من الرياض: توسيع آفاق التعاون الدولي من أجل عالم مستدام

3 دقيقة
التعاون الدولي
shutterstock.com/DOERS

يقف العالم عند مفترق طرق حاسم مع اقتراب الموعد المقرر لتحقيق أهداف التنمية المستدامة عام 2030، وفي ظل الصراعات السياسية والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المعقدة تتجه الأنظار نحو اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي الذي تستضيفه الرياض لأول مرة يومي 28 و29 أبريل/نيسان الجاري لمعالجة التحديات الأكثر إلحاحاً.

يجتمع أكثر من 1,000 من قادة العالم والخبراء والمفكرين من 92 دولة بهدف دعم الحوار العالمي، وإيجاد حلول للأزمات العاجلة مع وضع الأساس لخلق مجتمع أكثر استدامة ومرونة، ويأتي هذا الاجتماع في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، وحالة عدم اليقين الاقتصادي، وتفاقم أزمة التغير المناخي التي تهدد الحياة على الكوكب، وتزايد الصراعات والنزاعات السياسية خصوصاً التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وبحسب تقرير المخاطر العالمية 2024، تُعد هذه المسائل بعضاً من أشد المخاطر التي قد يواجهها العالم خلال العقد المقبل.

ويكشف أحدث تقرير لصندوق النقد الدولي حول آفاق الاقتصاد العالمي عن تباطؤ طفيف في نمو الأسواق الناشئة والاقتصادات المتنامية، في حين يجد البنك الدولي في تقريره عن "الانعكاس الكبير: الآفاق والمخاطر والسياسات في بلدان المؤسسة الدولية للتنمية"، أن فجوة الدخل بين البلدان الغنية والفقيرة تزداد اتساعاً في القرن الحالي.

وعليه، يخلق الاجتماع الخاص حول "التعاون والنمو والطاقة من أجل التنمية" فرصة للقادة للعثور على النقاط المضيئة والتركيز على تنامي القوى الوسطى في صياغة التعاون العالمي، وحشد الدعم اللازم للتوصل إلى ميثاق جديد للنمو العالمي، وتحقيق العدالة والمساواة بين دول الشمال والجنوب، وتعزيز الأساليب المبتكرة في التعامل مع الأزمات المستقبلية.

وتسليط الضوء على الاجتماع في هذا المقال، يأتي من أهمية الموضوعات التي يناقشها ويركز عليها:

تنشيط التعاون العالمي

تنعكس التوترات الجيوسياسية المستمرة في الشرق الأوسط، وأبرزها الصراع في غزة، ليس على المنطقة فحسب، بل على العالم أجمع، كما يحتاج بناء اقتصاد عالمي شامل ومرن إلى فتح المزيد من آفاق التواصل والتعاون بين الشمال والجنوب وعلى مستوى القطاعات المختلفة، فالاقتصادات الناشئة والمجتمعات الضعيفة قد لا تحتاج إلا دعم بسيط يساعدها على تجاوز نقطة التحول في القدرة على الصمود.

ولن يعزز اجتماع الرياض التعاون الدولي من خلال التركيز على مجالات الاهتمام المشترك فقط، بل سيبحث سبل زيادة أثر المبادرات الإنسانية والجهود الخيرية وتحديد الشراكات والإجراءات التي قد تساعد في الحد من تبعات عدم الاستقرار الجيوسياسي.

ميثاق للنمو الشامل

تهدد الوتيرة المتسارعة للابتكار التكنولوجي والسياسات الاقتصادية الحالية بزيادة التفاوت على مستوى العالم وعكس مسار التقدم المحرز في الحد من الفقر، وعليه لا يمكن معالجة تحديات التنمية دون تحقيق النمو الشامل الذي يخلق فرصاً للجميع للمشاركة في بناء مجتمع عادل ومنصف والاستفادة من المكاسب الاجتماعية والبيئية للنمو الاقتصادي.

ولن يتحقق ذلك إلا باعتماد سياسات وممارسات قائمة على دعم المجتمعات المهمشة ومحدودي الدخل والشركات الصغيرة، وتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، لذا من المأمول أن يقود اجتماع الرياض إلى توجيه الاستثمارات نحو النمو الاقتصادي وضمان استدامته على المدى الطويل بما يلبي الاحتياجات المستقبلية للمجتمعات وأسواق العمل.

الطاقة من أجل التنمية

بحسب تقرير الأمم المتحدة عن فجوة الانبعاثات لعام 2023، سيواجه العالم ارتفاعاً في درجة الحرارة يتراوح بين 2.5 إلى 2.9 درجة مئوية هذا القرن إذا لم تُتخذ الإجراءات المناخية المناسبة، ومن ضمنها التخلي عن الوقود الأحفوري وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، لكن الدول النامية التي تعد الأكثر عُرضة لتبعات التغير المناخي، تواجه عقبات في الانتقال إلى الطاقة النظيفة، منها نقص التمويل اللازم لإنجاز مشاريع الطاقة المتجددة، ويؤكد تقرير تعزيز الانتقال الفعّال للطاقة 2023 تباطؤ عملية انتقال الطاقة في منطقة الشرق الأوسط، بسبب أزمة الطاقة والتقلبات الجيوسياسية، ما يشكّل فجوة بين الدول المتقدمة والنامية في إمكانية الوصول إلى مصادر الطاقة.

وتُعد مضاعفة كفاءة استخدام الطاقة، وتحقيق التوازن بين الموارد العالمية، وزيادة فرص الاستثمار ودعم الابتكار، من الخطوات الضرورية للوصول إلى مستقبل آمن ومستدام وتحقيق هدف التنمية المستدامة المتمثل في توفير الطاقة النظيفة بأسعار عادلة ومعقولة للجميع، لذا سيسعى اجتماع الرياض إلى إيجاد الحلول التكنولوجية والمالية والسياسية لتوسيع نطاق الطاقة النظيفة وضمان نموها العادل.

لماذا السعودية؟

إن انتقال اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي من دافوس في سويسرا إلى الرياض له دلالة مهمة على جهود المملكة العربية السعودية في تحقيق التنمية المستدامة والتطور الذي تشهده على مختلف الأصعدة التنموية، فمنذ أيام قليلة، كشف التقرير السنوي لرؤية المملكة 2030 عن أن 87% من مبادرات الرؤية مكتملة أو تخطو في مسار صحيح، وأن 81% من مؤشرات الأداء الرئيسية للبرامج حققت مستهدفاتها السنوية.

وعلى مدى 8 أعوام، نجحت المملكة في تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 20%، وجاء هذا النمو مدفوعاً بقطاعات جديدة مثل السياحة والترفيه والرياضة، حتى أصبح الاقتصاد غير النفطي يمثل 50% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023. وتعكس هذه الإنجازات مسار النمو المبني على الابتكار والمعرفة والاستدامة، الذي يجعل المملكة مكاناً مناسباً لبحث فرص التحول الاقتصادي ورسم مسارات تنمية فعّالة في الدول الأخرى.

يحتاج العالم إلى العمل معاً أكثر من أي وقت مضى، ويشكّل الاجتماع الخاص للمنتدى في الرياض فرصة فريدة لتبنّي نهج جديد للتعاون قائم على إعادة رسم السياسات الاقتصادية وتقييم الروابط بين الدول وجعلها أكثر صلابة أمام التحديات التنموية.

المحتوى محمي