كيف يعمل “مختبر عبد اللطيف جميل” على مكافحة الفقر؟

مختبر عبد اللطيف جميل
shutterstock.com/Sodel Vladyslav
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا يوجد اختلاف بين إمكانيات الأفراد الذين يعيشون في البلدان منخفضة الدخل مقابل البلدان ذات الدخل المرتفع، لكن الفجوة بين المزايا التي يعتبرها البعض أمراً مسلماً به في الحياة اليومية، وما يفتقر إليه الكثير من الأشخاص، هي التي تصنع الفارق.

وتقف مشاكل الفقر والتعليم والأمن المائي والغذائي عائقاً أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتوفير الحماية الاجتماعية للفئات المهمشة وفرص الحياة العادلة للجميع، ومع التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم عامةً والمنطقة العربية على نحوٍ خاص، ظهرت الحاجة إلى الاستثمار في البيانات لاتخاذ القرارات المبنية على الأدلة والتجارب العشوائية المُحكمة (Randomized Controlled Trials. RCTs)  لتقييم البرامج الاجتماعية وضمان تحقيقها الأثر المطلوب.

وفي هذا الإطار، وجّهت مجموعة عبد اللطيف جميل السعودية جهودها الخيرية إلى العمل المعتمد على التجارب والأدلة والاستفادة من البيانات لبناء سياسات واتخاذ قرارات فعّالة لمعالجة القضايا الاجتماعية الملحّة التي تواجهها المنطقة، وتعاونت مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (Massachusetts Institute of Technology) لإطلاق مختبرات تضم نخبة من الباحثين على المستوى العالمي لدراسة مشاكل مهمة مثل مكافحة الفقر، وفرص التعليم، ومعالجة أزمة المياه العذبة الكبرى، لبناء مستقبل أفضل، وفي هذا المقال، سنتعرف على مختبر عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر (J-PAL) ودوره في تقديم الأدلة والبيانات التي تساعد الحكومات والجهات المانحة في إطلاق برامج ذات أثر بعيد المدى.

مختبر عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر

في عام 2005، وبعد منحة قدمها رجل الأعمال السعودي محمد عبد اللطيف جميل إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تغير اسم مختبر التطبيقات العملية لمكافحة الفقر في المعهد إلى مختبر عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر، ويُعنَى المختبر بإجراء تقييمات عشوائية لتحديد فعّالية برامج التخفيف من حدة الفقر، والتأثير في السياسات عبر تقديم المعلومات التي تستعين بها الحكومات والجهات المانحة عند اتخاذ قراراتها حول المبادرات والبرامج التي يجب تمويلها، إضافةً إلى تعليم صنّاع القرار وموظفي البرامج وتدريبهم على كيفية إجراء تقييمات عالية الجودة والاستعانة بالأدلة لاتخاذ قرارات أفضل.

ويهتم المختبر بقطاعات متعددة تشمل الصحة، والزراعة، والتعليم، والبيئة والطاقة، والحوكمة، والشمول المالي، وفرص العمل، والمساواة بين الجنسين، والجرائم والنزاعات، والاقتصاد السياسي؛ ويحظى بدعم من مجتمع جميل، الذراع الخيرية لمجموعة عبد اللطيف جميل، التي تعمل على تحسين سبل العيش وفرص التعليم والحصول على الرعاية الصحية في مختلف أنحاء العالم.

ويؤدي مختبر عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر دوراً محورياً في مساعدة المؤسسات الاجتماعية والحكومات والمانحين حول العالم لإطلاق برامج أكثر فعّالية لمكافحة الفقر، وتحويل النوايا الحسنة لديهم إلى قرارات مبنية على الأدلة، وكان المختبر من أوائل الجهات الفاعلة التي طبقت نهج التقييمات العشوائية في مجالات مثل الطب لتقييم فعالية العلاجات الجديدة على القطاع الاجتماعي، إذ أجرى الباحثون التابعون له ما يزيد عن ألف تقييماً عشوائياً في أكثر من 86 دولة، بما في ذلك تسع دول عربية هي مصر، والأردن، والعراق، والمغرب، وقطر، والسعودية، وتونس، ولبنان، واليمن، وشمل التقييم مواضيع متنوعة مثل التمويل الصغير، ومنع وقوع الجرائم، وتوفير المياه النظيفة.

تحول المختبر إلى مؤسسة مبتكرة استفاد منها أكثر من 540 مليون شخص حول العالم، من خلال إجراء الأبحاث ومشاركة نتائجها، وتوجيه سياسة الحكومات وتوعية صناع السياسات حول القضايا المجتمعية؛ على سبيل المثال، ساعد عمل المختبر في إحداث تحوّل في النهج المُتّبع نحو تقديم المنتجات الفعالة لمرضى الملاريا في إفريقيا مجاناً، وأثبت القيمة الاقتصادية والاجتماعية لهذا النهج بطريقة علمية، فبعد إجراء التقييمات العشوائية في المختبر، تُظهر النتائج أكثر الطرق فاعلية لعلاج مرض الملاريا، وعندما تسأل مؤسسات مثل مؤسسة بيل ومليندا غيتس (Bill & Melinda Gates Foundation) عن الحل الأمثل لمواجهة  هذا المرض، يوصي المختبر بالطريقة التي أثبتت فاعلية أكبر من الطرق الأخرى، وحققت أفضل عائد على الإنفاق.

وعلى مستوى المنطقة العربية، حرص  المختبر على إجراء  التقييمات العشوائية، وتدريب الباحثين وصناع السياسات في المنطقة، وفي عام 2020 أسس المختبر مكتباً له في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والواقع في الجامعة الأميركية بالقاهرة ليقود المشاريع البحثية ويبني الشراكات مع صنّاع  السياسات في المنطقة، إضافة إلى تدريب الجيل المقبل من الباحثين المحليين حتى يتمكنوا من خلق أدلة عالية الجودة، والإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسات بأنفسهم باستخدام التجارب العشوائية المُحكمة.

وتتمثل أهمية المختبر في توليد أدلة عالية الجودة حول السياسات العامة وتشجيع العلماء المحتملين، وخاصة من الإناث، من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على دخول مجال اقتصاديات التنمية عبر توفير طرق واضحة للنجاح الوظيفي، لذا يحظى مختبر عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر بدعم العديد من المانحين في المنطقة مثل مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية.

أمثلة على اعتماد الأدلة في صنع السياسات

في عام 2020، كانت جائحة كوفيد-19من أكبر التحديات الإنسانية التي واجهت العالم، وتضافرت الجهود الدولية لتوفير اللقاحات وتسهيل الحصول عليها، وحتى منتصف أكتوبر/تشرين الثاني 2021، أُعطيت 6.6 مليار جرعة من اللقاح على مستوى العالم، وتلقى 47.4% من سكان العالم جرعة واحدة على الأقل من اللقاح، لكن بالمقابل أدى نقص اللقاحات إلى منع توزيعها على نطاق واسع، لا سيما في العديد من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، إذ تلقى 2.7% فقط من الأشخاص في البلدان منخفضة الدخل جرعة واحدة على الأقل، فضلاً عن التردد في أخذ اللقاح ورفضه على نطاق واسع.

وبهدف تسليط الضوء على الدروس المستفادة من السياسات المبنية على البحوث الاقتصادية حول تحسين تغطية التطعيم من الجائحة، أعد فريق الصحة في مختبر عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر مذكرة أدلة جديدة توفر رؤى قيّمة لصانعي السياسات حول أفضل السبل لزيادة تغطية التطعيم ضد كوفيد-19.

ورصدت الأبحاث التي أجراها المختبر أيضاً أن عوائق الحصول على التطعيم ضد كوفيد-19 وغيرها من الأمراض مثل الأنفلونزا الموسمية، تتمثل في نقص المعلومات أو عدم دقتها، وانعدام الثقة بفعّالية اللقاح، وانخفاض الفوائد الخاصة للتحصين مقابل المكاسب المجتمعية من مناعة القطيع، والتحيزات السلوكية، وبالتالي يمكن للحملات الإعلامية المُصمّمة جيداً، والحوافز الصغيرة، وسياسات بناء الثقة، معالجة هذه العوائق لزيادة الطلب على التطعيم.

وفي المنطقة العربية، حرص المختبر على مساعدة المؤسسات الاجتماعية في تطوير برامجها ومشاريعها، ففي عام 2015، تعاونت مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية في مصر مع مختبر عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر لإجراء تقييم عشوائي بهدف اختبار أثر المساعدات الرأسمالية في الأنشطة الاقتصادية بمحافظة قنا في صعيد مصر، وعمل التقييم الذي امتد على مدار ثلاث سنوات، من 2016 حتى 2019، على قياس أثر القروض أو المنح النقدية أو العينية في قرارات المستفيدين، وخاصة السيدات، ونتائج مشروعاتهم، وأظهر التقييم تركُز أثر أنواع المساعدات الثلاثة على المستفيدين أصحاب الأداء الأفضل في إدارة مشروعاتهم، وأن النساء واجهن قيوداً أكبر من الرجال قبل الحصول على الدعم، لكنهنّ كُنّ قادرات على الاستفادة من قروض البرنامج الاجتماعي للحصول على دعم جديد.

وتمكنت مؤسسة ساويرس من خلال هذا التعاون مع المختبر من الذهاب إلى ما بعد عمليات الرصد، والتركيز على قياس النتائج والأثر لتحديد البرامج الناجحة والقادرة على الاستمرار لما بعد فترة الدعم الموجه للمستفيدين.

دمج الأساليب النوعية في التقييمات العشوائية

لعقود من الزمان، استُخدمت الأساليب النوعية مثل الملاحظة المباشرة، والمقابلات المتعمقة، ومجموعات التركيز في بحوث العلوم الاجتماعية، لكن في السنوات الأخيرة، عمل عدة باحثين في مجال الاقتصاد على دمج الأساليب النوعية في دراساتهم وبنوا فِرقاً ذات خبرة نوعية لتعزيز أبحاثهم، وبدوره، وظّف مختبر عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر أساليب البحث النوعي في التقييمات العشوائية، وطبّق هذا النهج المبتكر في أميركا الشمالية، ليتمكن من فهم معتقدات المشاركين ومواقفهم وخبراتهم ووجهات نظرهم، وتحديد التحديات والعقبات التي تواجههم.

إذن، الاستثمار في بناء الأدلة العلمية والعملية مع توعية الجهات المعنية بها، وعقد شراكات إقليمية لدفع التقدم في المنطقة، وتقديم تمويل مرن طويل الأجل لتعزيز الأثر والنمو، هي الخطوات الثلاث التي مكّنت مختبر عبد اللطيف جميل لمكافحة الفقر من مساعدة الحكومات وصناع القرار والجهات المانحة في التوصل إلى حلول واقعية للمشاكل الجوهرية، بما يضمن مستقبل أفضل للجميع.