لم تكشف جائحة "كوفيد-19" عن تداعي نظام رعاية الأطفال فحسب. إذ أدى تتابع الأحداث إلى تدهور الترقيع البالي في برامج رعاية الأطفال في الولايات المتحدة على نحو كبير، وذلك بعد الهبوطات الحادة في معدلات تسجيل الأطفال في مراكز رعاية الأطفال عندما خسر الآباء وظائفهم، والتحول من تلقي الأطفال للتعليم في المدرسة إلى التعلم في المنزل، وقلق الآباء على صحتهم وسلامتهم خلال جائحة عالمية. بما أن الافتقار إلى وجود خيارات مرخصة لرعاية الأطفال يرتبط منذ زمن طويل بالمعدلات المرتفعة للبطالة والفقر والبطالة المقنعة، فما كان لهذه المشكلات إلا أن تتراكم.
هنا في ولاية ماين، كانت نسبة 26.5% فقط من الأطفال دون سن 15 عاماً مسجلين بمراكز رعاية الأطفال مدفوعة الأجر الصباحية أو في فترة بعد المدرسة. كان العديد من الآباء ينقّلون أطفالهم بين العائلة والأصدقاء و/أو يعملون بدوام جزئي، بدلاً من العمل بدوام كامل. لا تحدّ أوجه القصور في رعاية الأطفال من دخل الأسرة فحسب، إنما تؤدي في بعض الحالات إلى إبعاد الوالدين عن القوى العاملة تماماً. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، أُغلقت 30% تقريباً من مراكز رعاية الأطفال المنزلية في ولاية ماين، وهي المصدر الرئيسي لمراكز رعاية الأطفال المرخصة في المجتمعات الريفية.
والسبب في ذلك بسيط: التفاوت الاقتصادي بين التكلفة التي يستطيع الوالدين دفعها وتكلفة توفير رعاية جيدة. إن العمالة هي أكثر عنصر مكلف بالنسبة لمقدمي هذه الخدمة، وهذا مدفوع بنسبة مراكز رعاية الأطفال المكلفين من الدولة إلى عدد الأطفال. لكن الجائحة ضيقت أكثر على نموذج العمل هذا. صنفت ولاية ماين مجال مراكز رعاية الأطفال على أنه أساسي، فسمحت لها بالعمل، لكن أُغلق نصفها تقريباً لأن الآباء أبقوا أطفالهم في المنزل بعد توقفهم عن الذهاب إلى مكان العمل أو لخوفهم من العدوى بالفيروس. فأدى هذا إلى تضييق حساب مشغلي مراكز رعاية الأطفال للربح والخسارة أكثر -إن خسارة طفل واحد تؤدي إلى خفض الإيرادات، وفي نفس الوقت تتطلب البروتوكولات الجديدة لاختبار الإصابة بـ "كوفيد -19" والتنظيف في ظل الجائحة تكاليف إضافية لتعيين المزيد من الموظفين.
تمثل الحاجة المسلَّم بها إلى مراكز رعاية أطفال فرصة لتأسيس انتعاش اقتصادي أكثر إنصافاً، خاصةً في المناطق الريفية التي ترتفع فيها معدلات البطالة والبطالة المقنعة.
خلال جولة إصغاء في مقاطعات ماين السبع المتاخمة لكندا، علمنا أن العديد من الأشخاص، معظمهم من النساء، متحمسون للتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، ويرغبون في بدء عمل ضمن مجال رعاية الأطفال ولكنهم يفتقرون إلى الحنكة والثقة ليطلقوا مشروعهم. تخضع مراكز رعاية الأطفال لدرجة عالية من التنظيم لسبب وجيه. فبهدف تعزيز التعليم والتطوير والحفاظ على سلامة الأطفال تحدّ الولايات من نسبة الأطفال إلى البالغين، وتفرض إجراءات مكثفة من حفظ السجلات والسياسات المدونة، وتفرض مجموعة متنوعة من القواعد التي تتغير من ولاية إلى أخرى، وفي بعض الحالات تفرض اختبارات للمياه ودرجات حرارة معينة للمجمدات والثلاجات. نظراً لأن هذا القواعد التنظيمية يمكن أن تكون عقبةً أمام الدخول في هذا المجال، يتمثل جزء من الحل في الجمع بين التعليم حول الشركات الناشئة الصغيرة مع إدارة أعمال مراكز رعاية الأطفال والتدريب عليها.
يوفر "مختبر سي إي آي لأعمال رعاية الأطفال" (The CEI Child Care Business Lab)، وهو برنامج مكثف قائم على التعليم الجماعي مدته ستة أشهر، لرواد الأعمال الأدوات اللازمة لبدء عمل تجاري صغير ناجح، ويساعدهم على صقل فلسفتهم التعليمية، ويوجههم خلال عملية الحصول الترخيص، ويصلهم برؤوس المال التي يحتاجون إليها لبدء مشروعهم. إلى جانب تزويد المشاركين بمخطط عمل لمركز رعاية أطفال عالي الجودة ومستدام مالياً غير ربحي أو ربحي أو تعاوني أو يعمل وفق نموذج مشترك، يمنح البرنامج رواد الأعمال المستقلين المحتمَلين فرصةً للتواصل والدعم وحل المشكلات مع الآخرين. يعين البرنامج رواد الأعمال الطموحين في مجال رعاية الأطفال في المجتمعات الريفية المحرومة، الذين يسعون إلى فتح مراكز توفر فرص عمل، وتقدم رعاية عالية الجودة للأطفال، وتتيح للآباء الذهاب إلى عملهم. لم نكن نعلم عندما بدأنا تعيين أول مجموعة من رواد الأعمال أن الجائحة ستحل لتصعّد الحاجة الملحة لها.
بتحديد الأفراد الواعدين لهذه المجموعات الأولية، تواصلنا مع أصحاب المصلحة في المجتمعات الريفية وأجرينا تواصلاً خارجياً من خلال كليات المجتمع. انضم إلينا مرخصو الولاية كشركاء أقوياء، وعملوا من كثب مع برنامج "سي إي آي" لمعالجة حواجز اللغة والتعليم وتقديم المشورة في كل خطوة. لقد حرصنا على ألا نصد المتقدمين نتيجة نقص الخبرة، وبحثنا عن تدريب أو عمل أو مسؤوليات مماثلة قد تكون بحوزتهم لتساعدهم على فهم العمل الذي سيخوضون فيه، فالبرنامج قبل كل شيء مكثف، ويتطلب دراسة مكثفة. لكن عندما ينتهي المشاركون، يكونون مستعدين لتأسيس مراكزهم؛ فلديهم خطة عمل مستدامة مالياً، وسياسات مدونة حول الأسرة والموظفين، وقد استوفوا جميع متطلبات الترخيص اللازمة.
بدأنا فعلاً نشهد نتائج. بعد الانتهاء من البرنامج أطلقت خوانا رودريغيز فاسكيز برنامج "رايتوس دي سول" (Rayitos de Sol) في مدينة ميلبريدج الساحلية (يبلغ عدد سكانها 1,265 نسمة)، وهو برنامج جديد تابع للمؤسَّسة غير الربحية "مانو إين مانو" (Mano en Mano) حيث تعمل. هاجرت "جوانا" مع والديها من المكسيك إلى ميلبريدج عندما كانت طفلة صغيرة، إذ قدما إلى ولاية ماين بصفتهما مهاجرين يعملان في معالجة المأكولات البحرية، وصنع أكاليل الزهور، وحصاد التوت الأزرق. يعمل برنامج "رايتوس دي سول" باللغتين الإنجليزية والإسبانية ويستوعب جداول المواعيد المتغيرة للمزارعين. كما يقدم للموظفين أجراً معيشياً ويوفر التدريب والتأمين الصحي وخطة التقاعد 401(k) والإجازة. وُضعت فعلاً خطط لفتح مركز جديد موسع. على امتداد الساحل تتكشف قصة مماثلة في مدينة بيمبروك (عدد سكانها 860 نسمة)، حيث سجلت تابيثا بينيت في "مختبر سي إي آي لأعمال رعاية الأطفال" حتى تتمكن من توفير مركز رعاية أطفال عالي الجودة لتسجيل حفيدتها، لتتيح الفرصة أمام ابنتها والآباء الآخرين في المجتمعات المحيطة بالعمل بدوام كامل. وسّعت تابيثا نطاقه وقد وصل بالفعل إلى أقصى حد ممكن في ستة أشهر فقط.
والسنة الثانية من التدريب الجماعي سارية الآن، التي تشمل دورات مخصصة في مدينة لويستون للنساء اللواتي هاجرن إلى ماين من أنغولا وبوروندي والصومال. يضم حي "لويستون تري ستريتس"، وهو أحد أكثر مناطق الولاية تنوعاً، أكبر عدد من الأطفال في الولاية، ونسبة 15% فقط من الأطفال دون سن السادسة مسجلين في مراكز رعاية الأطفال المرخصة. خلال جلسات الاستماع الأخيرة في المجتمع، أكد "مختبر سي إي آي" الحاجة إلى وجود مراكز رعاية أطفال ملائمة ثقافياً وعالية الجودة وبأسعار معقولة وتلبي جداول أعمال الآباء على مدار الساعة.
إذا كنا سنبني اقتصاداً منصفاً، فعلينا أن نمنح الجميع فرصةً لكسب أجر يعينهم على العيش. إن خلق وظائف جيدة ضرورة، ومن الضرورات أيضاً الحرص على توفير مراكز رعاية أطفال عالية الجودة بتكلفة معقولة للوالدين حتى يتمكنا من العمل في تلك الوظائف. ووفقاً لاستقصاء أداره "سي إي آي"، فإن 46% من الآباء المسجلين في برامج رعاية الأطفال التي أطلقها برنامج "مختبر سي إي آي لأعمال رعاية الأطفال" أشاروا إلى أنهم استطاعوا بدء العمل لأنهم سجلوا أطفالهم في مركز رعاية أطفال مرخص وعالي الجودة. وذكر 38% آخرون منهم أنهم تمكنوا من الاحتفاظ بوظائفهم لأنهم سجلوا أطفالهم في مركز رعاية الأطفال.
بينما نتطلع إلى الاستثمار في التمويل الفيدرالي لمراكز رعاية الأطفال، لمَ لا نوجهه نحو تكرار تجربة برامج مختبرات أعمال رعاية الأطفال في جميع أنحاء الولايات المتحدة، خاصةً في المجتمعات التي ترتفع فيها معدلات الفقر والبطالة؟ يعد تمكين رواد الأعمال من تلبية طلب السوق استراتيجيةً قويةً لإنعاش المجتمعات. أضف الرعاية العالية الجودة لأطفالنا الصغار، مع مساعدة الآباء على كسب لقمة العيش، يصبح التأثير المضاعف متعدداً.
اقرأ أيضاً: 10 مبادرات مُبتكرة لتعليم الأطفال في الدول العربية
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.