول المدير الإداري لفريق الابتكار في مؤسسة روكفلر فاونديشن وميسّر حوارات اجتماعات فعالية التنمية المشتركة، كيفن أونيل: "كنا بحاجة إلى فرصة ليتحدث بعضنا إلى بعض بصورة مباشرة وفهم البيئة التي يأتي منها كل منا. كان ذلك يعني تحديد المبادئ الأولية: التعريفات والقيم والرؤى المتعلقة بالنجاح. لم نحاول تصميم الصندوق نفسه، بل تمثل هدفنا في بناء أساس من الفهم المشترك كي نتمكن من تصور المسار الذي سنتقدم فيه معاً".
كيف تعقد الاجتماعات الناجحة؟
عملت مؤسسة روكفلر فاونديشن على تصميم سلسلة اجتماعات فعالية التنمية المشتركة وعملت على تصميم الكثير من الاجتماعات الأخرى على مدى أكثر من مائة عام، واستعانت في ذلك بأربعة مبادئ أساسية تشمل:
- ركز على هدف واحد. قد تكون الرؤية التي يقوم عليها الاجتماع فيها مجازفة كبيرة أو تهدف إلى إرضاء فئات كثيرة مختلفة، ما يجعل تحقيق النتيجة المرجوة مستحيلاً، ولذا من الضروري أن تطرح السؤال الآتي: ما الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه تحديداً، وكيف يساعد جمع هؤلاء الأشخاص حول طاولة واحدة أو إخضاعهم إلى تجربة مشتركة في تحقيقه؟ لا يمكن لأي اجتماع استراتيجي تحديد مبادرة وتصميمها والتزامها في جلسة واحدة مهما طالت مدتها، ويجب أن يكون له هدف محدد بناءً على نقطة انطلاق المبادرة ووجهتها، وجدول عمل يضمن التقدم نحو تحقيق الهدف.
- صمم التجربة. عندما يكون هدف الاجتماع طموحاً لا بد من توفير الفرص للمشاركة الحقيقية العميقة، وإتاحة المجال للتواصل ستحقق القيمة القصوى من جمع المشاركين ولو بدا لك ذلك غير بديهي. اطرح السؤال الآتي: هل تبالغ في تنظيم الاجتماع لحظة بلحظة؟ هل من فرصة لإدخال فترات استراحة وإتاحة المجال للتواصل والتفكير، كأن تجمع كل شخصين ليمشيا معاً بضع دقائق مثلاً؟ يحفز التواصل بين المشاركين المساءلة المتبادلة ويؤسس للعمل التعاوني الفعال بعد الاجتماع.
- احرص على اختيار المشاركين بعناية. تجمع الاجتماعات عدداً من الأشخاص ليشاركوا معارفهم وأفكارهم في سبيل تحقيق هدف ما، مثل حلّ مشكلة أو إتاحة فرصة، ولذا من الضروري أن تطرح السؤال الآتي: من هم الذين تحتاج إلى آرائهم من أجل تحقيق هدفك؟ كيف يمكنك دمج الأصوات المتباينة للمساعدة في تطوير حلول أقوى؟ إن كان أول ما تفعله عند التخطيط لاجتماع ما هو إرسال الدعوات فاجتماعك على الأرجح ليس استراتيجياً؛ يعتمد نجاح الاجتماع الاستراتيجي على اختيار قائمة المشاركين بناءً على الهدف المحدد ووفقاً لمجموعة مدروسة من الآراء والتجارب التي تحتاج إليها لإحراز تقدم باتجاه تحقيقه.
- احرص على توضيح الالتزامات وتنفيذها. يمكن أن يكون الاجتماع خطوة ضمن عملية تهدف إلى تحقيق أثر معين، وستزداد احتمالات نجاح العمل بعد الاجتماع إذا اتبعت فيه خطة لجمع الموارد وأشركت أشخاصاً قادرين على التزام تنفيذ الخطوات التي يقترحونها في الاجتماع بدلاً من إسنادها إلى أشخاص آخرين خارجه. اطرح السؤال الآتي: من الذي سينفذ العمل بعد الاجتماع في سبيل تحقيق هدفنا النهائي؟ كيف سنضمن تفاعل المشاركين قبل الاجتماع وفي أثنائه وبعده من أجل ضمان التزامهم العمل المتفق عليه؟ ومن دون مطالبة المشاركين بمواصلة العمل بعد الاجتماع وتبنّي هيكلية داعمة تساعدهم على ذلك ستكون الاجتماعات مجرد حوارات.
أساليب لزيادة فعالية الاجتماعات
يتوقف نجاح الاجتماع وفشله على تفاصيله، وبعد تنفيذ المبادئ الأربعة يتعين عليك اتباع مجموعة أساليب تساعدك في تحقيق هدفك. إليك بضعة أمثلة على الأساليب التي استخدمناها في عدد كبير من الاجتماعات:
- بناء الحلّ المشترك. في الاجتماعات التي تركز على حشد الدعم لمبادرة ما وإشراك الجهات الفاعلة، احرص على مشاركة مسودة الحلّ منذ بداية الاجتماع ومطالبة المشاركين بتعديلها. في عام 2022 عقدنا اجتماعاً لتطوير مبادرة ذات إمكانات واعدة، قدم منظّم الاجتماع حلاً لمشكلة التهديدات الأمنية الناجمة عن التغير المناخي وطرحه على أنه "تصور تقريبي" يهدف إلى تحفيز توليد الأفكار، فعمل المشاركون ومنهم خبراء مناخيون ومستثمرون وخبراء أمنيون على إعادة صياغة الحل نفسه وتغييره بدرجة كبيرة، ولكن عملية صياغته الجماعية ولّدت تأييداً شديداً للعمل اللاحق للاجتماع والتزاماً عميقاً تجاهه.
- قدِّم المعلومات ولكن بقدر معقول. احرص على تحديد مدة العروض التقديمية وهيكلية إلقائها من أجل تحقيق التوازن بينها وبين تفاعل المشاركين. في أثناء فترة الإغلاق العام الذي فرضته جائحة كوفيد-19، عقدنا اجتماعاً افتراضياً للقادة في قطاعي التعليم والسياسات من أجل مناقشة إمكانية إعادة فتح المدارس في الولايات المتحدة وإبقائها مفتوحة. كان لقاء قادة بارزين يتعاملون بشغف مع القضايا المعقدة مثل التعليم والجائحة سيؤدي على الأرجح إلى إغراق الحاضرين في التفاصيل والعروض التقديمية، وكي نتفادى ذلك نظمنا العروض التقديمية في هيكلية محددة ضمن إطار زمني من 3 دقائق لكل عرض من أجل جمع الآراء التي تمكننا من وضع خطة عمل من دون الضغط للتوصل إلى إجماع.
- التواصل الشخصي. من أجل إنشاء علاقات حقيقية بين المشاركين، احرص على إفساح المجال للتواصل الشخصي بينهم والسماح لهم به. مثلاً، نستضيف في مركز بيلاجيو شهرياً مجموعة تضم 15 مواطناً يعمل كل منهم على صياغة حلول ابتكارية للمشكلات الاجتماعية، وقبل جمعهم في قاعة واحدة بصورة شخصية نعقد اجتماعاً افتراضياً ونطرح سؤالاً بسيطاً: ما الذي تتخلى عنه بانضمامك إلى هذا الفريق؟ تخلق الأجوبة حواراً غير متوقع بين المشاركين يتيح لهم مشاركة أمور تعزز إنسانيتهم وتثري حياتهم، مثل ضغط العمل أو الأسرة والحيوانات الأليفة، وحين يجتمعون بعد ذلك شخصياً يجدون بينهم درجة من الألفة تسرّع التواصل الشخصي والمهني بينهم.
إذا صُممت الاجتماعات على نحو يعزز التفاعل الهادف بين مجموعة منتقاة بعناية من المشاركين في لحظة مفصلية، وإذا عمل على تنظيمها شخص أو مؤسسة قادرة على التأثير في التغيير وتنفيذ العمل فستتحول إلى أداة قوية لتحقيق الأثر الاجتماعي؛ إذا كان تصميم الاجتماعات رديئاً فستستنزف الموارد التي نحن بأمس الحاجة إليها، أما إذا أحسنّا تصميمها باتباع المبادئ والأساليب التي ناقشناها فستكون مكمّلة للأدوات الأخرى -مثل المِنح والأبحاث- في تحفيز التغيير الاجتماعي التحويلي، أو لربما تفوقت عليها.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً