عندما شُخّص البريطاني "ستيفن هوكينغ" (Stephen Hawking) بمرض الضمور العصبي أو ما يُسمى بـ "مرض العصبون الحركي" (Motor Neuron Disease) في عامه الـ 21، اعتقد الأطباء أنه سينجو فقط لبضع سنوات، لكن "هوكينغ" تحدّى الصعاب، وأصبح من أبرز علماء الفيزياء النظرية وعلم الكون على مستوى العالم، وتُوفي عن عمر 76 عاماً. قصة هوكينغ تؤكد الإمكانات العظيمة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وقدرتهم على المشاركة بفاعلية في المجتمع إذا ما تمت العناية بأصحاب الهمم وأتيحت لهم سبل الدعم وإعادة التأهيل وفرص التعليم، والتوظيف المناسبة لهم،
وعلى الرغم من أن الإعاقة تؤثر في واحد تقريباً من بين كل سبعة أشخاص في العالم، فإن العديد من ذوي الاحتياجات الخاصة لا يزالون مُستبعدين من المشاركة الكاملة في الفرص الاجتماعية والاقتصادية بسبب الافتقار إلى البيئة المادية المناسبة والخدمات الحكومية والأجهزة والتكنولوجيا المساعدة، فضلاً عن التحيز والوصمة التمييزية في المجتمع.
يعاني أكثر من مليار شخص، نحو 15% من سكان العالم، من إعاقات، من ضمنهم قرابة مليون طفل، ويعيش حوالي 80% منهم في البلدان النامية، وبحسب إحصاءات "البنك الدولي"، يواجه ما يتراوح بين 110 ملايين و190 مليون شخص، إعاقات كبيرة، ويزيد الفقر من مخاطر الإعاقة بسبب سوء التغذية، وعدم كفاية الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، وظروف العمل غير الآمنة، والبيئة الملوثة، وعدم الوصول إلى المياه الصالحة للشرب، وتزيد الإعاقة أيضاً من خطر الفقر عن طريق نقص فرص العمل والتعليم، وانخفاض الأجور، وارتفاع تكلفة المعيشة على ذوي الاحتياجات الخاصة.
يتزايد الوعي العالمي بالتنمية الشاملة والعناية بأصحاب الهمم بشكل كبير، إذ تُعزز اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة (Convention on the Rights of Persons with Disabilities. CRPD) الاندماج الكامل للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمعات، وتنص خطة التنمية المستدامة لعام 2030 بوضوح على أن الإعاقة لا يمكن أن تكون سبباً أو معياراً لعدم الوصول إلى برامج التنمية وتطبيق حقوق الإنسان.
تُعد البيانات المفتاح الرئيسي لتحديد التحديات والحلول التي يمكن أن تحسّن حياة ذوي الاحتياجات الخاصة، ولكن فيما يخص المنطقة العربية؛ التي تواجه فيها هذه الفئة تحديات أكبر، هناك نقص أو فجوة في هذه البيانات، إذ خلصت إحصائية "منظمة الصحة العالمية" لعام 2011، إلى وجود ما يزيد على 34 مليون شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة في المنطقة، فيما تشير تقديرات حديثة إلى وصول هذا العدد إلى 60 مليون شخص.
تزامناً مع "اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة"، الذي يصادف 3 ديسمبر/كانون الأول من كل عام، تستعرض منصة "ستانفورد للابتكار الاجتماعي" أبرز 3 مؤسسات عربية معنية بهذه الفئة.
1- الجمعية الخيرية لذوي الاحتياجات الخاصة بالجبيل "إرادة"
تأسست جمعية "إرادة" في مدينة الجبيل الصناعية بالسعودية عام 2008؛ بهدف العناية بأصحاب الهمم وتلبية احتياجات المجتمع في مجال رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة وتعليمهم وتأهيلهم، عبر تقديم برامج وخدمات تعليمية وتأهيلية واجتماعية وصحية شاملة لكل فئات الإعاقة عبر مراكز متخصصة.
انطلقت الجمعية بمبادرة من "سامي الصويغ" وزوجته "خلود الدبيكل" اللذين حوّلا معاناة ابنتهما أروى مع متلازمة داون إلى مبادرة اجتماعية تخدم ما يزيد على 330 طفل سنوياً، إذ كانت خلود الدبيكل تعمل في حقل التعليم وعندما رُزقت بابنتها أروى، قررت الاستقالة من عملها والتفرغ لرعاية ابنتها. وعدم وجود مركز متخصص بحالة أروى في المنطقة الشرقية، دفع الزوجان للبحث عن بدائل والتواصل مع "جمعية متلازمة داون" (Down Syndrome Association) في بريطانيا لجمع المعلومات عن كيفية التعامل مع مصابي متلازمة داون، ثم تعاون الزوجان مع إحدى المراكز التابعة لـ "جمعية النهضة النسائية" وأسهما بإنشاء مركز تدريب تابع للجمعية تشرف عليه معلمتان ويضم 3 أطفال من بينهم أروى، ثم توسعت الفكرة لتأسيس مركز مستقل في منطقة نجد الجنوبية عام 2002 يضم 16 طفلاً، واستمر التوسع في عام 2006 وأصبح يخدم المركز نحو 190 حالة من أطفال متلازمة داون أُحيل العديد منها للدمج في المؤسسات التربوية العامة.
تضم "إرادة" حالياً 3 مراكز تأهيلية للأشخاص المصابين بمتلازمة داون والتربية الخاصة والتأهيل لحالات التوحد، والإعاقات العقلية الأخرى، وبجهود 90 متخصصاً ترعى جمعية "إرادة" هذه الحالات وتوفر لهم الفرص اللازمة للتعليم والتأهيل، وخدم "مركز التأهيل – نساء" منذ نأسيسه عام 2009، 463 حالة تعاني من التوحد وتأخر النمو، والتأخر العقلي والشلل الدماغي وغيرها، فيما تمكّن "مركز التأهيل – رجال" منذ تأسيسه عام 2016 من رعاية 220 حالة تعاني من التوحد وتأخر النمو، واضطرابات النطق واللغة بالإضافة إلى حالات الإعاقات الحركية وصعوبات التعلم، وتعتزم الجمعية تدشين مجمّع إرادة للتربية الخاصة والتأهيل في الجبيل الصناعية عام 2022، على أرض مساحتها 31 ألف متر مربع، ليخدم 1,200 طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة.
تأتي أغلب إيرادات الجمعية من مبنى الوقف الخيري التابع لها، الذي اكتمل في منتصف 2011 بدعم "الهيئة الملكية بالجبيل وينبع" لتعزيز مسيرة "إرادة" في خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال عدة برامج، أهمها:
- برنامج التأهيل المهني: يهدف البرنامج إلى تدريب وتأهيل الإناث المصابات بمتلازمة داون من الفئة العمرية بين 12 و40 عاماً، وتقديم الرعاية الطبية والعلاج الطبيعي لهنّ، والقيام بالأنشطة اللازمة للحياة اليومية ضمن حدود قدراتهنّ واحتياجاتهنّ بما يحقق التوافق الاجتماعي مع الأسرة والمجتمع.
- برنامج الدمج الجزئي والكلي: يعمل هذا البرنامج على دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة مع أقرانهم النموذجيين في المدارس العامة أو رياض الأطفال عبر إلحاقهم بفصول التعليم العام لجزء من اليوم أو كامله.
- برنامج الإرشاد الأسري: يعمل على تأهيل الأسر وفئات المجتمع كافة وتدريبهم على التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال الجلسات التدريبية والتأهيلية والإرشادية، وبلغ عدد مستفيدي هذا البرنامج 713 شخصاً.
تدخل أعمال الجمعية في إطار جهود السعودية لتحسين فرص الحياة والتعليم والعمل للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنها، استراتيجية وزارة التعليم 2016-2020 التي أكدت أهمية ضمان التعليم الجيد المُنصف للجميع وفق البيئات الأقل تقييداً، وتعزيز فرص التعليم للجميع مدى الحياة، من خلال تقديم فرص تعليمية متساوية في الجودة والشمولية إلى جميع عناصر المجتمع من الجنسين، سواء كانوا طلبة عاديين أو موهوبين، أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو كبار السن، أو ممن يحتاجون إلى محو أميّة، وكذلك يعد برنامج "توافق"، إحدى مبادرات صندوق تنمية الموارد البشرية "هدف"، من الخطوات المهمة للمملكة لتوظيف الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة من المواطنين، وتوفير بيئة العمل المناسبة لهم، وتشجيع منشآت القطاع الخاص على تشغيلهم عبر منح تلك المنشآت ميزات نسبية في احتساب ذوي الاحتياجات الخاصة العاملين في برنامج "نطاقات" الذي يعمل على توطين الوظائف في القطاع الخاص.
2- مركز الشفلح للأشخاص ذوي الإعاقة
تأسس مركز "الشفلح" للأشخاص ذوي الإعاقة عام 1999، في إطار جهود دولة قطر من أجل العناية بأصحاب الهمم ولتمكين ذوي الاحتياجات الخاصة وتوعيتهم بحقوقهم، وتأهيلهم وتدريبهم ورفع مستوى مهاراتهم وكفاءتهم، وتأكيد أهمية توفير فرص عمل لهم، عبر تزويدهم بالمعرفة، والمهارات، والسلوك، والقيم.
بدأ المركز اعتباراً من عام 2013 العمل تحت مظلة "المؤسسة القطرية للعمل الاجتماعي"، وجاءت تسميته نسبةً إلى نبتة الشفلح البرية التي تنشأ في الصحراء الجافة، وتُعد هذه النبتة رمزاً للحياة وسط جفاف الصحراء، وكذلك المركز الذي يزرع الأمل لمنتسبيه، إذ يقدّم خدمات تعليم وتأهيل نموذجية للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية والتوحد الذين لا تتجاوز أعمارهم 21 عاماً، ويعمل على رفع مستوى التوعية المجتمعية بقضاياهم وحقوقهم في سبيل حصولهم على حياة أكثر استقلالية، وتعظيم إدماجهم في المجتمع.
بهدف دعم ذوي الاحتياجات الخاصة، أسست الشيخة موزا بنت ناصر، والدة أمير قطر الحالي، "مركز الشفلح" لتقديم الرعاية الطبية المتطورة، والعلاجات الجسدية والنفسية، والاستشارة العائلية والبرامج التثقيفية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. ويسعى المركز إلى تعزيز القبول والتفهم المجتمعي لهذه الفئة وتسهيل اندماجهم فيه.
قدّم المركز لمنتسبيه، والذين وصلوا حالياً إلى 650 منتسباً، خدمات وبرامج تسير وفق معايير عالمية، وحرص على مواكبة التكنولوجيا لتعزيز قدرات ذوي الاحتياجات الخاصة وإدماجهم بالمجتمع، تماشياً مع رؤية قطر 2030، التي تشمل تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة ودمجهم، من خلال "أهداف التنمية المستدامة" التي اعتمدتها "الأمم المتحدة" في سبتمبر/أيلول عام 2015.
يُعد برنامج بست باديز، أحد البرامج الرئيسية لمركز "الشفلح" للمساهمة في توفير بيئة ملائمة لدمج ذوي الإعاقة الذهنية البسيطة والمتوسطة وذوي الإعاقة النمائية، إذ يعمل البرنامج على تنمية مهارا وقدرات المنتسبين وقدراتهم من فئات عمرية مختلفة، وذلك من خلال تنفيذ أنشطة التواصل المجتمعي، والرياضة، والفن، وتنظيم الورش الفنية، ووصل عدد مستفيدي البرنامج إلى 1,010 أشخاص في مراحل التعليم المختلفة.
نجح برنامج "بست باديز" أيضاً في تشكيل قاعدة من المتطوعين تضم ما يزيد على 40 متطوعاً أسهموا في نشر الوعي بحقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في صفوف مراكز "المؤسسة القطرية للعمل الاجتماعي"، وطلاب المدارس الابتدائية، وتنظيم فعاليات متنوعة ضمت ما يقرب من 130 طفلاً، بالتعاون مع جهات خارجية مثل شركة أوريدو للاتصالات والبنك التجاري للتوعية بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة.
إنّ العمل مع المتغيرات الطارئة أمر ضروري ويستدعي التعايش مع الظروف التي تتطلب العمل عن بُعد وفق إجراءات تنظيمية، وإيماناً بدور التكنولوجيا في ظل الظروف الاستثنائية التي فرضتها جائحة كورونا، وفّر مركز "الشفلح" البرامج الإلكترونية والموارد الضرورية لاستكمال أنشطته على أكمل وجه، وتمكّن من تخريج 53 من منتسبيه عام 2020.
في الفترة من 4 يوليو/تموز إلى 4 أغسطس/آب 2021، أطلق المركز النسخة الخامسة من برنامجه الصيفي عبر منصته الإلكترونية، تحت شعار "خليك في البيت.. وصيفك على المنصة"، للمساهمة في نقل منتسبي المركز من الأجواء الروتينية والاعتيادية إلى تنفيذ أنشطة مختلفة في إطار ترفيهي يتناسب مع قدراتهم واحتياجاتهم، وشَغْل أوقات فراغهم باكتساب مهارات وخبرات جديدة.
حصد مركز "الشفلح" ثلاث جوائز متقدمة في المسابقة الدولية في الفن التشكيلي التي نظمتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"؛ بهدف زيادة الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة، إذ تساعد مشاركة منتسبي المركز بالمسابقات الدولية والمحلية في دمجهم وإطلاق العنان لإمكاناتهم وإبداعاتهم.
3- مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم (ZHO)
أطلقت الإمارات مُسمى "أصحاب الهمم" على الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ويُعد التعريف الأروع حتى الآن كما وصفه "ريتشارد بيرنستاين" (Richard Bernstein)، قاضي المحكمة العليا في ولاية ميتشغان الأميركية، الذي وُلد كفيفاً نتيجة التهاب الشبكية الصباغي.
وتضْمن دولة الإمارات حقوق أصحاب الهمم وعدم التمييز بينهم وبين الأصحاء في جميع التشريعات، وبرامج وسياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفي هذا الإطار انطلقت "مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم" (ZHO) في 19 أبريل/نيسان عام 2004 لتكون مظلة تضم مراكز ومؤسسات دُوْر الرعاية الإنسانية والخدمات الاجتماعية لذوي الاحتياجات الخاصة، وكل ما ينشأ مستقبلاً من جهات في إمارة أبوظبي.
توفر المؤسسة الخدمات المتكاملة لإعادة تأهيل أصحاب الهمم في المجتمع، ومنها التعليم، والتدريب المهني، والتأهيل العلاجي الذي يشمل التقييم، والتدخل المبكر، والعلاج الطبيعي، والعلاج الوظيفي، وعلاج النطق، إضافة إلى الرعاية النفسية والإرشاد الأسري ودعم الأنشطة التعليمية والرياضية.
تُنظم المؤسسة عدة برامج لتقديم خدمات متطورة لأصحاب الهمم، واستثمار الموارد والطاقات في بيئة إيجابية تؤهلهم تعليمياً ووظيفياً وثقافياً واجتماعياً لزيادة تفعيل دورهم في المجتمع، ومنها برنامج "فنون الطهي" الذي أطلقته بالتعاون مع شركة "أبوظبي الوطنية للفنادق كومباس"؛ بهدف تدريب مجموعة من صاحبات الهمم من ذوي الإعاقة الذهنية للحصول على شهادة فن الطهي، بعد تدريبهن في شركات وفنادق معتمدة وتجهيزهن لسوق العمل، تحقيقاً لسياسة تمكين أصحاب الهمم من تأسيس وإدارة مشاريعهم الاقتصادية الخاصة ودمجهم في سوق العمل.
في الإطار ذاته، تعاونت المؤسسة مع "جمعية القهوة المتخصصة" (SCA) لإنشاء أول برنامج تدريبي مرخّص لأصحاب الهمم في مجال صناعة القهوة بإمارة أبوظبي، يعمل على تدريب أصحاب الهمم وتأهيلهم للحصول على شهادة "باريستا" (Barista) المعتمدة من الجمعية.
وصلت نسبة أصحاب الهمم المواطنين الحاصلين على وظائف ثابتة إلى 37.7% عام 2019، بواقع 2310 أشخاص في سن العمل وظروف إعاقة مواتية، وبحسب إحصاءات "وزارة تنمية المجتمع" بلغ عدد أصحاب الهمم في الدولة 25.5 ألف شخص، منهم 14.2 ألف مواطن ومواطنة، ولضمان الحقوق والخدمات لهذه الفئة، أطلقت الوزارة "بطاقة أصحاب الهمم" التي تعد مستنداً رسمياً دالاً على أن حاملها من ذوي الاحتياجات الخاصة لتسهيل حصولهم على الخدمات والامتيازات في الدولة.
أخيراً، الإعاقة الحقيقية للإنسان هي عدم تقدمه، وعجزه عن تحقيق الإنجازات، لذا يجب أن يستفيد الشخص من الموقف الذي يجد نفسه فيه؛ فإذا كان الشخص معاقاً جسدياً، فلا يمكنه تحمل إعاقة نفسية أيضاً، والجهود التي تقوم بها هذه المؤسسات في العناية بأصحاب الهمم تساعد في تعزيز الأمل وتمهيد السبل أمام ذوي الاحتياجات الخاصة لتحقيق طموحهم وتطوير مهاراتهم وتشجيعهم على المساهمة في تنمية المجتمع.