حلول فعّالة للقضاء على الفقر: تجربة الإمارات مثالاً

أهداف التنمية المستدامة
shutterstock.com/ perfectlab
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تستقطب مشكلة الفقر الاهتمام العالمي لما لها من أبعاد اقتصادية واجتماعية وبيئية وإنسانية، وتتضافر الجهود الدولية لمواجهة هذه المشكلة من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وسعت الأمم المتحدة للقضاء على هذه المشكلة وأطلقت عام 2015، خطة التنمية المستدامة لعام 2030 لمواصلة التقدم في التنمية المستدامة من خلال تحقيق 17 هدفاً، يأتي في مقدمتها القضاء على الفقر. ومع  تفشي جائحة كوفيد-19 وما تبعها من إغلاقات وإجراءات وقائية في عدد من الدول، زادت التوقعات بتفاقم مشكلة  الفقر، خصوصاً في المنطقة العربية؛ إذ رجح البنك الدولي في تقرير إحياء التكامل الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عصر ما بعد جائحة كورونا الصادر عام 2020، ارتفاع عدد الفقراء في المنطقة من 178 مليون نسمة إلى 200 مليون نسمة، من أصل نحو 450 مليوناً يسكنون المنطقة.

وألقت الجائحة بظلالها على اقتصاد المنطقة، إذ توقع  تقرير أعدته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، الإسكوا، عام 2020 بعنوان: فيروس كورونا: التخفيف من أثر الوباء على الفقر وانعدام الأمن الغذائي في المنطقة العربية، أن يؤدي تراجع النمو الاقتصادي جرّاء الجائحة إلى فقدان مزيد من فرص العمل وتقليص الدخل، فضلاً عن دخول نحو 8.3 مليون من السكان في خط الفقر، ما يرفع عدد الفقراء في المنطقة العربية إلى 101.4 مليون نسمة.

ويعود سبب الفقر في المنطقة العربية إلى عدم تكافؤ الفرص الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية، وبحسب التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2020 الصادر عن صندوق النقد العربي، فإن ثلثي السكان الفقراء ونحو 83.4% ممن يواجهون الفقر المدقع يقطنون المناطق الريفية.

وعلى الرغم من هذا الواقع، برزت دولة الإمارات كنموذج  يُحتذى به في التزامها بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وفي مقدمتها القضاء على الفقر، إذ أكد البنك الدولي في تقرير بعنوان: الفقر والرخاء المشترك 2020: تبدل الأحوال أنه لا يوجد شخص يعيش تحت خط الفقر في الإمارات، وتمكنت الدولة من القضاء على الفقر بنسبة 100%، وتساوت بذلك مع دول مثل سويسرا، وفنلندا، والسويد، والنرويج.

وجاء تحقيق هدف القضاء على الفقر بسبب القدرة على الوصول إلى الموارد الطبيعية، وأوضح تقرير أجرته مؤسسة أوليفر وايمان (Oliver Wyman) للاستشارات بالشراكة مع اللجنة الوطنية لأهداف التنمية المستدامة في الإمارات عام 2019 بعنوان: مساهمة القطاع الخاص في أهداف التنمية المستدامة في الإمارات (Achieving The Sustainable Development Goals in The UAE: Private Sector Contribution) أنه لا يوجد في الدولة من يعيش تحت خط الفقر المُحدد من قِبل البنك الدولي بنحو 4.6 دراهم يومياً، ما يعادل 1.25 دولار، فكيف استطاعت الإمارات القضاء على مشكلة الفقر؟

جهود الإمارات في التغلب على الفقر

تمكنت الإمارات من تنفيذ أهداف التنمية المستدامة بفاعلية، والقضاء على الفقر من خلال ما يلي:

1- خطط الدعم الحكومي

تهتم حكومة الإمارات بتنفيذ خطط الدعم للمواطنين من ذوي الدخل المحدود، علماً أن نصيب الفرد في الإمارات من الدخل القومي بلغ 39,410 دولار، ما يعادل 143,2 ألف درهم، عام 2022، ويساهم قطاع الإسكان في خطط دعم المواطنين عبر منحهم أراضٍ مجانية، وقروضاً ميسرة، كما قطعت الإمارات شوطاً كبيراً في الحد من اللامساواة الاجتماعية عبر دعم مراكز إعادة التأهيل، وأصحاب الهمم والمسنين، والأيتام، والطلاب المتزوجين، والأرامل والمطلقات بمساعدات شهرية.

ومن أهم المؤسسات التي تقدم الدعم بأنواعه المختلفة والتي تساهم في القضاء على الفقر، هيئة تنمية المجتمع في دبي التي تقدم عدة منافع اجتماعية لمواطني الإمارة، مثل المنفعة المقطوعة التي تُمنح مرة واحدة بحد أقصى قدره 50 ألف درهم لتوفير مرافق الرعاية الطبية والتعليم، والمنفعة الطارئة المُقدرة بـ 25 ألف درهم لمواجهة الظروف التي تهدد معيشة الفرد واستقراره، وصندوق الزكاة الذي يستهدف زيادة الوعي بأهمية الزكاة في القضاء على الفقر وتوزيعها بطريقة عادلة تضمن إيصالها إلى المستحقين لتأمين حياة كريمة لهم، وبرنامج الشيخ زايد للإسكان الذي أُطلق عام 1999، وتقوم فكرته على تخصيص 640 مليون درهم أو أكثر سنوياً، لتوفير السكن المناسب لمن يقل دخلهم الشهري عن 10 آلاف درهم، كما يقدم قروض سكنية بقيمة 500 ألف درهم تُسدد خلال 25 سنة بدون فوائد.

 2- جودة خدمات التعليم والتوظيف العادل

تُدرك الإمارات أهمية التعليم كأداة رئيسية للقضاء على الفقر وتحقيق التطور الاقتصادي والاجتماعي، فتوفر الدولة خدمات تعليمية عالية الجودة، وتتيح فرص عمل عادلة ضمن اقتصاد الدولة الذي يولي اهتماماً كبيراً لقطاع المعرفة.

وخصصت الدولة لقطاع التعليم العام والعالي والجامعي 9.6 مليار درهم، ما يعادل 15.7% من الموازنة الاتحادية لعام 2021 البالغة 58.1 مليار درهم، ووضعت وزارة التربية والتعليم استراتيجية 2017-2021 التي تستهدف بناء نظام تعليمي مبتكر يلبي احتياجات سوق العمل المستقبلية.

أما في قطاع التوظيف؛ تعمل دولة الإمارات على توفير فرص عمل متنامية وسوق توظيف مناسبة للجميع، وتسعى لتحقيق رؤيتها في مسألة التوطين، إذ حددت 2013 عاماً للتوطين، وأطلقت خلاله مجموعة من المبادرات.

من جهتها، قررت وزارة الموارد البشرية والتوطين، زيادة عدد الوظائف المُخصصة لمواطني الدولة في القطاع الخاص، مثل وظائف مدخلي البيانات منذ عام 2017، وإلزام شركات الإنشاءات التي تضم 500 عامل أو أكثر بتعيين مواطن إماراتي على الأقل بوظيفة ضابط صحة وسلامة مهنية، ووضعت الوزارة برامج تدريبية للمواطنين الإماراتيين الباحثين عن وظائف، مثل برنامج الإمارات الوطني لتطوير الكوادر الوطنية الذي يقدم نصائح ومعلومات حول الاستعداد لمقابلات العمل. وقدمت  الوزارة خلال عام 2018 نحو 20.25 ألف فرصة عمل، واستفاد من مبادرات تسريع التوطين 11.7 ألف مواطن ومواطنة.

وتستهدف الدولة مضاعفة عدد المواطنين العاملين في القطاع الخاص من خلال إلزام القطاع المصرفي بنسبة توطين 4% سنوياً، وقطاع التأمين بنسبة توطين 5% سنوياً، إضافة إلى إلزام المؤسسات التي تضم أكثر من 100 موظف تعيين مواطنين إماراتيين في منصب مسؤول علاقات عامة.

تخطط الإمارات أيضاً لاستقطاب القدرات والطاقات البشرية المواطنة وتأهيلها، وتمكين مشاركتها في سوق العمل من خلال الاستراتيجية الوطنية للتشغيل 2031؛ التي تتوقع زيادة عدد القوى العاملة الوطنية إلى 610 آلاف مواطن.

3- تمويل المشاريع

ركزت حكومة الإمارات اهتمامها على دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة للحد من ظاهرة الفقر، وذلك من خلال تقديم مزايا تمويلية تقلل تكلفة إطلاق الأعمال الناشئة، ويُعد صندوق خليفة لتطوير المشاريع من المؤسسات التي تساعد على تطوير الاستثمارات المحلية وريادة الأعمال، ودعم الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة في أبوظبي، أطلقه رئيس الدولة، وحاكم أبوظبي الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، عام 2007.

مساهمات الدولة للقضاء على الفقر عالمياً

لم يقتصر سعي الإمارات للقضاء على الفقر على حدود الدولة فقط، وإنما حرصت على أن تكون في قلب الحراك الإنساني العالمي، وكرست جهودها للمساهمة في صنع عالم أفضل وتمكين المجتمعات من التصدي للفقر من أجل تحقيق التنمية المستدامة، إذ قدمت مساعدات إنمائية بقيمة 1.5 مليار دولار تمثل 0.4% من الدخل القومي الإجمالي في عام 2021، بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ما يؤكد أن العمل الإنساني والتنموي هو الأساس الذي تقوم عليه سياسة الدولة.

وتقدم الإمارات المساعدات الخيرية عبر العالم من خلال عدة مؤسسات معنية بالعمل الإنساني، أبرزها، هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، وصندوق أبوظبي للتنمية، ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية، ومؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية.

إذاً، حصدت الإمارات ثمرة جهودها في القضاء على الفقر، وتعمل على تصدير تجربتها إلى باقي الدول التي تعاني من الكوارث والصراعات، ومساعدتها على مواجهة الفقر من خلال تأمين الغذاء والمياه الصالحة للشرب، وتوفير فرص التعليم.