"أنا على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذن أنا موجود". لا يمكننا اليوم تخيل نجاح شركة أو مؤسسة إلا إذا ربطنا ذلك بمدى تأثيرها وتفاعلها عبر مواقع التواصل ومشاركتها لأنشطتها ورؤيتها؛ إذ باتت تؤدي هذه المواقع دوراً أكبر في بناء قاعدة واسعة من الجمهور المستهدف، وتحقيق زيادة في العوائد والأرباح، لكن ماذا يعني ذلك للمؤسسات غير الربحية؟
ربما لدى المؤسسة غير الربحية حسابات على جميع المنصات الرئيسية "فيسبوك" و"تويتر" و"لينكد إن" و"إنستغرام"، وتقضي الكثير من الوقت في محاولة لزيادة عدد المتابعين دون التركيز على تحقيق أهدافها الفعلية: جذب المتطوعين، وجمع التبرعات، والنهوض بالقضية.
تمتلك قلة من المؤسسات غير الربحية استراتيجية صحيحة لإدارة حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي وتوجيه النتائج وقياسها، لذا من المهم التراجع خطوة إلى الوراء وتقييم الوضع، ستساعد هذه المقالة أصحاب المؤسسات غير الربحية على اتخاذ قرارات مستنيرة حول استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وستقود جهودهم نحو نتائج أكبر.
أهمية وجود مؤسستك غير الربحية على مواقع التواصل الاجتماعي
عندما تبحث المؤسسة غير الربحية عن سُبل لتعزيز نجاح برامجها ومبادراتها، تسأل نفسها، هل من الممكن حقاً تلقي التبرعات وحشد الدعم وجذب المتطوعين من خلال مواقع التواصل الاجتماعي؟ الجواب ببساطة: نعم. توصلت دراسة أجرتها الباحثة الأردنية منتهى الكيلاني عام 2015، بعنوان: "دور الفيسبوك في نشر ثقافة العمل التطوعي: دراسة مسحية على عينة من طلبة الجامعات الأردنية في مدينة عمّان" إلى أن "فيسبوك" وسيلة فعالة للترويج لحملات العمل التطوعي، ويسهم في تعريف الطلبة بالمزيد من أوجه العمل التطوعي وإظهار قيمته الإنسانية.
اعتمدت الباحثة على عينة قوامها 414 طالباً وطالبة في "الجامعة الأردنية" و"جامعة الشرق الأوسط" من أجل معرفة مدى نجاح المبادرات الإنسانية وحملات التطوع عبر مواقع التواصل وانعكاساتها في المجتمع، وقدرة هذه المواقع على ترسيخ العمل التطوعي لدى طلبة الجامعات الأردنية، وعبّر المشاركون عن ضرورة نشر مزيد من المعلومات على الفيسبوك حول المؤسسات المعنية بالعمل التطوعي.
تنجح المؤسسة غير الربحية إذا تمكنت من توسيع نطاق تأثيرها وانتشارها، ومواقع التواصل الاجتماعي تساعدها في ذلك؛ إذ بينت دراسة من البحرين بعنوان: "دور الإنستغرام في تحفيز الشـباب البحريني على العمل التطوعي"، أن أسباب الاعتماد على الإنستغرام في نشر العمل التطوعي تتمثل في سرعة الوصول وسعة الانتشار.
تتمتع مواقع التواصل الاجتماعي بقاعدة مستخدمين كبيرة يمكن الاستفادة منها لجذب مانحين ومتطوعين جدد؛ إذ سجل يناير/كانون الثاني عام 2022 أكثر من 4.62 مليار مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي حول العالم؛ أي ما يعادل 58.4% من إجمالي السكان، وبحسب تقرير منصة إدارة مواقع التواصل الاجتماعي "هوت سويت" (Hootsuite) "الحالة الرقمية العالمية 2022"، انضم 424 مليون مستخدم جديد إلى وسائل التواصل الاجتماعي منذ يناير/كانون الثاني عام 2021.
يزور المستخدم العادي ما متوسطه 7.5 منصات اجتماعية مختلفة كل شهر، ويقضي نحو ساعتين ونصف ساعة يومياً باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى افتراض أن الأشخاص ينامون ما بين 7 و8 ساعات يومياً؛ فهذا يعني أن 15% من أوقات يقظتهم يقضونها باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
تتسم طبيعة العمل التطوعي بالتنوع والمرونة، ولكل عمل تطوعي صورة معينة يسعى القائمون عليه لإبرازها، وتعزيز فاعليتها بين أفراد المجتمع؛ وبالتالي يمكن أن تفيد مواقع التواصل الاجتماعي في تنمية شبكة المتطوعين والشركاء من خلال نشر معلومات عن مهمة المؤسسة غير الربحية ورؤيتها.
واجهت المؤسسات غير الربحية خلال أزمة "كوفيد-19″، أعباءً مالية، وأصبحت قدرتها على جذب المتطوعين واستضافة أحداث جمع التبرعات الشخصية محدودة. هنا برز دور مواقع التواصل الاجتماعي كأداة تسويقية فعالة تساعد في تنمية شبكة المتطوعين وجذب مانحين جدد والحفاظ على مشاركة المانحين الحاليين، على سبيل المثال، في عام 2020، نجحت حملة "ساعة الأرض" التي أطلقها "الصندوق العالمي للطبيعة" (World Wide Fund for Nature) في جذب ما يزيد على 4.7 مليار تفاعل عالمي على مواقع التواصل الاجتماعي، وعمل الصندوق على تفعيل هاشتاغ #EarthHour لتنشيط المتابعين وتشجيعهم على المشاركة في إطفاء الأضواء لمدة ساعة واحدة بهدف رفع الوعي بخطر التغير المناخي.
تمثل مواقع التواصل الاجتماعي نقطة أساسية للتواصل مع المجتمع والتوعية حول ثقافة التطوع، إذ اعتمدت "مبادرة خُصَل" الأردنية التي انطلقت عام 2016، على "فيسبوك" لجمع التبرعات وتقديم الدعم النفسي لمرضى السرطان؛ إذ تعمل المبادرة على جمْع خُصل شعر طبيعية من المتبرعات لتصنع منها شعراً مستعاراً يُقدم مجاناً للمريضات اللاتي فقدن شعرهن خلال رحلة العلاج.
كيفية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لجذب المتطوعين
في الواقع، كل متابع هو متطوع مُحتمل، وإذا كنت تدير مؤسسة غير ربحية، فيمكنك اتباع هذه النصائح لتجنيد أفراد متحمسين لقضيتك مثلك:
1. شارك محتوىً مقنعاً
أفضل طريقة للتفاعل مع المتابعين عبر الإنترنت وزيادة فرصك في تحويل بعض هؤلاء المتابعين إلى متطوعين، هي نشر محتوى مثير للاهتمام وأكثر إقناعاً، إذ يرتبط نجاح مواقع التواصل الاجتماعي بحاجة الإنسان الأساسية إلى مشاركة المعلومات مع غيره، وكلما كان المضمون جيداً؛ زادت احتمالية مشاركته مع صديق أو أحد أفراد الأسرة أو إعادة نشره في الملف الشخصي، وبالتالي، إذا كانت مؤسستك غير الربحية قادرة على إنشاء محتوى مقنع باستمرار، فمن المحتمل مشاركته والوصول إلى عدد أكبر من المتطوعين والمانحين حول العالم.
2. انشر تحديثات منتظمة لمشاريعك الحالية
ينجذب المتطوعون إلى مؤسستك غير الربحية إذا نشرت عن أنشطتها باستمرار، ويحتاجون إلى ملاحظة تأثير المؤسسة والفرْق الذي يمكن أن يحدثونه بالانضمام إليها؛ لذا، يجب مشاركة التحديثات بانتظام، بما في ذلك الصور وقصص المتطوعين لتسليط الضوء على الأشخاص الذين يساعدونك في تحقيق مهمة مؤسستك، والتأكّد من وجود خطة محتوى تواصل اجتماعي فعّالة وجدولة منشورات منتظمة باستخدام أدوات برمجية مثل "بافر" (Buffer). وهي طريقة فعّالة ومنخفضة التكلفة لتشجيع متابعيك على المشاركة.
3. ثقّف جمهورك
يُعد التعليم المفتاح الأساسي لتجنيد المتطوعين؛ لأنه كلما عرف شخص ما تعقيدات قضية معينة، مثل محنة اللاجئين، أو تأثير التغير المناخي، زادت احتمالية مشاركتهم. لذا يمكنك استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتحديثات التي تنشرها لتثقيف متابعيك حول قضيتك، على سبيل المثال، استخدمت مؤسسة "الحفاظ على بريطانيا نظيفة" (Keep Britain Tidy) مواقع التواصل الاجتماعي لتشجيع الناس على العمل المجتمعي وتنظيم جمع القمامة المحلية، وحثّت متابعيها على "تويتر" لالتقاط صور القمامة في مناطقهم ومشاركتها، كما أطلقت منتدى مغلقاً يساعد الأشخاص على تحويل المحادثات والمناقشات إلى أفعال؛ ما يحفز السكان المحليين للتعاون في المشاريع المستقبلية.
4. حسِّن الملفات الشخصية لمؤسستك
يستخدم الأشخاص "الهاشتاغ" للعثور على محتوى وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تتعلق باهتماماتهم، لذا استخدم كلمات رئيسية وهاشتاغات ذات صلة لتسهيل عثور جمهورك المستهدف على صفحتك، لكن احرص على عدم الإفراط في استخدام الهاشتاغات حتى يبقى محتوى المنشور مرئياً.
5. استخدم محتوى مرئياً ممتعاً وجذاباً وتفاعلياً
يبقى الفيديو أحد أكثر أشكال المحتوى جاذبية، إذ توقعت دراسة أجرتها شركة "سيسكو" (Cisco) للتكنولوجيا، أن يشكل الفيديو 82% من المحتوى عبر الإنترنت في عام 2021، كما كشفت دراسة جزائرية في عام 2015 بعنوان: "دور مواقع التواصل الاجتماعي في تنمية العمل التطوعي: دراسة وصفية تحليلية لصفحة فيسبوك جمعية ناس الخير ورقلة"، أن أغلب المنشورات التي تحمل نصاً وصوراً أو مقطع فيديو عن الحملات التطوعية، تحفّز أكثر على التعاون والمشاركة بالعمل التطوعي.
6. أنشِئ مجموعة حصرية للمتطوعين
يضم "فيسبوك" أكبر عدد من المستخدمين مقارنةً بمواقع التواصل الأخرى، لذا يمكنك إنشاء مجموعة حصرية للمتطوعين يتعرفون من خلالها على مؤسستك، واجعل العضوية فيها مرتبطة بتقديم امتيازات مثل البضائع المجانية والهدايا والحوافز الأخرى، والترويج للفرص القادمة وتشجيع المؤيدين لمشاركتها مع شبكاتهم الشخصية.
يمكنك أيضاً تعزيز الفرص الخاصة للمتطوعين النشطين داخل مجموعة فيسبوك الخاصة بك، مثل المنح التطوعية؛ إذ تسهم الشركات بالتبرعات للمؤسسات غير الربحية بعد أن يتطوع موظفوها لعدد محدد من الساعات مع تلك المؤسسات، وغالباً ما تكون المنح التطوعية محفّزة للغاية للداعمين، لأنها يمكن أن تزيد من تأثير عملهم التطوعي.
ختاماً، يتيح تعزيز مشاركة المتطوعين لمؤسستك الاستمرار في الاستفادة من الدعم الذي يقدمه المتطوعون لمهمتك، وكلما زاد عدد المتطوعين الذين يمكنك الاحتفاظ بهم؛ أصبح من الأسهل عليك جمع المؤيدين في المرة القادمة التي تحصل فيها على فرصة تطوعية.
نُشر المقال استناداً على أبحاث من منصة ساهم